الموسوعة العقدية

المبحثُ الخامسَ عَشَرَ: من قَواعِدِ الرَّدِّ على المُخالِفينَ: مخاطبةُ أهلِ الاصطِلاحِ باصطِلاحِهم الخاصِّ

قال ابنُ تَيميَّةَ: (أمَّا مخاطبةُ أهلِ الاصطِلاحِ باصطِلاحِهم ولُغتِهم، فليس بمكروهٍ إذا احتيجَ إلى ذلك، وكانت المعاني صحيحةً؛ كمُخاطبةِ العَجَمِ مِنَ الرُّومِ والفُرسِ والتُّركِ بلُغَتِهم وعُرْفِهم؛ فإنَّ هذا جائزٌ حَسَنٌ للحاجة، وإنَّما كَرِهه الأئمَّةُ إذا لم يُحتَجْ إليه... فالسَّلَفُ والأئمَّةُ لم يذمُّوا الكلامَ لمجَرَّدِ ما فيه من الاصطِلاحاتِ المولَّدةِ، كلَفظِ الجَوهَرِ، والعَرَضِ، والِجسمِ، وغيرِ ذلك، بل لأنَّ المعانيَ التي يعبِّرون عنها بهذه العباراتِ فيها من باطِلِ المذمومِ في الأدِلَّةِ والأحكامِ ما يجِبُ النَّهيُ عنه؛ لاشتِمالِ هذه الألفاظِ على معانٍ مجمَلةٍ في النَّفيِ والإثباتِ، كما قال الإمامُ أحمَدُ في وَصْفِه لأهل البِدَعِ، فقال: هم مختَلِفونَ في الكِتابِ، مخالِفونَ للكِتابِ، متَّفِقونَ على مفارَقةِ الكِتابِ... يتكلَّمون بالمتشابِهِ من الكلامِ، ويخْدعُونَ جُهَّال النَّاسِ بما يُلَبِّسون عليهم". فإذا عُرِفَت المعاني التي يَقصِدونها بأمثالِ هذه العباراتِ، ووُزِنَت بالكِتابِ والسُّنَّة بحيث يثبُتُ الحَقُّ الذي أثبته الكِتابُ والسُّنَّةُ، ويُنفى الباطِلُ الذي نفاه الكِتابُ والسُّنَّةُ؛ كان ذلك هو الحقَّ، بخِلافِ ما سلَكَه أهلُ الأهواءِ مِن التَّكَلُّمِ بهذه الألفاظِ نفيًا وإثباتًا في الوَسائِلِ والمَسائِلِ، مِن غَيرِ بَيانِ التَّفصيلِ والتَّقسيمِ، الذي هو من الصِّراطِ المُستَقيمِ، وهذا من مَثاراتِ الشُّبَهِ.
فإنَّه لا يُوجَدُ في كَلامِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولا أحَدٍ مِنَ الصَّحابةِ والتَّابِعينَ، ولا أحَدٍ مِنَ الأئِمَّةِ المتبوعينَ: أنَّه علَّق بمُسَمَّى لَفظِ الجَوهَرِ والجِسْمِ والتحَيُّزِ والعَرَضِ ونحوِ ذلك شَيئًا من أُصولِ الدِّينِ، لا الدَّلائِلَ ولا المَسائِلَ) [229] يُنظر: ((درء تعارض العقل والنقل)) (1/43). .
فمُخاطَبةُ أهلِ الاصطِلاح بلُغتِهم واصطِلاحِهم تفيدُ مِن وُجوهٍ:
الأوَّلُ: أنَّهم يفهَمون الحُجَّةَ.
الثَّاني: أن ذلك أبلغُ في الرَّدِّ عليهم، وكَسْرِهم.
الثَّالِثُ: بيانُ تمكُّنِ أهلِ الحَقِّ مِن معاني مَسائِلِهم، وعَرْضِها بأيِّ أسلوبٍ يقتضيه الموقِفُ.

انظر أيضا: