الموسوعة العقدية

المبحثُ الرابعُ: من قَواعِدِ الرَّدِّ على المُخالِفينَ: قَبولُ الحَقِّ مِن أيِّ جِهةٍ جاء

الحقُّ يُقبَلُ لكَونِه مُوافِقًا للدَّليلِ في نَفْسِه، وإن جاء من غيرِ أهلِه، وأهلُ السُّنَّةِ يَقبَلونَ ما عندَ جَميعِ الطَّوائِفِ مِن الحقِّ، ويردُّون ما عندَها مِنَ الباطِلِ.
ولَمَّا دَلَّ الشَّيطانُ أبا هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه إلى آيةِ الكُرسيِّ؛ لتكونَ له حِرْزًا من الشَّيطانِ، وذلك مقابِلَ فكِّه مِنَ الأسرِ، قال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((صدَقَك، وهو كذوبٌ )) [210] أخرجه مطولاً البخاري معلقاً بصيغة الجزم (2311)، وأخرجه موصولاً البيهقي في ((شعب الإيمان)) (2388) واللفظ لهما، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (10795) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. صحح حديث أبي هريرة بتمامه ابن الملقن في ((البدر المنير)) (6/735)، وابن باز في ((مجموع الفتاوى)) (11/50)، والألباني في ((صحيح الترغيب)) (610). .
وعن معاذٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: (أُحذِّرُكم زَيغةَ الحَكيمِ؛ فإنَّ الشَّيطانَ قد يَقولُ كَلِمةَ الضَّلالةِ على لِسانِ الحَكيمِ، وقد يقولُ المنافِقُ كَلِمةَ الحَقِّ. فقيل له: ما يُدريني -رحمك اللهُ- أنَّ الحَكيمَ قد يقولُ كَلِمةَ الضَّلالةِ، وأنَّ المنافِقَ قد يقولُ كَلِمةَ الحَقِّ؟ قال: بلى، اجتنِبْ من كلامِ الحَكيمِ المشتَهراتِ التي يُقالُ لها: ما هذه؟! ولا يَثْنِك ذلك عنه؛ فإنَّه لعَلَّه أن يراجِعَ، وتلقَّ الحقَّ إذا سَمِعْتَه؛ فإنَّ على الحَقِّ نُورًا) [211] أخرجه من طرق أبو داود (4611) واللفظ له، والطبراني (20/115) (228)، والحاكم (8440) بنحوه. صححه الحاكم على شرط مسلم، وصحح إسناده الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4611)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (4611) .
قال ابنُ تَيميَّةَ -مبيِّنًا مَنْهَجَه في التَّعامُلِ مع المخالِفينَ له مِن أهلِ الكلامِ وغَيرِهم-: (ليس كلُّ من ذكَرْنا شيئًا من قَولِه مِن المتكلِّمينَ وغَيرِهم يقولُ بجَميعِ ما نقولُه في هذا البابِ وغَيرِه، ولكِنَّ الحقَّ يُقبَلُ من كُلِّ من تكلَّم به) [212] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (5/101). .
وقال ابنُ القَيِّمِ: (فمن هداه اللهُ سُبحانَه إلى الأخذِ بالحقِّ حيثُ كان، ومع مَن كان، ولو كان مع من يُبغِضُه ويُعاديه، وردِّ الباطِلِ مع من كان، ولو كان مع مَن يحِبُّه ويُواليه؛ فهو ممَّن هُدِيَ لِما اختُلِفَ فيه من الحَقِّ) [213] يُنظر: ((الصواعق المرسلة)) (2/516). .

انظر أيضا: