الموسوعة العقدية

المبحثُ الحادي عَشَرَ: من قَواعِدِ الرَّدِّ على المُخالِفينَ: النظرُ في لازمِ القَولِ

اللَّازمُ مِن قَولِ الله تعالى، وقَولِ رَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، إذا صَحَّ أن يكونَ لازمًا، فهو حقٌّ يَثبُت ويُحكَمُ به؛ لأنَّ كلامَ اللهِ ورَسولِه حَقٌّ، ولازِمُ الحقِّ حقٌّ، ولأنَّ اللهَ تعالى عالمٌ بما يكونُ لازمًا من كلامِه وكلامِ رَسولِه، فيكونُ مرادًا.
وأمَّا اللَّازِمُ مِن قَولِ الناسِ فله ثلاثُ حالاتٍ [223] يُنظر: ((القواعد النورانية)) (ص: 128)، ((مجموع الفتاوى)) (20/217) (35/288) كلاهما لابن تَيميَّةَ، ((طريق الهجرتين)) لابن القيم (ص: 237)، ((القواعد المثلى)) لابن عثيمين (ص: 12). :
الأُولى: أن يُذكَرَ له لازمُ قَولِه فيلتَزِمُه، مثلُ أن يقولَ لِمن يُثبِت وزنَ الأعمالِ في الآخرةِ: يَلزَمُك القَولُ بجوازِ وزنِ الأعراضِ. فيَقولُ المثبِتُ: نعم، ألتزمُ به؛ لأنَّ أحوالَ الآخِرةِ تَختَلِفُ عن أحوالِ الدُّنيا، واللهُ تعالى على كُلِّ شَيءٍ قديرٌ، ثمَّ إنَّه قد وُجِدَ في زمانِنا هذا موازينُ للحرارةِ والبُرودةِ والإضاءةِ، ونحوِ ذلك من الأعراضِ.
وهذا اللَّازِمُ يجوزُ إضافتُه إليه إذا عُلِمَ منه أنَّه لا يَمنعُه.
الثَّانية: أن يُذكَرَ له لازمُ قَولِه، فيَمنَعُ التَّلازمَ بينه وبين قَولِه، مِثلُ أن يقولَ نافي الصِّفاتِ لِمن يُثبِتُها: يَلزمُك أن يكونَ اللهُ تعالى مُشابِهًا للخَلْقِ في صِفاتِه، فيَقولُ المثبِتُ: لا يلزمُ ذلك؛ لأنَّنا عندما أضَفْنا الصِّفاتِ إلى الخالِقِ سُبحانَه قطَعْنا توهُّمَ الاشتراكِ والمشابَهةِ، كما أنَّك -أيُّها النَّافي للصِّفاتِ- تُثبِتُ ذاتًا لله تعالى، وتمنَعُ أن يكونَ اللهُ مُشابهًا للخَلْقِ في ذاتِه، فقُلْ ذلك أيضًا في الصِّفاتِ؛ إذ لا فَرْقَ بينهما.
وهذا اللَّازِمُ لا يجوزُ إضافتُه إليه بَعْدَ أن بَيَّن هو وَجهَ امتِناعِ التَّلازُمِ بيْن قَولِه وبيْن ما أُضيفَ إليه.
الثَّالِثةُ: أن يكونَ اللَّازمُ مَسكوتًا عنه، فلا يُذكَرُ بالتزامٍ ولا مَنعٍ، فهذا حُكمُه ألَّا يُنسَبَ إليه؛ لأنَّه إذا ذُكِرَ له اللَّازِمُ فقد يلتَزِمُه، وقد يمنَعُ التَّلازُمَ، وقد يتبيَّنُ له وَجهُ الحَقِّ فيرجِعُ عن اللَّازمِ والملزومِ جميعًا؛ ولأجْلِ هذه الاحتِمالاتِ فلا ينبغي إضافةُ اللَّازمِ إليه، ولا سِيَّما أنَّ الإنسانَ بشَرٌ وتعتريه حالاتٌ نَفسيَّةٌ وخارجيَّةٌ تُوجِبُ له الذُّهولَ عن اللَّازمِ؛ِ فقد يَغفُلُ، أو يسهو، أو يَنغَلِقُ فِكْرُه، أو يقولُ القَولَ في مَضايِقِ المُناظراتِ من غيرِ تدبُّرٍ في لوازِمِه، ونحو ذلك [224] يُنظر: ((القواعد النورانية)) (ص: 186)، ((مجموع الفتاوى)) (20/217) (35/288) كلاهما لابن تَيميَّةَ، ((القواعد المثلى)) لابن عثيمين (ص: 11). .
وقد تُذكَرُ اللَّوازِمُ الباطِلةُ لإظهارِ شَناعةِ المذهَبِ الباطِلِ؛ لأنَّ العاقِلَ إذا نُبِّه إلى ما يَلزَمُ قَولَه من اللَّوازمِ الفاسِدةِ، فقد ينتَبِهُ ويَرجِعُ عن قَولِه.
وأهلُ البِدَع -لاضطِرابِهم وتناقُضِهم- قد يفِرُّ الواحِدُ منهم من اللَّازمِ الحَقِّ؛ ليقَعَ في اللَّازِمِ الباطِلِ، وهو يَظُنُّ في ذلك السَّلامةَ؛ كالقَدَريِّ يفرُّ من لازمِ كَونِ اللهِ يُضِلُّ من يشاء؛ فيقَعُ في لازمِ كَونِه يَقَعُ في مُلكِه ما لا يشاءُ! وكذلك مُنكِرُ الصِّفاتِ يفِرُّ من التَّشْبيه -بزَعْمِه-؛ فيَقَعُ في التَّعطيلِ!

انظر أيضا: