الموسوعة العقدية

المطلبُ الأولُ: إنزالُ العَذابِ بالكُفَّارِ

فقد أهلك اللهُ الأُمَمَ المكَذِّبةَ بالرُّسُلِ، وكان المَلائِكةُ يتوَلَّون إهلاكَهم أحيانًا.
ومن ذلك: إهلاكُهم قومَ لُوطٍ:
قال اللهُ تعالى: وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَـذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ * وَجَاءهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَـؤُلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ * قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ * قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيد * قالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوا إِلَيْكَ [هود: 77-81] .
وقال اللهُ عَزَّ وجَلَّ: فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ * مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ [هود: 82-83] .
قال ابنُ عُثَيمين في تفسيرِ قَولِه تعالى: وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ * إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ [يس: 28، 29]: (من فوائِدِ الآيتينِ الكريمتينِ: أنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ قد يُنَزِّلُ المَلائِكةَ لإهلاكِ المكَذِّبين، ووَجْهُه أنَّ نَفْيَ إنزالِ المَلائِكةِ على هؤلاء القَومِ يدُلُّ على إمكانِه في غيرِهم، وإلَّا لَما صَحَّ النَّفيُ) [4157] يُنظر: ((تفسير سورة يس)) (ص: 100). .
ولَمَّا طلَبَ كُفَّارُ قُرَيشٍ رؤيةَ المَلائِكةِ لِيُصَدِّقوا النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أخبَرَهم اللهُ تعالى أنَّ اليومَ الذي يَرَونَ فيه المَلائِكةَ هو يومُ شُؤمٍ عليهم؛ لأنَّهم يَرَونَهم حين يحُلُّ بهم العذابُ، أو عندما ينزِلُ بهم الموتُ، ويُكشَفُ عنهم الغِطاءُ.
قال الله تعالى: وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءنَا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَّحْجُورًا [الفرقان: 21-22].
قال السَّعْديُّ: (يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلاَئِكَةِ التي اقترحوا نزولَها لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وذلك أنهم لا يَرَونَها مع استمرارِهم على جُرْمِهم وعنادِهم إلَّا لعُقوبتِهم وحُلولِ البأسِ بهم، فأوَّلُ ذلك عند الموتِ إذا تنَزَّلت عليهم المَلائِكةُ؛ قال اللهُ تعالى: وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ [الأنعام: 93] ، ثمَّ في القَبرِ حيثُ يأتيهم مُنكَرٌ ونَكيرٌ فيَسألُهم عن رَبِّهم ونبيِّهم ودينِهم، فلا يجيبون جوابًا يُنجِيهم، فيُحِلُّون بهم النِّقمةَ، وتزولُ عنهم بهم الرَّحمةُ، ثم يومَ القيامةِ حين تسوقُهم المَلائِكةُ إلى النَّارِ ثمَّ يُسَلِّمونهم لخَزَنةِ جَهَنَّمَ الذين يتوَلَّون عذابَهم ويباشِرون عقابَهم، فهذا الذي اقترحوه وهذا الذي طلبوه إن استَمَرُّوا على إجرامِهم لا بُدَّ أن يَرَوه ويَلْقَوه، وحينئذٍ يتعَوَّذون من المَلائِكةِ ويَفِرُّون، ولكِنْ لا مَفَرَّ لهم!) [4158] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 581). .

انظر أيضا: