موسوعة الأخلاق والسلوك

ج- نماذِجُ من التَّثَبُّتِ عِندَ السَّلَفِ


تَثَبُّتُ ثابِتِ بنِ أسلَمَ البُنانيِّ وتَكرارُه سُؤالَه لابنِ عُمَرَ للتَّأكُّدِ من نِسبةِ حديثٍ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
عن ثابتٍ، قال: (قُلتُ لابنِ عُمَرَ: نهى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن نبيذِ الجَرِّ؟ قال: فقال: قد زَعَموا ذاك، قلتُ: أنهى عنه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟ قال: قد زعَموا ذاك) .
تَثَبُّتُ عُمَرَ بنِ عبدِ العزيزِ مِن وشايةِ رَجُلٍ:
دَخَل رَجُلٌ على عُمَرَ بنِ عبدِ العزيزِ، فذَكَر له عن رَجُلٍ شيئًا، فقال له عُمَرُ: إن شِئتَ نظَرْنا في أمرِك، فإن كُنتَ كاذِبًا فأنت من أهلِ هذه الآيةِ: إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا [الحجرات: 6] ، وإن كُنتَ صادِقًا فأنت من أهلِ هذه الآيةِ: هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ [القلم: 11] ، وإن شِئتَ عَفَونا عنك. فقال: العَفوُ يا أميرَ المُؤمِنينَ، لا أعودُ إليه أبَدًا .
تَثَبُّتُ أيمنَ بنِ خُرَيمٍ في أمرِ القِتالِ والإقدامِ عليه:
عن قَيسِ بنِ أبي حازمٍ، وعامرٍ الشَّعبيِّ، قالا: قال مَرْوانُ بنُ الحَكَمِ لأيمَنِ بنِ خُرَيمٍ: ألا تخرُجُ فتقاتِلُ معنا؟ فقال: إنَّ أبي وعمِّي شَهِدا بدرًا، وإنَّهما عَهِدا إليَّ أن لا أقاتِلَ أحَدًا يقولُ: لا إلهَ إلَّا اللَّهُ، فإنْ أنت جِئْتني ببراءةٍ من النَّارِ، قاتَلْتُ معك، قال: فاخرُجْ عنَّا، قال: فخَرَج وهو يقولُ:
ولستُ بقاتِلٍ رَجُلًا يُصَلِّي
على سُلطانِ آخَرَ مِن قُريشِ
له سُلطانُه وعَلَيَّ إثمي
معاذَ اللهِ مِن جَهلٍ وطَيْشِ
أأقتُلُ مُسلِمًا في غيرِ جُرمٍ
فليس بنافعي ما عِشتُ عَيشي
عُمَرُ بنُ عبدِ العزيزِ يأمُرُ عَدِيَّ بنَ أرطأةَ أميرَه على البصرةِ بالتَّثَبُّتِ في قَتيلٍ وُجِد عِندَ بيتٍ ولم يُعرَفْ قاتِلُه:
فكتب إليه عُمَرُ بنُ عبدِ العزيزِ يقولُ: (إن وَجَد أصحابُه بيِّنةً وإلَّا فلا تَظلِمِ النَّاسَ؛ فإنَّ هذا لا يُقضى فيه إلى يومِ القيامةِ) .
بلالُ بنُ أبي بُردةَ لَمَّا وُشِي برجُلٍ عِندَه:
وُشِيَ برجُلٍ إلى بلالِ بنِ أبي بُردةَ، فلمَّا أُتِيَ به قال: قد أتاك كتابٌ من اللهِ في أمرِنا، فاعمَلْ به، قال اللهُ تعالى: إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ [الحجرات: 6] فقال: صدَقْتَ .
- عن ابنِ سيرينَ، قال: (لم يكونوا يسألونَ عن الإسنادِ، فلمَّا وقَعَت الفتنةُ قالوا: سمُّوا لنا رجالَكم، فيُنظَرُ إلى أهلِ السُّنَّةِ فيُؤخَذُ حديثُهم، ويُنظَرُ إلى أهلِ البِدَعِ فلا يؤخَذُ حديثُهم) .
- عن أبي إسحاقَ إبراهيمَ بنِ عيسى الطَّالِقانيِّ قال: قلتُ لعبدِ اللهِ بنِ المبارَكِ، يا أبا عبدِ الرَّحمنِ: الحديثُ الذي جاء «إنَّ من البِرِّ بعدَ البِرِّ أن تُصَلِّيَ لأبويك مع صلاتِك، وتصومَ لهما مع صَومِك». قال: فقال عبدُ اللَّهِ: يا أبا إسحاقَ، عمَّن هذا؟ قال: قلتُ له: هذا من حديثِ شِهابِ بنِ خِراشٍ، فقال: ثقةٌ، عمَّن قال؟ قلتُ: عن الحَجَّاجِ بنِ دينارٍ، قال: ثقةٌ، عمَّن قال؟ قُلتُ: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم! قال: يا أبا إسحاقَ، إنَّ بَيْنَ الحَجَّاجِ بنِ دينارٍ وبَينَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مفاوِزَ تنقَطِعُ فيها أعناقُ المطِيِّ! ولكِنْ ليس في الصَّدَقةِ اختِلافٌ .
- وعن نَصرِ بنِ حَمَّادٍ الوَرَّاقِ، قال: (كنَّا قُعودًا على بابِ شُعبةَ نتذاكَرُ، قال: فقُلتُ: حدَّثَنا إسرائيلُ، عن أبي إسحاقَ، عن عبدِ اللهِ بنِ عطاءٍ، عن عُقبةَ بنِ عامرٍ، قال: كنَّا نتناوَبُ رِعْيةَ الإبِلِ على عَهدِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فجِئتُ ذاتَ يومٍ والنَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جالِسٌ وحولَه أصحابُه، فسَمِعتُه يقولُ: ((من توضَّأ فأحسَنَ الوُضوءَ، ثمَّ دَخَل مسجِدًا فصَلَّى ركعتينِ فاستغفَرَ اللهَ، غَفَر اللهُ لهـ)) قال: فقُلتُ: بَخٍ بَخٍ! قال: فجَذَبني رجُلٌ مِن خلفي، فالتَفَتُّ فإذا هو عُمَرُ بنُ الخطَّابِ، فقال: الذي قال قَبلُ أحسَنُ، قال: ((مَن شَهِد أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأنِّي رسولُ اللهِ، قيل له: ادخُلْ مِن أيِّ أبوابِ الجنَّةِ شِئتَ)). قال: فخرج إليَّ شُعبةُ فلطَمَني، ثمَّ دخل ثمَّ خرج، فقال: ما له بَعدُ يبكي؟ فقال له عبدُ اللهِ بنُ إدريسَ: إنَّك أسأْتَ إليه، فقال: أمَا تنظُرُ ما يحَدِّثُ عن إسرائيلَ، عن أبي إسحاقَ، عن عبدِ اللهِ بنِ عطاءٍ، عن عُقبةَ؟ أنا قُلتُ لأبي إسحاقَ: مَن حَدَّثك؟ قال: حدَّثَني عبدُ اللهِ بنُ عطاءٍ عن عُقبةَ، قُلتُ: سَمِع عبدُ اللهِ بنُ عطاءٍ من عُقبةَ؟ قال: فغَضِبَ، ومِسعَرُ بنُ كِدامٍ حاضِرٌ، فقال: أغضَبْتَ الشَّيخَ! فقال مِسعَرٌ: عبدُ اللهِ بنُ عطاءٍ بمكَّةَ، فرحَلْتُ إلى مكَّةَ لم أُرِدِ الحَجَّ، أردتُ الحديثَ، فلَقِيتُ عبدَ اللهِ بنَ عطاءٍ فسألتُه، فقال سعدُ بنُ إبراهيمَ حَدَّثني، فقال لي مالِكُ بنُ أنسٍ: سَعدٌ بالمدينةِ لم يَحُجَّ العامَ، فرَحَلتُ إلى المدينةِ، فلَقِيتُ سَعدًا، فقال: الحديثُ مِن عندِكم، زيادُ بنُ مِخراقٍ حَدَّثني، قال شُعبةُ: فقُلتُ: أيشٍ هذا؟! الحديثُ بينا هو كوفيٌّ إذ صار مدَنيًّا، إذ رَجَع إلى البصرةِ! قال: فرجَعتُ إلى البصرةِ فلَقِيتُ زيادَ بنَ مِخراقٍ فسأَلتُه، فقال: ليس هو من بابتِك، قلتُ: حَدِّثْني به، قال: لا تَرُدُّه؟ قُلتُ: حَدِّثْني به، قال: حَدَّثني شَهرُ بنُ حَوشَبٍ عن أبي رَيحانةَ عن عُقبةَ، قال شُعبةُ: فلمَّا ذَكَر شَهرًا قُلتُ: دَمِّرْ على هذا الحديثِ، لو صَحَّ لي مِثلُ هذا الحديثِ كان أحبَّ إليَّ من أهلي ومالي ومن النَّاسِ أجمعين!) .

انظر أيضا:

  1. (1) أخرجه مسلم (1997).
  2. (2) ((الأذكار)) للنووي (ص: 802).
  3. (3) ((المستدرك)) للحاكم (2/170).
  4. (4) ((صحيح البخاري)) معلقًا (9/8).
  5. (5) ((الذخائر والعبقريات)) للبرقوقي (2/ 193).
  6. (6) ((صحيح مسلم- المقدمة)) (1/15).
  7. (7) ((صحيح مسلم- المقدمة)) (1/16).
  8. (8) ((الكفاية في علم الرواية)) للخطيب البغدادي (ص: 400، 401)، ((الرحلة في طلب الحديث)) للخطيب البغدادي (ص: 148-153).