سادسًا: مظاهِرُ وصُوَرُ النِّفاقِ
من مظاهِرِ وصُوَرِ نفاقِ العَمَلِ:1- الكَذِبُ: وهو مذكورٌ في خصالِ النِّفاقِ، وذلك أن يحدِّثَ بحديثٍ لمن يُصدِّقُه به، وهو كاذبٌ له، والكَذِبُ أُسُّ النِّفاقِ، كما قال بعضُ العُلَماءِ.
2- الخيانةُ: وهي من صُوَرِ النِّفاقِ العَمَليِّ التي ذكَرَها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في خِصالِ النِّفاقِ. عن سَعدٍ قال: (المُؤمِنُ يُطبَعُ على الخِلالِ كُلِّها إلَّا الخيانةَ والكَذِبَ)
.
قال
الصَّنعانيُّ: (فإنَّ اللهَ لا يَطبَعُه عليهما، بل إنَّما تحصُلُ له بالتَّطبُّعِ والتَّشبُّهِ بالأشرارِ الذين يَسرِقُ طِباعُهم الطَّباع، وفيه بيانُ قُبحِ هاتين الخَلَّتينِ، والخيانةُ شاملةٌ للخيانةِ في الأموالِ والأقوالِ والأفعالِ، والكَذِبُ شامِلٌ لقبائحِ الأقوالِ)
.
3- الفجورُ في الخُصومةِ، وقد ذكَرها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في خصالِ النِّفاقِ، والمرادُ بالفجورِ أن يخرُجَ عن الحَقِّ عَمدًا حتى يصيرَ الحَقُّ باطلًا، والباطِلُ حَقًّا، وهذا ممَّا يدعو إليه الكَذِبُ، والمُؤمِنُ لا يفجُرُ في خصومتِه، ولا يتخَلَّقُ بهذا الخُلُقِ القبيحِ.
عن
عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((إنَّ أبغضَ الرِّجالِ إلى اللهِ الألَدُّ الخَصِمُ))
.
قال
ابنُ رجبٍ: (فإذا كان الرَّجُلُ ذا قُدرةٍ عِندَ الخصومةِ -سواءٌ كانت خصومتُه في الدِّينِ أو في الدُّنيا- على أن ينتَصِرَ للباطِلِ، ويخيِّلَ للسَّامعِ أنَّه حَقٌّ، ويُوهنَ الحَقَّ، ويخرِجَه في صورةِ الباطِلِ؛ كان ذلك من أقبَحِ المحرَّماتِ، ومن أخبَثِ خِصالِ النِّفاقِ)
.
4- الرِّياءُ: وذلك حينَ يتظاهَرُ المُسلِمُ بالأعمالِ المطلوبةِ في الدِّينِ من الأعمالِ الصَّالحةِ ابتغاءَ مقاصِدَ دنيويَّةٍ يقصِدُها المرائي عِندَ النَّاسِ الذين يرجو أن ينخَدِعوا بأعمالِه، وطالبُ التَّعظيمِ والتَّبجيلِ من النَّاسِ من أجلِ ما شاهدوا من مظاهرِ أعمالِه الصَّالحةِ، قد يؤتيه اللهُ ثوابَه من الدُّنيا ومِن ثناءِ النَّاسِ عليه، لكِنَّه لا يجعَلُ له في الآخرةِ ثوابًا عليها.
عن محمودِ بنِ لَبيدٍ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((إنَّ أخوَفَ ما أخافُ عليكم الشِّرْكُ الأصغَرُ. قالوا: وما الشِّركُ الأصغَرُ يا رسولَ اللهِ؟ قال: الرِّياءُ، يقولُ اللهُ عزَّ وجَلَّ لهم يومَ القيامةِ إذا جُزِيَ النَّاسُ بأعمالِهم: اذهَبوا إلى الذين كنتُم تراؤون في الدُّنيا، فانظروا هل تجِدون عندَهم جزاءً))
.
قال ابنُ بطَّالٍ: (إن كان الرِّياءُ لِمن سَلِم له عَقدُ الإيمانِ من الشِّركِ، ولحِقَه شيءٌ من الرِّياءِ في بعضِ أعمالِه، فليس ذلك بمُخرجٍ من الإيمانِ إلَّا أنَّه مذمومٌ فاعلُه؛ لأنَّه أشرَك في بعضِ أعمالِه حَمدَ المخلوقين مع حَمدِ رَبِّه، فحُرِم ثوابَ عَمَلِه ذلك)
.
5- عدَمُ مشاركةِ المُسلِمِ في الغزوِ والجهادِ في سبيلِ اللهِ، أو تحديثِ نفسِه به تشوقًا ورغبةً؛ فإنَّ المُؤمِنَ لا يُتصَوَّرُ منه أن يعيشَ عُمُرَه دونَ أن يتمنَّى أو يتطلَّعَ للجهادِ في سبيلِ اللهِ، وقد أخبر رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ المحرومَ من ذلك فيه شُعبةٌ من شُعَبِ النِّفاقِ.
عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((من مات ولم يَغْزُ ولم يحَدِّثْ به نفسَه، مات على شُعبةٍ من نفاقٍ))
.
قال
النَّوويُّ: (والمرادُ أنَّ مَن فَعَل هذا فقد أشبه المُنافِقين المتخَلِّفين عن الجهادِ في هذا الوَصفِ؛ فإنَّ ترَكَ الجهادَ أحدُ شُعَبِ النِّفاقِ)
.
6- أن يكونَ المرءُ ذا وجهينِ، قال أناسٌ لابنِ عُمَرَ: إنَّا ندخُلُ على سُلطانِنا، فنقولُ لهم خلافَ ما نتكَلَّمُ إذا خرَجْنا مِن عندِهم، قال: (كُنَّا نَعُدُّها نِفاقًا)
. وعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّه سمِعَ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ:
((إنَّ شَرَّ النَّاسِ ذو الوجهَينِ، الذي يأتي هؤلاء بوجهٍ، وهؤلاء بوجهٍ))
.
7- إساءةُ الظَّنِّ، وتتبُّعُ العوْراتِ والعَثَراتِ، والغِيبةُ وإظهارُ العُيوبِ؛ فعن أبي برزةَ الأسلَميِّ قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((يا مَعشَرَ مَن آمَن بلِسانِه، ولم يدخُلِ الإيمانُ قَلبَه، لا تغتابوا المُسلِمين، ولا تتَّبِعوا عَوراتِهم؛ فإنَّه من اتَّبَع عوراتِهم يَتَّبِعِ اللهُ عَورتَه، ومن يتَّبعِ اللهُ عورتَه يفضَحُه في بيتِهـ))
، وقال
الفُضَيلُ بنُ عِياضٍ: (الغِبطةُ من الإيمانِ، والحَسَدُ من النِّفاقِ، والمُؤمِنُ يَغبِطُ ولا يَحسُدُ، والمُنافِقُ يحسُدُ ولا يَغبِطُ، والمُؤمِنُ يَستُرُ ويَعِظُ وينصَحُ، والفاجِرُ يَهتِكُ ويُعَيِّرُ ويُفشي)
، وقال
ابنُ المبارَكِ: (المُؤمِنُ يَطلُبُ المعاذيرَ، والمُنافِقُ يَطلُبُ العثَراتِ)
. قال
الهيتمي: (كُلُّ من رأيتَه سَيِّئَ الظَّنِّ بالنَّاسِ طالِبًا لإظهارِ معايبِهم، فاعلَمْ أنَّ ذلك لخُبثِ باطِنِه وسُوءِ طَويَّتِه؛ فإنَّ المُؤمِنَ يَطلُبُ المعاذيرَ لسلامةِ باطِنِه، والمُنافِقُ يطلُبُ العُيوبَ لخُبثِ باطِنِهـ)
.
9- أن يعمَلَ الإنسانُ عَمَلًا، ويُظهِرَ أنَّه قصَد به الخيرَ، وإنما عَمِله ليتوصَّلُ به إلى غَرضٍ له سَيِّئٍ، فيتمُّ له ذلك، ويتوصَّلُ بهذه الخديعةِ إلى غَرَضِه، ويَفرحُ بمَكْرِه وخِداعِه وحَمدِ النَّاسِ له على ما أظهرَه، وتوصَّل به إلى غرَضِه السَّيِّئِ الذي أبطنَه
.
10- كثرةُ القولِ وقِلَّةُ العَمَلِ.