سابعًا: الوسائِلُ المعينةُ على تَركِ الفُحْشِ والبَذاءةِ
1- الإكثارُ من ذِكرِ اللهِ:وَرَد أنَّ أعرابيًّا قال لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((إنَّ شرائعَ الإسلامِ قد كَثُرت عَلَيَّ، فأنبِئْني منها بشيءٍ أتشبَّثُ به
، قال: لا يزالُ لِسانُك رَطْبًا من ذِكرِ اللهِ عزَّ وجَلَّ))
.
وذَكَر
ابنُ القَيِّمِ من فوائِدِ الذِّكرِ: (أنَّه سَبَبُ اشتغالِ اللِّسانِ عن الغِيبةِ والنَّميمةِ والكَذِبِ والفُحشِ والباطِلِ؛ فإنَّ العَبدَ لا بُدَّ له من أن يَتكلَّمَ، فإنْ لم يَتَكَلَّمْ بذِكرِ اللَّهِ تَعالى وذِكْرِ أوامِرِه، تَكَلَّم بهذه المحَرَّماتِ أو بَعضِها، ولا سَبيلَ إلى السَّلامةِ منها البَتَّةَ إلَّا بذِكرِ اللَّهِ تعالى، والمشاهدةُ والتَّجرِبةُ شاهِدانِ بذلك، فمَن عوَّد لسانَه ذِكرَ اللَّهِ صانَ لسانَه عن الباطِلِ واللَّغوِ، ومن يَبِسَ لسانُه عن ذِكرِ اللَّهِ تعالى تَرَطَّبَ بكُلِّ باطِلٍ ولَغوٍ وفُحشٍ، ولا حَولَ ولا قوَّةَ إلَّا باللهِ)
.
2- لُزومُ الصَّمتِ:قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((من كان يؤمِنُ باللهِ واليومِ الآخِرِ فلْيَقلْ خيرًا أو ليَصمُتْ))
.
3- تعويدُ اللِّسانِ على الكلامِ الجميلِ:فيُبعِدُه ذلك عن فُحشِ الكلامِ وبذيئِه.
4- تجنُّبُ الألفاظِ المستقبَحةِ وإن كانت صِدقًا، والتَّكنيةُ عنها:قال
الماوَرْديُّ: (يتجافى هُجرَ القَولِ ومُستقبَحَ الكلامِ، ولْيعدِلْ إلى الكنايةِ عمَّا يُستقبَحُ صَريحُه، ويُستهجَنُ فَصيحُه؛ ليَبلُغَ الغَرَضَ ولسانُه نَزِهٌ، وأدبُه مَصونٌ)
.
وقال العلاءُ بنُ هارونَ: (كان
عُمَرُ بنُ عبدِ العزيزِ رَضِيَ اللهُ عنه يتحَفَّظُ في منطِقِه لا يتكَلَّمُ بشيءٍ من الخَنا، فخرج به خُرَاجٌ
في إبْطِه، فقالوا: أيُّ شيءٍ عسى أن يقولَ الآنَ؟! قالوا: يا أبا حَفصٍ، أين خرَج منك هذا الخُرَاجُ؟ قال: في باطِنِ يدي)
.
5- ألَّا يتحدَّثَ فيما لا يَعنيه:قال
عبدُ اللهِ بنُ عَمرٍو رَضِيَ اللهُ عنهما: (دَعْ ما لستَ منه في شيءٍ، ولا تنطِقْ فيما لا يعنيك، واخزُنْ
لسانَك كما تخزُنُ وَرَقَك)
.
وقال رجُلٌ للأحنَفِ بنِ قَيسٍ: بمَ سُدتَ قَومَك، وأراد عَيبَه؟ فقال الأحنَفُ: بتركي مِن أمرِك ما لا يعنيني، كما أعناك من أمري ما لا يَعنيك
.
6- ألَّا يعتادَ لَعْنَ الدوابِّ والأماكِنِ:قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((لا ينبغي لصِدِّيقٍ أن يكونَ لعَّانًا))
.
وعن أبي بَرزةَ الأسلَميِّ قال:
((بينما جاريةٌ على ناقةٍ عليها بعضُ متاعِ القَومِ، إذ بصُرَت بالنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وتضايَقَ بهم الجَبَلُ، فقالت: حَلْ
، اللَّهُمَّ العَنْها! قال: فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لا تصاحِبْنا ناقةٌ عليها لعنةٌ))
.
7- التَّخلُّقُ بخُلُقِ الحياءِ:الحياءُ يمنعُ من كثيرٍ من الفُحشِ والبَذاءِ، ويحمِلُ على كثيرٍ من أعمالِ الخيرِ؛ فعن
أنسٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((ما كان الفُحْشُ في شيءٍ إلَّا شانه، وما كان الحياءُ في شيءٍ إلَّا زانهـ))
.
قال
ابنُ عبدِ البَرِّ: (إنَّ الحياءَ يَمنَعُ من كَثيرٍ من الفُحشِ والفواحِشِ، ويَشتَمِلُ على كَثيرٍ من أعمالِ البِرِّ، وبهذا صار جُزءًا وشُعبةً من الإيمانِ؛ لأنَّه وإن كان غَريزةً مُرَكَّبةً في المرءِ فإنَّ المستَحيَ يَندَفِعُ بالحياءِ عن كَثيرٍ من المعاصي كما يَندَفِعُ بالإيمانِ عنها إذا عَصَمه اللهُ، فكأنَّه شُعبةٌ منه؛ لأنَّه يَعمَلُ عَمَلَه، فلمَّا صار الحياءُ والإيمانُ يَعمَلانِ عَمَلًا واحِدًا، جُعِلا كالشَّيءِ الواحِدِ، وإن كان الإيمانُ اكتِسابًا والحياءُ غَريزةً)
.
8- مصاحبةُ ومجالسةُ الأخيارِ:من جالَس الأخيارَ يعينونَه على طريقِ الخَيرِ، ويَحمَدونه إذا أحسَن، وينصَحونه إذا أخطأ؛ قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((المرءُ على دينِ خليلِه
، فلينظُرْ أحَدُكم من يُخالِلُ
)
.
قال الشَّاعِرُ:
إذا كنتَ في قومٍ فصاحِبْ خِيارَهم
ولا تصحَبِ الأردى فتَرْدى مع الرَّدِي
عن المرءِ لا تسألْ وسَلْ عن قرينِه
فكُلُّ قرينٍ بالمقارِنِ يقتدي
وقال الحَسَنُ بنُ عليٍّ الخَلَّالُ: (قال بَعضُ الحُكَماءِ: مُجالسةُ أهلِ الدِّيانةِ تَجلو عن القُلوبِ صَدَأَ الذُّنوبِ، ومُجالسةُ ذوي المروءةِ تَدُلُّ على مَكارِمِ الأخلاقِ، ومُجالسةُ العُلماءِ تُنتِجُ ذَكاءَ القُلوبِ، ومن عرَف تَقَلُّبَ الزَّمانِ لم يَركَنْ إليهـ)
.