موسوعة الأخلاق والسلوك

ب- مِن السُّنَّةِ النَّبويَّةِ


وحذَّر النَّبيُّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ مِن الشَّراهةِ في غَيرِ مَوطِنٍ:
1- عن حكيمِ بنِ حِزامٍ رضِي اللهُ عنه، قال: ((سألْتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فأعطاني، ثُمَّ سألْتُه فأعطاني، ثُمَّ سألْتُه فأعطاني، ثُمَّ قال لي: يا حكيمُ، إنَّ هذا المالَ خَضِرةٌ حُلوةٌ، فمن أخذَه بطيبِ نَفسٍ بورِك له فيه، ومَن أخذَه بإشرافِ نَفسٍ لم يُبارَكْ له فيه، وكان كالذي يأكُلُ ولا يشبَعُ، واليدُ العُليا خيرٌ مِن اليدِ السُّفلى)) ، قولُه: ((بإشرافِ نَفسٍ)) أي: بتطلُّعٍ وحِرصٍ وشَرَهٍ إليه ؛ ففي هذا الحديثِ ذمَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الحِرصَ والشَّرَهَ إلى الاستِكثارِ، وشبَّه فاعِلَ ذلك بالبهائِمِ التي تأكُلُ ولا تشبَعُ، وهذا غايةُ الذَّمِّ له؛ لأنَّ الأنعامَ لا تأكُلُ لإقامةِ أرماقِها، وإنَّما تأكُلُ للشَّرَهِ والنَّهَمِ .
وقيل: المُرادُ بقولِه: ((كان كالذي يأكُلُ ولا يشبَعُ)): أنَّ سبيلَه في ذلك إذا أُعطِي عن حِرصٍ وشَرَهٍ، فسبيلُه في ذلك سبيلُ مَن يأكُلُ مِن ذي سَقَمٍ وآفةٍ، يأكُلُ فيزدادُ سَقمًا، ولا يجِدُ شِبَعًا؛ فيَنجَعَ فيه الطَّعامُ .
وفي حديثِ مُعاوِيةَ بنِ أبي سُفيانَ رضِي اللهُ عنهما، قال: ((سمعْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: ... ومَن أعطَيتُه عن مسألةٍ وشَرَهٍ كان كالذي يأكُلُ ولا يشبَعُ)) .
2- عن نافِعٍ قال: ((كان ابنُ عُمرَ لا يأكُلُ حتَّى يُؤتى بمِسكينٍ يأكلُ معَه، فأدخَلْتُ رجُلًا يأكُلُ معَه، فأكل كثيرًا، فقال: يا نافِعُ، لا تُدخِلْ هذا عليَّ، سمعْتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: المُؤمِنُ يأكُلُ في مِعًى واحِدٍ، والكافِرُ يأكُلُ في سبعةِ أمعاءٍ)) !
يعني أنَّ الكافِرَ لا يُشبِعُه إلَّا مِلءُ أمعائِه السَّبعةِ؛ لأنَّه يأكُلُ بشراهةٍ وشهوةٍ، وحِرصًا للَّذَّةِ، وجَريًا على ذميمِ العادةِ، والمُؤمِنُ يُشبِعُه مِلءُ مِعًى واحِدٍ؛ لأنَّه يأكُلُ بُلغةً وقُوتًا عندَ الحاجةِ .
3- ومِن دُعائِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((اللَّهمَّ إنِّي أعوذُ بك مِن نَفسٍ لا تشبَعُ)) ، وهو استِعاذةٌ مِن الحِرصِ والطَّمعِ والشَّرَهِ .
4- عن ابنِ عبَّاسٍ رضِي اللهُ عنهما، قال: ((سمعْتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: لو كان لابنِ آدَمَ واديانِ مِن مالٍ لابتغى ثالثًا، ولا يملَأُ جَوفَ ابنِ آدَمَ إلَّا التُّرابُ، ويتوبُ اللهُ على مَن تاب)) ، أشار عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ بهذا المَثَلِ إلى ذمِّ الحِرصِ على الدُّنيا، والشَّرَهِ على الازديادِ منها .
 (ومعنى ((لا يملَأُ جَوفَه إلَّا التُّرابُ)) أنَّه لا يزالُ حريصًا على الدُّنيا حتَّى يموتَ ويمتلِئَ جوفُه مِن تُرابِ قَبرِه! وهذا الحديثُ خرَج على حُكمِ غالِبِ بني آدَمَ في الحِرصِ على الدُّنيا، ويُؤيِّدُه قولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((ويتوبُ اللهُ على مَن تاب))، وهو مُتعلِّقٌ بما قَبلَه، ومعناه: أنَّ اللهَ يقبَلُ التَّوبةَ مِن الحِرصِ المذمومِ وغَيرِه مِن المذموماتِ) .

انظر أيضا:

  1. (1) أخرجه البخاري (6441) واللفظ له، ومسلم (1053).
  2. (2) ((إكمال المعلم بفوائد مسلم)) للمازري (3/ 579).
  3. (3) ((شرح البخاري)) لابن بطال (10/ 161).
  4. (4) ((أعلام الحديث)) للخطابي (2/ 800).
  5. (5) أخرجه مسلم (1037).
  6. (6) أخرجه البخاري (5393) واللفظ له، ومسلم (2060).
  7. (7) ((أعلام الحديث)) للخطابي (3/ 2047)، ((فتح الباري)) لابن حجر (9/ 540).
  8. (8) أخرجه مسلم (2722) من حديثِ زيدِ بنِ أرقَمَ رَضِيَ اللهُ عنه، بلفظِ: ((اللَّهمَّ إني أعوذُ بك من عِلمٍ لا ينفعُ، ومن قلبٍ لا يخشَعُ، ومن نفسٍ لا تشبَعُ)).
  9. (9) ((شرح مسلم)) للنووي (17/ 41).
  10. (10) أخرجه البخاري (6436) واللفظ له، ومسلم (1049).
  11. (11) ((شرح البخاري)) لابن بطال (10/ 160).
  12. (12) ((شرح النووي على مسلم)) (7/ 139).