ب- مِن الأمثالِ والحِكَمِ
1- استقدَمَت رِحالتُه.
يُقالُ ذلك للرَّجلِ يعجَلُ إلى صاحِبِه بالشَّتمِ وسوءِ القولِ.
والرِّحالةُ: شيءٌ مِن الأدَمِ مُدوَّرٌ مُبطَّنٌ، يجعَلُه الفارِسُ تحتَه، وكانت للعربِ بمنزِلةِ السَّرجِ، وكانوا لا يعرِفونَ السُّروجَ، والسَّرجُ للفرسِ، وإنَّما هو سَرْكٌ.
وإذا استقدَمَت رِحالةُ الفارِسِ فسَد رَكوبُه، فجُعِل ذلك مَثلًا لمَن فسَد قولُه، ويُروى (استقدَمَت راحِلتُهـ)
.
2- سفيهٌ لم يجِدْ مُسافِهًا.
قيل: المَثلُ
للحَسنِ بنِ عليٍّ رضِي اللهُ عنهما، قاله لعَمرِو بنِ الزُّبَيرِ، وكان عَمرُو بنُ الزُّبَيرِ ذاهِبًا بنَفسِه شامِخًا بأنفِه، فكان إذا شتَمه إنسانٌ أعرَض عنه إعراضَ مَن لا يعبَأُ بالشَّتمِ، فشتَم عَمرٌو يومًا
الحَسنَ بنَ عليٍّ رضِي اللهُ عنهما، فقال: (سفيهٌ لم يجِدْ مُسافِهًا)، وسكَت، فقال عَمرٌو: لِمَ سكتَّ؟ قال: لِما تسكُتُ له؛ يُريدُ أنَّ المُتناهيَ في الشَّرفِ ليس له مَن يُسابُّه، وإنَّما يتَسابُّ النُّظَراءُ.
ومنه قولُ الشَّاعِرِ:
لا تسُبَّنَّني فلسْتَ بسِبِّي
إنَّ سِبِّي مِن الرِّجالِ الكريمُ
3-مَن باع بعِرضِه أنفَق
(أي: مَن تعرَّض ليشتُمَه النَّاسُ وجَد الشَّتمَ له حاضِرًا، ومعنى أنفَق: وجَد نَفاقًا)
.
4- جُرحُ اللِّسانِ كجُرحِ اليدِ.
(أي: السَّبُّ يُؤثِّرُ في القلبِ كما يُؤثِّرُ الجِراحُ في الجِسمِ)
.
5- ضرَّسوا فلانًا.
أي: عضُّوه بالأضراسِ، وهو كِنايةٌ عن الشَّتمِ والذَّمِّ.
قال الحُطَيئةُ:
مَلُّوا قِراه وهرَّتهُ كِلابُهمُ
وجرَّحوه بأنيابٍ وأضراسِ
6- لا يُحسِنُ التَّعريضَ إلَّا ثَلبًا.
يعني: أنَّه سَفيهٌ يُصرِّحُ بمُشاتَمةِ النَّاسِ مِن غَيرِ كِنايةٍ ولا تعريضٍ، والثَّلبُ: الطَّعنُ في الأنسابِ وغَيرِها
.
7- ومِن الأمثالِ المشهورةِ في الشَّتمِ أن يُقالَ: مَن سبَّك؟ فيُقالَ: الذي أبلَغَك
.
أي: إنَّ الذي واجَهك بالقبيحِ هو الذي سبَّك، ومنه قولُ الشَّاعِرِ:
لَعَمرُك ما سبَّ الأميرَ عدُوُّه
ولكنَّما سبَّ الأميرَ المُبلِّغُ
وقال غَيرُه:
مَن يُخبِّرْك بشَتمٍ عن أخٍ
فهو الشَّاتِمُ لا مَن شتَمَك
ذاك شيءٌ لم يُواجِهْك به
إنَّما الذَّنبُ على مَن أعلَمك
8- أوسَعْتُهم سبًّا وأودَوا بالإبِلِ.
أي: كثَّرْتُ سبَّهم فلم أدَعْ منه شيئًا.
يُضرَبُ لمَن لم يكنْ عندَه إلَّا الكلامُ، فهو يتوعَّدُ، وليس على عدُوِّه ضَيرٌ غَيرُ الوعيدِ بلا إيقاعٍ.
وحديثُه أنَّ رجُلًا مِن العربِ أُغيرَ على إبِلِه فأُخِذَت، فلمَّا توارَوا صَعِد أكَمةً، وجعَل يشتِمُهم، فلمَّا رجَع إلى قومِه سألوه عن مالِه، فقال: أوسَعْتُهم سبًّا وأودَوا بالإبِلِ.
ويُقالُ: إنَّ أوَّلَ مَن قال ذلك
كَعبُ بنُ زُهَيرِ بنِ أبي سُلمى، وذلك أنَّ الحارِثَ بنَ وَرقاءَ الصَّيداويَّ أغار على بَني عبدِ اللهِ بنِ غَطَفانَ، واستاق إبِلَ زُهَيرٍ وراعيَه، فقال زُهَيرٌ في ذلك قصيدةً يهجوهم فيها ويتهدَّدُهم، فلمَّا أكثَر مِن هِجائِهم وهُم لا يكترِثونَ قال له ابنُه
كَعبٌ: (أوسَعْتَهم سبًّا وأودَوا بالإبِلِ)، أي: ليس عليهم مِن هِجائِك إيَّاهم كبيرُ ضَررٍ عندَ أنفُسِهم، وقد أودَوا بإبِلِك فأضرُّوا بك
!