موسوعة الأخلاق والسلوك

أوَّلًا: معنى البِرِّ لُغةً واصطِلاحًا


البِرُّ لُغةً:
البِرُّ: الصِّدقُ والطَّاعةُ والخيرُ والفَضلُ، وبَرَّ يَبَرُّ: إذا صَلَح. وبَرَّ في يمينِه يَبَرُّ: إذا صدَقَه ولم يحنَثْ. وبَرَّ رَحِمَه يَبَرُّ: إذا وصَلَه. ويقالُ: فلانٌ يَبَرُّ رَبَّه ويتبَرَّرُه، أي: يطيعُه. ورجُلٌ بَرٌّ بذي قرابتِه، وبارٌّ، من قومٍ بَرَرةٍ وأبرارٍ، والمصدَرُ: البِرُّ. والبَرُّ: الصَّادِقُ أو التَّقِيُّ، وهو خِلافُ الفاجِرِ، والبِرُّ: ضِدُّ العقوقِ. وبَرِرْتُ والِدي بالكَسرِ، أبَرُّه بِرًّا، وقد بَرَّ والِدَه يَبَرُّه ويَبِرُّه بِرًّا، وهو بَرٌّ به وبارٌّ، وجمعُ البَرِّ الأبرارُ، وجمعُ البارِّ البَرَرةُ .
البِرُّ اصطِلاحًا:
قال الرَّاغِبُ: (البِرُّ: ... التَّوسُّعُ في فِعلِ الخيرِ) .
وقال المُناويُّ: (البِرُّ ... التَّوسُّعُ في فِعلِ الخيرِ، والفِعلُ المرضِيُّ، الذي هو في تزكيةِ النَّفسِ ...) .
وقال القاضي المهديُّ: (البِرُّ: هو الصِّلةُ، وإسداءُ المعروفِ، والمبالغةُ في الإحسانِ) .
وقال الرَّازيُّ: (البِرُّ: اسمٌ جامعٌ للطَّاعاتِ وأعمالِ الخيرِ المُقَرِّبةِ إلى اللهِ تعالى) .
وقيل: حقيقةُ البِرِّ هو الكمالُ المطلوبُ من الشَّيءِ، والمنافِعُ التي فيه والخَيرُ.
أو هو: كمالُ العبدِ وصلاحُه الذي لا صلاحَ له بدونِه .
والبِرُّ يُطلَقُ باعتبارينِ:
أحَدُهما: باعتبارِ مُعاملةِ الخَلقِ بالإحسانِ إليهم، وربَّما خُصَّ بالإحسانِ إلى الوالِدَينِ، فيُقالُ: بِرُّ الوالِدَينِ، ويُطلَقُ كثيرًا على الإحسانِ إلى الخَلقِ عُمومًا.
والمعنى الثَّاني من معنى البِرِّ: أن يُرادَ به فِعلُ جميعِ الطَّاعاتِ الظَّاهِرةِ والباطنةِ، كقَولِه تعالى: وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [البقرة: 177] .
فالبِرُّ بهذا المعنى يدخُلُ فيه جميعُ الطَّاعاتِ الباطنةِ، كالإيمانِ باللهِ وملائكتِه وكُتُبِه ورُسُلِه؛ والطَّاعاتِ الظَّاهِرةِ، كإنفاقِ الأموالِ فيما يحِبُّه اللهُ، وإقامِ الصَّلاةِ، وإيتاءِ الزَّكاةِ، والوفاءِ بالعَهدِ، والصَّبرِ على الأقدارِ، كالمَرَضِ والفَقرِ، وعلى الطَّاعاتِ، كالصَّبرِ عندَ لِقاءِ العَدُوِّ .
فاللهُ تعالى في هذه الآيةِ جمَعَ خصالَ البِرِّ، فأخبر سُبحانَه أنَّ البِرَّ هو الإيمانُ باللهِ وبملائكتِه وكُتُبِه ورُسُلِه واليومِ الآخِرِ، وهذه هي أصولُ الإيمانِ الخَمسُ التي لا قِوامَ للإيمانِ إلَّا بها، وأنَّها الشَّرائعُ الظَّاهِرةُ من إقامةِ الصَّلاةِ، وإيتاءِ الزَّكاةِ، والنَّفَقاتِ الواجِبةِ، وأنَّها الأعمالُ القلبيَّةُ التي هي حقائقُه من الصَّبرِ والوفاءِ بالعَهدِ؛ فتناولت هده الخِصالُ جميعَ أقسامِ الدِّينِ حقائِقِه وشرائِعِه، والأعمالَ المتعَلِّقةَ بالجوارِحِ والقَلبِ، وأصولَ الإيمانِ الخَمسَ .

انظر أيضا:

  1. (1) ((لسان العرب)) لابن منظور (4/51)، ((المصباح المنير)) للفيومي (1/43).
  2. (2) ((المفردات في غريب القرآن)) (ص: 114).
  3. (3) يُنظَر ((التوقيف)) للمناوي (122).
  4. (4) ((صيد الأفكار)) للقاضي المهدي (2/32).
  5. (5) ((مفاتيح الغيب)) للرازي (5/ 213).
  6. (6) ((الرسالة التبوكية)) أو ((زاد المهاجر إلى ربهـ)) لابن القيم (ص: 7).
  7. (7) ((جامع العلوم والحكم)) لابن رجب (2/ 97).
  8. (8) ((الرسالة التبوكية)) أو ((زاد المهاجر إلى ربهـ)) لابن القيم (ص: 12).