موسوعة الأخلاق والسلوك

ثالثًا: آثارُ الخُبْثِ


1- الخُبْثُ سَبَبٌ لبَذاءةِ اللِّسانِ والفُحشِ:
إنَّ السَّبَّ والفُحشَ وبذاءةَ اللِّسانِ مذمومةٌ، ومنهيٌّ عنها، ومَصدَرُها الخُبْثُ واللُّؤمُ؛ قال الغَزاليُّ: (والباعِثُ على الفُحشِ: إمَّا قَصدُ الإيذاءِ، وإمَّا الاعتيادُ الحاصِلُ من مُخالطةِ الفُسَّاقِ وأهلِ الخُبْثِ واللُّؤمِ، ومن عادتِهم السَّبُّ) .
2- الخُبْثُ سَبَبٌ للحَسَدِ:
قال المُناويُّ: (سَبَبُ الحَسَدِ خُبثُ النَّفسِ، وإنَّه داءٌ جِبِلِّيٌّ مُزمِنٌ، قَلَّ من يَسلَمُ منهـ) .
3- خبيثُ النَّفسِ لا يحِبُّ الخيرَ لغَيرِه، فيَكرَهُ لهم الخيرَ، ويحِبُّ لهم الشَّرَّ والأذى:
(وأمَّا خُبثُ النَّفسِ وشُحُّها على عبادِ اللهِ؛ فإنَّك تَجِدُ من النَّاسِ مَن لا يَشتَغِلُ برئاسةٍ ولا تكَبُّرٍ، وإذا وُصِف عندَه حُسنُ حالِ عَبدٍ من عبادِ اللهِ تعالى فيما أنعَمَ عليه به، شقَّ عليه ذلك! وإذا وُصِف له اضطِرابُ أمورِ النَّاسِ وإدبارُهم، وتنغيصُ عَيشِهم، فَرِح به! فهو أبدًا يحبُّ الإدبارَ لغيرِه، ويَبخَلُ بنِعمةِ اللهِ على عبادِه، كأنَّهم يأخُذون ذلك من مُلكِه وخِزانتِه‏!‏
وقد قال بعضُ العُلَماءِ‏:‏ البخيلُ: مَن يَبخَلُ بمالِ نَفسِه، والشَّحيحُ: الذي يبخَلُ بمالِ غيرِه، فهذا يَبخَلُ بنِعَمِ اللهِ على عبادِه الذين ليس بَيْنَهم وبَينَه عداوةٌ ولا رابِطةٌ، وهذا ليس له سَبَبٌ إلَّا خُبثُ النَّفسِ ورداءةُ الطَّبعِ، وهذا معالجتُه شديدةٌ؛ لأنَّه ليس له سَبَبٌ عارِضٌ، فيُعمَلَ على إزالتِه، بل سَبَبُه خُبثُ الجِبِلَّةِ؛ فيَعسُرُ إزالتُهـ) .
4 - الخُبْثُ سَبَبٌ للعَداواتِ بَيْنَ أفرادِ المجتَمِعِ.
قال أبو طالِبٍ المَكِّيُّ: (مع الخُبْثِ والمَكرِ تكونُ المُنافَرةُ، وهذا كُلُّه يُذهِبُ الألفةَ، ويَنقُصُ المحبَّةَ، ويُبطِلُ فضيلةَ الأُخُوَّةِ) .
5 - خبيثُ النَّفسِ غيرُ مُرتاحِ البالِ، فهو مهمومٌ مغمومٌ دائمًا.
6 - الخبيثُ مُنشَغِلٌ بتتبُّعِ عَوراتِ النَّاسِ وأخطائِهم.
7- الخبيثُ لا يَدخُلُ الجنَّةَ.
قال تعالى: الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [النحل: 32] . وقال تعالى: لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [الأنفال: 37] .
وعن أبى هُرَيرةَ قال: ((إذا خرَجَت رُوحُ المُؤمِنِ تَلَقَّاها مَلَكانِ يُصعِدانها -قال حمَّادٌ أحدُ رواةِ الحديثِ: فذكَرَ مِن طِيبِ رِيحِها، وذَكَر المِسْكَ-. قال: ويقولُ أهلُ السَّماءِ: رُوحٌ طَيِّبةٌ جاءت من قِبَلِ الأرضِ، صلَّى اللهُ عليكِ وعلى جَسَدٍ كُنتِ تَعمُرينَه! فيُنطَلَقُ به إلى رَبِّه عزَّ وجَلَّ، ثمَّ يقولُ: انطَلِقوا به إلى آخِرِ الأجَلِ. قال: وإنَّ الكافِرَ إذا خرَجَت رُوحُه -قال حمَّادٌ: وذَكَر مِن نَتْنِها، وذَكَر لَعْنًا- ويقولُ أهلُ السَّماءِ: رُوحٌ خبيثةٌ جاءت مِن قِبَلِ الأرضِ! قال: فيُقالُ: انطَلِقوا به إلى آخِرِ الأجَلِ. قال أبو هُرَيرةَ: فردَّ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رَيْطةً كانت عليه على أنفِه هكذا!)) .
قال ابنُ القَيِّمِ: (فالجنَّةُ لا يَدخُلُها خبيثٌ، ولا مَن فيه شيءٌ من الخُبْثِ؛ فمن تطَهَّر في الدُّنيا ولَقِي اللهَ طاهِرًا من نجاساتِه دخَلها بغيرِ مُعَوِّقٍ، ومَن لم يتطَهَّرْ في الدُّنيا فإن كانت نجاستُه عينيَّةً، كالكافِرِ، لم يدخُلْها بحالٍ، وإن كانت نجاستُه كَسْبيَّةً عارِضةً دخَلَها بعدَ ما يتطَهَّرُ في النَّارِ من تلك النَّجاسةِ، ثمَّ يخرُجُ منها، حتَّى إنَّ أهلَ الإيمانِ إذا جازُوا الصِّراطَ حُبِسوا على قَنطَرةٍ بَيْنَ الجنَّةِ والنَّارِ، فيُهَذَّبون ويُنَقَّون من بقايا بَقِيَت عليهم، قَصَّرَت بهم عن الجنَّةِ، ولم توجِبْ لهم دُخولَ النَّارِ، حتَّى إذا هُذِّبوا ونُقُّوا أُذِنَ لهم في دخولِ الجنَّةِ) .

انظر أيضا:

  1. (1) ((إحياء علوم الدين)) للغزالي (3/122).
  2. (2) ((فيض القدير)) (5/22).
  3. (3) ((مختصر منهاج القاصدين)) لابن قدامة (ص: 242).
  4. (4) ((قوت القلوب)) (2/384).
  5. (5) الرَّيْطةُ: ثَوبٌ رقيقٌ. وقيل: هي الملاءةُ، وكان سبَبُ رَدِّها على الأنفِ بسَبَبِ ما ذُكِر من نَتْنِ ريحِ رُوحِ الكافِرِ. يُنظَر: ((المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج)) للنووي (17/205).
  6. (6) رواه مسلم (2872).
  7. (7) ((إغاثة اللهفان)) (1/56).