موسوعة الأخلاق والسلوك

ب- من السُّنَّةِ النَّبَويَّةِ


- قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا يقولَنَّ أحَدُكم: خَبُثَت نفسي، ولكِنْ لِيَقُلْ: لَقِسَت نفسي)) .
قَولُه: ((لَقِسَت نفسي)) أي: غَثَّت: واللَّقَسُ: الغَثَيانُ .
قال ابنُ القَيِّمِ: (فكَرِه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لفظَ الخُبْثِ؛ لبشاعتِه، وأرشَدَهم إلى العُدولِ إلى لَفظٍ هو أحسَنُ منه، وإن كان بمعناه؛ تعليمًا للأدَبِ في المنطِقِ، وإرشادًا إلى استعمالِ الحَسَنِ، وهَجرِ القَبيحِ من الأقوالِ، كما أرشَدَهم إلى ذلك في الأخلاقِ والأفعالِ) .
- عن أبي هُرَيرةَ قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((يَعقِدُ الشَّيطانُ على قافيةِ رأسِ أحَدِكم إذا هو نام ثَلاثَ عُقَدٍ، يَضرِبُ كُلَّ عُقدةٍ: عليك ليلٌ طويلٌ فارقُدْ، فإن استيقَظَ فذَكَر اللهَ انحَلَّت عُقدةٌ، فإن توضَّأ انحَلَّت عُقدةٌ، فإنْ صَلَّى انحَلَّت عُقدةٌ، فأصبح نشيطًا طَيِّبَ النَّفسِ، وإلَّا أصبح خبيثَ النَّفسِ كَسْلانَ)) .
قال ابنُ حَجَرٍ: (قَولُه: ((خبيثَ النَّفسِ))، أي: رديءَ النَّفسِ غَيرَ طَيِّبِها، أي: مهمومًا، وقد تُستعمَلُ في كَسَلِ النَّفسِ، وفي الصَّحيحِ: ((لا يقولَنَّ أحَدُكم: خَبُثَت نفسي)) ، كأنَّه كَرِه اللَّفظَ، والمرادُ بالخِطابِ المُسلِمون) .
- عن البَراءِ بنِ عازِبٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((... وإنَّ العبدَ الكافِرَ إذا كان في انقِطاعٍ مِنَ الدُّنيا وإقبالٍ مِنَ الآخِرةِ، نَزَل إليه مِن السَّماءِ مَلائكةٌ سُودُ الوُجوهِ، مَعَهمُ المُسُوحُ ، فيَجْلِسونَ منه مَدَّ البَصَرِ، ثُمَّ يَجيءُ مَلَكُ المَوتِ حتَّى يَجلِسَ عِندَ رَأسِه، فيَقولُ: أيَّتُها النَّفْسُ الخَبيثةُ، اخْرُجي إلى سَخَطٍ مِن اللهِ وغَضَبٍ! فتَفَرَّقُ في جسَدِه، فيَنتَزِعُها كَما يُنتزَعُ السَّفُّودُ مِنَ الصُّوفِ المَبلولِ، فيَأخُذُها، فإذا أخَذَها لَم يَدَعوها في يَدِه طَرفةَ عينٍ حتَّى يَجعَلوها في تِلك المُسوحِ، ويَخرُجُ مِنها كأنتَنِ رِيحِ جِيفةٍ وُجِدَت على وَجهِ الأرضِ، فيَصعَدونَ بها، فلا يَمُرُّون بها على ملأٍ من الملائكةِ إلَّا قالوا: ما هذا الرُّوحُ الخبيثُ؟ فيقولونَ: فُلانُ بنُ فُلانٍ، بأقبَحِ أسمائِه التي كان يُسَمَّى بها في الدُّنيا، حتَّى يُنتَهى به إلى السَّماءِ الدُّنيا، فيُستَفتَحُ له فلا يُفتَحُ له، ثمَّ قرأ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ [الأعراف: 40] فيقولُ اللهُ عزَّ وجَلَّ: اكتُبوا كتابَه في سِجِّينٍ في الأرضِ السُّفلى، فتُطرَحُ رُوحُه طَرْحًا، ثمَّ قرأ: وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ [الحج: 31] ، فتُعادُ رُوحُه في جَسَدِه، ويأتيه مَلَكانِ، فيُجلِسانه، فيقولان له: مَن ربُّك؟ فيقولُ: هاهْ هاهْ، لا أدري! فيقولانِ له: ما دينُك؟ فيقولُ: هاهْ هاهْ، لا أدري! فيقولانِ له: ما هذا الرَّجُلُ الذي بُعِث فيكم؟ فيقولُ: هاهْ هاهْ، لا أدري! فيُنادي منادٍ من السَّماءِ أن كَذَب، فأَفرِشوا له من النَّارِ، وافتَحوا له بابًا إلى النَّارِ، فيأتيه من حَرِّها وسَمومِها، ويُضَيَّقُ عليه قَبرُه حتَّى تختَلِفَ فيه أضلاعُه، ويأتيه رجُلٌ قبيحُ الوَجهِ، قبيحُ الثِّيابِ، مُنتِنُ الرِّيحِ، فيقولُ: أبشِرْ بالذي يَسوءُك! هذا يومُك الذي كُنتَ تُوعَدُ، فيقولُ: من أنت؟ فوَجهُك الوَجهُ يجيءُ بالشَّرِّ، فيقولُ: أنا عَمَلُك الخبيثُ، فيقولُ: رَبِّ لا تُقِمِ السَّاعةَ)) .
قال المُلَّا الهرويُّ: (... ((ثمَّ يجيءُ مَلَكُ الموتِ حتَّى يجلِسَ عِندَ رأسِه، فيقولُ: أيَّتُها النَّفسُ الخبيثةُ))، أي: خبيثةُ الخِصالِ، غيرُ مَرضيَّةِ الأعمالِ) .
- عن زينبَ بنتِ جَحشٍ رَضِيَ اللهُ عنها: ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم دَخَل عليها فَزِعًا يقولُ: لا إلهُ إلَّا اللهُ، وَيْلٌ للعَرَبِ مِن شَرٍّ قد اقتَرَب! فُتِح اليومَ مِن رَدمِ يأجوجَ ومأجوجَ مِثلُ هذه -وحَلَّق بإصبَعِه الإبهامِ والتي تليها- قالت زينبُ بنتُ جَحشٍ: فقُلتُ: يا رسولَ اللهِ، أنَهلِكُ وفينا الصَّالِحون؟ قال: نعَمْ، إذا كَثُر الخَبَثُ)) .
والخَبَثُ فَسَّره الجُمهورُ بالفُسوقِ والفُجورِ، وقيل: المرادُ الزِّنا خاصَّةً، وقيل: أولادُ الزِّنا، قال: النَّوويُّ: (والظَّاهِرُ أنَّه المعاصي مُطلَقًا) .

انظر أيضا:

  1. (1) رواه البخاري (6179)، ومسلم (2250) من حديثِ عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها.
  2. (2) ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) لابن الأثير (4/ 263).
  3. (3) ((الطرق الحكمية)) (ص: 41).
  4. (4) رواه البخاري (1142) واللفظ له، ومسلم (776).
  5. (5) رواه البخاري (6179)، ومسلم (2250) مطوَّلًا من حديثِ عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها.
  6. (6) ((فتح الباري)) لابن حجر (1/41).
  7. (7) المُسوحُ: جمعُ مِسحِ: وهو اللِّباسُ الخَشِنُ. يُنظَر: ((مرقاة المفاتيح)) للقاري (3/1179).
  8. (8) السَّفُّودُ: الحديدةُ التي يُشوى عليها اللَّحمُ. يُنظَر: ((الصحاح)) للجوهري (2/489).
  9. (9) رواه أبو داود (4753) بنحوه، وأحمد (18534) واللفظ له. صحَّحه القرطبي في ((التذكرة)) (119)، وابن القيم في ((الروح)) (1/269)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4753)، وحسنه المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (280/4)، وابن تَيميَّةَ في ((مجموع الفتاوى)) (4/290)، والوادعي في ((الصحيح المسند)) (150).
  10. (10) ((مرقاة المفاتيح)) (3/ 1179).
  11. (11) أخرجه البخاري (3346) ومسلم (2880).
  12. (12) ((المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج)) (18/ 3).