ج- مِن أقوالِ السَّلَفِ والعُلماءِ
- قال عَليُّ بنُ أبي طالِبٍ رَضيَ اللهُ عنه للأشعَثِ بنِ قَيسٍ: (إنَّك إن صَبَرتَ جَرى عليك القَلمُ وأنت مَأجورٌ، وإن جَزِعتَ جَرى عليك القَلمُ وأنتَ مَأزورٌ)
.
- و (قال مُحَمَّدُ بنُ كَعبٍ القُرَظيُّ: الجَزَعُ: القَولُ السَّيِّئُ، والظَّنُّ السَّيِّئُ)
.
- (وسُئِلَ القاسِمُ بنُ مُحَمَّدٍ عن الجَزَعِ، فقال: القَولُ السَّيِّئُ، والظَّنُّ السَّيِّئُ)
.
- وقال ابنُ السَّمَّاكِ: (المُصيبةُ واحِدةٌ، فإن جَزِعَ صاحِبُها فهما ثِنتانِ، وما مِن مُصيبةٍ إلَّا ومعها أعظَمُ منها؛ إن صَبرَ فالثَّوابُ، وإن جَزِعَ فسوءُ الخَلفِ، بكَونِ ما فاتَه مِن ثَوابِ اللهِ أعظَمَ مِن المُصيبةِ)
.
- و (قال مَنصورُ بنُ عَمَّارٍ: مَن جَزِعَ مِن مَصائِبِ الدُّنيا تحَوَّلَت مُصيبتُه في دينِهـ)
.
- عن إبراهيمَ بنِ بَشَّارٍ قال: نظَر
إبراهيمُ بنُ أدهَمَ إلى رَجُلٍ قد أُصيبَ بمالٍ ومَتاعٍ، ووَقَعَ الحَريقُ في دُكَّانِه فاشتَدَّ جَزَعُه حتى خولِطَ في عَقلِه، فقال: (يا عَبدَ اللهِ، إنَّ المالَ مالُ اللهِ، متَّعك به إذ شاءَ، وأخَذَه منك إذ شاءَ، فاصبِرْ لأمرِه ولا تجزَعْ؛ فإنَّ مِن تمامِ شُكرِ اللهِ على العافيةِ الصَّبرَ له على البليَّةِ، ومَن قدَّم وَجَد، ومَن أخَّرَ فقد نَدِم)
.
- وقال مالِكُ بنُ دينارٍ: (ما مِن أعمالِ البِرِّ عَمَلٌ إلَّا ودونَه عَقَبةٌ، فإن صَبَرَ صاحِبُها أفضَت به إلى رَوحٍ، وإن جَزِعَ رَجَعَ)
.
- وكَتَبَ القاضي الفاضِلُ إلى السُّلطانِ أثناءَ حِصارِ عَكَّا: (لا بُدَّ أن تَنفُذَ مَشيئةُ اللهِ في خَلقِه، ولا رادَّ لحُكمِه، فلا يتَسَخَّطْ مَولانا بشَيءٍ مِن قَدَرِه؛ فلَأَنْ يجريَ القَضاءُ وهو راضٍ مَأجورٌ خَيرٌ مِن أن يجريَ وهو ساخِطٌ مَوزورٌ، فيصطَليَ نارَ الشِّدَّةِ أعاذَه اللهُ منها، ولا يجِدُ راحةَ الثَّوابِ وفَّرَ اللهُ حَظَّه منهـ)
.
- وقال يحيى بنُ مُعاذٍ: (حُفَّت الجَنَّةُ بالمَكارِهِ وأنت تكرَهُها، وحُفَّت النَّارُ بالشَّهَواتِ وأنت تطلُبُها، فما أنت إلَّا كالمَريضِ الشَّديدِ الدَّاءِ؛ إن صَبرَ نفسَه على مَضَضِ الدَّواءِ اكتَسَبَ بالصَّبرِ عافيةً، وإن جَزِعَت نفسُه مِمَّا يلقى طالَت به عِلَّةُ الضَّنا)
.
- وقال أبو سَعيدٍ الخَرَّازُ: (العافيةُ سَتَرَت البَرَّ والفاجِرَ، فإذا جاءَت البلوى يتَبَيَّنُ عندَها الرِّجالُ)
.
- وقال شُمَيطُ بنُ عَجلانَ: (إنَّ العافيةَ سَتَرَت البَرَّ والفاجِرَ، فإذا جاءَت البلايا استَبانَ عندَها الرَّجُلانِ؛ فجاءَت البلايا إلى المُؤمِنِ فأذهَبَت مالَه وخادِمَه ودابَّتَه حتى جاعَ بَعدَ الشِّبَعِ، ومَشى بَعدَ الرُّكوبِ، وخَدَمَ نفسَه بَعدَ أن كان مَخدومًا، فصَبَرَ ورَضيَ بقَضاءِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، وقال: هذا نظَرٌ مِن اللهِ عَزَّ وجَلَّ لي، هذا أهونُ لحِسابي غَدًا. وجاءَت البلايا إلى الفاجِرِ فأذهَبت مالَه وخادِمَه ودابَّتَه، فجَزِع وهَلَع، وقال: واللهِ ما لي بهذا طاقةٌ، واللهِ لقد عَوَّدتُ نفسي عادةً ما لي عنها صَبرٌ مِن الحُلوِ والحامِضِ، والحارِّ والبارِدِ، ولينِ العَيشِ، فإن هو أصابَه مِن الحَلالِ وإلَّا طَلَبَه مِن الحَرامِ والظُّلمِ؛ ليعودَ إليه ذلك العَيشُ).
- وقال
الجاحِظُ: (وهذا الخُلقُ -أي الجَزَعُ- مُرَكَّبٌ مِن الخُرقِ
والجُبنِ، وهو مُستَقبَحٌ إذا لم يكُنْ مُجديًا ولا مُفيدًا)
.
- وقال
الجاحِظُ: (اعلَمْ أنَّ الحُكَماءَ لم تذُمَّ شَيئًا ذَمَّها أربَعَ خِلالٍ: الكَذِبُ؛ فإنَّه جِماعُ كُلِّ شَرٍّ، وقد قالوا: لم يكذِبْ أحَدٌ قَطُّ إلَّا لصِغَرِ قَدرِ نفسِه عندَه. والغَضَبُ؛ فإنَّه لُؤمٌ وسوءُ مَقدِرةٍ، وذاك أنَّ الغَضَبَ ثَمَرةٌ لخِلافِ ما تهوى النَّفسُ، فإن جاءَ الإنسانَ خِلافُ ما يهوى مِمَّن فوقَه أغضى وسَمَّى ذلك حُزنًا، وإن جاءَه ذلك مِمَّن دونَه حَمَلَه لُؤمُ النَّفسِ وسوءُ الطِّباعِ على الاستِطالةِ بالغَضَبِ، والمَقدرةِ والبَسطةِ على البَطشِ. والجَزَعُ عندَ المُصيبةِ التي لا ارتِجاعَ لها؛ فإنَّهم لم يجعَلوا لصاحِبِ الجَزَعِ في مِثلِ هذا عُذرًا، لِما يتَعَجَّلُ مِن غَمِّ الجَزَعِ مع عِلمِه بفَوتِ المَجزوعِ عليه، وزَعَموا أنَّ ذلك مِن إفراطِ الشَّرَهِ، وأنَّ أصلَ الشَّرَهِ والحَسَدِ واحِدٌ وإن افتَرَقَ فرعاهما، وذَمُّوا الحَسَدَ كذَمِّهم الجَزَعَ؛ لِما يتَعَجَّلُ صاحِبُه مِن ثِقَلِ الاغتِمامِ، وكُلفةِ مُقاساةِ الاهتِمامِ، مِن غَيرِ أن يُجديَ عليه شَيئًا)
.
- وقال أبو اللَّيثِ السَّمَرقَنديُّ: (الجَزَعُ لا يُرَدُّ مَيِّتًا، ويُبطِلُ ثَوابَ المُصيبةِ؛ لأنَّ الذي يجزَعُ على المُصيبةِ إنَّما يشكو رَبَّه، ويرُدُّ قَضاءَهـ)
.
- وقال
ابنُ حَزمٍ: (إنَّ إظهارَ الجَزَعِ عندَ حُلولِ المَصائِبِ مَذمومٌ؛ لأنَّه عَجزَ مَظهَرُه عن مَلْكِ نفسِه، فأظهَرَ أمرًا لا فائِدةَ فيه، بل هو مَذمومٌ في الشَّريعةِ، وقاطِعٌ عَمَّا يلزَمُ مِن الأعمالِ وعن التَّأهُّبِ لِما يُتوَقَّعُ حُلولُه مِمَّا لعَلَّه أشنَعُ مِن الأمرِ الواقِعِ الذي عنه حَدَثَ الجَزَعُ... فلمَّا كان إظهارُ الجَزَعِ مَذمومًا، كان ضِدُّه مَحمودًا، وهو إظهارُ الصَّبرِ؛ لأنَّه مَلْكُ النَّفسِ، واطِّراحٌ لِما لا فائِدةَ فيه، وإقبالٌ على ما يعودُ ويُنتَفَعُ به في الحالِ وفي المُستَأنَفِ)
.
- - وقال
ابنُ الجَوزيِّ: (الجَزَعُ لا يُفيدُ، بل يفضَحُ صاحِبَهـ)
.
- وقال
ابنُ تيميَّة: (قال بَعضُ العُقَلاءِ: الأُمورُ أمرانِ: أمرٌ فيه حيلةٌ، وأمرٌ لا حيلةَ فيه؛ فما فيه حيلةٌ لا يُعجَزُ عنه، وما لا حيلةَ فيه لا يُجزَعُ منهـ)
.
- وقال
ابنُ القَيِّمِ: (الجَزَعُ يُشمِتُ عَدوَّه، ويَسوءُ صَديقَه، ويُغضِبُ رَبَّه، ويَسُرُّ شَيطانَه، ويُحبِطُ أجرَه، ويُضعِفُ نفسَهـ)
.