موسوعة الأخلاق والسلوك

حادِيَ عَشَرَ: مَسائِلُ مُتفَرِّقةٌ


هل يَلزَمُ أن يكونَ التَّمَسُّكُ بما كان عليه الأقدَمون تعَصُّبًا ممقوتًا؟
والجوابُ: أنَّ هذا ممَّا قد يختَلِطُ في بعضِ الأذهانِ، فلا تَفهَمُ الفَرقَ بَينَ التَّمسُّكِ المحمودِ بالحَقِّ ولو كان بالقديمِ، وبَينَ التَّعَصُّبِ الجاهِليِّ المذمومِ، وقد تلاعَب البعضُ في هذا المعنى، وأوهَموا متَّبِعيهم أنَّ الاستِمساكَ بشَريعةِ اللهِ، والأخذَ بما ثبَت فيها، والمحافَظةَ على ما كان عليه السَّلَفُ الصَّالحُ من عقيدةٍ صالحةٍ وعَمَلٍ صالحٍ: لونٌ من ألوانِ التَّعَصُّبِ المذمومِ! وهذا من الباطِلِ الذي لا ينبغي أن يَرُوجَ على عُقَلاءِ المُسلِمين [1831] يُنظر ((أجنحة المكر الثلاثة)) لعبد الرحمن حبنكة (1/298-299). .
- التَّعَصُّبُ المَذهَبيُّ من أسبابِ عَدَمِ قَبولِ الجَرحِ في الرَّاوي
قال السُّبكيُّ: (الصَّوابُ عِندَنا أنَّ من ثبتَت إمامتُه وعدالتُه وكَثُر مادِحوه ومُزَكُّوه، وندَر جارِحُه، وكانت هناك قرينةٌ دالَّةٌ على سَبَبِ جَرحِه من تعَصُّبٍ مَذهَبيٍّ أو غيرِه؛ فإنَّا لا نلتَفِتُ إلى الجَرحِ فيه، ونعمَلُ فيه بالعدالةِ، وإلَّا فلو فتَحْنا هذا البابَ أو أخَذْنا تقديمَ الجَرحِ على إطلاقِه لَمَا سَلِم لنا أحَدٌ من الأئمَّةِ؛ إذ ما مِن إمامٍ إلَّا وقد طَعَن فيه طاعِنون، وهَلَك فيه هالِكون) [1832] ((طبقات الشافعية الكبرى)) (2/ 9). .
وقال أيضًا: (الجارِحُ لا يُقبَلُ منه الجَرحُ وإن فَسَّره في حَقِّ من غَلَبت طاعاتُه على معاصيه، ومادِحوه على ذامِّيه، ومُزَكُّوه على جارِحيه، إذا كانت هناك قرينةٌ يَشهَدُ العقلُ بأنَّ مِثلَها حامِلٌ على الوقيعةِ في الذي جرَحَه؛ من تعَصُّبٍ مذهبيٍّ، أو مُنافَسةٍ دُنيويَّةٍ، كما يكونُ من النُّظَراءِ، أو غيرِ ذلك) [1833] ((طبقات الشافعية الكبرى)) (2/ 12). .
- تجاوُزُ الحُدودِ الشَّرعيَّةِ في التَّعَصُّبِ للحَقِّ قد يحَوِّلُه إلى تعصُّبٍ مذمومٍ؛ فمع أنَّ النَّقدَ الموضوعيَّ، والتَّنبيهَ على الأخطاءِ، والتَّحذيرَ من المخالفاتِ: أمرٌ مطلوبٌ ومُهِمٌّ؛ فإنَّ هناك من يتعدَّى أدَبَ النَّقدِ والنُّصحِ، مع أنَّه قد يكونُ مُحِقًّا؛ حيثُ يتجاوَزُ حُدودَ الشَّرعِ في تعصُّبِه للحَقِّ، في أسلوبِ التَّبليغِ أو النُّصحِ، أو في التَّطبيقِ، أو في الإنكارِ على المُخالِفين، حتَّى يُفسِدَ أكثَرَ ممَّا يُصلِحُ، كمَن يدعو النَّاسَ إلى سُنَّةٍ ثابتةٍ غيرِ واجِبةٍ، لكِنَّه يجعَلُها أساسًا يُصَنِّفُ النَّاسَ عليها، ويُفَرِّقُ في المعاملةِ بَينَهم بسَبَبِها، أو كمَن يدعو إلى اتِّباعِ مَنهَجِه في الدَّعوةِ، لكِنَّه يتعصَّبُ له إلى دَرَجةِ تسفيهِ المناهِجِ الدَّعَويَّةِ الأُخرى حتَّى إن كانت صحيحةً وسليمةً من البِدَعِ أو المُخالَفاتِ [1834] يُنظر: ((موسوعة وصايا للدعاة إلى الله)) لأمير بن محمد (1/481). .

انظر أيضا: