موسوعة الأخلاق والسلوك

ثامنًا: نماذِجُ من التَّعَصُّبِ


تعصُّبُ الرَّافِضةِ:
كانوا مِن تعَصُّبِهم ضِدَّ الصَّحابةِ (يَنفِرون عمَّن اسمُه أبو بكرٍ وعُمَرُ وعُثمانُ؛ لبُغضِهم لشَخصٍ كان اسمُه هذا الاسمَ!.. ومِن تعَصُّبِهم أنَّهم إذا وَجَدوا مُسَمًّى بعَليٍّ أو جَعَفٍر أو الحَسَنِ أو الحُسَينِ بادَروا إلى إكرامِه، مع أنَّه قد يكونُ فاسِقًا، وقد يكونُ في الباطِنِ سُنِّيًّا؛ فإنَّ أهلَ السُّنَّةِ يُسَمُّون بهذه الأسماءِ، كُلُّ هذا من التَّعَصُّبِ والجَهلِ) [1819] ((منهاج السنة النبوية)) (4/ 140، 144). . ثمَّ ذَكَر صُورًا أُخرى من تعَصُّبِهم.
الحَصْكَفيُّ وتَعصُّبُه لمذهَبِ أبي حنيفةَ:
فقد نَقَل شِعرًا فيه مدحٌ لأبي حنيفةَ وغُلُوٌّ في الأخذِ بمَذهَبِه، ومنه:
فلَعنةُ رَبِّنا أعدادَ رَملٍ
على مَن رَدَّ قولَ أبي حَنيفةَ [1820] ((الدر المختار)) لعلاء الدين الحصكفي (ص: 14). .
الكَرْخيُّ وكلامُه في الانتصارِ لمذهَبِ أبي حَنيفةَ:
قال الكَرْخيُّ: (الأصلُ: أنَّ كُلَّ آيةٍ تُخالِفُ قَولَ أصحابِنا فإنَّها تُحمَلُ على النَّسخِ أو على التَّرجيحِ، والأَولى أن تُحمَلَ على التَّأويلِ مِن جِهةِ التَّوفيقِ) [1821] ((أصول الكرخي)) (ص: 11). .
أبو إسماعيلَ الأنصاريُّ ووِصايتُه بالمَذهَبِ الحَنبَليِّ:
قال محمَّدُ بنُ طاهرٍ: سَمِعتُه يُنشِدُ على مِنبَرِه:
أنا حَنبَليٌّ ما حَيِيتُ وإنْ أَمُتْ
فوَصِيَّتي للنَّاسِ أن يَتحَنْبَلوا [1822] يُنظر: ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (18/506). .
التَّعصبُ بإبطالِ صلاةِ الحنفيٍّ خلفَ شافعيٍّ
وصل الخِلافُ المذهَبيُّ بَينَ المُقَلِّدين إلى أنَّ كثيرًا من فُقَهاءِ الأحنافِ قد أفتَوا ببُطلانِ صَلاةِ الحَنَفيِّ وراءَ إمامٍ شافعيٍّ! قال ابنُ الهُمامِ: قال أبو اليُسْرِ: اقتداءُ الحنَفيِّ بشافِعيٍّ غيرُ جائزٍ؛ لِما روى مكحولٌ النَّسَفيُّ في كتابٍ له سمَّاه الشُّعاعَ: أنَّ رَفْعَ اليَدَينِ في الصَّلاةِ عِندَ الرُّكوعِ والرَّفعِ منه مُفسِدٌ بناءً على أنَّه عمَلٌ كثيرٌ، ومنهم من قَيَّدَ جوازَ الاقتداءِ به -كقاضي خانَ- بألَّا يكونَ مُتعَصِّبًا ولا شاكًّا في إيمانِه، ويُحتاطُ في موضوعِ الخِلافِ، وقد ردَّ الشَّافعيَّةُ على هذه التَّهَجُّماتِ الحَنَفيَّةِ بأن ألَّفوا كتُبًا ينتَقَّصون فيها مَذهَبَ الحنَفيَّةِ [1823] من مقدمة تحقيق كتاب ((إرشاد النقاد إلى تيسير الاجتهاد للصنعاني)) تحقيق صلاح الدين مقبول (ص: 18). .
منعُ بعضِهم من مُناكَحةِ الشَّافِعيَّةِ:
لقد وَصَل الخِلافُ إلى أن مَنَع بعضُ الفُقَهاءِ الأحنافِ تزَوُّجَ الحَنَفيِّ من المرأةِ الشَّافعيَّةِ! ثمَّ صدرت فتوى من فقيهٍ آخَرَ مُلقَّبٍ بمُفتي الثَّقَلَين، فأجاز تزوُّجَ الحَنَفيِّ بالشَّافعيَّةِ، وعلَّل ذلك بقولِه: تنزيلًا لها منزلةَ أهلِ الكتابِ [1824] من مقدمة تحقيق كتاب ((إرشاد النقاد إلى تيسير الاجتهاد للصنعاني)) تحقيق صلاح الدين مقبول (ص: 20). !
قال ابنُ نُجَيمٍ الحَنَفيُّ عن المنعِ من مناكَحتِهم: (وليس هو إلَّا محْضَ تَعَصُّبٍ، نعوذُ باللهِ من شُرورِ أنفُسِنا، وسَيِّئاتِ أعمالِنا) [1825] ((البحر الرائق شرح كنز الدقائق)) (2/ 50). .
الحروبُ بسَبَبِ التَّعَصُّبِ المَذهَبيِّ:
قال الحَمَويُّ في وَصفِ مدينةِ أصبَهانَ: (وقد فَشا الخَرابُ في هذا الوقتِ وقَبلَه في نواحيها؛ لكَثرةِ الفِتَنِ، والتَّعَصُّبِ بَينَ الشَّافعيَّةِ والحَنَفيَّةِ، والحُروبِ المتَّصِلةِ بَينَ الحِزبَينِ؛ فكُلَّما ظهَرت طائِفةٌ نَهَبت محلَّةَ الأُخرى وأحرقَتْها وخرَّبَتْها، لا يأخُذُهم في ذلك إلٌّ ولا ذِمَّةٌ) [1826] ((معجم البلدان)) (1/ 209). .
من صُوَرِ تعَدِّي بَعضِ المتعَصِّبين:
قال محمَّد رشيد رضا: (بعضُ الحَنَفيَّةِ من الأفغانيِّين سَمِع رجُلًا يقرأُ الفاتحةَ وهو بجانِبِه في الصَّفِّ، فضَرَبه بمجموعِ يَدِه على صَدرِه ضَربةً وَقَع بها على ظَهرِه، فكاد يموتُ!
وبلَغَني أنَّ بعضَهم كَسَر سَبَّابةَ مُصَلٍّ؛ لرَفْعِه إيَّاها في التَّشَهُّدِ! وقد بلَغ من إيذاءِ بعضِ المتعَصِّبين لبعضٍ في طَرابُلْسِ الشَّامِ في آخِرِ القَرنِ الماضي أنْ ذهَب بعضُ شُيوخِ الشَّافعيَّةِ إلى المفتي، وهو رئيسُ العُلَماءِ، وقال له: اقسِمِ المساجِدَ بَينَنا وبَينَ الحنَفيَّةِ؛ فإنَّ فُلانًا من فُقَهائِهم يَعُدُّنا كأهلِ الذِّمَّةِ!) [1827] ((مجلة المنار)) (26/ 276). .

انظر أيضا: