موسوعة الأخلاق والسلوك

ب- مِنَ السُّنَّةِ النَّبَويَّةِ


- عن عَمرِو بنِ شُعَيبٍ، عن أبيه، عن جَدِّه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((كُلُوا واشرَبوا وتصَدَّقوا والبَسوا، ما لم يخالِطْه إسرافٌ أو مَخِيلةٌ)) [323] أخرجه النسائي (2559)، وابن ماجه (3605) واللَّفظُ له، وأحمد (6695). حسَّنه ابنُ حجر في ((الأمالي المطلقة)) (32)، والألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (3605)، وصحَّح إسنادَه أحمد شاكر في ((مسند أحمد)) (10/78)، وحَسَّنه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (6695). .
قال ابنُ حَجَرٍ: (ووَجهُ الحَصرِ في الإسرافِ والمَخِيلةِ: أنَّ الممنوعَ من تناوُلِه أكلًا ولُبسًا وغَيرَهما: إمَّا لمعنًى فيه، وهو مجاوزةُ الحَدِّ، وهو الإسرافُ، وإمَّا للتعَبُّدِ كالحريرِ إن لم تَثبُتْ عِلَّةُ النَّهيِ عنه، وهو الرَّاجِحُ، ومجاوَزةُ الحَدِّ تتناوَلُ مخالفةَ ما ورد به الشَّرعُ، فيدخُلُ الحرامُ، وقد يستلزِمُ الإسرافُ الكِبرَ، وهو المَخِيلةُ. قال الموفَّقُ عبدُ اللَّطيفِ البغداديُّ: هذا الحديثُ جامِعٌ لفضائِلِ تدبيرِ الإنسانِ نَفسَه، وفيه تدبيرُ مصالحِ النَّفسِ والجَسَدِ في الدُّنيا والآخِرةِ؛ فإنَّ السَّرَفَ في كُلِّ شيءٍ يَضُرُّ بالجسَدِ، ويَضُرُّ بالمعيشةِ، فيؤدِّي إلى الإتلافِ، ويَضُرُّ بالنَّفسِ؛ إذ كانت تابعةً للجَسَدِ في أكثَرِ الأحوالِ، والمَخِيلةُ تَضُرُّ بالنَّفسِ؛ حيثُ تَكسِبُها العُجبَ، وتَضُرُّ بالآخِرةِ؛ حيثُ تَكسِبُ الإثمَ، وبالدُّنيا؛ حيثُ تَكسِبُ المقْتَ من النَّاسِ) [324] ((فتح الباري)) لابن حجر (10/253). .
- وعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ اللهَ يَرضَى لكم ثَلاثًا، ويَكرهُ لكم ثَلاثًا: فيَرضَى لكم أن تَعبُدوهُ، ولا تُشرِكوا به شيئًا، وأن تَعتَصِموا بحَبلِ اللهِ جَميعًا ولا تَفَرَّقوا، ويَكرَهُ لكم قيلَ وقال، وكَثرةَ السُّؤالِ، وإضاعةَ المالِ)) [325] أخرجه مسلم (1715). .
قال العينيُّ: (قَولُه: وإضاعةَ المالِ، هو صَرفُه في غيرِ ما ينبغي) [326] ((عمدة القاري)) للعيني (25/34). .
وذكَر القاريُّ عن الطِّيبيِّ قولَه: (قيل: والتَّقسيمُ الحاصِرُ فيه الحاوي بجميعِ أقسامِه أن تقولَ: إنَّ الذي يُصرَفُ إليه المالُ إمَّا أن يكونَ واجِبًا، كالنَّفَقةِ والزَّكاةِ ونَحوِهما، فهذا لا ضياعَ فيه، وهكذا إن كان مندوبًا إليه، وإمَّا أن يكونَ مُباحًا، ولا إشكالَ إلَّا في هذا القِسمِ؛ إذ كثيرٌ من الأمورِ يَعُدُّه بعضُ النَّاسِ من المباحاتِ، وعند التَّحقيقِ ليس كذلك؛ كتشييدِ الأبنيةِ وتزيينِها، والإسرافِ في النَّفَقةِ، والتَّوسُّعِ في لُبسِ الثِّيابِ النَّاعِمةِ، والأطعِمةِ الشَّهيَّةِ اللَّذيذةِ، وأنت تعلَمُ أنَّ قساوةَ القَلبِ وغِلَظَ الطَّبعِ يتولَّدُ من لُبسِ الرِّقاقِ، وأكلِ الرُّقاقِ، وسائِرِ أنواعِ الارتفاقِ، ويدخُلُ فيه تمويهُ الأواني والسُّقوفِ بالذَّهَبِ والفِضَّةِ، وسوءُ القيامِ على ما يملِكُه من الرَّقيقِ والدَّوابِّ، حتَّى تضيعَ وتَهلِكَ، وقسمةُ ما لا ينتَفِعُ الشَّريكُ به، كاللُّؤلؤةِ والسَّيفِ يُكسَرانِ، وكذا احتمالُ الغَبِن الفاحشِ [327] الغَبْنُ الفاحِشُ: هو ما لا يدخُلُ تحتَ تقويمِ المقَوِّمين. ((التعريفات)) للجرجاني (ص: 161). في البِياعاتِ، وإيتاءُ المالِ صاحِبَه وهو سَفيهٌ حقيقٌ بالحَجْرِ، وهذا الحديثُ أصلٌ في معرفةِ حُسنِ الخُلُقِ الذي هو مَنبَعُ الأخلاقِ الحميدةِ، والخِلالِ الجميلةِ) [328] ((مرقاة المفاتيح)) لملا علي القاري (7/3082). .
- وعن عَمرِو بنِ شُعَيبٍ، عن أبيه، عن جَدِّه: أنَّ رَجُلًا أتى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: إنِّي فقيرٌ ليس لي شَيءٌ، ولي يتيمٌ، قال: ((كُلْ من مالِ يتيمِك غيرَ مُسرِفٍ ولا مُبادِرٍ ولا مُتأثِّلٍ)) [329] أخرجه أبو داود (2872)، والنسائي (3668) واللَّفظُ لهما، وابن ماجه (2718). صحَّحه الألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (3668)، وصحَّح إسنادَه أحمد شاكر في ((مسند أحمد)) (11/192)، وحسَّنه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (2872). .
قولُه: ( "ولي يتيمٌ": أراد أنَّه قَيِّمٌ له؛ ولذا أضاف اليتيمَ إلى نفسِه؛ ولذلك رخَّص له أن يأكُلَ من مالِه بالمعروفِ، "غيرَ مُسرِفٍ": أي: غيرَ مُفْرِطٍ ومتصَرِّفٍ فوقَ الحاجةِ، "ولا مُبادِرٍ" : بالدَّالِ المُهمَلةِ، أي: مُستعجِلٍ في الأخذِ من مالِه قبلَ حُضورِ الحاجةِ، ذكَرَه ابنُ المَلِكِ، والأظهَرُ أنَّ المرادَ به: غيرَ مُبادِرٍ بُلوغَه وكِبَرَه؛ لقَولِه تعالى وجَلَّ شأنُه: وَلَا تَأْكُلُوها إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا [النساء: 6] ، وقال القاضي: أي: لا يُسرِفْ في الأكلِ فيأكُلَ منه أكثَرَ ممَّا يحتاجُ إليه، ولا يُبذِّرْ فيتَّخِذَ منه أطعِمةً لا تليقُ بالفُقَراءِ، ويُعَدُّ ذلك تبذيرًا منهم، "ولا مُتأثِّلٍ": بتشديدِ المثَلَّثةِ المكسورةِ، أي: غيرَ جامعٍ مالًا من مالِ اليتيمِ، مِثلُ: أن يتَّخِذَ من مالِه رأسَ مالٍ فيتَّجِرَ فيه) [330] ((مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح)) للقاري (6/ 2198). .
وفي بعضِ الرِّواياتِ ((ولا مُباذِرٍ)) بالذَّالِ، والمباذِرُ والمُبَذِّرُ: المُسرِفُ في النَّفَقةِ [331] ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) لابن الأثير (1/ 110). .

انظر أيضا: