نماذِجُ مِن عَفوِ السَّلَفِ
- حُكِيَ عن مُصعَبِ بنِ الزُّبَيرِ أنَّه لمَّا وَلِيَ العِراقَ، جلَس يومًا لعطاءِ الجُندِ، وأمَر مناديَه فنادى: أين عمرُو بنُ جُرموزٍ؟ وهو الذي قَتَل أباه
الزُّبَيرَ، فقيل له: (أيُّها الأميرُ، إنَّه قد تباعَد في الأرضِ. فقال: أو يَظُنُّ الجاهِلُ أنِّي أُقيدُه
بأبي عبدِ اللَّهِ؟ فلْيَظهَرْ آمِنًا ليأخُذَ عَطاءَه مُوَفَّرًا!)
.
- وعن عبدِ الغَفَّارِ بنِ القاسِمِ، قال: كان
عليُّ بنُ الحُسَينِ خارِجًا من المسجِدِ فلَقِيَه رجُلٌ فسَبَّه، فثارت إليه العبيدُ والموالي، فقال
عليُّ بنُ الحُسَينِ: مَهلًا عن الرَّجُلِ. ثمَّ أقبل على الرَّجُلِ، فقال: ما سُتِر عنك من أمرِنا أكثَرُ! ألك حاجةٌ نُعينك عليها؟ فاستحيا الرَّجُلُ، فألقى عليه خَميصةً كانت عليه، وأمَر له بألفِ دِرهَمٍ. فكان الرَّجُلُ بعدَ ذلك يقولُ: أشهَدُ أنَّك من أولادِ الرَّسولِ
.
- وقال أبو يعقوبَ المَدَنيُّ: (كان بَيْنَ حَسَنِ بنِ حَسَنٍ وبينَ ابنِ عَمِّه
عليِّ بنِ الحُسَينِ شيءٌ، فما تَرَك حسَنٌ شيئًا إلَّا قاله، وعليٌّ ساكِتٌ، فذهَب حَسَنٌ، فلمَّا كان في اللَّيلِ أتاه عليٌّ، فخرج، فقال عليٌّ: يا ابنَ عَمِّي، إن كنتَ صادِقًا فغَفَر اللَّهُ لي، وإن كنتَ كاذِبًا فغَفَر اللَّهُ لك، السَّلامُ عليك. قال: فالتَزَمه حَسَنٌ، وبكى، حتَّى رثى له)
.
- وعن حُسَينٍ الجُعْفيِّ، قال: (كنتُ عِندَ عبدِ المَلِكِ بنِ أبجَرَ وقد أَبَق غلامٌ له، وكان له بابانِ، فلم يَعلَمْ حتى جاء الغلامُ، فقال له عبدُ المَلِكِ: فلانُ وَيْحَك أَبَقْتَ؟! لم تُقبَلْ لك صلاةٌ، مِن أيِّ بابٍ خرَجْتَ؟ أأحدٌ خيرٌ لك مِنَّا؟ ما أحسَبُك تجِدُ أحَدًا خيرًا لك منَّا؟ مِن أيِّ بابٍ خرَجْتَ حينَ ذهَبْتَ؟ قال: من هذا البابِ، قال: ادخُلْ منه وأستَغفِرُ اللَّهَ لك، يا فلانةُ أطعِميه؛ فإنِّي أحسَبُه جائِعًا!)
.
- عن مَعمَرٍ، قال: (صَكَّ رَجُلٌ ابنًا لقتادةَ فاستعدى عليه عِندَ بلالِ بنِ أبي بُردةَ فلم يلتَفِتْ إليه، فشكاه إلى القسريِّ فكَتَب إليه: إنَّك لم تُنصِفْ أبا الخطَّابِ، فدعاه ودعا وجوهَ أهلِ البصرةِ يتشَفَّعون إليه، فأبى أن يُشَفِّعَهم، فقال له: صُكَّه كما صَكَّك، فقال لابنِه: يا بُنَيَّ، احسِرْ عن ذراعَيك، وارفَعْ يَدَيك وشُدَّ، قال: فحَسَر عن ذراعَيه، ورَفَع يَدَيه، فأمسَك قتادةُ يَدَه وقال: قد وهَبْناه للهِ؛ فإنَّه كان يُقالُ: لا عَفْوَ إلَّا بعدَ قُدرةٍ!)
.
- وقال بعضُ أصحابِ ابنِ عَونٍ: كان لابنِ عَونٍ ناقةٌ يغزو عليها، ويحُجُّ عليها، وكان بها مُعجَبًا، فأمَر غُلامًا له يستقي عليها، فجاء بها وقد ضرَبَها على وَجهِها، فسالت عينُها على خَدِّها! فقُلْنا: إن كان من ابنِ عونٍ شيءٌ فاليومَ! قال: فلم يلبَثْ أنْ نَزَل إلينا، فلمَّا نَظَر إلى النَّاقةِ قال: سُبحانَ اللَّهِ! أفلا غَيْرَ الوَجهِ بارَك اللَّهُ فيك؟! اخرُجْ عنِّي، اشهَدوا أنَّه حُرٌّ
.
- وعن إبراهيمَ التَّيميِّ، قال: (إن كان الرَّجُلُ مِنَ الحَيِّ ليَجيءُ فيَسُبُّ الحارِثَ بنَ سُوَيدٍ فيَسكُتُ، فإذا سكَتَ قام فنَفَض رداءَه ودَخَل!)
.
- و(جعلَت جاريةٌ ل
عليِّ بنِ الحُسَينِ تسكُبُ عليه الماءَ يتهَيَّأُ للصَّلاةِ فسقَطَ الإبريقُ من يدِ الجاريةِ على وَجهِه فشَجَّه، فرفع
عليُّ بنُ الحُسَينِ رأسَه إليها، فقالت الجاريةُ: إنَّ اللهَ عزَّ وجَلَّ يقولُ:
وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ، فقال لها: قد كظَمْتُ غيظي. قالت:
وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ، قال: قد عفا اللهُ عنكِ. قالت:
وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران: 134] ، قال: فاذهَبي فأنتِ حُرَّةٌ
.
- وقال الأحنَفُ بنُ قَيسٍ: (رأيتُ قَيسَ بنَ عاصِمٍ المِنقَريَّ يومًا قاعِدًا بفناءِ دارِه محتَبيًا
بحمائِلِ
سيفِه يُحَدِّثُ قَومَه، إذ أُتيَ برجُلٍ مكتوفٍ
، وآخَرَ مقتولٍ، فقيل له: هذا ابنُ أخيك قَتَل ابنَك! قال: فواللَّهِ ما حَلَّ حَبوتَه، ولا قَطَع كلامَه! فلمَّا أتمَّه التَفَت إلى ابنِ أخيه، فقال: يا بنَ أخي، بِئسَ ما فعَلْتَ! أثِمْتَ برَبِّك، وقطَعْتَ رَحِمَك، وقتَلْتَ ابنَ عَمِّك، ورَمَيتَ نفسَك بسَهمِك، ثمَّ قال لابنٍ له آخَرَ: قُمْ يا بُنَيَّ فوارِ أخاك، وحُلَّ كتافَ ابنِ عمِّك، وسُقْ إلى أمِّك مائةَ ناقةٍ دِيةَ ابنِها؛ فإنَّها غريبةٌ
!