موسوعة الأخلاق والسلوك

ج- من أقوالِ السَّلَفِ والعُلَماءِ وغَيرِهم


- قيل للحَسَنِ بنِ عَليٍّ رَضِيَ اللَّهُ عنهما: فيك عَظَمةٌ؟ قال: لا، بل فيَّ عِزَّةُ اللهِ تعالى؛ قال اللهُ تعالى: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ [المنافقون: 8] .
- وعن سُفيانَ بنِ عُيَينةَ قال: (ثنا أبو موسى، قال: سمِعتُ الحَسَنَ يقولُ، وأتاه رجلٌ فقال: إني أريدُ السِّندَ فأوصِني، قال: حيثما كنتَ فأعِزَّ اللهَ يُعِزَّك. قال: فحَفِظتُ وَصيَّتَه، فما كان بها أحدٌ أعَزَّ مني حتى رجَعْتُ) .
- وقال إبراهيمُ بنُ شيبانَ: (الشَّرَفُ في التَّواضُعِ، والعِزُّ في التَّقوى، والحُرِّيَّةُ في القناعةِ) .
- وعن سُفيانَ الثَّوريِّ أنَّه قال: (أعَزُّ الخَلقِ خمسةُ أنفُسٍ: عالمٌ زاهدٌ، وفقيهٌ صوفيٌّ، وغنيٌّ متواضِعٌ، وفقيرٌ شاكرٌ، وشريفٌ سُنِّيٌّ) .
- وقال الغزاليُّ: (من رزقه القناعةَ حتَّى استغنى بها عن خَلقِه، وأمدَّه بالقُوَّةِ والتَّأييدِ حتَّى استولى بها على صفاتِ نفسِه؛ فقد أعزَّه، وآتاه المُلكَ عاجِلًا، وسيُعِزُّه في الآخرةِ بالتَّقريبِ) .
- وقال أيضًا: (العزيزُ مِن العبادِ: من يحتاجُ إليه عبادُ اللهِ في أهمِّ أمورِهم، وهي الحياةُ الأخرويَّةُ، والسَّعادةُ الأبَديَّةُ، وذلك ممَّا يَقِلُّ -لا محالةَ- وجودُه، ويَصعُبُ إدراكُه، وهذه رتبةُ الأنبياءِ -صلواتُ اللهِ عليهم أجمعين- ويشارِكُهم في العِزِّ من ينفَرِدُ بالقُربِ من درجتِهم في عَصرِه، كالخُلَفاءِ وورثتِهم من العُلَماءِ، وعِزَّةُ كُلِّ واحدٍ منهم بقَدْرِ عُلُوِّ رتبتِه عن سُهولةِ النَّيلِ والمشاركةِ، وبقَدرِ عنائِه في إرشادِ الخَلقِ) .
- وقال زيادٌ: (يُعجِبُني من الرَّجُلِ إذا ... سِيمَ خُطَّةَ خَسفٍ أن يقولَ: لا، بملءِ فيهـ) .
- وقال شَريكُ بنُ عبدِ اللَّهِ النَّخعيُّ: (أعِزَّ أمرَ اللَّهِ يُعِزَّك اللَّهُ) .
- وقال ابنُ الحاجِّ: (من أراد الرِّفعةَ فليتواضَعْ للهِ تعالى؛ فإنَّ العزَّةَ لا تقعُ إلَّا بقَدرِ النُّزولِ؛ ألا ترى أنَّ الماءَ لمَّا نزَل إلى أصلِ الشَّجَرةِ صَعِد إلى أعلاها، فكأنَّ سائلًا سأله: ما صَعِد بك هاهنا -أعني في رأسِ الشَّجَرةِ- وأنت قد نزَلْتَ تحتَ أصلِها؟ فكأنَّ لسانِ حالِه يقولُ: من تواضَع للهِ رفَعَه اللَّهُ) .
- وقال الرَّاغبُ الأصفهانيُّ: (العِزَّةُ: منزلةٌ شريفةٌ، وهي نتيجةُ مَعرِفةِ الإنسانِ بقَدرِ نفسِه، وإكرامِها عن الضَّراعةِ للأعراضِ الدُّنيويَّةِ، كما أنَّ الكِبرَ نتيجةُ جَهلِ الإنسانِ بقَدرِ نَفسِه، وإنزالِها فوقَ منزلتِها) .
- وقال ابنُ القَيِّمِ: (العِزَّةُ والعُلُوُّ إنَّما هما لأهلِ الإيمانِ الذي بعَث اللهُ به رُسُلَه، وأنزل به كُتُبَه، وهو عِلمٌ وعَمَلٌ وحالٌ؛ قال تعالى: وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران: 139] فللعبدِ من العُلُوِّ بحسَبِ ما معه من الإيمانِ، وقال تعالى: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ [المنافقون: 8] ، فله من العِزَّةِ بحسَبِ ما معه من الإيمانِ وحقائقِه، فإذا فاته حظٌّ من العُلُوِّ والعِزَّةِ ففي مقابلةِ ما فاته من حقائِقِ الإيمانِ علمًا وعملًا، ظاهرًا وباطنًا) .
وقال ابنُ القَيِّمِ: (العِزُّ ضِدُّ الذُّلِّ، والذُّلُّ أصلُه الضَّعفُ والعَجزُ، فالعِزُّ يقتضي كمالَ القدرةِ والقُوَّةِ؛ ولهذا يوصَفُ به المُؤمِنُ، ولا يكونُ ذَمًّا له، بخِلافِ الكِبرِ... فالعِزَّةُ من جِنسِ القُدرةِ والقوَّةِ، وقد ثبت في الصَّحيحِ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: ((المُؤمِنُ القويُّ خيرٌ وأحَبُّ إلى اللَّهِ من المُؤمِنِ الضَّعيفِ، وفى كُلِّ خيرٍ)) ) .
- وعن أبي الجَلدِ جيلانَ بنِ فَروةَ، قال: (قرأتُ في الحِكمةِ: من كان له من نفسِه واعظٌ كان له من اللهِ حافظٌ، ومن أنصَف النَّاسَ من نفسِه زاده اللهُ بذلك عِزًّا، والذُّلُّ في طاعةِ اللهِ أقربُ من التَّعزُّزِ بالمعصيةِ) .
- وقال ابنُ المقفَّعِ: (من تعزَّز باللَّهِ لم يُذِلَّه سُلطانٌ، ومن توكَّل عليه لم يَضُرَّه إنسانٌ) .
- وقال المنفلوطيُّ: (جاء الإسلامُ بعقيدةِ التَّوحيدِ؛ ليرفعَ نفوسَ المسلِمين، ويغرِسَ في قلوبِهم الشَّرَفَ والعِزَّةَ والأنَفةَ والحَمِيَّةَ، وليُعتِقَ رقابَهم من رِقِّ العبوديَّةِ، فلا يَذِلَّ صغيرُهم لكبيرِهم، ولا يهابَ ضعيفُهم قويَّهم، ولا يكونَ لذي سُلطانٍ بَيْنَهم سُلطانٌ إلَّا بالحَقِّ والعَدلِ) .
- وقال محمَّدٌ الغزاليُّ: (العِزَّةُ والإباءُ والكرامةُ من أبرَزِ الخِلالِ التي نادى بها الإسلامُ، وغرَسَها في أنحاءِ المجتَمَعِ، وتعهَّد نماءَها بما شَرَع من عقائدَ، وسَنَّ من تعاليمَ) .
- وقال محمَّدٌ الغزاليُّ أيضًا: (أمَّا تهيُّبُ الموتِ وتحمُّلُ العارِ طَلَبًا للبقاءِ في الدُّنيا على أيَّةِ صورةٍ، فذلك حمقٌ؛ فإنَّ الفرارَ لا يُطيلُ أجَلًا، والإقدامَ لا يَنقُصُ عُمُرًا، كيف؟ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ [الأعراف: 34] . إنَّ القضاءَ يصيبُ العزيزَ وله أجرُه، ويصيبُ الذَّليلَ وعليه وِزرُه؛ فكُنْ عزيزًا ما دام لن يُفلِتَ من محتومِ القضاءِ إنسانٌ)) .
وقال الشَّرباصيُّ: (إنَّ العِزَّةَ ميراثُ المُؤمِنِ؛ فليَحرِصْ كُلُّ مُؤمِنٍ على ميراثِهـ) .

انظر أيضا:

  1. (1) ((ربيع الأبرار ونصوص الأخيار)) للزمخشري (2/220).
  2. (2) ((حلية الأولياء)) لأبي نعيم (2/ 152).
  3. (3) ((الرسالة القشيرية)) (1/ 279).
  4. (4) ((مدارج السالكين)) لابن القيم (2/314).
  5. (5) ((المقصد الأسنى))، بتصرف يسير (ص: 89).
  6. (6) ((المقصد الأسنى)) للغزالي، بتصرف يسير (73، 74).
  7. (7) الخَسفُ: الإذلالُ وتحميلُ الإنسانِ ما يَكرَهُ. يُنظَر: ((لسان العرب)) لابن منظور (9/ 68).
  8. (8) ((نثر الدر في المحاضرات)) للآبي (5/ 16).
  9. (9) ((تاريخ بغداد)) للخطيب البغدادي (10/ 395).
  10. (10) ((المدخل)) لابن الحاج (2/ 120).
  11. (11) ((الذريعة إلى مكارم الشريعة)) للراغب الأصفهاني (ص: 215).
  12. (12) ((إغاثة اللهفان)) (2/181).
  13. (13) ((طريق الهجرتين وباب السعادتين)) (ص: 109). والحديث أخرجه مسلم (2664).
  14. (14) ((حلية الأولياء)) لأبي نعيم (6/ 55).
  15. (15) ((روض الأخيار المنتخب من ربيع الأبرار)) للأماسي (ص: 242).
  16. (16) ((النظرات)) (2/18).
  17. (17) ((خلق المسلم)) (ص: 181).
  18. (18) ((خلق المسلم)) (ص:189).
  19. (19) ((أخلاق القرآن)) (1/21).