خامسًا: أقسامُ الصَّمتِ
الصَّمتُ على ضربَينِ:
1- صمتٌ محمودٌ:أي: أن تصمُتَ عن كُلِّ ما حَرَّم اللهُ ونهى عنه، مِثلُ الغِيبةِ والنَّميمةِ والبَذاءةِ وغَيرِها، وكذلك الصَّمتُ عن الكلامِ المباحِ الذي يؤدِّي بك إلى الكلامِ الباطلِ.
قال
ابنُ عبدِ البَرِّ: (وإنَّما الصَّمتُ المحمودُ الصَّمتُ عن الباطِلِ)
.
وقال
العَينيُّ: (الصَّمتُ المباحُ المرغوبُ فيه تركُ الكلامِ الباطلِ، وكذا المباحُ الذي يجرُّ إلى شيءٍ من ذلك)
.
ومن الصَّمتِ المحمودِ عاقبتُه: صَمتُ العَيِيِّ
، قال بعضُ حُكَماءِ العَرَبِ: (أحمدُ البلاغاتِ الصَّمتُ حيثُ لا يحسُنُ الكلامُ)
، ورُوِيَ عن أكثَمَ بنِ صَيفيٍّ، قال: (الصَّمتُ خيرٌ من عِيِّ المنطِقِ)
.
- و(كان رجلٌ يجلِسُ إلى
أبي يوسُفَ فيُطيلُ الصَّمتَ، فقال له
أبو يوسُفَ: ألا تتكَلَّمُ؟ فقال: بلى، متى يفطِرُ الصَّائِمُ. قال: إذا غابت الشَّمسُ، قال: فإن لم تَغِبْ إلى نصفِ اللَّيلِ؟ قال: فضَحِك
أبو يوسُفَ! وقال: أصبْتَ في صَمْتِك، وأخطَأْتُ أنا في استِدعاءِ نُطقِك، ثمَّ تمثَّلَ:
عجِبتُ لإزراءِ العَيِيِّ بنَفسِه
وصمتِ الذي قد كان للقَولِ أعلَمَا
وفي الصَّمتِ سَترٌ للعَيِيِّ، وإنَّما
صحيفةُ لُبِّ المرءِ أن يتكَلَّما)
.
وعن الأصمَعيِّ: أنَّ الأحنَفَ بنَ قَيسٍ كان يجالِسُه رجُلٌ يطيلُ الصَّمتَ حتى أُعجِبَ به الأحنَفُ، ثمَّ إنَّه تكلَّم، فقال: يا أبا بَحْرٍ، أتقدِرُ أن تمشيَ على شُرَفِ المسجِدِ؟ قال: فتمثَّل الأحنَفُ:
(وكائِنْ ترى من صامِتٍ لك مُعجِبٍ
زيادتُه أو نَقصُه في التَّكلُّمِ)
ومن المحمودِ: صمتٌ عن الكلامِ في غيرِ حينِه، قيل:
الصَّمتُ أزيَنُ بالفتى
من منطِقٍ في غيرِ حينِه
2- صمتٌ مذمومٌ:كالصَّمتِ في المواطِنِ التي يُطلَبُ فيها الكلامُ، كالصَّمتِ عِندَ رؤيةِ المُنكَراتِ لِمَن قدَر على الإنكارِ، وكذلك الصَّمتُ عن نَشرِ الخيرِ، وكَتمُ العِلمِ، وتركُ تلاوةِ القرآنِ، والسُّكوتُ عن الذِّكرِ مع الفراغِ.