موسوعة الأخلاق والسلوك

ب- عِندَ الصَّحابةِ


- قال مُطَرِّفُ بنُ الشِّخِّيرِ: (لقِيتُ عَليًّا رَضِيَ اللَّهُ عنه فقال لي: يا أبا عبدِ اللَّهِ، ما بطَّأَ بك؟ أحُبُّ عُثمانَ؟ ثمَّ قال: لئِنْ قُلتُ ذاك لقد كان أوصَلَنا للرَّحِمِ، وأتقانا للرَّبِّ) .
- وقال الشَّافعيُّ: (لمَّا انهزموا يومَ الجَمَلِ سأل عليٌّ عن مروانَ، وقال: يُعَطِّفني عليه رَحِمٌ ماسَّةٌ، وهو مع ذلك سَيِّدٌ من شبابِ قُرَيشٍ) .
- وعن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّ رَجُلًا من الأعرابِ لَقِيه بطريقِ مكَّةَ، فسَلَّم عليه عبدُ اللَّهِ، وحمَله على حمارٍ كان يركَبُه، وأعطاه عِمامةً كانت على رأسِه، فقال ابنُ دينارٍ: فقُلْنا له: أصلحَك اللهُ، إنَّهم الأعرابُ، وإنَّهم يَرضَونَ باليسيرِ! فقال عبدُ اللَّهِ: إنَّ أبا هذا كان وُدًّا لعُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، وإنِّي سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: ((إنَّ أبَرَّ البِرِّ صِلةُ الوَلَدِ أهلَ وُدِّ أبيهـ))
- وعن أسماءَ بنتِ أبي بكرٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قالت: قَدِمَت علَيَّ أمِّي وهي مُشرِكةٌ في عَهدِ قُرَيشٍ إذ عاهَدوا رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ومُدَّتِهم مع أبيها، فاستفتَتْ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقالت: يا رسولَ اللهِ، إنَّ أمِّي قَدِمَت علَيَّ وهي راغِبةٌ، أفأصِلُها؟ قال: ((نَعَمْ صِلِيها)) .
- عن أنَسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه يقولُ: ((كان أبو طلحةَ أكثَرَ الأنصارِ بالمدينةِ مالًا مِن نَخلٍ، وكان أحبُّ أموالِه إليه بَيْرُحَاءَ، وكانت مُستَقبِلةَ المسجِدِ، وكان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يدخُلُها ويَشرَبُ من ماءٍ فيها طيِّبٍ، قال أنَسٌ: فلمَّا أُنزِلَت هذه الآيةُ: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران: 92] ، قام أبو طَلحةَ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: يا رسولَ اللهِ، إنَّ اللهَ تبارك وتعالى يقولُ: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ، وإنَّ أحبَّ أموالي إليَّ بَيْرُحَاءُ، وإنَّها صَدَقةٌ للهِ، أرجو بِرَّها وذُخْرَها عندَ اللهِ، فضَعْها يا رسولَ اللهِ حيثُ أراك اللهُ. قال: فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: بَخْ ! ذلك مالٌ رابحٌ، ذلك مالٌ رابِحٌ! وقد سَمِعْتُ ما قُلتَ، وإنِّي أرى أن تجعَلَها في الأقرَبينَ. فقال أبو طلحةَ: أفعَلُ يا رسولَ اللهِ. فقسَمها أبو طلحةَ في أقارِبِه وبني عَمِّهـ)) .
-وعن مالِكٍ الدَّارانيِّ (أنَّ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّه أخَذ أربَعَمئةِ دينارٍ فجَعَلَها في صُرَّةٍ، فقال للغُلامِ: اذهَبْ بها إلى أبي عُبيدةَ بنِ الجَرَّاحِ، ثمَّ تَلَهَّ ساعةً في البيتِ حتَّى تنظُرَ ما يصنَعُ، فذهب بها الغلامُ إليه، فقال: يقولُ لك أميرُ المؤمِنين: اجعَلْ هذه في بعضِ حاجتِك، فقال: وَصَله اللهُ ورَحِمَه، ثمَّ قال: تعالَي يا جاريةُ، اذهَبي بهذه السَّبعةِ إلى فُلانٍ، وبهذه الخَمسةِ إلى فُلانٍ، حتى أنفَدَها! فرجَعَ الغلامُ وأخبَرَه، فوَجَدَه قد أعَدَّ مِثْلَها إلى مُعاذِ بنِ جَبَلٍ، فقال: اذهَبْ بهذا إلى مُعاذِ بنِ جَبَلٍ وتَلَهَّ في البيتِ حتَّى تَنظُرَ ما يصنَعُ، فذَهَب بها إليه، فقال: يقولُ لك أميرُ المؤمِنين: اجعَلْ هذا في بَعضِ حاجتِك، فقال: رَحِمه اللهُ ووَصَله، تعالَي يا جاريةُ، اذهَبي إلى بيتِ فلانٍ بكذا، واذهَبي إلى بيتِ فُلانٍ بكذا، فاطَّلَعَت امرأةُ معاذٍ، فقالت: نحن واللهِ مساكينُ، فأعْطِنا، ولم يَبْقَ في الخِرقةِ إلَّا دينارانِ، فدَحَا بهما إليها، ورجَعَ الغلامُ إلى عُمَرَ، فأخبرَه وسُرَّ بذلك، وقال: إنَّهم إخوةٌ بَعضُهم من بعضٍ) .
- ورُوِيَ أنَّ عبدَ اللَّهِ بنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنهما لَقِيَ صديقًا له، فقال: إني لأغيبُ عنك بشَوقٍ، وألقاك بتَوقٍ! فسَمِع أعرابيٌّ كلامَه، فقال: لو كان كلامٌ يُؤتَدَمُ به لكان هذا !
- (وقد بَعَث عُمَرُ بنُ عُبَيدِ اللَّهِ التَّيميُّ مرَّةً بألفِ دينارٍ إلى ابنِ عُمَرَ، فقَبِلَها، وقال: وصَلَتْه رَحِمٌ!) .

انظر أيضا:

  1. (1) ((سير أعلام النبلاء)) (4/ 194).
  2. (2) ((سير أعلام النبلاء)) (3/ 477).
  3. (3) أخرجه مسلم (2552).
  4. (4) أخرجه البخاري (3183) واللفظ له، ومسلم (1003).
  5. (5) بَخْ: هي كَلِمةٌ تقالُ عِندَ المدحِ، معناها تعظيمُ الأمرِ وتفخيمُه. يُنظَر: ((كشف المشكل من حديث الصحيحين)) لابن الجوزي (3/ 311).
  6. (6) أخرجه البخاري (1461) واللفظ له، ومسلم (998).
  7. (7) أي: رمى ودفَع. يُنظَر: ((تاج العروس)) للزبيدي (38/ 38).
  8. (8) أخرجه الطبراني (20/33) (46)، وأبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (1/237) واللفظ له، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (58/436). حسَّنه الألباني في ((صحيح الترغيب)) (926).
  9. (9) ((البصائر والذخائر)) لأبي حيان (1/ 75).
  10. (10) ((سير أعلام النبلاء)) (4/ 173).