عاشِرًا: مَسائِلُ مُتفَرِّقةٌ
أ- قواعِدُ الشُّكرِ: قال
ابنُ القَيِّمِ: والشُّكرُ مبنيٌّ على خمسِ قواعِدَ:
خضوعُ الشَّاكِرِ للمَشكورِ.
وحبُّه له.
واعترافُه بنِعمتِه.
وثناؤُه عليه بها.
وألَّا يستعمِلَها فيما يَكرَهُ.
فهذه الخَمسُ هي أساسُ الشُّكرِ، وبناؤه عليها، فمتى عُدِم منها واحدةٌ اختَلَّ من قواعِدِ الشُّكرِ قاعدةٌ. وكلُّ من تكلَّم في الشُّكرِ وَحدَه فكلامُه إليها يرجِعُ، وعليها يدورُ
.
ب- طَلَبُ الشُّكرِ على المعروفِ:إنَّ (مِن أنفَعِ الأمورِ لطَردِ الهَمِّ: أن توطِّنَ نفسَك على ألَّا تَطلُبَ الشُّكرَ إلَّا من اللهِ، فإذا أحسَنْتَ إلى مَن له حَقٌّ عليك أو مَن ليس له حقٌّ، فاعلَمْ أنَّ هذا معامَلةٌ منك مع اللهِ؛ فلا تُبالِ بشُكرِ من أنعَمْتَ عليه، كما قال تعالى في حَقِّ خواصِّ خَلْقِه:
إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا [الإنسان: 9] . ويتأكَّدُ هذا في معاملةِ الأهلِ والأولادِ، ومَن قَوِيَ اتِّصالُك بهم، فمتى وطَّنْتَ نفسَك على إلقاءِ الشُّكرِ عنهم فقد أرَحْتَ واسترَحْتَ)
.
وقال
ابنُ تَيميَّةَ: (... والمحسِنُ إليهم وإلى غيرِهم عليه أن يبتغيَ بذلك وَجهَ اللهِ، ولا يَطلُبَ من مخلوقٍ لا في الدُّنيا ولا في الآخرةِ، كما قال تعالى:
وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى [الليل: 17 - 21] ، وقال:
وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا [الإنسان: 8 - 9] .
ومَن طَلَب من الفُقَراءِ الدُّعاءَ أو الثَّناءَ خرَج من هذه الآيةِ؛ فإنَّ في الحديثِ الذي في سُنَنِ
أبي داودَ:
((من صَنَع إليكم معروفًا فكافِئوه، فإنْ لم تجِدوا ما تُكافِئونه فادْعوا له حتَّى تَرَوا أنَّكم قد كافأتموه))
؛ ولهذا كانت
عائشةُ إذا أرسَلَت إلى قومٍ بهَديَّةٍ تقولُ للرَّسولِ: «اسمَعْ ما دَعَوا به لنا حتَّى ندعَو لهم بمِثلِ ما دعَوا، ويبقى أجرُنا على اللهِ»
.
وقال بعضُ السَّلَفِ: «إذا أعطَيتَ المِسكينَ فقال: بارَك اللهُ عليك، فقُلْ: بارَكَ اللهُ عليك». أراد: أنَّه إذا أثابك بالدُّعاءِ فادْعُ له بمِثلِ ذلك الدُّعاءِ؛ حتى لا تكونَ اعتَضْتَ منه شيئًا)
.
وقال
أبو الوليدِ الباجيُّ يوصي ولَدَيه: (ومَن أسدى منكما إلى أخيه معروفًا أو مكارَمةً أو مُواصَلةً، فلا ينتَظِرْ مُقارضةً
عليها، ولا يَذكُرْ ما أتى منها؛ فإنَّ ذلك ممَّا يوجِبُ الضَّغائنَ، ويُسَبِّبُ التَّباغُضَ، ويُقَبِّحُ المعروفَ، ويحَقِّرُ الكبيرَ، ويدُلُّ على المقتِ والضَّعةِ ودناءةِ الهِمَّةِ)
.
وقال لهما أيضًا: (وإيَّاكما أن تحَدِّثا أنفُسَكما أن تنتَظِرا مقارَضةً ممَّن أحسَنْتُما إليه وأنعَمْتُما عليه؛ فإنَّ انتظارَ المقارَضةِ تمسَحُ الصَّنيعةَ، وتُعيدُ الأفعالَ الرَّفيعةَ وَضيعةً، وتَقلِبُ الشُّكرَ ذَمًّا، والحَمدَ مَقتًا)
.
ويُروى عن عليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنه: (لا يُزَهِّدَنَّك في المعروفِ مَن لا يَشكُرُك عليه؛ فقد شَكَرك عليه من لم يَستمتِعْ منك بشيءٍ، وقد يُدرَكُ مِن شُكرِ الشَّاكِرِ أكثَرُ ممَّا أضاع منه الكافِرُ)
.
وقال أبو فِراسٍ الحَمدانيُّ:
وما نِعمةٌ مكفورةٌ قد صنَعْتُها
إلى غيرِ ذي شُكرٍ بمانِعَتي أُخرى
سآتي جميلًا ما حَيِيتُ فإنَّني
إذا لم أُفِدْ شُكرًا أَفَدْتُ به أجرَا