تم اعتماد المنهجية من الجمعية الفقهية السعودية
برئاسة الشيخ الدكتور سعد بن تركي الخثلان
أستاذ الفقه بجامعة الإمام محمد بن سعود
عضو هيئة كبار العلماء (سابقاً)
أ- شَفَقةُ الإمامِ على المأمومين، وتجنُّبُ ما يَشُقُّ عليهم: 1- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((أعتَمَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ذاتَ ليلةٍ، حتى ذهب عامَّةُ اللَّيلِ، وحتَّى نام أهلُ المسجِدِ، ثمَّ خرج فصلَّى، فقال: إنَّه لوقتُها لولا أن أشُقَّ على أمَّتي)) . 2- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إذا أمَّ أحَدُكم النَّاسَ فلْيُخَفِّفْ؛ فإنَّ فيهم الصَّغيرَ والكبيرَ والضَّعيفَ والمريضَ، فإذا صلَّى وحدَه فلْيُصَلِّ كيف شاء)) . ب- الشَّفَقةُ على الأبناءِ، والعطفُ عليهم، والحُزنُ إذا أصابهم مكروهٌ: 1- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((قَدِم ناسٌ من الأعرابِ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ، فقالوا: أتُقَبِّلون صِبيانَكم؟! فقالوا: نعم. فقالوا: لكِنَّا -واللهِ- ما نُقَبِّلُ. فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: وأملِكُ إن كان اللهُ نَزَع منكم الرَّحمةَ!))، وفي روايةٍ: ((من قَلبِك الرَّحمةَ!)) . قال ابنُ عُثَيمين: (وفي هذا دليلٌ على تقبيلِ الصِّبيانِ شَفَقةً عليهم، ورِقَّةً لهم ورحمةً بهم) . 2- وعن أُسامةَ بنِ زيدٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((أرسَلَت ابنةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إليه: إنَّ ابنًا لي قُبِض فائْتِنا. فأرسَلَ يُقرِئُ السَّلامَ، ويقولُ: إنَّ لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكُلٌّ عندَه بأجَلٍ مُسَمًّى، فلتصبِرْ ولتحتَسِبْ. فأرسَلَت إليه تُقسِمُ عليه ليَأتِيَنَّها، فقام، ومعه سعدُ بنُ عُبادةَ، ومعاذُ بنُ جَبَلٍ، وأُبَيُّ بنُ كعبٍ، وزيدُ بنُ ثابتٍ، ورجالٌ، فرُفِع إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الصَّبيُّ ونفسُه تتقَعْقَعُ - قال: حسِبْتُه أنَّه قال: كأنَّها شَنٌّ - ففاضت عيناه. فقال سعدٌ: يا رسولَ اللهِ، ما هذا؟ فقال: هذه رحمةٌ جعَلَها اللهُ في قلوبِ عبادِه، وإنَّما يرحَمُ اللهُ من عبادِه الرُّحماءَ)) . 3- عن عبدِ اللهِ بنِ شَدَّادٍ، عن أبيه قال: ((خرج علينا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في إحدى صلاتَيِ العِشاءِ، وهو حامِلٌ حَسَنًا أو حُسَينًا، فتقَدَّم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فوضَعَه، ثمَّ كبَّر للصَّلاةِ، فصَلَّى، فسجد بين ظهرانَيْ صلاتِه سَجدةً أطالها، قال أبي: فرفعتُ رأسي، وإذا الصَّبيُّ على ظَهرِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو ساجِدٌ، فرجعتُ إلى سُجودي، فلمَّا قضى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الصَّلاة، قال النَّاسُ: يا رسولَ اللهِ، إنَّك سجَدْتَ بَينَ ظهرانَيْ صلاتِك سجدةً أطَلْتَها، حتى ظنَنَّا أنَّه قد حدَث أمرٌ، أو أنَّه يُوحى إليك. قال: كُلُّ ذلك لم يكُنْ، ولكِنَّ ابني ارتحَلَني، فكَرِهْتُ أن أعجِلَه حتَّى يقضيَ حاجتَه!)) . فالنَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَركَبُ الطِّفلُ على ظَهرِه الشَّريفِ وهو ساجدٌ، ولا يقومُ من سجودِه؛ ليُكمِلَ الطِّفلُ لَعِبَه، حتى لا يُزعِجَه؛ رحمةً به، وشفقةً عليه. 4- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: ((كانت امرأتانِ معهما ابناهما، جاء الذِّئبُ فذهب بابنِ إحداهما، فقالت صاحِبَتُها: إنَّما ذهَب بابنِك، وقالت الأُخرى: إنَّما ذهَب بابنِك، فتحاكَمَتا إلى داودَ، فقضى به للكُبرى، فخرجَتَا على سُلَيمانَ بنِ داودَ، فأخبَرَتاه، فقال: ائتوني بالسِّكينِ أشُقَّه بينهما، فقالت الصُّغرى: لا تفعَلْ يرحمُك اللهُ، هو ابنُها، فقضى به للصُّغرى)) . قال ابنُ القَيِّمِ: (ولم يكُنْ سُلَيمانُ لِيفعَلَ، ولكِنْ أوهمَهما ذلك، فطابت نفسُ الكُبرى بذلك؛ استرواحًا منها إلى راحةِ التَّسَلِّي، والتَّأسِّي بذَهابِ ابنِ الأخرى كما ذهب ابنُها، ولم تطِبْ نفسُ الصُّغرى بذلك، بل أدرَكَتْها شفقةُ الأمِّ ورحمتُها؛ فناشَدَتْه ألَّا يفعَلَ؛ استرواحًا إلى بقاءِ الوَلَدِ، ومشاهَدتِه حيًّا، وإن اتَّصل إلى الأخرى) . 5- عن أُسَيدِ بنِ حُضَيرٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((بينما هو يقرأُ من اللَّيلِ سورةَ البَقَرةِ، وفرَسُه مربوطٌ عندَه، إذ جالت الفَرَسُ، فسكَت فسكَتَت، فقرأ فجالت الفَرَسُ، فسَكَت وسكَتَت الفَرَسُ، ثمَّ قرأ فجالت الفَرَسُ، فانصرف، وكان ابنُه يحيى قريبًا منها، فأشفق أن تصيبَه، فلمَّا اجتَرَّه رفع رأسَه إلى السَّماءِ حتَّى ما يراها، فلمَّا أصبح حدَّث النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: اقرَأْ يا ابنَ حُضَيرٍ، اقرَأْ يا ابنَ حُضَيرٍ. قال: فأشفَقْتُ -يا رسولَ اللهِ- أن تطَأَ يحيى...)) . ج - الشَّفَقةُ على النِّساءِ: عن أسماءَ بنتِ أبي بكرٍ -رَضِيَ اللهُ عنهما- قالت: (تزَوَّجني الزُّبَيرُ وما له في الأرضِ من مالٍ ولا مملوكٍ ولا شيءٍ غيرِ ناضحٍ وغيرِ فَرَسِه، فكنتُ أعلِفُ فَرَسَه، وأستقي الماءَ، وأخرِزُ غَرْبَه وأعجِنُ، ولم أكُنْ أُحسِنُ أخبِزُ، وكان يخبِزُ جاراتٌ لي من الأنصارِ، وكُنَّ نِسوةَ صِدقٍ، وكنتُ أنقُلُ النَّوى من أرضِ الزُّبيرِ -التي أقطَعَه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- على رأسي، وهي منِّي على ثُلُثَي فَرسَخٍ، فجئتُ يومًا والنَّوى على رأسي، فلَقِيتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ومعه نفرٌ من الأنصارِ، فدعاني، ثمَّ قال: إخْ إخْ ؛ ليَحمِلَني خَلْفَه، فاستَحْيَيتُ أن أسيرَ مع الرِّجالِ...) . قال النَّوويُّ: (وفيه ما كان عليه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من الشَّفَقةِ على المؤمنين والمؤمناتِ، ورحمتِهم ومواساتِهم فيما أمكَنَهـ) .
(9) رواه النَّسائي (1141) واللفظ له، وأحمد (16033). صحَّحه الألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (1141)، والوادعي في ((الصَّحيح المسند)) (475)، وصحَّح إسنادَه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (25/ 420)، وذكَر ثبوتَه ابن باز في ((فتاوى نور على الدرب)) (9/291).