ثانيًا: الفَرْقُ بَينَ الرَّحمةِ وغيرِها من الصِّفاتِ
الفَرْقُ بَيْنَ الرَّحمةِ والرَّأفةِقال
ابنُ عاشورٍ: (والرَّأفةُ: رقَّةٌ تنشَأُ عِندَ حُدوثِ ضُرٍّ بالمرؤوفِ به. يقالُ: رَؤوفٌ رحيمٌ. والرَّحمةُ: رقَّةٌ تقتضي الإحسانَ للمرحومِ، بَيْنَهما عمومٌ وخصوصٌ مُطلَقٌ)
.
وقال القَفَّالُ: (الفَرْقُ بَيْنَ الرَّأفةِ والرَّحمةِ: أنَّ الرَّأفةَ مُبالغةٌ في رحمةٍ خاصَّةٍ، وهي دَفعُ المكروهِ، وإزالةُ الضَّرَرِ، كقولِه:
وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ [النور: 2] أي: لا ترأَفوا بهما فترفَعوا الجَلْدَ عنهما، وأمَّا الرَّحمةُ فإنَّها اسمٌ جامعٌ يدخُلُ فيه ذلك المعنى، ويدخُلُ فيه الإفضالُ والإنعامُ)
.
وقال أبو البقاءِ الكَفَويُّ: (الرَّحمةُ هي أن يوصِلَ إليك المسارَّ، والرَّأفةُ هي أن يَدفَعَ عنك المضارَّ... فالرَّحمةُ من بابِ التَّزكيةِ، والرَّأفةُ من بابِ التَّخليةِ، والرَّأفةُ مبالَغةٌ في رحمةٍ مخصوصةٍ، هي رفعُ المكروهِ وإزالةُ الضُّرِّ، فذَكرَ الرَّحمةَ بَعدَها في القرآنِ مُطَّرِدًا لتكونَ أعَمَّ وأشمَلَ)
.
وقيل: (الرَّأفةُ أبلَغُ من الرَّحمةِ)
، وقيل: (الرَّأفةُ أشدُّ الرَّحمةِ، وقيل: الرَّحمةُ أكثَرُ من الرَّأفةِ، والرَّأفةُ أقوى منها في الكيفيَّةِ؛ لأنَّها عبارةٌ عن إيصالِ النِّعَمِ صافيةً عن الألمِ)
.
الفَرْقُ بَيْنَ الرَّحمةِ والنِّعمةِ:تُعرَفُ النِّعمةُ اصطِلاحًا بأنَّها: (ما يُقصَدُ به الإحسانُ والنَّفعُ لا لغَرَضٍ ولا لعِوَضٍ)
.
والفَرْقُ بَيْنَ الرَّحمةِ والنِّعمةِ كما يقولُ أبو هلالٍ العَسكريُّ: (أنَّ الرَّحمةَ الإنعامُ على المحتاجِ إليه، وليس كذلك النِّعمةُ؛ لأنَّك إذا أنعَمْتَ بمالٍ تعطيه إيَّاه فقد أنعَمْتَ، ولا تقولُ: إنَّك رحِمْتَهـ)
.
الفَرْقُ بَيْنَ الرَّحمةِ والمغفرةِ:المغفِرةُ: (هي أن يستُرَ القادِرُ القبيحَ الصَّادِرَ ممَّن تحتَ قُدرتِه، حتى إنَّ العبدَ إن ستَرَ عيبَ سَيِّده مخافةَ عتابِه، لا يقالُ: غَفَر لهـ)
.
وعرَّفها
ابنُ القَيِّمِ بأنها: (محوُ الذَّنبِ وإزالةُ أثَرِه ووقايةُ شَرِّه، لا كما ظنَّه بعضُ النَّاسِ: أنَّها السَّترُ؛ فإنَّ اللهَ يستُرُ على من يغفِرُ له ومَن لا يَغفِرُ له، ولكِنَّ السَّترَ لازِمُ مُسمَّاها أو جُزؤهـ)
.
وبناءً على ذلك يمكِنُ التَّفرقةُ بَيْنَ الرَّحمةِ والمغفرةِ بأنَّ المغفرةَ وقايةٌ وسَترٌ، والرَّحمةُ إنعامٌ.
الفَرْقُ بَيْنَ الرَّحمةِ والعَفْوِ: العَفوُ اصطِلاحًا: (تَركُ العقابِ على الذَّنبِ)
. فالعفوُ مِن صُوَرِ الرَّحمةِ؛ لذا فالرَّحمةُ أعَمُّ من العفوِ، فإنَّها تكونُ بالعَفوِ وغَيرِه.
الفَرْقُ بَيْنَ الرَّحمةِ والرِّقَّةِ:قال أبو هلالٍ: (الرِّقَّةُ والغِلظةُ يكونانِ في القَلبِ وغيرِه خِلقةً، والرَّحمةُ فِعلُ الرَّاحِمِ، والنَّاسُ يقولون: رَقَّ له فرَحِمَه، يجعَلون الرِّقَّةَ سَبَبَ الرَّحمةِ)
.