موسوعة الأخلاق والسلوك

ب- من السُّنَّةِ النبويةِ


1- عن أمِّ كُلثومٍ بنتِ عُقبةَ رضِي اللهُ عنها: أنَّها سمعَت رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: ((ليس الكذَّابُ الذي يُصلِحُ بَينَ النَّاسِ، فيَنْمي خَيرًا، أو يقولُ خيرًا)) .
((ليس الكذَّابُ)) أي: إثمُ الكذبِ، مِن قَبيلِ ذِكرِ الملزومِ وإرادةِ اللَّازمِ، أو معناه: ليس بكثيرِ الكذبِ (الذي يُصلِحُ بَينَ النَّاسِ)، أي يكذِبُ للإصلاحِ بَينَ المُتباغِضين؛ لأنَّ هذا الكذبَ يُؤدِّي إلى الخيرِ، وهو قليلٌ أيضًا .
قال الخطَّابيُّ: (فيه: الرُّخصةُ لأن يقولَ في الإصلاحِ بَينَ المُسلِمينَ ما لم يَسمَعْه مِن الذِّكرِ الجميلِ، والقولِ الحَسنِ؛ ليستلَّ به مِن قلبِ أخيه السَّخيمةَ، والدَّلالةُ على أنَّه ليس فيه بكاذِبٍ، ولا آثِمٍ) .
وقال ابنُ شِهابٍ: (ولم أسمَعْ يُرخَّصُ في شيءٍ ممَّا يقولُ النَّاسُ كَذِبٌ، إلَّا في ثلاثٍ: الحَربُ، والإصلاحُ بَينَ النَّاسِ، وحديثُ الرَّجلِ امرأتَه، وحديثُ المرأةِ زَوجَها) .
وقولُه: (والإصلاحُ بَينَ النَّاسِ) بأن يقولَ لزيدٍ مَثلًا: رأَيتُ عَمرًا -يعني عدوَّه- يُحبُّك ويُثني عليك خيرًا ممَّا لم يكنْ؛ ليُصلِحَ بَينَهما ويُذهِبَ الشَّنَآنَ .
2- عن أبي هُرَيرةَ رضِي اللهُ عنه، قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((كُلُّ سُلامى مِن النَّاسِ عليه صَدقةٌ كُلَّ يومٍ تطلُعُ فيه الشَّمسُ قال: تعدِلُ بَينَ الاثنَينِ صَدقةٌ، وتُعينُ الرَّجلَ في دابَّتِه فتحمِلُه عليها، أو ترفَعُ له عليها متاعَه صَدقةٌ)) .
قال العِراقيُّ: (قولُه: «تعدِلُ بَينَ اثنَينِ» يحتمِلُ أن يُرادَ به العَدلُ في الأحكامِ مِن القُضاةِ والأمراءِ، ويحتمِلُ أن يُرادَ به الإصلاحُ بَينَ النَّاسِ وإن كان مِن غَيرِ مَن له وِلايةٌ على ذلك ولا تسليطٌ، وهو الظَّاهِرُ؛ لأنَّ عَدلَ القُضاةِ والأمراءِ واجِبٌ لا تطوُّعٌ، وقد أدخَله البُخاريُّ في صحيحِه في بابِ الإصلاحِ بَينَ النَّاسِ، وإن أُريد حَملُه على الواجِبِ حقيقةً فيُحمَلُ على عَدلِ الحُكَّامِ) .
3- عن أبي الدَّرداءِ رضِي اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((ألا أُخبِرُكم بأفضَلَ مِن دَرجةِ الصِّيامِ والصَّلاةِ والصَّدقةِ؟، قالوا: بلى يا رسولَ اللهِ، قال: إصلاحُ ذاتِ البَينِ، وفسادُ ذاتِ البَينِ الحالِقةُ)) .
(أي: إصلاحُ أحوالِ البَينِ حتَّى تكونَ أحوالُكم أحوالَ صحَّةٍ وأُلفةٍ، أو هو إصلاحُ الفسادِ والفِتنةِ التي بَينَ القومِ، وذلك لِما فيه مِن عُمومِ المنافِعِ الدِّينيَّةِ والدُّنيويَّةِ مِن التَّعاوُنِ والتَّناصُرِ والأُلفةِ والاجتِماعِ على الخيرِ، حتَّى أُبيح فيه الكذبُ، ولكثرةِ ما يندفِعُ مِن المضرَّةِ في الدِّينِ والدُّنيا) .

انظر أيضا:

  1. (1) أي: ينقُل الحديثَ على وجه الإصلاحِ وطلَبِ الخيرِ. يُنظر: ((كشف المشكل)) لابن الجوزي (4/ 458)، ((فتح الباري)) لابن حجر (5/ 299).
  2. (2) رواه البخاري (2692) واللفظ له، ومسلم (2605).
  3. (3) ((دليل الفالحين)) لابن علان (2/ 320).
  4. (4) ((أعلام الحديث)) (2/ 1315).
  5. (5) صحيح مسلم ( 2605).
  6. (6) ((دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين)) (2/ 322).
  7. (7) سُلامى: السُّلامى: المَفصِل، وقيل: أصلُه عظامُ الأصابعِ وسائِرِ الكفِّ، ثمَّ استُعمل في جميع عظامِ البدَنِ ومفاصِلِه. يُنظر: ((شرح النووي على مسلم)) (5/ 233) (7/93)، ((فتح الباري)) لابن حجر (3/ 308).
  8. (8) أخرجه البخاري (2891)، ومسلم (1009) واللفظ له.
  9. (9) ((طرح التثريب)) (2/303).
  10. (10) أخرجه أبو داود (4919) واللفظ له، والترمذي (2509)، وأحمد (27508). صحَّحه الترمذي، وابن حبان في ((صحيحهـ)) (5092)، وابن عساكر في ((معجم الشيوخ)) (2/1146).
  11. (11) ((شرح الزرقاني على الموطأ)) (4/403).