موسوعة الأخلاق والسلوك

تاسعًا: أخطاءٌ شائعةٌ حولَ حُسْنِ السَّمْتِ


أ- أهميَّةُ المظهَرِ الخارِجيِّ:
بعضُ النَّاسِ يُهمِلُ المظهَرَ الخارجيَّ، ويَعُدُّ ذلك من القُشورِ، ويُشَدِّدُ على ضرورةِ الاهتمامِ بلُبِّ هذا الدِّينِ، وهذا خطَأٌ؛ فتقسيمُ الدِّينِ إلى قُشورٍ ولُبٍّ بِدعةٌ لا أصلَ لها، وقد كان لذلك آثارٌ سيِّئةٌ؛ منها الاستخفافُ بالأحكامِ الظَّاهرةِ والهَدْيِ الظَّاهِرِ.
فـ(تمسَّكْ بالسُّنَّةِ خاصَّةً فيما يتَّصِلُ بظاهِرِك؛ فإنَّها تُذَكِّرُ النَّاسَ باللهِ. وكان شاهُ بنُ شُجاعٍ الكَرْمانيُّ يقولُ: "مَن عَمَرَ ظاهِرَه باتِّباعِ السُّنَّةِ، وباطِنَه بدوامِ المراقبةِ، وغَضَّ بصَرَه عن المحارِمِ، وكفَّ نفسَه عن الشَّهواتِ، واعتاد أكلَ الحلالِ؛ لم تُخطِئْ له فِراسةٌ أبَدًا". ولا تَظُنَّ أنَّ هذه الأشياءَ من القُشورِ؛ فإنَّه بالقِشرِ يُحفَظُ اللُّبُّ) [3143] ((ففروا إلى اللهِ)) للقلموني (ص: 322). .
وعن طارِقِ بنِ شِهابٍ: (أنَّ عُمَرَ انتَهى إلى مخاضٍ بالشَّامِ [3144] هو ما جاز النَّاسُ فيه مشاةً وركبانًا، يقالُ: خاض الرَّجُلُ الماءَ يخوضُه خَوضًا: مشى فيه، والموضِعُ مخاضةٌ، وجمعُها مخاضٌ ومخاوِضُ. يُنظَر: ((مختار الصحاح)) لزين الدين الرازي (ص: 98)، ((المصباح المنير)) للفيومي (1/ 184). ، فنَزَع خُفَّيه، فأخذ أحَدَهما بيَدِه، وأخَذ بخِطامِ راحِلَتِه، وخاض الماءَ، فجَعَلوا ينظُرون إليه، وجاءه أبو عُبَيدةَ فقال: صنَعْتَ اليومَ صنيعًا عظيمًا عِندَ أهلِ الأرضِ! صنَعْتَ كذا وكذا، فصَكَّ في صَدْرِه، ثمَّ قال: أَوَّهْ! لو فَعَل ذلك غيرُك أبا عُبَيدةَ! إنَّكم كُنتُم أذَلَّ النَّاسِ وأحقَرَ النَّاسِ، فأعزَّكم اللهُ بالدِّينِ، مهما تَطلُبون العِزَّ بغيرِه أذلَّكم اللهُ عزَّ وجَلَّ) [3145] ((الزهد)) لابن أبي الدنيا (ص: 66) رقم (117). .
ب- الاغترارُ بما قد يَظهَرُ على أهلِ البِدَعِ من سَمتٍ حَسَنٍ:
قد يَظهَرُ على بعضِ من ابتَدَع في دينِ اللهِ وحاد عن جادَّةِ الصَّوابِ بَعضُ مظاهِرِ السَّمْتِ الحَسَنِ، وهو ما يدعو إلى اغترارِ العامَّةِ به، ومِثلُ هذا ينبغي الحَذَرُ منه وعَدَمُ الاغترارِ بما يُظهِرُه، وقد حذَّر النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من الخوارجِ، وأخبَرَ الصَّحابةَ أنَّه ((يحقِرُ أحَدُكم صلاتَه مع صلاتِهم، وصيامَه مع صيامِهم، يقرَؤون القرآنَ لا يجاوِزُ تراقيَهم [3146] التَّرْقُوةُ: العَظْمُ المُشرِفُ في أعلى الصَّدْرِ، والمعنى: أنَّ قراءتَهم لا يرفَعُها اللهُ ولا يقبَلُها، وقيل: لا يعمَلون بالقرآنِ فلا يُثابون على قراءتِه، فلا يحصُلُ لهم إلَّا سردُه، وقيل: المرادُ أنَّهم ليس لهم فيه حَظٌّ إلَّا مرورُه على لسانِهم لا يَصِلُ إلى حُلوقِهم فضلًا عن أن يَصِلَ إلى قُلوبِهم؛ لأنَّ المطلوبَ تعَقُّلُه وتدبُّرُه بوقوعِه في القَلبِ. يُنظَر: ((كشف المشكل من حديثِ الصحيحين)) لابن الجوزي (1/ 301)، ((فتح الباري)) لابن حجر (12/ 293). ) [3147] أخرجه البخاري (3610) ومسلم (1064) من حديثِ أبي سعيدٍ الخُدْريِّ.
وقال مجاهِدٌ: (إنَّه يكونُ بَيْنَ عينَيه مِثلُ رُكبةِ العَنزِ، وهو كما شاء اللهُ!) [3148] ((جامع البيان)) لابن جرير الطبري (21/ 324). ، فينخَدِعُ النَّاسُ بظاهِرِ هؤلاء، ويَقبَلون ما يُلقون إليهم من بِدَعٍ وشُبَهٍ، قيل لابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما: (إنَّه قد ظَهَر قِبَلَنا ناسٌ يَقرؤون القُرآنَ، ويتقَفَّرون العِلمَ [3149] أي: يطلُبونه ويتتبَّعونه، هذا هو المشهورُ، وقيل: معناه يجمَعونه. يُنظَر: ((شرح النووي على مسلم)) (1/ 155). ، وذَكَر من شأنِهم، وأنَّهم يزعُمون أنْ لا قَدَرَ، وأنَّ الأمْرَ أنُفٌ [3150] أي: مستأنَفٌ لم يَسبِقْ به قَدَرٌ ولا عِلمٌ مِنَ اللهِ تعالى، وإنَّما يعلَمُه بعد وقوعِه. يُنظَر: ((شرح النووي على مسلم)) (1/156). ، قال: فإذا لَقِيتَ أولئك فأخبِرْهم أنِّي بريءٌ منهم، وأنَّهم برآءُ منِّي، والذي يحلفُ به عبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ لو أنَّ لأحَدِهم مِثلَ أُحُدٍ ذَهَبًا فأنفَقَه، ما قَبِل اللهُ منه حتَّى يؤمِنَ بالقَدَرِ) [3151] أخرجه مسلم (8). .

انظر أيضا: