تاسعًا: الإحسانُ في ذَبحِ مأكولِ اللحمِ مِنَ الحيَوانِ
مِنَ الأدَبِ مَعَ الحيَوانِ مَأْكولِ اللَّحمِ: الإحسانُ في ذَبحِه
[2672] إحسانُ الذِّبحةِ يَكونُ بالرِّفقِ بالدَّابَّةِ، فلا يَصرَعُها بعُنفٍ ولا يَجُرُّها لتُذبَحَ بعُنفٍ، وبإحدادِ الآلةِ، وتَوجيهِها للقِبلةِ، والتَّسميةِ، والإجهازِ، ونيَّةِ التَّقَرُّبِ بذَبحِها، وإراحَتِها، وتَركِها إلى أن تَبرُدَ، وشُكرِ اللَّهِ حيثُ سَخَّرَها لنا ولم يُسَلِّطْها عَلينا، ولا يَذبَحْها بحَضرةِ أخرى سيَّما بنتِها أو أمِّها. يُنظر: ((فيض القدير)) للمناوي (2/ 246). ، ومِنَ صورِ الإحسانِ في ذَبحِه ما يَلي:
أ- أن يَكونَ الذَّبحُ بآلةٍ حادَّةٍ، لا بسِكِّينٍ كالَّةٍ.الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِعن شَدَّادِ بنِ أوسٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ثِنْتانِ حَفِظْتُهما عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ قال:
((إنَّ اللهَ كَتَب الإحسانَ على كُلِّ شيءٍ، فإذا قتَلْتُم فأحسِنوا القِتْلةَ، وإذا ذبَحتُم فأحسِنوا الذَّبحَ، ولْيُحِدَّ أحَدُكم شَفْرَتَه، فلْيُرِحْ ذَبيحتَه)) [2673] أخرجه مسلم (1955). .
قال المُناويُّ: («وليُحِدَّ أحَدُكُم» أي: كُلُّ ذابحٍ «شَفرَتَه» أي: سِكِّينَتُه، وُجوبًا في الكالَّةِ، ونَدبًا في غيرِها)
[2674] ((التيسير بشرح الجامع الصغير)) (1/ 257). .
وَجهُ الدَّلالةِ:الأمرُ بإراحةِ الذَّبيحةِ يَكونُ بإحدادِ السِّكِّينِ وتَعجيلِ إمرارِها وحُسنِ الصَّنيعةِ، وفي الإسراعِ بالذَّبحِ نَوعُ راحةٍ له
[2675] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/60)، ((سبل السلام)) للصنعاني (4/88)، ((نيل الأوطار)) للشوكاني (8/162). .
وأمَّا التَّعليلُ: فلأنَّ ذلك أسهلُ على الحيَوانِ وأيسرُ، وأقرَبُ إلى راحَتِه وخُروجِ روحِه بسُرعةٍ
[2676] يُنظر: ((شرح السنة)) للبغوي (11/ 219)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/60)، ((المجموع)) للنووي (8/408). .
ب- حَدُّ آلةِ الذَّبحِ قَبلَ الشُّروعِ فيه وعَدَمُ حَدِّها بينَ يَدَيِ الحيَوانِ:يُستَحَبُّ أن يُحِدَّ الذَّابحُ آلةَ الذَّبحِ قَبلَ إضجاعِ الحَيَوانِ والشُّروعِ في ذَبحِه، ويُكرَهُ أن يُحِدَّ الذَّابحُ السِّكِّينَ، والحَيَوانُ يُبصِرُه.
الدَّليلُ على ذلك من السُّنَّةِ والآثارِ:1- مِنَ السُّنَّةِ- عن عَبدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما، قال:
((مَرَّ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على رَجُلٍ واضِعٍ رِجلَه على صَفحةِ شاةٍ وهو يُحِدُّ شَفرَتَه وهيَ تَلحَظُ إليه ببَصَرِها، فقال: أفلا قَبْلَ هذا؟! تُريدُ أن تُميتَها مَوتَتَينِ!)) [2677] أخرجه الطبراني في ((المعجم الأوسط)) (3590) واللفظ له، والبيهقي (19615)، والضياء في ((الأحاديث المختارة)) (174). صحَّحه الألباني في ((صحيح الترغيب)) (1090)، وذكَر ثبوتَه ابنُ باز في ((مجموع الفتاوى)) (23/74) وقال: ورجالُه رجالُ الصَّحيحِ. .
وفي رِوايةٍ:
((أنَّ رَجُلًا أضجَعَ شاةً يُريدُ أن يَذبَحَها، وهو يُحِدُّ شَفرَتَه، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أتُريدُ أن تُميتَها مَوتاتٍ؟! هَلَّا حَدَدَتَ شَفرَتَك قَبلَ أن تُضجِعَها؟!)) [2678] أخرجه الحاكم (7778). صحَّحها الحاكمُ وقال: على شرطِ الشَّيخين، والألباني في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (7/359)، وصحح إسناده شعيب الأرناؤوط في تخريج ((شرح السنة)) (11/220). .
- عن شَدَّادِ بنِ أوسٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ثِنْتانِ حَفِظْتُهما عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ قال:
((إنَّ اللهَ كَتَب الإحسانَ على كُلِّ شيءٍ، فإذا قتَلْتُم فأحسِنوا القِتْلةَ، وإذا ذبَحتُم فأحسِنوا الذَّبحَ، ولْيُحِدَّ أحَدُكم شَفْرَتَه، فلْيُرِحْ ذَبيحتَه)) [2679] أخرجه مسلم (1955). .
وَجهُ الدَّلالةِ: قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((كَتَبَ الإحسانَ))، وقَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((ليُرِحْ ذَبيحَتَه)) يَشمَلُ إحدادَ السِّكِّينِ، وتَعجيلَ إمرارِها، وغَيرَ ذلك مِن عَدَمِ شَحذِ السِّكِّينِ بَعدَ إضجاعِها؛ لِما فيه مِن تَخويفِها وإيذائِها
[2680] يُنظر: ((شرح مسلم)) للنووي (13/107)، ((فيض القدير)) للمناوي (2/ 246)، ((نيل الأوطار)) للشوكاني (8/162). .
2- مِنَ الآثارِعن عاصِمِ بنِ عُبَيدِ اللهِ بنِ عاصِمِ بنِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ (أنَّ رَجُلًا حَدَّ شَفرةً وأخذَ شاةً ليَذبَحَها، فضَربَه عُمَرُ رَضيَ اللهُ عنه بالدِّرَّةِ، وقال: أتُعَذِّبُ الرُّوحَ؟! ألَّا فعَلتَ هذا قَبلَ أن تَأخُذَها)
[2681] أخرجه البيهقي في ((السنن الكبرى)) (9/ 471). .
وأمَّا التَّعليلُ: فلأنَّ الحَيَوانَ يَعرِفُ ما يُرادُ مِنه، فإذا كان يَعرِفُ ذلك وهو يُحِدُّ الشَّفرةَ عِندَه، كان فيه زيادةُ ألَمٍ غَيرِ مُحتاجٍ إليه
[2682] يُنظر: ((البناية)) للعيني (11/562). .
ج- سَوقُ البَهيمةِ إلى مَذبَحِها برِفقٍ وإضجاعُها برِفقٍ:يُستَحَبُّ سَوقُ الذَّبيحةِ إلى مَذبَحِها، وإضجاعُها برِفقٍ والإحسانُ إليها
[2683] وذلك باتِّفاقِ المذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربعةِ. يُنظر: ((الدر المختار وحاشية ابن عابدين)) (6/296)، ((التاج والإكليل)) للمواق (3/220)، ((المجموع)) للنووي (9/81)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/210). ويُنظرُ بيانُ ذلك مع أدِلَّتِه في: ((الموسوعة الفقهيَّة بموقع الدُّرر السَّنيَّة)) https://dorar.net/feqhia .
الدَّليلُ على ذلك مِن الكِتابِ والسُّنَّةِ والآثارِ:1- مِن الكِتابِ- قال تعالى:
وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [البقرة: 195] .
- قال تعالى:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ [النحل: 90] .
وَجهُ الدَّلالةِ من الآيتينِ:أنَّ فيهما الأمرَ بالإحسانِ الشَّامِلِ للحَيَوانِ وما سِواه
[2684] يُنظر: ((الجامع لأحكام القرآن)) للقرطبي (6/56)، ((مجموع فتاوى ابن باز)) (4/297). .
2- مِنَ السُّنَّةِعن شَدَّادِ بنِ أوسٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ثِنْتانِ حَفِظْتُهما عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ قال:
((إنَّ اللهَ كَتَب الإحسانَ على كُلِّ شيءٍ، فإذا قتَلْتُم فأحسِنوا القِتْلةَ، وإذا ذبَحتُم فأحسِنوا الذَّبحَ، ولْيُحِدَّ أحَدُكم شَفْرَتَه، فلْيُرِحْ ذَبيحتَه)) [2685] أخرجه مسلم (1955). .
وَجهُ الدَّلالةِ:قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((كَتَبَ الإحسانَ))، وقَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((ليُرِحْ ذَبيحَتَه)) يَشمَلُ إحدادَ السِّكِّينِ، وتَعجيلَ إمرارِها، وغَيرَ ذلك مِن حُسنِ سَوقِها، وإضجاعِها برِفقٍ
[2686] يُنظر: ((شرح مسلم)) للنووي (13/107)، ((فيض القدير)) للمناوي (2/ 246)، ((نيل الأوطار)) للشوكاني (8/162). .
3- مِنَ الآثارِعنِ ابنِ سيرينِ، قال: (رَأى عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رَجُلًا يَسحَبُ شاةً برِجلِها ليَذبَحَها، فقال له: وَيلَك! قُدْها إلى المَوتِ قَودًا جَميلًا)
[2687] أخرجه عبد الرزاق في ((المصنف)) (4/ 493). .
وفي رِوايةٍ عن مُحَمَّدِ بنِ سِيرينَ (أنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنه رَأى رَجُلًا يَجُرُّ شاةً ليَذبَحَها، فضَرَبَه بالدِّرَّةِ
[2688] الدِّرَّةُ: دِرَّةُ السُّلطانِ التي يَضرِبُ بها، وهيَ السَّوطُ. يُنظر: ((تهذيب اللغة)) لأبي منصور الأزهري (14/ 45)، ((المصباح المنير)) للفيومي (1/ 192). ، وقال: سُقْها -لا أمَّ لك
[2689] لا أُمَّ لك: هيَ كَلمةٌ تَقولُها العَرَبُ عِندَ الإنكارِ والزَّجرِ، وقد لا يُقصَدُ بها الذَّمُّ. يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (1/ 81) و(2/ 272). !- إلى المَوتِ سوقًا جَميلًا)
[2690] أخرجه البيهقي في ((السنن الكبرى)) (9/ 472). .
وأمَّا التَّعليلُ: فلأنَّها تَعرِفُ رَبَّها سُبحانَه وتعالى، وتُسَبِّحُ بحَمدِه، وتَعرِفُ المَوتَ؛ ولهذا تَهرُبُ إذا رَأتِ الذَّبحَ
[2691] يُنظر: ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (15/93). .
د- عَدَمُ سَلخِ الذَّبيحةِ أو قَطعِ عُضوٍ مِنها قَبلَ أن تَبرُدَ:يُكرَهُ سَلخُ الذَّبيحةِ أو قَطعُ عُضوٍ مِنها قَبلَ أن تَبرُدَ
[2692] وذلك باتِّفاقِ المذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربعةِ. يُنظر: ((الهداية)) للمرغيناني (11/564)، ((البناية)) للعيني (12/457)، ((التاج والإكليل)) للمواق (3/222)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/334)، ((المجموع)) للنووي (9/91)، ((المبدع)) لابن مفلح (9/198)، ((الإنصاف)) للمرداوي (10/304). .
وذلك للآتي:1- أنَّ فيه تَعذيبًا للحَيَوانِ.
2- أنَّ فيه إسراعًا لمَوتِها، وقد يَكونُ بمَوتِها توقُّفُ الدَّمِ، وعَدَمُ خُروجِه كُلِّه
[2693] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (9/402)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (5/292)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (15/95). .
هـ- عَدَمُ ذَبحِ بَهيمةٍ والأُخرى تَنظُرُ إليها:يُكرَهُ أن تُذبَحَ البَهيمةُ، والأُخرى تَنظُرُ إليها.
الدَّليلُ على ذلك مِن السُّنَّةِ:عن شَدَّادِ بنِ أوسٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ثِنْتانِ حَفِظْتُهما عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ قال:
((إنَّ اللهَ كَتَب الإحسانَ على كُلِّ شيءٍ، فإذا قتَلْتُم فأحسِنوا القِتْلةَ، وإذا ذبَحتُم فأحسِنوا الذَّبحَ، ولْيُحِدَّ أحَدُكم شَفْرَتَه، فلْيُرِحْ ذَبيحتَه)) [2694] أخرجه مسلم (1955). .
وَجهُ الدَّلالةِ: قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((كَتَبَ الإحسانَ))، وقَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((ليُرِحْ ذَبيحَتَه)) يَشمَلُ إحدادَ السِّكِّينِ، وتَعجيلَ إمرارِها، وغَيرَ ذلك مِن عَدَمِ ذَبحِ واحِدةٍ والأُخرى تَنظُرُ إليها؛ لِما فيه مِن إيلامِ التي تَنظُرُ
[2695] يُنظر: ((شرح مسلم)) للنووي (13/107)، ((فيض القدير)) للمناوي (2/ 246)، ((نيل الأوطار)) للشوكاني (8/162). .
وأمَّا التعليلُ: فلأنَّها تَعرِفُ رَبَّها سُبحانَه وتعالى، وتُسَبِّحُ بحَمدِه، وتَعرِفُ المَوتَ؛ ولهذا تَهرُبُ، فإذا كانت تَعرِفُ ذلك وهو يَذبَحُ أُختَها عِندَها كان فيه زيادةُ ألَمٍ غَيرِ مُحتاجٍ إليه
[2696] يُنظر: ((البناية)) للعيني (11/562)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (15/93). .