موسوعة الفرق

المبحَثُ الرَّابعُ: طَعنُ الشِّيعةِ الإماميَّةِ في مالِكٍ


افترى الشِّيعةُ عدَدًا من الرِّواياتِ طَعنًا في مالِكٍ، ومن ذلك:
أنَّه كان يرى رأيَ الخوارجِ، ويذكُرُ عُثمانَ وعَليًّا وطلحةَ والزُّبَيرَ فيقولُ: (واللَّهِ ما اقتَتَلوا إلَّا على الثَّريدِ الأعفَرِ [841] الثَّريدُ الأعفَرُ: الأبيضُ. ليس بالشَّديدِ البياضِ. يريدُ الثَّريدَ الممتلئَ بالإدامِ. يُنظر: حاشية: ((الكامل في اللغة والأدب)) (3/158). [842] يُنظر: ((الصراط المستقيم)) للبياضي (3/220). .
ذَكَر هذا البياضيُّ الشِّيعيُّ في كتابِه (الصِّراطُ المستقيم) ونسَبَه لكتابِ الكامِلِ للمُبَرِّدِ، والعقد الفريدِ لابنِ عبدِ رَبِّه. وبالرُّجوعِ إلى هذينِ الكتابينِ نجِدُ ابنَ عبدِ رَبِّه يعزو هذا الكلامَ للمُبَرِّدِ في الكاملِ، وقد قال المُبَرِّدُ في هذا الموضِعِ عن رأيِ الخوارجِ: (كان عِدَّةٌ من الفُقَهاءِ يُنسَبون إليه، ولعَلَّ هذا يكونُ باطلًا) [843] يُنظر: ((الكامل في اللغة والأدب)) (3/158). .
ثمَّ إنَّ محقِّقَ كتابِ الكامِلِ (مُحمَّد أبو الفضل إبراهيم) قال في هامِشِه: (قد يَتوهَّمُ مِن هذا الكلامِ مَن لا معرفةَ له بالأخبارِ والتَّواريخِ أنَّ المذكورَ هنا مالِكُ بنُ أنَسٍ الفقيهُ المَدَنيُّ المشهورُ صاحِبُ المَذهَبِ. وليس الأمرُ كذلك. وهذا تقصيرٌ أو قصورٌ مِن أبي العبَّاسِ يعني المُبَرِّدَ؛ حيث أبهم في موضِعِ البيانِ؛ لأنَّ مالِكًا المذكورَ هنا هو مالِكُ بنُ أنسِ بنِ مالِكِ بنِ مِسمَعٍ البَكريُّ ثمَّ البصريُّ، أحَدُ رُؤساءِ أهلِ البصرةِ. وأعظَمُ فُقَهائِها في زمانِه؛ لشَرَفِ بيتِه وتقَدُّمِه في معرفةِ كُلِّ فنٍّ، وشُهرةِ زُهدِه، وكثرةِ تهَجُّدِه، لكِنَّه كان متَّهَمًا برأيِ الخوارجِ. ولم يوقَفْ لأمرِه على حقيقتِه، اللَّهُ أعلَمُ أيَّ ذلك كان. وأمَّا الإمامُ مالِكُ بنُ أنَسٍ المَدَنيُّ الأصبحيُّ الحِمْيريُّ فهو الذَّهبُ الإبريزُ صفاءً، والكِبريتُ الأحمَرُ عِزَّةً) [844] يُنظر حاشية: ((الكامل في اللغة والأدب)) (3/158). .
قال التَّيجانيُّ: (مالِكٌ قد ابتَدَع مَذهَبًا في الإسلامِ) [845] ((الشيعة هم أهل السنة)) (ص: 94). .
ونَسَب البياضيُّ إلى كتابِ حِليةِ الأولياءِ أنَّ جَعفَرَ بنَ سُلَيمانَ واليَ العبَّاسيِّين على المدينةِ قد ضَرَب مالِكَ بنَ أنسٍ وحَلَقَه وحَمَله على بعيرٍ [846] يُنظر: ((الصراط المستقيم)) (3/220). . وبالرُّجوعِ إلى كتابِ حليةِ الأولياءِ لأبي نُعَيمٍ نجِدُ الآتي:
1- ذَكَر أبو نُعَيمٍ في ترجمةِ مالِكٍ، وقَبْلَ تلك الحكايةِ مباشرةً قَولُه: (إمامُ الحرمَينِ المشهورُ في البلَدَينِ: الحِجازِ والعراقَينِ، المستفيضُ مَذهَبُه في المغرِبَينِ والمَشرِقَين: مالِكُ بنُ أنسٍ رضي اللَّه تعالى عنه. كان أحَدَ النُّبلاءِ وأكمَلَ العُقَلاءِ، وَرِثَ حديثَ الرَّسولِ ونَشَر في أمَّتِه عِلمَ الأحكامِ والأصولِ، تحقَّق بالتَّقوى فابتُلِيَ بالبلوى) [847] ((حلية الأولياء)) (6/316). .
2- قال أبو نُعَيمٍ بعدَ ثنائِه السَّابقِ عليه: (حَدَّثنا أحمدُ بنُ إسحاقَ، ثنا أبو بكرِ بنُ مُحمَّدِ بنِ أحمَدَ بنِ راشِدٍ، قال: سمِعتُ أبا داودَ يقولُ: ضَرَب جَعفَرُ بنُ سُلَيمانَ مالِكَ بنَ أنسٍ في طلاقِ المُكرَهِ، وحكى لي بعضُ أصحابِ ابنِ وَهبٍ، عن ابنِ وهبٍ أنَّ مالِكًا لَمَّا ضُرِب حُلِق وحُمِل على بعيرٍ، فقيل له: نادِ على نفسِك، قال: فقال: ألَا مَن عَرَفني فقد عَرَفني، ومَن لم يعرِفْني فأنا مالِكُ بنُ أنسِ بنِ أبي عامرٍ الأصبَحيُّ، وأنا أقولُ: طلاقُ المُكرَهِ ليس بشيءٍ، قال: فبَلَغ جَعفَرَ بنَ سُليمانَ أنَّه ينادي على نفسِه بذلك، فقال: أدرِكوه أنزِلوه) [848] ((حلية الأولياء)) (6/316). .
وقال أيضًا: (حَدَّثَنا أبو مُحمَّدِ بنُ حيَّانَ، ثنا مُحمَّدُ بنُ أحمدَ بنِ عَمرٍو، ثنا عبدُ اللَّهِ بنُ أحمدَ بنِ كُليبٍ، عن الفَضلِ بنِ زيادٍ القَطَّانِ، قال: سألتُ أحمدَ بنَ حنبَلٍ: مَن ضَرَب مالِكَ بنَ أنسٍ؟! قال: ضرَبَه بعضُ الوُلاةِ، لا أدري مَن هو، إنَّما ضرَبَه في طلاقِ المُكرَهِ، كان لا يجيزُه فضَرَبه لذلك) [849] ((حلية الأولياء)) (6/316). .
3- هذه الرِّوايةُ بهذا السِّياقِ الكاملِ فيها مدحٌ لمالِكِ بنِ أنسٍ وتكذيبٌ للشِّيعةِ الذين يروِّجون أنَّ مالِكًا وغيرَه من أئِمَّةِ أهلِ السُّنَّةِ كانوا يتَّبِعون أهواءَ السَّلاطين ويجارونَهم. وهناك عدَّةُ رواياتٍ أُخرى تُكَذِّبُهم في هذا الشَّأنِ؛ منها:
1- قال الهَرَويُّ: (أخبَرَنا عبدُ الصَّمدِ بنُ مُحمَّدِ بنِ مُحمَّدِ بنِ صالحٍ أخبَرَنا أبي أخبَرَنا مُحمَّدُ بنُ حِبَّانَ حَدَّثنا عُمَرُ بنُ سعيدِ بنِ سِنانٍ حَدَّثنا هارونُ الفَرويُّ سمِعتُ مُصعَبًا يقولُ: سأل هارونُ الرَّشيدُ مالِكَ بنَ أنسٍ وهو في منزلِه ومعه بنوه أن يقرَأَ عليهم. فقال: ما قرأتُ على أحدٍ منذُ زمانٍ، إنَّما يُقرأُ عَلَيَّ، فقال: أخرِجِ النَّاسَ عنِّي حتى أقرأَ أنا عليك، فقال: إذا مُنِع العامُّ لبَعضِ الخاصِّ لم ينتَفِعِ الخاصُّ. فأمَرَ معنَ بنَ عيسى فقرَأَ عليه) [850] يُنظر: ((ذم الكلام وأهله)) (5/88). .
2- قال ابنُ عبدِ البَرِّ: (رُوِّينا أنَّ هارونَ الرَّشيدَ ذَكَر لمالِكِ بنِ أنسٍ أنَّه يريدُ هَدْمَ ما بنى الحَجَّاجُ من الكعبةِ، وأن يَرُدَّه إلى بُنيانِ ابنِ الزُّبيرِ؛ لِما جاء في ذلك عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وامتَثَله ابنُ الزُّبيرِ، فقال له مالكٌ: ناشَدْتُك اللَّهَ يا أميرَ المُؤمِنين ألَّا تجعَلَ هذا البيتَ مَلعَبةً للملوكِ، لا يشاءُ أحدٌ منهم إلَّا نَقَض البيتَ وبناه، فتذهَبَ هَيبتُه من صدورِ النَّاسِ) [851] يُنظر: ((الاستذكار)) (4/ 188). .

انظر أيضا: