المَطلَبُ الأوَّلُ: الأصلُ عَدَمُ الضَّمانِ
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "الأصلُ عَدَمُ الضَّمانِ"
[3839] يُنظر: ((المهذب)) للشيرازي (2/155)، ((روضة القضاة)) لابن السمناني (3/1177)، ((الكافي)) لابن قدامة (4/10)، ((الفروق)) (4/185)، ((الذخيرة)) (6/48) كلاهما للقرافي، ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 57)، ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (2/392)، ((الأشباه والنظائر)) لابن نجيم (ص: 53). ، وصيغةِ: "الأصلُ نَفيُ الضَّمانِ إلى أن يَحصُلَ يَقينٌ"
[3840] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (5/387). ، وصيغةِ: "الأصلُ عَدَمُ الضَّمانِ إلَّا فيما ورَدَ به الشَّرعُ"
[3841] يُنظر: ((عون المعبود)) للعظيم آبادي (6/ 10). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.الضَّمانُ عِندَ الفُقَهاءِ: هو لَفظٌ يَقتَضي تَضمينَ دَينٍ في ذِمَّةٍ كانت فارِغةً مَعَ بَقائِه في الذِّمَّةِ المَشغولةِ به، أوِ التِزامَ إحضارِ ما يستَحقُّ حُضوره
[3842] يُنظر: ((تدريب المبتدي)) للبلقيني (2/111). ، أو هو حُقٌّ ثابتٌ في ذِمَّةِ الغَيرِ، ويُسَمَّى المُلتَزِمُ لذلك ضامِنًا وضَمينًا وحَميلًا وزَعيمًا وكافِلًا وكَفيلًا وصَبيرًا
[3843] يُنظر: ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/198). ، وقيلَ: هو إعطاءُ مِثلِ الشَّيءِ إن كان مِنَ المِثْليَّاتِ، وقيمَتِه إن كان مِنَ القِيمياتِ
[3844] يُنظر: ((مجلة الأحكام العدلية)) (ص: 80)، ((درر الحكام)) لعلى حيدر (1/448). ، والمُرادُ به هنا في القاعِدةِ ما هو أعَمُّ مِن ذلك، فيَشمَلُ غَرامةَ المُتلَفاتِ والغُصوبِ والتَّعييباتِ والتَّغييراتِ الطَّارِئةِ، وضَمانَ المالِ، والتِزامَه بعَقدٍ وبغَيرِ عَقدِ، ووَضعَ اليَدِ على المالِ بغَيرِ حَقٍّ أو بحَقٍّ على العُمومِ، وعلى ما يَجِبُ بإلزامِ الشَّارِعِ، بسَبَبِ الاعتِداءاتِ: كالدِّياتِ ضَمانًا للأنفُسِ، وكَضَمانِ قيمةِ صَيدِ الحَرَمِ، وكَفَّارةِ اليَمينِ، وكَفَّارةِ الظِّهارِ، وكَفَّارةِ الإفطارِ عَمدًا في رَمَضانَ، وإذا اختُلف في ثُبوتِ الضَّمانِ وعَدَمِ ثُبوتِه فلا يَثبُتُ؛ لأنَّ الأصلَ بَراءةُ الذِّمَّةِ حَتَّى تُشغَلَ بيَقينٍ، ويَكون القَولُ لمُنكِرِ الضَّمانِ حينَئِذٍ، وهذا هو المَقصودُ بأنَّ الأصلَ عَدَمُ الضَّمانِ
[3845] يُنظر: ((المهذب)) للشيرازي (2/155)، ((روضة القضاة)) لابن السمناني (3/1177)، ((الكافي)) لابن قدامة (4/10)، ((الفروق)) (4/185)، ((الذخيرة)) (6/48) كلاهما للقرافي، ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 57)، ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (2/392)، ((الأشباه والنظائر)) لابن نجيم (ص: 53)، ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (28/220). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالسُّنَّةِ، والقَواعِدِ:
1- مِنَ السُّنَّةِ:يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بعُمومِ الأدِلَّةِ الدَّالَّةِ على عِصمةِ مالِ المُسلمِ، ومِنها:
- عن عبدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ رَضيَ الله عنهما أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((فإنَّ دِماءَكُم وأموالَكُم وأعراضَكُم عليكُم حَرامٌ، كَحُرمة يَومِكُم هذا، في بَلَدِكُم هذا، في شَهرِكُم هذا )) [3846] أخرجه البخاري (1739). .
- وعَن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((أُمِرتُ أن أُقاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشهَدوا أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللهِ، ويُقيموا الصَّلاةَ، ويُؤتوا الزَّكاةَ، فإذا فعَلوا ذلك عَصَموا مِنِّي دِماءَهم وأموالَهم إلَّا بحَقِّ الإسلامِ، وحِسابُهم على اللهِ )) [3847] أخرجه البخاري (25) واللفظ له، ومسلم (22). قال القَرافيُّ: (الأصلُ عِصمةُ المالِ إلَّا في المُتَيَقَّنِ)
[3848] ((الذخيرة)) (7/ 70). .
وقال الشَّوكانيُّ مُعَلِّلًا حُكمَ ضَمانِ الوديعةِ: (فالأصلُ الشَّرعيُّ هو عَدَمُ الضَّمانِ؛ لأنَّ مالَ الوديعِ مَعصومٌ بعِصمةِ الإسلامِ، فلا يَلزَمُ مِنه شَيءٌ إلَّا بأمرِ الشَّرعِ، ولا يحتاجُ مَعَ هذا الأصلِ إلى الاستِدلالِ على عَدَمِ الضَّمانِ بما لَم يَثبُتْ)
[3849] ((السيل الجرار)) (ص: 652). .
2- مِنَ القَواعِدِ:يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بقاعِدَتَي (الأصلُ بَراءةُ الذِّمَّةِ)، و(اليَقينُ لا يَزولُ بالشَّكِّ)؛ لأنَّ الأصلَ فراغُ الذِّمَمِ، فلا تُشغَلُ بالشَّكِّ.
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ. تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، مِنها:
1- إن ضَمِنَ عن شَخصٍ دَينًا ثُمَّ اختَلَفا فقال الضَّامِنُ: ضَمِنتُ وأنا مَجنونٌ، وقال: بَل ضَمِنتَ وأنتَ عاقِلٌ، فإن لَم يُعرَفْ له حالةُ جُنونٍ فالقَولُ قَولُ المَضمونِ له؛ لأنَّ الأصلَ العَقلُ وصِحَّةُ الضَّمانِ، وإن عُرِف له حالةُ جُنونٍ فالقَولُ قَولُ الضَّامِنِ؛ لأنَّه يُحتَمَلُ أن يَكونَ الضَّمانُ في حالةِ الإفاقةِ، ويُحتَمَلُ أن يَكونَ في حالةِ الجُنونِ، والأصلُ عَدَمُ الضَّمانِ وبَراءةُ الذِّمَّةِ
[3850] يُنظر: ((المهذب)) للشيرازي (2/155). .
2- إذا خَلَّلَ المُحرِمُ شَعرَه فسَقَطَت شَعرةٌ، فإن كانت مَيتةً فلا فِديةَ فيها، وإن كانت مِن شَعرِه النَّابتِ ففيها الفِديةُ، وإن شَكَّ فيها فلا فِديةَ فيها؛ لأنَّ الأصل نَفيُ الضَّمانِ إلى أن يَحصُلَ يَقينٌ
[3851] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (5/387). .
3- لَو تَلِفَ المالُ فادَّعى المالِكُ أنَّه كان قَرضًا، وادَّعى الآخِذُ أنَّه كان قِراضًا، أي: مُضارِبةً؛ فقيلَ: المُصَدَّقُ الآخِذُ؛ لأنَّهما اتَّفقا على جَوازِ التَّصَرُّفِ، والأصلُ: عَدَمُ الضَّمانِ، وقيلَ: الواجِبُ تَصديقُ المالكِ، وإن أقاما بَيِّنةً قُدِّمَت بَيِّنةُ المالكِ؛ لأنَّ مَعَها زيادةَ عِلمٍ
[3852] يُنظر: ((النجم الوهاج)) للدميري (5/285)، ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 57)، ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (2/392)، ((الأشباه والنظائر)) لابن نجيم (ص: 53)، ((فتح المعين)) لزين الدين المعبري (ص: 371). .