موسوعة أصول الفقه

المَسألةُ الثَّانيةُ: كَونُ مُستَنَدِ الإجماعِ دَليلًا ظَنِّيًّا


يَجوزُ أن يَكونَ مُستَنَدُ الإجماعِ دَليلًا ظَنِّيًّا، كخَبَرِ الواحِدِ والقياسِ. وهو مَنقولٌ عن: مالِكٍ ، والشَّافِعيِّ . وهو قَولُ عامَّةِ الحَنَفيَّةِ ، والمالِكيَّةِ ، والشَّافِعيَّةِ ، والحَنابِلةِ .
واستَدَلُّوا على ذلك بالآتي:
1- أنَّه وقَعَ، ولو كان غَيرَ جائِزٍ لما وقَعَ، و(الوُقوعُ في الشَّرعِ أدَلُّ الدَّلائِلِ على الجَوازِ الشَّرعيِّ) ، والدَّليلُ على وُقوعِه :
أ- أنَّ الصَّحابةَ أجمَعَت على إمامةِ أبي بَكرٍ رَضِيَ اللهُ عنه مِن طَريقِ الاجتِهادِ والرَّأيِ.
ب- أنَّهم اتَّفَقوا على قِتالِ مانِعي الزَّكاةِ بطَريقِ الاجتِهادِ .
ت- أجمَعوا أيضًا بطَريقِ الاجتِهادِ على جَزاءِ الصَّيدِ، ومِقدارِ أَرشِ الجِنايةِ، ومِقدارِ نَفَقةِ القَريبِ، وعَدالةِ الأئِمَّةِ والقُضاةِ، ونَحوِ ذلك.
2- أنَّ الخَلقَ الكَثيرَ الزَّائِدَ على عَدَدِ التَّواتُرِ مُتَّفِقونَ على أحكامٍ باطِلةٍ لا تَستَنِدُ إلى دَليلٍ قَطعيٍّ ولا دَليلٍ ظَنِّيٍّ، كاليَهودِ والنَّصارى؛ فإنَّ أعدادَهم تَفوقُ عَدَدَ التَّواتُرِ، وقد اتَّفقوا على أحكامٍ باطِلةٍ ليسَ عليها أدنى دَليلٍ، فإذا أمكَنَ اتِّفاقُ العَدَدِ الكَثيرِ على أمرٍ باطِلٍ ليسَ عليه دَليلٌ، فجَوازُ اتِّفاقِهم على حُكمٍ مُستَنِدٍ إلى دَليلٍ ظَنِّيٍّ ظاهرٍ أَولى، كما أنَّا لو قدَّرْنا وُقوعَ الاتِّفاقِ المُستَنِدِ إلى دَليلٍ ظَنِّيٍّ لما لزِمَ عنه لذاتِه مُحالٌ عَقلًا .
3- أنَّ خَبَرَ الواحِدِ والقياسَ ونَحوَهما مِن الأدِلَّةِ يُفيدُ الظَّنَّ، ولا يَمتَنِعُ اتِّفاقُهم على حُصولِ ظَنِّ الحُكمِ بهذين الدَّليلينِ ونَحوِهما مِن الأدِلَّةِ، فهذه الأدِلَّةُ مُحَصِّلةٌ للظَّنِّ، وإذا حَصَل الظَّنُّ جاز الاتِّفاقُ على موجِبِه حِسًّا وشَرعًا، أمَّا حِسًّا فكالغَيمِ الرَّطبِ إذا شاهَدَه أهلُ الأرضِ كُلُّهم، فإنَّهم يَشتَرِكونَ في غَلَبةِ الظَّنِّ مِن قِبَلِه بالأمطارِ.
وأمَّا شَرعًا فكما إذا عَلمَ النَّاسُ أنَّ النَّبيذَ مُسكِرٌ كالخَمرِ، غَلبَ على ظَنِّهم أنَّه حَرامٌ كالخَمرِ، بجامِعِ الإسكارِ، والاتِّفاقُ على موجِبِ هذا الظَّنِّ غَيرُ مُمتَنِعٍ، فكذلك أماراتُ الأحكامِ مِن القياسِ وغَيرِه .
وقيل: لا يَنعَقِدُ الإجماع إلَّا عن دَليلٍ قَطعيٍّ، ولا يَنعَقِدُ عن دَليلٍ ظَنِّيٍّ، وهو اختيارُ داودَ الظَّاهريِّ وأتباعِه، والشِّيعةِ، ومُحَمَّدِ بنِ جَريرٍ، والقاشانيِّ، وَفقَ ما حَكاه عَلاءُ الدِّينِ البُخاريُّ

انظر أيضا:

  1. (1) يُنظر: ((شرح تنقيح الفصول)) للقرافي (ص339)، ((رفع النقاب)) للشوشاوي (4/653).
  2. (2) يُنظر: ((البحر المحيط)) للزركشي (6/399).
  3. (3) يُنظر: ((ميزان الأصول)) لعلاء الدين السمرقندي (ص523)، ((أصول الفقهـ)) للمشي (ص164)، ((تيسير التحرير)) لأمير بادشاه (3/256).
  4. (4) يُنظر: ((إحكام الفصول)) للباجي (1/506).
  5. (5) يُنظر: ((البحر المحيط)) للزركشي (6/399). ويُنظر أيضًا: ((التلخيص)) للجويني (3/104)، ((الإحكام)) للآمدي (1/264).
  6. (6) يُنظر: ((أصول الفقهـ)) لابن مفلح (2/435)، ((التذكرة)) للمقدسي (ص: 587).
  7. (7) ((الإحكام)) (3/136).
  8. (8) يُنظر: ((الواضح)) لابن عقيل (5/167، 168)، ((الإحكام)) للآمدي (1/264، 265)، ((بيان المختصر)) لشمس الدين الأصفهاني (1/587)، ((بديع النظام)) لابن الساعاتي (1/291، 292)، ((شرح مختصر الروضة)) للطوفي (3/124، 125).
  9. (9) قِتالُ مانِعي الزَّكاةِ ثابتٌ في صحيح البخاري (7284، 7285)، ومسلم (20) من حديثِ أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، ولفظُ البخاريِّ: ((لمَّا توُفِّيَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم واستُخلِفَ أبو بَكرٍ بَعدَه، وكَفرَ مَن كَفرَ مِنَ العَرَبِ، قال عُمَرُ لأبي بَكرٍ: كَيف تُقاتِلُ النَّاسَ؟ وقد قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أُمِرتُ أن أُقاتِلَ النَّاسَ حتَّى يَقولوا: لا إلهَ إلَّا اللهُ، فمَن قال: لا إلهَ إلَّا اللهُ عَصَمَ مِنِّي مالَه ونَفسَه إلَّا بحَقِّه وحِسابُه على اللهِ، فقال: واللهِ لأُقاتِلَنَّ مَن فرَّقَ بَينَ الصَّلاةِ والزَّكاةِ؛ فإنَّ الزَّكاةَ حَقُّ المالِ، واللهُ لو مَنَعوني عِقالًا كانوا يُؤَدُّونَه إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لقاتَلتُهم على مَنعِه، فقال عُمَرُ: فواللهِ ما هو إلَّا أن رَأيتُ اللَّهَ قد شَرَحَ صَدرَ أبي بَكرٍ للقِتالِ، فعَرَفتُ أنَّه الحَقُّ)).
  10. (10) يُنظر: ((الإحكام)) للآمدي (1/264)، ((بديع النظام)) لابن الساعاتي (1/291)،
  11. (11) يُنظر: ((الواضح)) لابن عقيل (5/169)، ((المستصفى)) للغزالي (ص: 153)، ((شرح تنقيح الفصول)) للقرافي (ص:339)، ((شرح مختصر الروضة)) للطوفي (3/121).
  12. (12) يُنظر: ((كشف الأسرار)) (3/264). ويُنظر أيضًا: ((ميزان الأصول)) لعلاء الدين السمرقندي (ص: 524).