موسوعة أصول الفقه

الفرعُ العاشِرُ: الاختِلافُ في مَناطِ الحُكمِ الشَّرعيِّ


المُرادُ بالاختِلافِ في مَناطِ الحُكمِ: الاختِلافُ في عِلَّةِ الحُكمِ؛ قال الغَزاليُّ: (نَعني: بالعِلَّةِ في الشَّرعيَّاتِ مَناطَ الحُكمِ، أي: ما أضاف الشَّرعُ الحُكمَ إليه، وناطَه به، ونَصَبه عَلامةً عليهـ) .
ومِن ذلك الاختِلافُ في تَعيينِ عِلَّةِ الرِّبا في الأصنافِ الأربَعةِ الوارِدة في حَديثِ عُبادةَ بنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللهُ عنه، فقال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((الذَّهَبُ بالذَّهَبِ، والفِضَّةُ بالفِضَّةِ، والبُرُّ بالبُرِّ، والشَّعيرُ بالشَّعيرِ، والتَّمرُ بالتَّمرِ، والمِلحُ بالمِلحِ، مِثلًا بمِثلٍ، سَواءً بسَواءٍ، يَدًا بيَدٍ، فإذا اختَلفت هذه الأصنافُ فبيعوا كَيف شِئتُم، إذا كان يَدًا بيَدٍ)) .
فهَلِ العِلَّةُ هيَ الجِنسُ مَعَ الكَيلِ أوِ الوزنِ كما قال الحَنَفيَّةُ ، أمِ الجِنسُ مَعَ الطُّعمِ كما قال الشَّافِعيَّةُ ، أم جَميعُ هذه الأوصافِ كما عِندَ الحَنابِلةِ في إحدى الرِّواياتِ ، أم هيَ الجِنسُ مَعَ الاقتياتِ والادِّخارِ كما قال المالِكيَّةُ ؟
ونَشَأ عن هذا الخِلافِ خِلافٌ في حُكمِ ما يُقاسُ على الأصلِ مِن فُروعٍ، فاختَلَفوا في جَرَيانِ الرِّبا في الحَديدِ والنُّحاسِ؟ وفي الفواكِه والبُقولِ؟ وغَيرِ ذلك مِمَّا لم يُنَصَّ عليه في الحَديثِ.
فمَن يَقولُ: العِلَّةُ هيَ الجِنسُ مَعَ الكَيلِ أوِ الوزنِ، يَقولُ: يَجري الرِّبا في الحَديدِ والنُّحاسِ. ومَن يَعتَبِرُ الطُّعمَ يَقولُ: لا يَجري فيها الرِّبا. وكذلك المُشمُشُ والتُّفَّاحُ وسائِرُ الفواكِهِ؛ فمَن يَعتَبِرُ الاقتياتَ والادِّخارَ لا يُجري فيها الرِّبا، ومَن يَقولُ: العِلَّةُ الطُّعمُ والجِنسُ فقَط، يُجري فيها الرِّبا .

انظر أيضا:

  1. (1) ((المستصفى)) للغزالي (ص: 281).
  2. (2) أخرجه مسلم (1587).
  3. (3) يُنظَر: ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (7/ 9)، ((شرح مشكلات القدوري)) لخواهر زاده (1/ 545).
  4. (4) يُنظَر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (5/ 87- 87).
  5. (5) يُنظَر: ((الروايتين والوجهين)) لأبي يعلى (1/ 317).
  6. (6) يُنظَر: ((الإشراف على نكت مسائل الخلاف)) لعبد الوهاب البغدادي (2/ 531)، ((الكافي)) لابن عبد البر (2/ 648).
  7. (7) يُنظَر: ((أسباب اختلاف الفقهاء)) للتركي (ص: 155).