المسألةُ الأولى: أن يكونَ المُكَلَّفُ بالِغًا
من شُروطِ التَّكليفِ البُلوغُ
.
البُلوغُ لُغةً: الوُصولُ، يُقالُ: بَلَغَ الشَّيءُ يَبلُغُ بُلوغًا وبَلاغًا: وصَلَ وانتَهى. وتبَلَّغَ بالشَّيءِ: وصَلَ إلى مُرادِه. وبلَغَ الغُلامُ: احتَلَمَ، كأنَّه بَلَغَ وقتَ الكِتابِ عليه والتَّكليفِ
.
وشَرعًا: انتِهاءُ حَدِّ الصِّغَرِ في الإنسانِ ليَحكُمَ عليه الشَّارِعُ بالتَّكاليفِ الشَّرعيَّةِ
.
والبُلوغُ لَه عَلاماتٌ يُعرَفُ بها، وهي:
1- خُروج المَنيِّ في اليَقَظةِ أوِ المَنامِ عَلامةٌ مِن عَلاماتِ البُلوغِ بالإجماعِ
.
2- استِكمالُ خَمسَ عَشرةَ سَنةً
.
عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما: (أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَرَضَه يَومَ أُحُدٍ، وهو ابنُ أربَعَ عَشرةَ سَنةً، قال: فلَم يُجِزْني، ثُمَّ عَرَضَني يَومَ الخَندَقِ، وأنا ابنُ خَمسَ عَشرةَ سَنةً، فأجازني)
.
وأيضًا فالاحتِلامُ جُعِلَ حَدًّا في الشَّرعِ لكونِه دَليلًا على كمالِ العَقلِ، والاحتِلامُ لا يَتَأخَّرُ عن خَمسَ عَشرةَ سَنةً عادةً، فإذا لَم يَحتَلِمْ إلى هذه المُدَّةِ، عُلِمَ أنَّ ذلك لآفةٍ في خِلقَتِه، والآفةُ في الخِلقةِ لا توجِبُ آفةً في العَقلِ، فكان العَقلُ قائِمًا بلا آفةٍ؛ فوجَبَ اعتِبارُه في لُزومِ الأحكامِ
.
3- الإنباتُ علامةٌ على البُلوغِ
.
عن عَطيَّةَ القُرَظيِّ، قال: (كُنتُ مِن سَبيِ بَني قُريظةَ، فكانوا يَنظُرونَ؛ فمَن أنبَتَ الشَّعرَ قُتِلَ، ومَن لَم يُنبِتْ لَم يُقتَلْ، فكُنتُ فيمَن لَم يُنبِتْ)
.
ولأنَّ الإنباتَ مَعنًى يَعرِضُ عِندَ البُلوغِ؛ فيُحكمُ به كخُروجِ المَنيِّ
.
4- الحيضُ للمَرأةِ، فإذا حاضَتِ المَرأةُ فقَد بَلَغَت ووجَبَت عليها الفرائِضُ، والإجماعُ على ذلك
.
5- الحَملُ للمَرأةِ باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ
؛ لأنَّ الحَبَلَ دَليلٌ على الإنزالِ؛ فإنَّ اللَّهَ تعالى أجرى العادةَ أنَّ الولَدَ إنَّما يُخلَقُ مِن ماءِ الرَّجُلِ وماءِ المَرأةِ
.
الأدِلَّةُ على كونِ البُلوغِ شَرطًا للتَّكليفِ:1- حَديثُ:
((رُفِعَ القَلَمُ عن ثَلاثةٍ))، وذَكرَ مِنهم:
((الصَّغيرُ حَتَّى يَبلُغَ))
.
وَجهُ الدَّلالةِ:قَولُه
((رُفِعَ القَلَمُ)) مَعناه امتِناعُ التَّكليفِ لا أنَّه رُفِعَ بَعدَ وَضعِه
.
2- الإجماعُ، وممَّن حكاه: الزَّركَشيُّ
.
3- أنَّ البُلوغَ لمَّا كان مَظِنَّةَ كَمالِ العَقلِ عَلَّقَ الشَّارِعُ الأمرَ عليه
. وإن كان قَد يَكمُلُ بحيثُ يَصلُحُ أن يَكونَ مَناطًا للتَّكليفِ قَبلَه، لَكِن قَد عُلمَ مِن عادةِ الشَّرعِ أنَّه يُعَلَّقُ الحُكمُ على مَظانِّ الحُكمِ لا على الحُكمِ نَفسِه
.