موسوعة أصول الفقه

المَبحَثُ الخامِسُ: تَجَزُّؤُ الاجتِهادِ


المُرادُ بتَجَزُّؤِ الاجتِهادِ جَرَيانُه في بَعضِ المَسائِلِ دونَ بَعضٍ .
وذلك بأن يَحصُلَ لإنسانٍ رُتبةُ الاجتِهادِ في بَعضِ المَسائِلِ دونَ بَعضٍ، فما تَمَكَّنَ فيه مِنَ الاجتِهادِ اجتَهَدَ فيه، وما لم يَتَمَكَّنْ منه قَلَّدَ فيه مُجتَهِدًا آخَرَ .
فيَكونُ المُجتَهِدُ مُقتَدِرًا على الاجتِهادِ في مَسألةٍ أو مَسائِلَ بأعيانِها فقَط مِن مَسائِلِ الفِقهِ، أو في بابٍ أو أبوابٍ بأعيانِها فقَط مِن أبوابِه -كبابِ البُيوعِ أوِ الفرائِضِ مَثَلًا- إلَّا أنَّه غَيرُ مُقتَدِرٍ على الاجتِهادِ في جَميعِ مَسائِلِ الفِقهِ وأبوابِه، وهو المُسَمَّى بمُجتَهِدِ البابِ أوِ المَسألةِ، ويُسَمَّى هذا النَّوعُ مِنَ الاجتِهادِ عادةً بالاجتِهادِ الخاصِّ، أو بالاجتِهادِ الجُزئيِّ، أو بالاجتِهادِ المُتَجَزِّئِ .
ويَجوزُ تَجَزُّؤُ الاجتِهادِ، وهو مَذهَبُ جُمهورِ العُلَماءِ ، ومِمَّنِ اختارَه مِنَ الحَنَفيَّةِ: ابنُ الهُمامِ ، ومِنَ المالِكيَّةِ: القَرافيُّ ، وعَبدُ اللَّهِ الشِّنقيطيُّ ، ومِنَ الشَّافِعيَّةِ: الرَّازيُّ ، وابنُ السُّبكيِّ ، ومِنَ الحَنابِلةِ: ابنُ قُدامةَ ، وابنُ تَيميَّةَ ، والطُّوفيُّ .
الأدِلَّةُ:
1- أنَّه لا يَمتَنِعُ وُجودُ أهليَّةِ الاجتِهادِ كامِلةً بالنِّسبةِ إلى بَعضِ المَسائِلِ دونَ بَعضٍ .
2- أنَّه إذا لم يَتَجَزَّأْ لزِمَ أن يَكونَ عالِمًا بجَميعِ الجُزئيَّاتِ، وهو مُحالٌ. وقد سُئِلَ كُلٌّ مِنَ الأئِمَّةِ الأربَعةِ عن مَسائِلَ، فأجابَ بأنَّه لا يَدري .
قال ابنُ تَيميَّةَ: (قد يَكونُ الرَّجُلُ قادِرًا على الاجتِهادِ والاستِدلالِ في مَسألةٍ أو نَوعٍ مِنَ العِلمِ دونَ الآخَرِ، وهذا حالُ أكثَرِ عُلَماءِ المُسلِمينَ، لكِن يَتَفاوتونَ في القوَّةِ والكَثرةِ؛ فالأئِمَّةُ المَشهورونَ أقدَرُ على الاجتِهادِ والاستِدلالِ في أكثَرِ مَسائِلِ الشَّرعِ مِن غَيرِهم، وأمَّا أن يُدَّعى أنَّ واحِدًا مِنهم قادِرٌ على أن يَعرِفَ حُكمَ اللهِ في كُلِّ مَسألةٍ مِنَ الدِّينِ بدَليلِها، فمَنِ ادَّعى هذا فقد ادَّعى ما لا عِلمَ له به، بَلِ ادَّعى ما يُعرَفُ أنَّه باطِلٌ) .
وقيلَ: لا يَجوزُ تَجَزُّؤُ الاجتِهادِ . وهو مَذهَبُ بَعضِ الحَنَفيَّةِ ، واختارَه الشَّوكانيُّ .

انظر أيضا:

  1. (1) يُنظَر: ((شرح العضد على مختصر ابن الحاجب)) (3/ 582)، ((إرشاد الفحول)) للشوكاني (2/ 216)، ((الوجيز)) لمحمد الزحيلي (2/ 315).
  2. (2) يُنظَر: ((تشنيف المسامع)) للزركشي (4/ 576)، ((الغيث الهامع)) لأبي زرعة العراقي (ص: 700).
  3. (3) يُنظَر: بحث: ((تجزؤ الاجتهاد)) لحسونة والصيفي ((مجلة دراسات علوم الشريعة- الجامعة الأردنية)) (ع: 2/2010) (ص: 553).
  4. (4) قال ابنُ تَيميَّةَ: (جُمهورُ عُلَماءِ المُسلِمينَ على أنَّ القُدرةَ على الاجتِهادِ والاستِدلالِ مِمَّا يَنقَسِمُ ويَتَبَعَّضُ). ((منهاج السنة النبوية)) (2/ 244). وقال البِرْماويُّ: (الأكثَرونَ على أنَّ ذلك جائِزٌ). ((الفوائد السنية)) (5/ 2232). وقال ابنُ الوزيرِ: (تَجَزِّي الاجتِهادِ هو الصَّحيحُ عِندَ الجُمهورِ). ((العواصم والقواصم)) (1/ 351). وقال مُحَمَّد الأمين الشِّنقيطيُّ: (الصَّحيحُ الذي عليه الأكثَرُ جَوازُ تَجَزُّؤِ الاجتِهادِ). ((نثر الورود)) (2/ 649).
  5. (5) يُنظَر: ((التحرير)) (ص: 524)، (التقرير والتحبير)) لابن أمير الحاج (3/ 294).
  6. (6) يُنظَر: ((شرح تنقيح الفصول)) (ص: 437).
  7. (7) يُنظَر: ((نشر البنود)) (2/ 324).
  8. (8) يُنظَر: ((المحصول)) (6/ 25).
  9. (9) يُنظَر: ((جمع الجوامع)) (ص: 119)، ((تشنيف المسامع)) للزركشي (4/ 576).
  10. (10) يُنظَر: ((روضة الناظر)) (2/ 337).
  11. (11) يُنظَر: ((مجموع الفتاوى)) (20/ 204)، ((منهاج السنة النبوية)) (2/ 244).
  12. (12) يُنظَر: ((شرح مختصر الروضة)) (3/ 38).
  13. (13) يُنظَر: ((شرح مختصر الروضة)) للطوفي (3/ 38).
  14. (14) يُنظَر: ((الفوائد السنية)) للبرماوي (5/ 2232).
  15. (15) ((منهاج السنة النبوية)) (2/ 245).
  16. (16) يُنظَر: ((المحصول)) للرازي (6/ 25)، ((إرشاد الفحول)) للشوكاني (2/ 216).
  17. (17) يُنظَر: ((فصول البدائع)) للفناري (1/ 24)، ((بريقة محمودية)) للخادمي (3/ 50).
  18. (18) يُنظَر: ((إرشاد الفحول)) (2/ 217).