موسوعة أصول الفقه

الفرعُ الخامِسُ: وُقوعُ النَّسخِ بَعدَ دُخولِ وقتِ الفِعلِ والشُّروعِ فيه وقَبلَ تَمامِه


إذا كان قد دَخَلَ وقتُ الفِعلِ، وشَرع المُكَلَّفُ في الفِعلِ، فنُسِخَ الأمرُ قَبلَ تَمامِ الفِعلِ .
والرَّاجِحُ أنَّه يَجوزُ النَّسخُ في هذه الصُّورةِ، وقد صَرَّحَ به أبو إسحاقَ المَرْوَزيُّ ، والقَرافيُّ .
قال القَرافيُّ: (وأمَّا بَعدَ الشُّروعِ وقَبلَ الكَمالِ فلم أرَ فيه نَقلًا، ومُقتَضى مَذهَبِنا جَوازُ النَّسخِ مُطلَقًا فيه وفي غَيرِه. ومُقتَضى مَذهَبِ المُعتَزِلةِ ما أنا ذاكِرُه مِنَ التَّفصيلِ، لا المَنعُ مُطلَقًا، ولا الجَوازُ مُطلَقًا؛ فإنَّ الفِعلَ الواحِدَ قد لا تَحصُلُ مَصلَحَتُه إلَّا باستيفاءِ أجزائِه، كَذَبحِ الحَيَوانِ، وإنقاذِ الغَريقِ؛ فإنَّ مُجَرَّدَ قَطعِ الجِلدِ لا يُحَصِّلُ مَقصودَ الذَّكاةِ مِن إخراجِ الفَضَلاتِ، وزُهوقِ الرُّوحِ على وَجهِ السُّهولةِ، وإيصالُ الغَريقِ إلى قَريبِ الشَّطِّ وتَركُه هنالِكَ لا يَحفظُ عليه حَياتَه، بَل يَموتُ بقُربِ الشَّطِّ كما يَموتُ في لُجَّةِ البَحرِ، وقد تَكونُ مَصلَحَتُه مُتَوزِّعةً على أجزاءٍ، كسَقيِ العَطشانِ، وإطعامِ الجَوعانِ، وكِسوةِ العُريانِ؛ فإنَّ كُلَّ جُزءٍ مِن ذلك يُحَصِّلُ جُزءًا مِنَ الرِّيِّ، أوِ الشِّبَعِ، أوِ السَّترِ.
ففي القِسمِ الأوَّلِ: مُقتَضى مَذهَبِهمُ المَنعُ؛ لعَدَمِ حُصولِ المَصلَحةِ.
وفي الثَّاني: الجَوازُ لحُصولِ بَعضِ المَصلَحةِ المُحسِّنةِ للأمرِ، وخُروجِه عنِ العَبَثِ بذلك، كما انعَقدَ الإجماعُ على حُسنِ النَّهيِ عنِ القَطرةِ الواحِدةِ مِنَ الخَمرِ، مَعَ أنَّ الإسكارَ لا يَحصُلُ إلَّا بعِدَّةٍ مِنَ القَطَراتِ، لَكِنَّه لا يَتَعَيَّنُ له بَعضُها دونَ بَعضِها، بَل هو مُتَوزِّعٌ عليها، فكذلك هاهنا) .

انظر أيضا:

  1. (1) يُنظر: ((إرشاد الفحول)) للشوكاني (2/58).
  2. (2) يُنظر: ((البحر المحيط)) للزركشي (5/232).
  3. (3) يُنظر: ((شرح تنقيح الفصول)) (ص: 307).
  4. (4) يُنظر: ((نفائس الأصول)) (6/2448)، ((شرح تنقيح الفصول)) (ص: 307) كلاهما للقرافي، ((رفع النقاب)) للشوشاوي (4/479).