الموسوعة التاريخية

عدد النتائج ( 1740 ). زمن البحث بالثانية ( 0.015 )

العام الهجري : 1425 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 2004
تفاصيل الحدث:

وُلِد عبد العزيز علي عبد الحفيظ الرنتيسي عام 1947م في قرية يبنا (بين عسقلان ويافا)، لجأت أسرتُه بعد حرب 1948م إلى قطاع غزَّةَ، واستقرَّت في مخيم خان يونس للاجئين، وكان عمرُه وقتَها ستةَ شهورٍ، التحَقَ وهو في السادسة من عُمره بمدرسةٍ تابعةٍ لوَكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفِلَسْطينيين، واضطر للعمل أيضًا، وهو في هذا العمر ليُسهِم في إعالة أسرته الكبيرة التي كانت تمرُّ بظروف صعبةٍ، أنهى دراسته الثانوية عام 1965م، وتخرَّج من كلية الطب بجامعة الإسكندرية عام 1972م، ونال منها لاحقًا درجة الماجستير في طب الأطفال، ثم عمِلَ طبيبًا مُقيمًا في مستشفى ناصر (المركز الطبي الرئيسي في خان يونس) عام 1976م، شغَل الدكتور الرنتيسي عدةَ مواقعَ في العمل العام منها: عضوية هيئة إدارية في المجمَّع الإسلامي، والجمعية الطبية العربية بقطاع غزَّةَ، والهلال الأحمر الفِلَسْطيني، وعمِلَ في الجامعة الإسلامية في غزَّةَ منذ افتتاحها عام 1978م، محاضِرًا يدرِّسُ علمَ الوراثة وعلمَ الطفيليات.
أسَّس مع مجموعة من نشطاء الحركة الإسلامية في قطاع غزَّةَ تنظيمَ حركةِ المقاومة الإسلامية "حماس" عام 1987م، واعتُقِل عدَّةَ مرَّاتٍ، وتعرَّضَ لمحاولة اغتيالٍ نفَّذتها قوات الاحتلال الصِّهْيَوْني، ونجا منها، وبعد يومَيْنِ من اغتيال الشيخ ياسين، اختير الدكتور الرنتيسي زعيمًا لحركة "حماس" في قطاع غزَّةَ، واغتيل هو مع اثنين من مُرافقيه في 17 نيسان (أبريل) 2004م، بعد أن قَصفَت سيارتَهم طائراتُ الأباتشي الصِّهْيَوْنية في مدينة غزَّةَ، رحمه اللهُ.

العام الهجري : 1432 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 2010
تفاصيل الحدث:

الثَّورةُ التُّونُسية، هي ثورةٌ شعبيَّةٌ، انطَلَقت بوفاةِ الشابِّ محمد البوعزيزي الذي أضرَمَ النَّارَ في جسدِه تعبيرًا عن غضبِه على بَطالَتِه؛ ومُصادرَةِ الشرطةِ للعربةِ التي يبيع عليها. فخرج آلافُ التُّونُسيين الرافضين للأوضاع المتردِّيَة؛ بسبب البَطالَةِ؛ وعدمِ وُجودِ عدالةٍ اجتماعية؛ وتفاقُمِ الفَسادِ داخِلَ النظام الحاكِمِ. ونَتَج عن هذه التَّظاهُرات سقوطُ قتلَى وجرحَى؛ كما أجبَرَت الرَّئيسَ زين العابدين بن علي على إقالةِ عددٍ من الوُزَراء كوزير الداخلية، مع تقديم وُعودٍ لمُعالجةِ مشاكلِ البلاد، وقرَّر عدمَ الترشُّح لانتخاباتِ الرئاسةِ عامَ (2014م)، وتمَّ بعد خطابِه فتْحُ المواقعِ المحجوبة في تونُس، بالإضافة إلى تخفيضِ أسعارِ بعضِ المنتَجات الغذائية تخفيضًا يسيرًا. لكنَّ الاحتجاجاتِ ازدادَت حدةً وتوسُّعَا، حتى وصلت إلى المباني الحُكومية، ممَّا أجبرَ الرئيسَ التونسيَّ على التنحِّي عن السُّلطة ومغادرة البلاد بشكلٍ مفاجئٍ إلى السعودية يومَ الجمعة (14 يناير) من هذا العام، وأعلن الوزيرُ الأولُ محمد الغنوشي في اليوم نفسِه عن تولِّيه رئاسةَ الجمهوريةِ بصِفَةٍ مؤقَّتة، مع إعلان حالة الطوارئ وحَظرِ التجوُّل. لكنَّ المجلسَ الدستوريَّ قرَّر بعد ذلك بيومٍ اللجوءَ للفصلِ (57) من الدستور، وإعلانِ شُغورِ منصِبِ الرئيسِ، وبناءً على ذلك أَعلَن في يوم السبت (15 يناير) من هذا العام عن تولِّي رئيسَ مجلسِ النُّوَّاب فؤاد المبزع مَنصِبَ رئيسِ الجمهورية بشكلٍ مؤقَّتٍ إلى حينِ إجراءِ انتخاباتٍ رئاسيةٍ مبكرةٍ.

العام الهجري : 1433 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 2011
تفاصيل الحدث:

انتَخَب المَجلسُ الوطنيُّ التأسيسيُّ التونُسيُّ «منصف المرزوقي»، أمينَ عامِّ حزبِ (المؤتمر من أجل الجمهورية)، رئيسًا لتونُس خلالَ المرحلةِ الانتقالِيَّة. وحَصَل المرزوقي على (153) صوتًا من أصل (217)، ويُعتبَر منصف المرزوقي أوَّلَ رئيسٍ لتونس يخلُف فؤاد المبزع الذي تولَّى رِئاسةَ البلاد مؤقَّتًا بعد سقوطِ نظامِ ابن علي. وقد وُلد منصف المرزوقي في عام (1945م) في جنوب تونُس، وسافر إلى فرنسا عامَ (1964م) وأقام هناك (15) سنةً، وفي سنة (1975) سافر إلى الصِّين ضِمنَ وفدٍ لمُعايَنة تجرِبَةِ الطبِّ في خدمة الشعبِ في الصِّين. ثم عاد إلى تونُس عامَ (1979م)، وعَمِل أُستاذًا مساعِدًا في قسمِ الأعصابِ في جامعة تونس. وشارك في تجرِبَة الطبِّ الشعبيِّ الجماعيِّ في تونس قبلَ وَقفِ المشروعِ. واعتُقل في مارس (1994م) ثم أُطلِق بعدَ أربعةِ أشهُرٍ من الاعتقالِ في زنزانةٍ انفراديَّة، وقد أُفرِج عنه على خلفيَّة حملةٍ دَوليَّةٍ وتدخُّلٍ من نيلسون مانديلا. وأسَّس مع رفاقِه المجلسَ الوطنيَّ للحُرِّيات في (10 ديسمبر من عام 1997م) بمناسبة الذِّكرى السنويةِ للإعلان العالمي لحُقوقِ الإنسان. وقد اختِير أولَ رئيسٍ للجنة العربية لحُقوقِ الإنسان من عام (1997م) حتى (2000م). وغادر في ديسمبر (2001م) ليعمَلَ مُحاضِرًا في جامعةِ باريس. وعاد المنصف المرزوقي إلى تونس يوم (18 يناير 2011م). وشارك في انتِخاباتِ المجلسِ الوطنيِّ التأسيسيِّ في (23 أكتوبر 2011م) مع حزبِه (المؤتَمَر من أجل الجمهورية).

العام الهجري : 1438 الشهر القمري : ذي القعدة العام الميلادي : 2017
تفاصيل الحدث:

تولَّى حسن روحاني -وهو رجلُ دينٍ شِيعيٍّ برُتبةِ حُجَّةِ الإسلامِ- رئاسةَ جمهوريةِ إيرانَ للمرةِ الثانيةِ وكانتِ المرةُ الأولى في أغسطس 2013، وُلِدَ روحاني في 12 نوفمبر 1948 في منطقةِ سرخه بمحافظةِ سمنانَ "شرقِ طهرانَ"، وكان والدُه تاجرًا. وهو حائزٌ على شهادةِ الدكتوراه من جامعةِ غلاسكو في اسكتلندا. وكان روحاني إلى جانبِ الخميني عندما نُفِيَ إلى فرنسا قبلَ 1979، وكان روحاني نائبًا بين عامَي 1980 و2000 ثم انتُخِبَ عضوًا في مجلسِ الخبراءِ -الهيئةِ المكلَّفةِ بالإشرافِ على عملِ خامنئي- وتولَّى روحاني منصبَ نائبِ رئيسِ مجلسِ الشورى الإيرانيِّ، كما كان كبيرَ المفاوضين الإيرانيين في الملَفِّ النوَويِّ بين عامَي 2003 و2005. وفي هذه الفترةِ حاز لقَبَ "الشيخ الدبلوماسي". لكنه أُقصِيَ من هذا المنصِبِ بعد انتخابِ الرئيسِ محمود أحمدي نجاد في 2005. وكانت إيرانُ أعادَت في حينِها تَحريكَ بَرنامِجِها لتخصيبِ اليورانيوم، وأثارَتِ استياءَ الأُمَمِ المتَّحدةِ والدولِ العظمى. وانتُخب روحاني رئيسًا في 2013، وأَبرَمَ بعدَها في يوليو 2015 اتفاقًا ينُصُّ على أنْ تحُدَّ طهرانُ بَرنامَجَها النوويَّ للاستخدامِ المَدنيِّ مقابلَ رَفعِ العُقوباتِ الدَّوليَّةِ المفروضةِ على البلادِ. وروحاني الذي يُعرَفُ عنه انفتاحُه على الحوارِ مع الغربِ، نجَحَ في التوصُّلِ إلى مفاوضاتٍ مباشرةٍ مع الولاياتِ المتَّحدةِ؛ لتسويةِ أزمةِ الملفِّ النوويِّ بموافقةِ المرشدِ الأعلى علي خامنئي، ويُعرَفُ روحاني بقُربِه من الرئيسِ الأسبقِ أكبر هاشمي رفسنجاني، ويحظى بدعمِ الرئيسِ الإصلاحيِّ السابقِ محمد خاتمي.

العام الهجري : 1439 الشهر القمري : ذي الحجة العام الميلادي : 2018
تفاصيل الحدث:

أبو بَكرٍ جابرُ بنُ موسى بنِ عبدِ القادرِ بنِ جابرٍ المعروفُ بـ (أبو بكرٍ الجَزائريُّ). ولِدَ في قريةِ ليوة القريبةِ من طولقةَ، التي تقعُ اليومَ في ولايةِ بسكرةَ جنوب بلادِ الجزائرِ عامَ 1921م، وفي بلدتِه نشأَ وتلقَّى علومَه الأوليَّةَ، وبدأ بحِفظِ القرآنِ الكريمِ وبعضِ المتونِ في اللغةِ والفقهِ المالكيِّ، ثم انتقَلَ إلى مدينةِ بسكرةَ، ودرَس على مشايخِها جملةً من العلومِ النقليَّةِ والعقليَّةِ التي أهَّلَتْه للتدريسِ في إحدى المدارسِ الأهليَّةِ، ثمَّ ارتحَلَ مع أسرَتِه إلى المدينةِ المنورةِ، وفي المسجدِ النبويِّ الشريفِ استأنفَ طريقَه العِلْميَّ بالجلوسِ إلى حَلَقاتِ العلماءِ والمشايخِ؛ إذ حصَلَ بعدها على إجازةٍ من رئاسةِ القضاءِ بمكةَ المكرمةِ للتدريسِ في المسجدِ النَّبويِّ. فأصبحت له حَلْقةٌ يُدرِّسُ فيها تفسيرَ القرآنِ الكريم، والحديثَ الشريفَ، وغيرَ ذلك. عَمِلَ مُدرِّسًا في بعضِ مدارسِ وزارةِ المعارفِ، وفي دارِ الحديثِ في المدينةِ المُنوَّرةِ، وعندما فَتَحت الجامعةُ الإسلاميةُ أبوابَها عامَ 1380هـ كان من أوائلِ أساتذتِها والمدرِّسين فيها، وبقِيَ فيها حتى أحيلَ إلى التقاعدِ عامَ 1406هـ. له جهودٌ دَعْويَّةٌ في الكثيرِ من البلادِ التي زارها. تُوفِّيَ الشيخُ أبو بكرٍ الجزائريُّ عن عمرٍ ناهز 97 عامًا، وصُلِّي عليه صلاةَ الجنازةِ بعد ظهرِ يومِ وفاتِه في المسجِدِ النبويِّ الشريفِ، ووُورِيَ جُثمانُه في مقبرةِ البَقيعِ.
من أشهَرِ مُصنَّفاتِه: ((مِنهاجُ المُسلمِ))، و((أيسَرُ التفاسيرِ لكلامِ العليِّ الكبيرِ))، و((هذا الحبيبُ يا مُحِبُّ)).

العام الهجري : 1314 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 1897
تفاصيل الحدث:

هو محمد جمال الدين بن صفدر -وتكتب صفتر- الحسيني الأفغاني الأسد آبادي، كان فيلسوفًا سياسيًّا، وكاتبًا وخطيبًا وصحفيًّا، ولد في شعبان 1254هـ / أكتوبر 1838م بأسد آباد بالقربِ من همذان من أعمال فارس، وقيل إنه ولد بأسد آباد الأفغانية؛ ولذا اختُلِفَ في أصل نسب أسرتِه، هل هو فارسي إيراني أم أفغاني, وقيل إنه من أسرة أفغانية عريقة ينتهي نسَبُها إلى الحسين بن علي رضي الله عنه, نشأ الأفغاني في كابول عاصمة الأفغان. وتعلَّم فيها بدايةَ تلقيه العلمَ اللغتينِ العربيةَ والفارسية، ودرَس القرآن وشيئًا من العلومِ الإسلامية، وفي سِنِّ الثامنة لفت أنظارَ من حوله بذكائه الشديد، مما جعل والِدَه يحفِّزُه إلى التعلم، وفي أوائل سنة 1266هـ / 1849م وقد بلغ الثانية عشرة من عمره انتقل به والده إلى طهران، وفي طهران سأل جمال الدين عن أكبَرِ علمائها في ذلك الوقت، فقيل له: إنه "أقاسيد صادق" فتوجَّه مباشرةً إلى مجلسه، ودار حوارٌ بينهما في مسألةٍ علميةٍ، فأُعجِبَ الشيخ من علمه وجرأتِه مع صِغَرِ سنه، فأقبل عليه وضمَّه إلى صدره وقبَّلَه، ثم أرسَلَ إلى والده يستدعيه، وأمره أن يشتريَ له عباءةً وعمامة، ثم قام الشيخُ بلَفِّ العمامة ووضَعَها بيده فوقَ رأسه تكريمًا له، واعتزازًا بعلمِه. ثم ترك جمال الدين طهران، وسافر مع والدِه -إلى مركز الشيعية العلمي- في النَّجفِ بالعراق في نفس العام، ومكث فيها أربعَ سنوات درس فيها العلومَ الإسلامية وغيرها؛ فدرس التفسير والحديث، والفلسفة والمنطق وعلم الكلام، وأصول الفقه، والرياضة، والطب والتشريح، والنجوم. وقرأ في اللغةِ والأدبِ، والتاريخ والتصوف، والشريعة، وظهر حُبُّه الشديد للمناقشة في المسائل الدينية، أتقن الأفغانيُّ الحديث باللغة العربية والأفغانية والفارسية والسنسكريتية والتركية، وتعلم الفرنسية والإنجليزية والروسية، وإذا تكَلَّم بالعربية فلغتُه فصحى، وهو واسِعُ الاطِّلاع على العلومِ القديمة والحديثة، كريمُ الأخلاقِ كبيرُ العقل، وعندما بلغ الثامنة عشرة أتمَّ دراستَه للعلوم، وظلَّ الأفغاني طوال حياته حريصًا على العلمِ والتعلُّم، وبرزت فيه هوايةُ التَّرحالِ والأسفار. فسافر إلى الهندِ لدراسة بعض العلوم العصرية، ثم عاد إلى أفغانستان. كان الأفغانيُّ يُظهِرُ في عمله السياسي مناهَضةَ استبداد الحكَّام ومناوأة الاستعمار عمومًا والإنجليزيِّ خصوصًا في كلِّ مكانٍ ينزِلُ فيه. حينما وقع خلافٌ بين الأمراء الأفغان انحاز جمال الدين إلى محمد أعظم خان الذي كان له بمثابةِ وزيرِ دولة، وحدث صدامٌ بين جمال الدين وبين الإنجليز، فرحل عن أفغانستان أو طرَدَه الإنجليزُ منها سنة 1285ه ـ/ 1868م، ومر بالهندِ في طريقِه فكان الإنجليز يمنعون العُلَماءَ وطلبة العلم الجلوسَ معه، فخرج منها إلى مصر حيث أقام بها مدةً قصيرة تردَّد في أثنائها على الأزهرِ، وكان بيته مزارًا لكثيرٍ مِن الطلاب والدارسين خاصةً السوريين. ثم دعاه السُّلطانُ العثماني عبد العزيز إلى زيارةِ الدولة العثمانية فأجاب الدعوة، وسافر إلى الأستانة في عهدِ الصدر عالي باشا، فعَظُم أمرُه بها، وذاعت شهرتُه وارتفعت منزلته، ثم عُيِّن جمالُ الدين وهو في الأستانة عضوًا في مجلس المعارِفِ الأعلى، وهناك لقِيَ معارضة وهجومًا من بعضِ علماء الأستانة وخطباءِ المساجد الذين لم يرُقْهم كثير من آرائِه وأقواله، وخاصة من شيخِ الإسلام حسين فهمي أفندي، فطُلب من الأفغاني أن يرحَلَ، فخرج من الأستانة عائدًا إلى مصر، فأقام فيها بضعَ سنوات خاض فيها غِمارَ السياسة المصرية، ودعا المصريِّين إلى ضرورةِ تنظيم أمورِ الحُكمِ، وتأثَّرَ به في مصر عددٌ من رموز الحركة الأدبيَّةِ والسياسية، منهم: محمد عبده، ومحمود سامي البارودي، وغيرهما، فقد أُعجِبوا بفكره وجرأتِه في مناهضة الاستبداد والاستعمار، ويُذكرُ أن للأفغان دورًا في إعطاء دفعةٍ قويةٍ للنَّهضةِ الأدبيَّةِ الحديثة بمصر، فلمَّا تولى الخديوي توفيق باشا حُكمَ البلاد أمَرَ بإخراجه مِن مِصرَ، فأُخرِجَ بطريقة عنيفةٍ بأمرٍ مِن الخديوي بعد أن أقام في مِصرَ نحوَ ثماني سنوات. انتقل إلى الهند سنة 1296هـ / 1879م، ثمَّ طُرِدَ من الهند بأمرٍ مِن الإنجليز، فاتَّجَه إلى أوروبا واختار أن يبدأ بلندن، ومنها انتَقَل إلى باريس، فشرع في تعلُّم الفرنسية فيها، وبذل كثيرًا من الجُهدِ والتصميمِ حتى خطا خطواتٍ جيدةً في تعلُّمِها، ثم اتصل بتلميذِه الشيخ محمد عبده المنفيِّ حينَها في بيروت، ودعاه إلى الحُضورِ إلى باريس، وأصدرا معًا جريدة "العُروة الوثقى"، ولكِنَّها ما لَبِثَت أن توقَّفَت عن الصدور بعد أن أُوصِدَت أمامَها أبوابُ كُلٍّ مِن مصر والسودان والهند، بأمرٍ مِن الحكومةِ الإنجليزيةِ, ثمَّ دعاه شاه إيران "ناصر الدين" للحُضورِ إلى طهران، واحتفى به وقَرَّبه، وهناك نال الأفغانيُّ تقدير الإيرانيين وحَظِيَ بحُبِّهم، ومالوا إلى تعاليمِه وأفكارِه، ثمَّ ذهب إلى روسيا فأقام فيها ثلاثَ سنواتٍ تنَقَّل بين موسكو وعاصمتِها بطرسبرج آنذاك، وزار كييف، والتقى بقيصرِها ألكسندر الثالث، ثمَّ أمر القيصَرُ بطَردِه من روسيا، فعاد مرةً أخرى لإيران بطلَبٍ من الشاه ناصر الدين، ثم انقَلَب عليه فطَرَده من إيران، فرحل إلى البصرة، ومنها إلى لندن للمرَّة الثانية؛ حيث اتخذ من جريدة "ضياء الخافقين" منبرًا للهُجومِ على الشاه ناصر الدين، وكشف ما آلت إليه أحوالُ إيران في عَهدِه، انتظم جمالُ الدين في سِلكِ الماسونيَّةِ بطَلبٍ منه؛ زعم أنَّ ذلك يُفسِحُ له المجالَ أمامَ أعماله السياسيَّةِ، وقد انتُخِبَ رئيسًا لمحفل "كوكب الشرق" سنة 1295هـ / 1878م، وقيل إنه استقال منه فيما بعدُ. يُعتَبَرُ الأفغانيُّ في نظرِ مُريديه وطنيًّا كبيرًا، بينما يَنظُرُ إليه خصومُه على أنَّه مهَيِّجٌ خطير، فقد كان له أثَرٌ كبير في الحركاتِ الحُرَّة والحركات الدستورية التي قامت في الدُّوَلِ العربية والإسلامية، وكان يَرمي من إثارة الخواطِرِ إلى تحريرِ هذه الدُّوَلِ من النفوذ الأوربي واستغلالِ الأوروبيِّين، ثم بعد ذلك النهوض بها نهوضًا ذاتيًّا من الداخل متوسِّلًا في ذلك بإدخالِ النظُمِ الحُرَّة إليها، كما كان يهدفُ إلى جمع كَلِمةِ الدول الإسلامية بما فيها فارس الشيعيَّة تحت راية خلافةٍ واحدةٍ، وإقامةِ إمبراطوريةٍ إسلاميةٍ قويةٍ تستطيعُ الوقوفَ في وجهِ التدَخُّلِ الأوربي؛ ولذلك دعاه السلطانُ عبد الحميد الثاني في عهدِه وقَرَّبه إليه وتعاون معه في تسويقِ فكرة الجامعة الإسلامية، ثم انقلب عليه السلطانُ عبد الحميد الثاني لَمَّا شك في علاقتِه بالإنجليز. لم يُكثِرِ الأفغاني من التصنيف اعتمادًا على ما كان يبُثُّه في نفوس العاملين، وانصرافًا إلى الدعوة بالسِّرِّ والعلن. له تاريخ الأفغان، ورسالة الرد على الدهريين، ترجمها إلى العربية تلميذه الشيخ محمد عبده, وجمع محمد باشا المخزومي كثيرًا من آرائه في كتاب خاطرات جمال الدين الأفغاني، ولمحمد سلام مدكور كتاب جمال الدين الأفغاني باعث النهضة الفكرية في الشرق. توفِّيَ الأفغاني في الأستانة بعد أن أُصيب بمرَضِ السرطان في فَكِّه، عن عمرٍ بلغ نحو ستين عامًا، وقد ثار الجدَلُ حول وفاته، وشكَّك البعضُ في أسبابها، وأشار آخرون إلى أنه اغتيلَ بالسمِّ. وكانت وفاته في 5 من شوال 1314هـ / 10 من مارس 1897م. قال عنه الفيلسوفُ إرنست رينان الذي التقى به وحاوَرَه: "قد خُيِّلَ إليَّ مِن حريَّةِ فِكرِه ونبالةِ شِيَمِه وصراحتِه وأنا أتحدث إليه، أنَّني أرى وجهًا لوجهِ أحدِ مَن عرفتُهم من القُدَماء، وأنني أشهَدُ ابنَ سينا أو ابنَ رشد, أو أحدَ أولئك الملاحدة العِظامِ الذين ظلُّوا خمسة قرون يعملونَ على تحريرِ الإنسانيةِ مِن الإسارِ" وتبقى شخصيةُ الأفغاني يحومُ حولَها كثيرٌ مِن الشُّكوكِ!

العام الهجري : 803 الشهر القمري : جمادى الأولى العام الميلادي : 1401
تفاصيل الحدث:

لما قدم خبر أخْذ حلب وما ارتكبه المغول في أهلها نودِيَ بدمشق في الناس بالتحوُّل إلى المدينة والاستعداد للعدوِّ، فاختبط الناس وعظُم ضجيجهم وبكاؤهم، وأخذوا ينتقلون في يوم الأربعاء نصفه من حوالي المدينة إلى داخلها، واجتمع الأعيانُ للنظر في حفظ المدينة، فقدم في سابع عشر ربيع الأول المنهزمون من حماة، فعظُمَ الخوف، وهمَّ الناس بالجلاء، فمُنِعوا منه، ونودِيَ: من سافر نُهب، فورد في الثامن العشر منه الخبر بنزول طائفة من العدو على حماة، فحُصِّنت مدينة دمشق، ووقف الناسُ على الأسوار، وقد استعدُّوا، ونُصِبت المجانيق على القلعة، وشُحِنت بالزاد، وهمَّ نائب الغيبة بالفرار، ولكن العامة ردته ردًّا قبيحًا، وهاج الناس وماجوا ونادوا بتسليم البلد من غير قتال، وكل هذا وعسكر مصر لم يخرجُ منها بعدُ، ثم في ربيع الآخر بدأ جيش مصر بالخروج منها متوجِّهين إلى دمشق، هذا وجيش تيمورلنك قد وصل قريبًا من حمص؛ فبدأ الناس بالهرب وخاصة أن أهل بعلبك أيضًا هربوا لنزول تيمورلنك عليهم، ثم في سادس جمادى الأولى قدم السلطان دمشق بعساكره، وقد وصل أصحاب تيمورلنك إلى البقاع، وفي يوم السبت الخامس عشر من هذا الشهر نزل تيمورلنك إلى قطا، فملأت جيوشه الأرض، وركب طائفةٌ منهم إلى العسكر وقاتلوهم، فخرج السلطان من دمشق يوم الثلاثاء الثامن عشر إلى يلبغا، فكانت وقعة انكسرت ميسرةُ العسكر، وانهزم أولاد الغزاوي وغيرهم إلى ناحية حوران، وجُرح جماعة، وحَمل تيمورلنك حملةً منكرة؛ ليأخُذَ بها دمشق، فدفعته عساكِرُ السلطان، ونزل كلٌّ من العسكرين بمعسكره، وبعث تيمورلنك إلى السلطان في طلب الصلح وإرسال أطلمش أحد أصحابه إليه، وأنه هو أيضًا يبعث من عنده من الأمراء المقبوض عليهم في وقعة حلب، فأشار تغري بردي ودمرداش وقطلوبغا الكركي في قبول ذلك؛ لما يعرفون من اختلاف كلمتهم، لا لضعف عسكرهم، فلم يقبلوا وأبوا إلا القتال، ثم أرسل تيمور رسولًا آخر في طلب الصلح وكرَّر القول ثانيًا، وظهر للأمراء ولجميع العساكر صحةُ مقالته، وأن ذلك على حقيقتِه، فأبى الأمراء ذلك، هذا والقتال مستمرٌّ بين الفريقين في كل يوم، فلما كان ثاني عشر جمادى الآخرة اختفى من أمراء مصر والمماليك السلطانية جماعة، منهم الأمير سودون الطيار، وقاني باي العلائي رأس نوبة، وجمق، ومن الخاصكية يشبك العثماني، وقمش الحافظي، وبرسبغا الدوادار، وطرباي، في جماعة أخر، فوقع الاختلافُ عند ذلك بين الأمراء، وعادوا إلى ما كانوا عليه من التشاحُن في الوظائف والإقطاعات والتحكُّم في الدولة، وتركوا أمر تيمورلنك كأنه لم يكن، وأخذوا في الكلام فيما بينهم بسببِ من اختفى من الأمراء وغيرهم، هذا وتيمورلنك في غاية الاجتهاد في أخذ دمشق، وفي عمل الحيلة في ذلك، ثم أُعلِمَ بما الأمراء فيه، فقَوِيَ أمرُه واجتهاده بعد أن كان عزم على الرحيل، واستعدَّ لذلك، فلما كان آخر ليلة الجمعة الحادي والعشرين جمادى الأولى ركب الأمراء وأخذوا السلطان الملك الناصر فرج على حين غفلة، وساروا به من غير أن يعلم العسكر به مِن على عقبة عمر يريدون الديارَ المصرية، وتركوا العساكِرَ والرعية من المسلمين غَنَمًا بلا راعٍ، وأما بقية أمراء مصر وأعيانها من القضاة وغيرهم لما علموا بخروج السلطان من دمشق خرجوا في الحال في إثره طوائف طوائف يريدون اللحاق بالسلطان، فأخذ غالبهم العشير وسلبوهم، وقتلوا منهم خلقًا كثيرًا، وأما العساكر الذين خُلِّفوا بدمشق من أهل دمشق وغيرها، فإنه كان اجتمع بها خلائق كثيرة من الحلبيين والحمويين والحمصيين وأهل القرى ممن خرج جافلًا من تيمور، ولما أصبحوا يوم الجمعة، وقد فقدوا السلطانَ والأمراء والنائب، غلَّقوا أبواب دمشق، وركبوا أسوار البلد، ونادَوا بالجهاد، فتهيَّأ أهل دمشق للقتال وزحف عليهم تيمورلنك بعساكره، فقاتله الدمشقيون من أعلى السور أشدَّ قتال، وردوهم عن السور والخندق، وأسروا منهم جماعة ممن كان اقتحم باب دمشق، وأخذوا من خيولِهم عدَّةً كبيرة، وقتلوا منهم نحو الألف، وأدخلوا رؤوسهم إلى المدينة، وصار أمرُهم في زيادة، فأعيا تيمورلنك أمرهم، وعلم أن الأمر يطول عليه، فأخذ في مخادعتهم، وعمل الحيلة في أخذِ دمشق منهم، وبينما أهل دمشق في أشدِّ ما يكون من القتال والاجتهاد في تحصين بلدهم، قَدِمَ عليهم رجلان من أصحاب تيمورلنك من تحت السور وصاحا مِن بُعدٍ: الأميرُ يريد الصلح، فابعثوا رجلًا عاقلًا حتى يحدِّثَه الأمير في ذلك، ولما سمع أهل دمشق كلام أصحاب تيمورلنك في الصلح وقع اختيارُهم في إرسال قاضي القضاة تقي الدين إبراهيم بن مفلح الحنبلي، فأرخى من سور دمشق إلى الأرض، وتوجَّه إلى تيمورلنك واجتمع به وعاد إلى دمشق وقد خدعه تيمورلنك بتنميق كلامه، وتلطَّف معه في القول، وترفَّق له في الكلام، وقال له: هذه بلدة الأنبياء والصحابة وقد أعتقتُها لرسول الله صلى الله عليه وسلم صدقةً عني وعن أولادي، ولولا حنقي من سودون نائب دمشق عند قتله لرسولي ما أتيتُها، وقد صار سودون المذكور في قبضتي وفي أسري، وقد كان الغرض في مجيئي إلى هنا، ولم يبقَ لي الآن غرض إلا العود، ولكِنْ لا بد من أخذ عادتي من التقدمة من الطقزات، وكانت هذه عادته: إذا أخذ مدينةً صلحًا يُخرِجُ إليه أهلها من كل نوع من أنواع المأكول والمشروب والدواب والملابس والتحف تسعة؛ يسمون ذلك طقزات، والطقز باللغة التركية: تسعةٌ، وهذه عادة ملوك التتار، فعاد ابن مفلح يثني على تيمورلنك ويحثُّ الناس على عدم القتال وإعطائِه ما يريد، وكاد يحصل بسبب ذلك فتنةٌ إلى أن جمع ابن مفلح ما يريده تيمورلنك وحمله إليه وعاد هو ومن معه ومعهم فرمان من تيمورلنك لهم، وهو ورقة فيها تسعة أسطر يتضمن أمانَ أهل دمشق على أنفُسِهم وأهليهم خاصة؛ فقرئ الفرمان المذكور على منبر جامع بني أمية بدمشق، وفُتح من أبواب دمشق باب الصغير فقط، وقدم أمير من أمراء تيمور جلس فيه لِيَحفَظَ البلد ممن يعبر إليها من عساكر تيمور، فمشى ذلك على الشاميين وفرحوا به، لكن تيمورلنك لم يرضَ بالمال الذي أُحضِرَ له، بل طلب أضعافه، فحصل من الغلاء في دمشق ما لا يُصَدَّق بسبب ذلك، ثم إن الجمعة قد دُعِيَ فيها لابن تيمورلنك في الخطبة، ثم قدم شاه ملك أحد أمراء تيمورلنك إلى مدينة دمشق على أنه نائبها من قِبَل تيمور، ثم بعد جمعتين منعوا من إقامة الجمعة بدمشق لكثرة غلبة أصحاب تيمورلنك بدمشق، كل ذلك ونائب القلعة ممتنع بقلعة دمشق، وأعوان تيمورلنك تحاصِرُه أشد حصار، حتى سَلَّمها بعد تسعة وعشرين يومًا، وقد رمي عليها بمدافع ومكاحل لا تدخل تحت حصر، هذا وليس بالقلعة المذكورة من المقاتلة إلا نفر قليل دون الأربعين نفرًا، وطال عليهم الأمر، ويئسوا من النجدة، وطلبوا الأمان، وسلموها بالأمان، وكان تيمورلنك لما اتفق أولًا مع ابن مفلح على ألف ألف دينار يكون ذلك على أهل دمشق خاصة، والذي تركته العساكر المصرية من السلاح والأموال يكون لتيمور، فخرج إليه ابن مفلح بأموال أهل مصر جميعها، فلما صارت كلها إليه وعلم أنه استولى على أموال المصريين ألزمهم بإخراج أموال الذين فرُّوا من دمشق، فسارعوا أيضًا إلى حمل ذلك كله، وتدافعوا عنده حتى خلص المال جميعه، فلما كمل ذلك ألزمهم أن يخرجوا إليه جميع ما في البلد من السلاح: جليلِها وحقيرِها، فتتبعوا ذلك وأخرجوه له حتى لم يبقَ بها من السلاح شيءٌ، فلما فرغ ذلك كله قبض على ابن مفلح ورفقته، وألزمهم أن يكتبوا له جميعَ خِطَط دمشق وحاراتها وسككها، فكتبوا فلكًا ودفعوه إليه، ففرقه على أمرائه، وقسم البلد بينهم، فساروا إليها بمماليكهم وحواشيهم، ونزل كل أمير في قسمه، وطلب من فيه، وطالبهم بالأموال، فحينئذ حلَّ بأهل دمشق من البلاء ما لا يوصف، وأجرى عليهم أنواع العذاب من الضرب والعصر والإحراق بالنار، والتعليق منكوسًا، وغم الأنف بخرقة فيها تراب ناعم، كلما تنفَّس دخل في أنفه حتى تكاد نفسُه تُزهَق؛ فكان الرجل إذا أشرف على الهلاك يخلَّى عنه حتى يستريح، ثم تعاد عليه العقوبة أنواعًا، فكان المعاقَبُ يحسُدُ رفيقَه الذي هلك تحت العقوبة على الموت، ويقول: ليتني أموت وأستريح مما أنا فيه! ومع هذا تؤخذ نساؤه وبناته وأولاده الذكور، وتُقَسَّم جميعهم على أصحاب ذلك الأمير، فيشاهد الرجل المعذَّب امرأته أو بنته وهي توطأ، وولده وهو يلاطُ به، فيصرخ هو من ألم العذاب، والبنت والولد يصرخان من إزالة البكارة واللواط!! وكل ذلك من غير تستُّر في النهار بحضرة الملأ من الناس، ورأى أهل دمشق أنواعًا من العذاب لم يُسمَع بمثلها، واستمرَّ هذا البلاء والعذاب بأهل دمشق تسعة عشر يومًا، آخرها يوم الثلاثاء ثامن عشرين شهر رجب، فهلك في هذه المدة بدمشق بالعقوبة والجوع خلق لا يعلم عددَهم إلا الله تعالى، فلما علم أمراء تيمورلنك أنه لم يبق بالمدينة شيء، خرجوا إلى تيمورلنك فسألهم هل بقي لكم تعلُّق في دمشق؟ فقالوا: لا، فأنعم عند ذلك بمدينة دمشق أتباع الأمراء، فدخلوها يوم الأربعاء آخر رجب، ومعهم سيوف مسلولة مشهورة وهم مشاة، فنهبوا ما قدروا عليه من آلات الحرب وغيرها، وسبَوا نساء دمشق وساقوا الأولاد والرجال، وتركوا من الصغار مَن عُمُره خمس سنين فما دونها، وساقوا الجميعَ مربوطين في الحبال، ثم طرحوا النار في المنازل والدور والمساجد، وكان يومًا عاصف الريح، فعم الحريقُ جميع البلد حتى صار لهيب النار يكاد أن يرتفع إلى السحاب، وعملت النار في البلد ثلاثة أيام بلياليها آخرها يوم الجمعة، وكان تيمورلنك -لعنه الله- سار من دمشق في يوم السبت ثالث شهر شعبان بعدما أقام على دمشق ثمانين يومًا، وقد احترقت كلها وسقطت سقوف جامع بني أمية من الحريق، وزالت أبوابه وتفطَّر رخامه، ولم يبق غيرُ جُدُرِه قائمة، وذهبت مساجد دمشق ودورها وقياسرها وحماماتها وصارت أطلالًا بالية ورسومًا خالية، ولم يبقَ بها دابة تدب إلا أطفال يتجاوز عددهم آلاف، فيهم من مات، وفيهم من سيموت من الجوع!!

العام الهجري : 21 العام الميلادي : 641
تفاصيل الحدث:

تَجمَّعَ الفُرْسُ في نَهاوَنْد بقِيادةِ ذي الحاجِبِ بعدَ أن ذهبَت أكثرُ مُدُنِهِم، وبَقَوْا فترةً على ذلك لعدمِ سَماحِ عُمَرَ رضِي الله عنه بالانسِياحِ في فارِسَ، ولكن لمَّا كَثُرَ نَقضُ العُهودِ بسببِ تَقَوِّيهِم بمَن بَقِيَ في نَهاوَنْد، شاوَر عُمَرُ المسلمين في أَمْرِ الفُرْسِ المجتمعين في نَهاوَنْد، وكان يُهِمُّ أن يَسيرَ بنفسه لمُلاقاتِهِم، فأشار عليه علِيٌّ: أنِ ابْعَثْ إلى أهلِ الكوفةِ فَلْيَسِرْ ثُلثاهُم، وكذلك تَبعثُ إلى أهلِ البَصرةِ. فقال عُمَرُ أشيروا عَلَيَّ مَن اسْتعمِلُ عليهم؟ فقالوا: أنت أفضلُنا رأيًا وأعلمُنا بأَهلِك. فقال: لأَسْتَعْمِلَنَّ عليهم رجلًا يكونُ لأوَّلِ أَسِنَّةٍ يَلقاها. بعَث عُمَرُ بن الخطَّاب رضِي الله عنه السَّائبَ بن الأقْرَعِ، مَولى ثَقيفٍ -وكان رجلًا كاتبًا حاسبًا- فقال: الْحَقْ بهذا الجيشِ فكُنْ فيهم، فإن فتَح الله عليهم فاقْسِمْ على المسلمين فَيْئَهُم، وخُذْ خُمُسَ الله وخُمُسَ رَسولِه، وإن هذا الجيش أُصِيبَ، فلا أَراكَ، واذْهَبْ في سَوادِ الأرضِ، فبَطْنُ الأرضِ خيرٌ مِن ظَهرِها يَومئذٍ. وبعَث عُمَرُ إلى أهلِ الكوفةِ أن يَمُدُّوا جيشَ المسلمين فسار النُّعمانُ بقُرابةِ ثلاثين ألفًا، ومعه حُذيفةُ بن اليَمانِ، والزُّبيرُ بن العَوَّامِ، والمُغيرةُ بن شُعبةَ، والأشعثُ بن قيسٍ، وعَمرُو بن مَعْدِي كَرِبْ، وابنُ عُمَرَ، حتَّى أَتَوْا نَهاوَنْد فالْتَقوا بالفُرْسِ يومَ الأربعاءِ، فَحَثَّ النُّعمانُ النَّاسَ على القِتالِ، فأشار المُغيرةُ بن شُعبةَ أن يَتَعَجَّلَ الفُرْسَ بالقِتالِ، فقال النُّعمانُ: إنِّي شَهِدْتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم إذا لم يُقاتِل أوَّلَ النَّهارِ أَخَّرَ القِتالَ حتَّى تَزولَ الشَّمسُ، وتَهُبَّ الرِّياحُ، وتَحْضُرَ الصَّلاةُ، ويَطِيبَ القِتالُ، ويَنزِلَ النَّصْرُ، فما مَنَعَنِي إلَّا ذلك. ثمَّ دَعا: اللَّهمَّ إنِّي أسألُك أن تُقِرَّ عَيْنِي اليومَ بفَتحٍ يكونُ فيه عِزُّ الإسلامِ، وذُلٌّ يُذَلُّ به الكُفَّارُ، ثمَّ اقْبِضْني إليك بعدَ ذلك على الشَّهادةِ، أَمِّنُوا يَرحمُكُم الله. فأَمَّنُوا وهُم يَبكون، ثمَّ قال النُّعمانُ: إنِّي هازُّ اللِّواءَ ثلاثَ مَرَّاتٍ، فالهَزَّةُ الأُولى فَلْيَقْضِ الرَّجلُ حاجتَهُ ولْيَتوضَّأْ، والهَزَّةُ الثَّانيةُ فَلْيَرْمِ الرَّجلُ ثِيابَهُ وسِلاحَهُ، والهَزَّةُ الثَّالثةُ فاحْمِلُوا ولا يَلْوِي أحدٌ على أحدٍ، فإن قُتِلَ النُّعمانُ فلا يَلْوِي عليه أحدٌ، وإنِّي داعِ الله بدَعوَةٍ فعَزمتُ على امرئٍ إلَّا أَمَّنَ عليها، فقال: اللَّهمَّ ارْزُقْ النُّعمانَ شَهادةً بِنَصْرِ المسلمين وفَتْحٍ عليهم. فأَمَّنَ القومُ، فهَزَّ اللِّواءَ ثلاثَ مَرَّاتٍ وحَمَلَ وحَمَلَ النَّاسُ معه, وكان الأعاجمُ قد شَدُّوا أَنفُسَهُم بالسَّلاسِل لِئلَّا يَفِرُّوا، وحَمَلَ عليهم المسلمون فقاتلوهم، فرُمِيَ النُّعمانُ بِنُشَّابَةٍ فقُتِلَ رَحِمَهُ الله، فَلَفَّهُ أخوهُ سُويدُ بن مُقَرِّن في ثَوبِه، وكَتَمَ قَتْلَهُ حتَّى فتح الله عليهم، ثمَّ دفَع الرَّايةَ إلى حُذيفةَ بن اليَمانِ، وقتَل الله ذا الحاجِبِ قائِدَ الفُرْسِ، وافْتُتِحَت نَهاوَنْد، فلم يكُن للأعاجمِ بعدَ ذلك جَماعةٌ. كُتِبَ إلى عُمَرَ بالفَتحِ مع رجلٍ مِن المسلمين، فلمَّا أتاهُ قال له: أَبْشِر يا أميرَ المؤمنين بفتحِ أَعزَّ الله به الإسلامَ وأَهلَهُ، وأَذَلَّ به الكُفْرَ وأَهلَهُ. قال: فحَمِدَ الله عزَّ وجلَّ، ثمَّ قال: النُّعمانُ بَعَثَكَ؟ قال: احْتَسِبْ النُّعمانَ يا أميرَ المؤمنين. قال: فبَكَى عُمَرُ واسْتَرْجَعَ، قال: ومَن وَيْحك! قال: فُلان وفُلان. حتَّى عَدَّ له ناسًا كثيرًا، ثمَّ قال: وآخرين يا أميرَ المؤمنين لا تَعرِفُهم. فقال عُمَرُ وهو يَبكي: لا يَضُرُّهم ألَّا يَعرِفَهم عُمَرُ، ولكنَّ الله يَعرِفُهم.

العام الهجري : 440 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 1049
تفاصيل الحدث:

هو الفيلسوفُ المُنَجِّم مُحمَّد بنُ أحمد أبو الريحان البيروني الخوارزمي مُؤرخٌ مُحَقِّقٌ وجغرافيٌّ مُدقِّق، وفلَكيٌّ نابِهٌ، ورياضيٌّ أصيلٌ، وفيزيائيٌّ راسخٌ، ومترجِمٌ متمَكِّنٌ، مِن بلادِ السندِ، ومن أعيان الفلاسفة. عاصر الرَّئيسَ ابن سينا وجَرَت بينهما حوارات وأسئلةٌ وجوابات، وكان عالِمًا في الهيئة والنجوم، خبيرًا بالطبِّ. وُلد في بيرون إحدى ضواحي خوارزم، وهو مجهولُ النَسَب؛ فقد قال عن نفسِه في شعر: إذ لستُ أعرِفُ جَدِّي حقَّ مَعرفةٍ
وكيف أعرِفُ جدي إذ جَهِلتُ أبي
أبي أبو لهبٍ شَيخٌ بلا أدَبِ
نَعَم ووالدتي حمَّالةُ الحَطَب
 يقول ياقوت الحموي" "بيرون بالفارسية معناه برّا، وسألتُ بعض الفضلاءِ عن ذلك فزعَم أنَّ مقام البيروني بخوارزم كان قليلًا، وأهلُ خوارزم يسمُّونَ الغريبَ بهذا الاسم، كأنَّه لَمَّا طالت غربتُه عنهم صار غريبًا، وما أظنُّه يُرادُ به إلَّا أنَّه من أهل الرستاق، يعني أنَّه من برّا البلد". كتب في كلِّ ما كان معروفًا مِن علومِ عَصرِه، وهو بذلك يُعدُّ أحدَ الموسوعيِّينَ. قال ياقوت الحموي: " وأما سائِرُ كُتُبِه في علومِ النُّجومِ والهيئةِ والمَنطِقِ والحكمةِ؛ فإنَّها تفوق الحَصرَ، رأيتُ فَهرسَتَها في وقْفِ الجامع بمرو في نحوِ الستين ورقةً بخط مكتنز". لَمَّا صَنَّف القانونَ المسعودي أجازه السلطانُ مسعود بن محمود الغزنوي بحَملِ فيلٍ مِن نقدِه الفِضِّي إليه، فردَّه إلى الخزانةِ بعُذرِ الاستغناء عنه، وكان مُكِبًّا على تحصيلِ العلوم مُنصَبًّا إلى تصنيف الكتُبِ، يفتَحُ أبوابها، ويُحيطُ شواكِلَها وأقرابَها، ولا يكاد يفارِقُ يدَه القلمُ وعَينَه النَّظرُ وقَلْبَه الفِكَرُ إلَّا في يومَيِ النيروز والمهرجان من السَّنة، ثمَّ هِجِّيراه في سائر الأيَّام من السَّنَةِ عِلمٌ يُسفِرُ عن وجهه قِناعَ الأشكال ويحسِرُ عن ذراعيه كمامَ الأغلاق. وأمَّا نباهةُ قَدرِه ومكانته عند الملوك فقد بلغ من حظوتِه لديهم أنَّ شمس المعالي قابوس بن وشمكير أراد أن يستخلِصَه لصُحبتِه ويرتبِطَه في دارِه على أن تكونَ له الإمرةُ المطاعةُ في جميع ما يحويه مُلكُه، فأبى عليه ولم يطاوِعْه، ولَمَّا أسمَحَت نفسُه بمثل ذلك لخوارزم شاه آواه في داره وأنزله معه في قَصرِه، لَمَّا استولى السُّلطانُ محمود على خوارزم قَبَضَ على البيروني وعلى أستاذِه عبد الصمد أول بن عبد الصمد الحكيم واتَّهَمه بالقَرمطةِ والكُفرِ، فأذاقه الحِمامَ، وهمَّ أن يُلحِقَ به أبا الرَّيحان البيروني، فقيل له إنَّه إمامُ وَقتِه في علمِ النُّجومِ، وإنَّ الملوكَ لا يَستَغنونَ عن مِثلِه، فأخَذَه معه، ودخل إلى بلادِ الهندِ وأقام بينهم وتعلَّم لُغتَهم واقتبس علومَهم، ثمَّ أقام بغُزنة حتى مات بها, وعلى الرغمِ مِن أنَّ البيروني لم يكن عربيًّا إلَّا أنَّه كان مُقتَنِعًا بأنَّ اللغةَ العربيَّةَ هي اللُّغةُ الوحيدةُ الجديرةُ بأن تكونَ لغةَ العِلمِ، وقد نُسِبَ إليه أنَّه قال: الهجوُ بالعربيَّةِ أحَبُّ إليَّ من المدحِ بالفارسيَّة. ومن أشهر كتب البيروني: الآثارُ الباقية عن القرون الخالية، وهو من أبرَزِ كُتُبِ التقاويم، القانونُ المسعودي في علمِ الفلك والجغرافيا والهندسة، الاستيعابُ في صنعة الأسطرلاب، الصَّيدنَة في الطب, تحديدُ نهايات الأماكن لتصحيح مسافات المساكن، تحقيقُ ما للهند من مقولةٍ مقبولة في العقل أو مرذولة، التفهيمُ لصناعة التنجيم. وغيرها كثير، وللبَيروني لَمَحاتٌ علميَّةٌ سبق بها عصرَه، منها قولُه بأن واديَ السِّندِ كان يومًا قاعَ بحرٍ ثم غطَّتْه الرواسِبُ الفَيضيَّة بالتدريج، والقولُ بدوران الأرضِ حول محْورِها، والقول بجاذبيَّة الأرض, وله في الرياضيَّات السبقُ الذي لم يشقَّ المُحضرون غبارَه، ولم يلحق المُضمِّرون المُجيدون مِضمارَه. توفي في غزنة (كابول الآن).

العام الهجري : 478 العام الميلادي : 1085
تفاصيل الحدث:

في هذه السَّنَةِ استَولَى الفِرنجُ على مَدينةِ طُليطِلة من بِلادِ الأندلس، وأَخذُوها من المسلمين، وهي من أَكبرِ البلادِ وأَحصَنِها. وسببُ ذلك أن الأذفونش، (ألفونسو السادس) مَلِكَ قشتالة، كان قد قَوِيَ شَأنُه، وعَظُمَ مُلكُه، وكَثُرت عَساكِرُه، مُذ تَفرَّقَت بِلادُ الأندلس، وصار كلُّ بَلدٍ بِيَدِ مَلِكٍ، كما دَبَّ النِّزاعُ بينهم واستَعانوا بالفِرنجَةِ على بَعضٍ، فحينئذٍ طَمِعَ الفِرنجُ فيهم، وأَخَذوا كَثيرًا من ثُغورِهم. وكان ألفونسو خَدَمَ صاحِبَ طُليطلة القادرَ بالله بنَ المأمونِ بن يحيى بن ذي النونِ، وعاش في طُليطلة سَنواتٍ، فعَرِفَ مِن أين يُؤتَى البلدُ، وكيف الطريقُ إلى مُلْكِها, ولم يكن أحدٌ من مُلوكِ الطَّوائفِ قادِرًا على نَجْدَتِها، حتى إنَّ المُعتَمِدَ بن عبَّاد صاحِبَ أشبيلية وهو أَقوَى مُلوكِ الطَّوائفِ لمَّا رَأى استِفحالَ أَمرِ ألفونسو وقُوَّتَه رَأى أن يَعقِدَ مُهادَنةً وصُلْحًا معه يَأمَن بها على أَراضِيه، فبَعَثَ وَزيرَهُ ابنَ عمَّارٍ لِيَتفاوَضَ مع ألفونسو، وتَمَّت المُعاهدَةُ والاتِّفاقُ على بُنودٍ منها: أن يُؤَدِّي المُعتَمِدُ الجِزيةَ سَنويًّا, ويُسمَح للمُعتَمِد بِغَزْوِ أراضي طُليطلة الجنوبية على أن يُسَلِّم منها إلى ألفونسو الأراضي الواقعةَ شمالي طليطلة, و لا يَعتَرِض المُعتَمِد على استِيلاءِ ألفونسو على طُليطلة, وفي شَوَّال سَنةَ 474هـ ضَربَ ألفونسو الحِصارَ على طُليطلة، وشَدَّدَ غاراتَه عليها، وظلَّ على ذلك أَربعَ سَنواتٍ كاملةً؛ يُخَرِّب في الزُّروعِ والأراضي والقُرى، وعاشَ الناسُ في ضِيقٍ وكَربٍ، وليس بين المسلمين مُجِيرٌ، قال ابنُ بسام: "دَخلَ على الأذفونش يومئذٍ جَماعةٌ فوَجَدوه يَمسَح الكرى من عَينيهِ، ثائرَ الرَّأسِ، خَبيثَ النَّفْسِ، فأَقبلَ عليهم بوَجهٍ كَريهٍ، وقال لهم: إلى متى تَتَخادَعون، وبأيِّ شَيءٍ تَطمعون؟ قالوا: بِنا بُغيَةٌ، ولنا في فُلانٍ وفُلانٍ أُمنِيَّةٌ، وسَمُّوا له بَعضَ مُلوكِ الطَّوائفِ، فصَفَّقَ بِيَديهِ، وتَهافَت حتى فَحَصَ برِجلَيهِ، ثم قال: أين رُسُلُ ابنِ عبَّادٍ؟ فجِيءَ بهم يَرفُلون في ثِيابِ الخَناعَةِ، وينبسون بأَلسِنَةِ السَّمعِ والطَّاعةِ. فقال لهم: مُذ كم تَحُومون عليَّ، وتَرومون الوصولَ إليَّ؟ ومتى عَهْدِكم بفُلانٍ؟ وأين ما جِئتُم به ولا كُنتم ولا كان؟ فجاءوا بجُملَةِ مِيرَةٍ، وأَحضَروها, ثم ما زادَ على أن رَكَلَ ذلك برِجلِه، وأَمَرَ بانتِهابِه كُلِّهِ؛ ولم يَبقَ مَلِكٌ من مُلوكِ الطَّوائفِ إلا أَحضرَ يَومئذٍ رُسُلَه، وكانت حالُه حالَ مَن كان قَبلَه. وجَعلَ أَعلاجَه يَدفَعون في ظُهورِهم، وأَهلُ طُليطلة يَعجَبون مِن ذُلِّ مَقامِهم ومَصيرِهم، فخَرجَ مَشيَختُها من عندِه وقد سُقِطَ في أَيدِيهم. وطَمِعَ كلُّ شيءٍ فيهم. وخَلُّوا بينه وبين البلدِ، ودَخلَ طُليطلة على حُكمِه، وأَثبَتَ في عَرصَتِها قَدَمَ ظُلمِه، حُكْمٌ مِن الله سَبَقَ به القَدَرُ، وخَرجَ ابنُ ذي النون خائبًا مما تَمَنَّاهُ، حدَّثنِي مَن رَآهُ يَومئذٍ بتلك الحالِ وبِيَدِه اصطرلاب يَرصُد فيه أيَّ وَقتٍ يَرحَل، وعلى أيِّ شَيءٍ يُعَوِّل، وأيَّ سَبيلٍ يَتَمَثَّل، وقد أَطافَ به النَّصارَى والمسلمون، أولئك يَضحَكون مِن فِعْلِه، وهؤلاء يَتَعجَّبون مِن جَهلِه. وعَتَا الطاغِيةُ الأذفونش -قَصَمَهُ الله- لحين استِقرارِه بطُليطلة واستَكبَر، وأَخَلَّ بمُلوكِ الطَّوائفِ في الجَزيرَةِ وقَصَّرَ، وأَخذَ يَتَجنَّى ويَتَعتَّب، وطَفِقَ يَتَشَوَّف إلى انتِزاعِ سُلطانِهم والفَراغِ مِن شانِهم" في الوقتِ الذي كانت قُوَّاتُ ألفونسو تُحاصِر فيه طُليطلة كان مُلوكُ الطَّوائفِ يُقَدِّمُون مِيثاقَ الوَلاءِ والمَحَبَّةِ له؛ مُمَثَّلَةً في الجِزيَةِ والإتاوَةِ، ولم يَجرُؤ أَحدٌ منهم على الاعتِراضِ عليه في ذلك إلاَّ المُتَوكِّل بن الأَفطَس الذي أُخْرِج من طُليطلة قُبيلَ دُخولِ الطَّاغيةِ، وفي الوقتِ نَفسِه الذي تُحَاصَر فيه طُليطلة كانت مَمالكُ الطَّوائفِ الأُخرى تَتَنازَع فيما بينها، أو تَرُدُّ غاراتِ النَّصارَى المُتواصِلَة عليها. ثم قام ألفونسو باتِّخاذِ طُليطلة عاصِمةً له وحَوَّلَ مَسجِدَها إلى كَنيسةً.

العام الهجري : 916 الشهر القمري : جمادى الأولى العام الميلادي : 1510
تفاصيل الحدث:

من أقوى الأسباب التي هيأت للإسبان احتلال طرابلس الغرب ضعفُ الحامية فيها، وانصراف الناس إلى تنمية المال، وإلى مُتَع الحياة عن الاهتمام بتقوية الجيش وتحصين القلاع، ومن المناسبات التي انتهزها الإسبان للتعجيل باحتلال طرابلس، أنه في هذه سنة وقع خلاف بين أحمد الحفصي وبين والده الناصر، فذهب إلى الإسبان يستنجد بهم على أبيه، فاستعد الإسبان لغزو طرابلس، فجهزوا 120 قطعة بحرية، وانضم إليها سفن أخرى من مالطة، وشُحنت بخمسة عشر ألف جندي من الإسبان، وثلاثة آلاف من الإيطاليين والمالطيين. وفي 8 من ربيع الآخر أقلع الأسطول من فافينيانا، ومرَّ بجزيرة قوزو بمالطة فتزود منها بالماء، وانضمَّ إلى الجيش خبير مالطي اسمه جوليانو بيلا، له معرفة بطرابلس. وقد أعدت هذه الحملة بإشراف نائب ملك صقلية، وبإعانة الجيوش الصقلية والإيطالية. وقد تسربت أخبار هذه الحملة إلى طرابلس قبل تحركها بنحو شهر، فأخذ الناس في الهجرة منها إلى غريان، وتاجورة، ومسلاتة، وأخذوا معهم كل ما كان مهمًّا من أموالهم، وما أمكنهم من أثقال متاعهم، ولم يبقَ بالمدينة إلا المحاربون، وبعض السكان الذين لم يقدروا على الفرار، وانحازوا إلى قصر الحكومة والجامع الكبير، وصعد المحاربون فوق الأسوار وعلى القلاع.  نزلت جيوش الإسبان في القوارب وكانت بقيادة بييترو نافارو، وفي الصباح، بدأ الهجوم وأطلقت السفن مدافعها على الأسوار وقصر الحكومة. ونزل الجيش المكلف بمنع المسلمين من الاتصال بالمدينة إلى البر بجهة سيدي الشعاب لمنع الاتصال بالمدينة. واندفع الجيش الإسباني نحو المدينة تحميه مدافع الأسطول، فاحتل البرج القائم على باب العرب وبعض الأسوار، وتمكن الإسبان من فتح باب النسور، واتصل الجيش الخارجي بالجيش الداخلي واستبسل الطرابلسيون في الدفاع، وجاء في رسالة القائد نافارو أنه لم يخلُ موضِعُ قَدَمٍ في المدينة من قتيلٍ، ويقَدَّر عدد القتلى بخمسة آلاف، والأسرى بأكثر من ستة آلاف، وتغلَّب الإسبان على مقاومة المسلمين العنيفة، واحتُلَّ قصر الحكومة عَنوةً، وقد حَمِيَ وطيس المعركة حينما تمكَّن حامل العلم الإسباني من نصبِه على برج القصر. وأبدى من التجؤوا إلى الجامع الكبير مقاومة شديدة، فقُتِل منهم نحو ألفي طرابلسي بين رجال ونساء وأطفال. وقتل من الإسبان ثلاثمائة رجل، وكان من بين الموتى كولونيل كبير في الجيش، وأميرال الأسطول، وقبل أن تغرب شمس يوم 18 من ربيع الآخر من هذه السنة، سقطت مدينة طرابلس في يد الإسبان، بعد أن أريقت دماء الطرابلسيين في كل بقعةٍ منها، ولكثرة القتلى فقد أُلقيت جثثُهم في صهاريج الجوامع وفي البحر، وأُحرق بعضها بالنار. وأقام نائب البابا احتفالات الفرح بسقوط هذه المدينة العربية الإسلامية في أيدي النصارى. وأرسل القسيس أمريكو دامبواس رئيس منظمة فرسان القديس يوحنا إلى فرديناند ملك إسبانيا تهنئة، ويرجوه أن يتابع فتوحاته في إفريقية. وعلى الجانب الآخر فقد استاء المسلمون لهذا الاحتلال، وقابله الطرابلسيون المقيمون في الإسكندرية إذ ذاك بإحراق فندق للإسبان في المدينة. انتهز الطرابلسيون المعسكِرون خارج السور غياب القائد الإسباني نافارو وأسطوله، وانقضُّوا على المدينة وتسلَّقوا سورها، ولكنهم لم يوفَّقوا فرجعوا أدراجَهم, وهو ما دفع محمد بن حسن الحفصي إلى إعانة طرابلس، فجمع جيشًا كبيرًا بقيادة محمد أبي الحداد قائد توزر، وكان من أكبر قواده، ووصل طرابلس ونزل خارج السور، وانضم إلى هذا الجيش المحاربون الطرابلسيون، وهاجموا المدينة في ذي الحجة من هذه السنة, ولكنهم لم يظفروا منها بطائل. وظل يحكم طرابلس فرسان القديس يوحنا حتى سنة 936 (1530م) عندما منحها شارل الخامس إمبراطور الإمبراطورية الرومانية لهم، الذين صاروا يعرفون في ذلك الوقت بفرسان مالطا.

العام الهجري : 449 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 1057
تفاصيل الحدث:

هو شَيخُ الآدابِ، أبو العلاء أَحمدُ بن عبدِ الله بن سُليمانَ المَعَرِّي التَّنوخي الشاعر، اللُّغويُّ، صاحبُ الدَّواوين والمُصَنَّفات في الشِّعرِ واللُّغةِ، المشهور بالزَّندقَةِ، وُلِدَ سنة 363هـ, وأصابهُ جُدَري وله أربعُ سِنين أو سَبع، فذَهبَ بَصرهُ، وقال الشِّعْرَ وله إحدى أو ثنتا عشرة سَنة، ودخلَ بغداد سنةَ تِسعٍ وتسعين وثلاثمائة، فأقام بها سنةً وسبعةَ أَشهُر، ثم خَرجَ منها طَريدًا مُنهزِمًا، لمَّا عَزَم الفُقهاءُ على أَخذِه ببَعضِ أَشعارهِ الدَّالةِ على فِسْقِه، هَرَب ورَجَع إلى بَلدِه، ولَزِمَ مَنزِلَه فكان لا يَخرُج منه، وسَمَّى نَفسَه: رَهينَ المَحْبَسَينِ لذلك ولِذهابِ بَصرِه, وقد كان المَعَرِّي غايةً في الذَّكاءِ المُفرِط، ومَكَثَ المَعَرِّي خمسًا وأربعين سنةً من عُمُرِه لا يأكلُ اللَّحمَ ولا اللَّبَنَ ولا البَيْضَ، ولا شيئًا مِن حَيوانٍ، على طَريقَةِ البَراهِمَة الفَلاسِفَة، ويُقال: "إنَّه اجتَمَع بِراهبٍ في بَعضِ الصَّوامِع في مَجيئِه من بَعضِ السَّواحِل آواهُ اللَّيلَ عنده، فشَكَّكَهُ في دِينِ الإسلام" فكان لا يَتَقَوَّتُ إلَّا بالنَّباتِ وغَيرِه، وأَكثرُ ما كان يأكلُ العَدسَ، ويَتَحَلَّى بالدِّبْسِ وبالتِّينِ، وكان لا يأكل بِحَضرَةِ أَحدٍ، ويقول: أَكْلُ الأعمى عَورةٌ وسَترُه واجب. قال ابنُ كَثيرٍ: "كان  ذَكِيًّا ولم يكن زَكِيًّا، وله مُصنفاتٌ كَثيرةٌ أَكثرُها في الشِّعْرِ، وفي بَعضِ أَشعارِه ما يَدلُّ على زَندَقتِه، وانحِلالِه مِن الدِّين، ومن الناسِ مَن يَعتَذِر عنه ويقول: إنَّه إنمَّا كان يقول ذلك مُجونًا ولَعِبًا، ويقول بلِسانِه ما ليس في قَلبِه، وقد كان باطنُه مُسلِمًا"، قال أبو الوفاء ابن عَقيلٍ شيخُ الحنابلة: "مِن العجائبِ أنَّ المَعَرِّي أَظهرَ ما أَظهرَ مِن الكُفرِ الباردِ، وسَقَطَ مِن عُيونِ الكُلِّ، ثم اُعتُذِرَ بأن لِقَولهِ باطِنًا، وأنَّه مُسلمٌ في الباطنِ، فلا عَقلَ له ولا دِينَ، لأنَّه تَظاهَر بالكُفرِ وزَعَم أنَّه مُسلمٌ في الباطنِ، وهذا عَكسُ قضايا المُنافِقين والزَّنادِقة، حيث تَظاهَروا بالإسلامِ وأَبطَنوا الكُفرَ، فهل كان في بلادِ الكُفَّارِ حتى يحتاج إلى أن يُبطِنَ الإسلام، فلا أَسخَف عَقلًا ممَن سَلكَ هذه الطَّريقَة التي هي أَخَسُّ مِن طَريقةِ الزَّنادِقة والمُنافِقين، إذا كان المُتَدَيِّن يَطلُب نَجاةَ الآخِرةِ، والزِّنديق يَطلُب النَّجاةَ في الدُّنيا، وهو جَعلَ نَفسَه عُرضةً لإهلاكِها في الدنيا حين طَعَنَ في الإسلامِ في بلادِ الإسلامِ، وأَبطَن الكُفرَ، وأَهلكَ نَفسَه في المَعادِ، فلا عَقلَ له ولا دِينَ" قال ابنُ الجوزيُّ: "وقد رَأيتُ لأبي العَلاءِ المَعَرِّي كِتابًا سَمَّاهُ (الفُصول والغايات)، يُعارض به السِّور والآيات، وهو كَلامٌ في نِهايةِ الرَّكَّةِ والبُرودةِ، فسبحان مَن أَعمَى بَصرَهُ وبَصيرتَهُ، وقد ذَكرهُ على حُروفِ المُعجَم في آخرِ كِلماتِه"، قال ابنُ كَثيرٍ: "وقد أَورَد ابنُ الجوزي من أَشعارِه الدَّالَّةِ على استِهتارِه بِدِينِ الإسلامِ أَشياءً كَثيرةً تَدُلُّ على كُفرِه؛ بل كلُّ واحدةٍ مِن هذه الأشياءِ تَدُلُّ على كُفرِه وزَندقَتِه وانحِلالِه، وقد زَعمَ بعضُهم أنَّه أَقلَع عن هذا كُلِّه وتاب منه وأنَّه قال قَصيدةً يَعتذِر فيها مِن ذلك كُلِّه، ويَتنَصَّل منه، ومنهم مَن قال: بل كلُّ ذلك مَدسوسٌ عليه مِن قِبَلِ حُسَّادِه وَهُم كُثُر. بل أَلَّفَ ابنُ العديم كِتابًا في الدِّفاعِ عنه، وللمَعَرِّي (دِيوانُ اللُّزومِيَّات)، و(سِقْطُ الزَّنْدِ) و(رِسالةُ الغُفران)"، قال الباخرزي: "أبو العلاء ضَريرٌ ما له ضَريبٌ، طال في ظِلِّ الإسلامِ آناؤهُ، ورَشَحَ بالإلحاد إناؤهُ، وعندنا خَبرُ بَصرِه، والله العالم بِبَصيرَتِه والمُطَّلِع على سَريرَتِه، وإنمَّا تَحدَّثت الأَلسُنُ بإساءتِه بكِتابِه الذي عارَضَ به القُرآنَ، وعَنْوَنَهُ: (الفُصولُ والغايات في مُحاذاةِ السُّوَرِ والآيات)", وقال غَرسُ النِّعمَة محمدُ بن هلالِ بن المُحسِن بن إبراهيمَ الصابئ عنه: "له شِعْرٌ كَثيرٌ، وأَدَبٌ غَزيرٌ، ويُرمَى بالإلحادِ، وأَشعارُه دَالَّةٌ على ما يُتَّهَمُ به" قال أبو زكريا التِّبريزي: "لمَّا قَرأتُ على أبي العَلاءِ بالمَعَرَّةِ قوله:
تَناقُضٌ ما لنا إلَّا السُّكوتُ له
وأن نَعوذُ بمولانا مِن النَّارِ
يَدٌ بِخَمسِ مِئٍ مِن عَسْجَدٍ وُدِيَت
ما بالُها قُطِعَت في رُبعِ دِينارِ؟
سَألتُه، فقال: هذا كَقولِ الفُقهاءِ: عِبادَةٌ لا يُعقَل مَعناها". قال الذَّهبيُّ: لو أراد ذلك؛ لقال: تَعَبُّد، ولَمَا قال: تَناقُض, ولِمَا أَردَفهُ ببَيتٍ آخرَ يَعترِض على رَبِّه, وبإسنادي قال السَّلفيُّ: إن كان قاله مُعتَقِدًا مَعناهُ، فالنَّارُ مَأْواهُ، وليس له في الإسلامِ نَصيبٌ". تُوفِّي في المَعَرَّةِ مَعَرَّةِ النُّعمانِ، وفيها دُفِنَ عن عُمُرٍ 86 عامًا.

العام الهجري : 669 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 1271
تفاصيل الحدث:

هو أبو محمد عبد الحق بن إبراهيم بن محمد بن نصر بن محمد بن نصر بن محمد بن سبعين، القرشي، المخزومي، بن قطب الدين المقدسي  الصوفي الرقوطي، نسبة إلى رقوطة بلدة قريبة من مرسية بالأندلس. المشهور بابن سبعين، ولِدَ سنة أربع عشرة وستمائة، واشتغل بعلم الأوائل والفلسفة، فتولَّدَ له من ذلك نوع من الإلحاد، وصنَّفَ فيه، وكان يعرف السيميا، وكان يلَبِّسُ بذلك على الأغبياء من الأمراء والأغنياء، ويزعُمُ أنه حال من أحوال القوم، وله المصنفات منها كتاب البدوي، وكتاب الهو، رسالة النصيحة النورية، عهد ابن سبعين، الإحاطة، الرسالة الفقيرية، الحكم والمواعظ، الرسالة القبرصية,  وقد أقام بمكة واستحوذ على عقل صاحبها أبي نمي بن أبي سعد. وشاع صيتُه وكثر أتباعه بين أهل مكة بسبب سخائه وعِلمِه، وقد ظل ابن سبعين في مكَّة حتى توفي به، وجاور في بعض الأوقاتِ بغار حراء يرتجي فيما يُنقَلُ عنه أن يأتيه فيه وحيٌ، كما أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم!! بناء على ما يعتقده من العقيدة الفاسدة من أن النبوة مكتسبة، وأنها فيض يفيض على العقل إذا صفا، فما حصل له إلا الخزي في الدنيا والآخرة، إن كان مات على ذلك, وقد كان إذا رأى ابن سبعين الطائفينَ حول البيت يقول عنهم كأنهم الحميرُ حول المدار، وأنهم لو طافوا به كان أفضَلَ من طوافهم بالبيتِ، وقد نُقِلَت عنه عظائم من الأقوال والأفعال. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فصار بعضُهم يرى أن باب النبوة مفتوح لا يمكن إغلاقُه فيقول كما كان ابن سبعين يقول: "لقد زرَّب ابن آمنة حيث قال: لا نبي بعدي" أو يرى لكونه أشد تعظيمًا للشريعة أن باب النبوة قد أغلق فيدعي أن الولاية أعظم من النبوة، وأن خاتم الأولياء أعلم بالله من خاتم الأنبياء، وأن خاتم الأنبياء بل وجميع الأنبياء إنما يستفيدون معرفة الله من مشكاة خاتم الأولياء!! ويقول إنه يوافق النبي في معرفة الشريعة العملية؛ لأنه يرى الأمر على ما هو عليه فلا بد أن يراه هكذا، وإنه أعلم من النبي بالحقائق العلمية؛ لأنه يأخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يوحى به إلى الرسول!! وهذا بناء على أصول هؤلاء الفلاسفة الكفار الذين هم أكفر من اليهود والنصارى". وقال شيخ الإسلام: "ابن سبعين أحد أئمة الاتحادية ومحققيهم وأذكيائهم، أنه قال عن كلام ابن عربي:  "فلسفة مخموجة" وكلامه هو أدخل في الفلسفة وأبعد عن الإسلام، ولا ريب أن هؤلاء من جنس الملاحدة الباطنية القرامطة، وهؤلاء الفلاسفة مشتركون في الضلال ومذاهب هؤلاء الفلاسفة في الإلهيات من أشد المذاهب اضطرابًا وتناقضًا وقولًا لا حقيقة له، فلما كان مذهبهم المقارنة التي هي في الحقيقة تعطيل الصنع والخلق والإبداع وإن كانوا يدَّعون أنهم يثبتون واجبًا غير العالم، فهذا دعواهم، وإلا ففي الحقيقة يلزمهم ألا يكون ثَمَّ واجِبُ الوجود غير العالم، وهذا حقيقة قول الاتحادية وهو الذي أظهره إمام هؤلاء فرعون؛ فإن الاتحادية تنتحله وتعظمه والباطنية تنتحله وتعظمه وهو على مقتضى أصول الفلاسفة الصابئة المشركين الذين هم من أعظم الناس إيمانًا بالجبت والطاغوت" قال الذهبي: "كان ابن سبعين صوفيًّا على قاعدة زهاد الفلاسفة وتصوفهم، وله كلام كثير في العرفان على طريق الاتحاد والزندقة, وقد ذكرنا محط هؤلاء الجنس في ترجمة " ابن الفارض "، و " ابن العربي " وغيرهما. فيا حسرة على العباد كيف لا يغضبون لله تعالى ولا يقومون في الذبِّ عن معبودهم، تبارك اسمُه وتقدست في ذاته، عن أن يمتزج بخَلقِه أو يحِلَّ فيهم, وتعالى الله عن أن يكون هو عينَ السموات والأرض وما بينهما, فإن هذا الكلام شر من مقالة من قال بقدم العالم، ومن عرف هؤلاء الباطنية عذرني، أو هو زنديق مبطن للاتحاد يذب عن الاتحادية والحلولية، ومن لم يعرفهم فالله يثيبه على حسن قصده. وينبغي للمرء أن يكون غضَبُه لربه إذا انتُهِكَت حرماته أكثَرَ من غضبه لفقير غير معصوم من الزَّلَل. فكيف بفقير يحتمل أن يكون في الباطن كافرًا، مع أنا لا نشهد على أعيان هؤلاء بإيمان ولا كفر لجواز توبتهم قبل الموت. وأمرهم مُشكِل وحسابُهم على الله, وأما مقالاتهم فلا ريب في أنها شر من الشرك، فيا أخي ويا حبيبي أعطِ القوس باريَها ودعني ومعرفتي بذلك، فإنني أخاف الله أن يعذبني على سكوتي، كما أخاف أن يعذبني على الكلام في أوليائه. وأنا لو قلت لرجل مسلم: يا كافر، لقد بؤتُ بالكفر، فكيف لو قلتُه لرجل صالح أو ولي لله تعالى؟ "  توفي ابن سبعين في الثامن والعشرين من شوال بمكة.

العام الهجري : 9 ق هـ العام الميلادي : 613
تفاصيل الحدث:

كان رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يدْعو إلى الله تعالى في كُلِّ أحوالِهِ؛ ليلًا ونهارًا، وسِرًّا وجهرًا، لا يَصرِفُه عن ذلك صارِفٌ ولا يَرُدُّه عن ذلك رادٌّ، ولا يَصُدُّه عن ذلك صادٌّ، يَتبَعُ الناسَ في أنديَتِهم، ومَجامِعِهم ومَحافِلِهم وفي المَواسمِ، ومَواقفِ الحَجِّ؛ يدعو مَن لَقيَه مِن حرٍّ وعبدٍ، وضعيفٍ وقويٍّ، وغنيٍّ وفقيرٍ.
وتسلَّط عليه وعلى مَنِ اتَّبَعه كفارُ قَومِه من مُشرِكي قُريشٍ، بل كان من أشدِّ الناسِ عليه عمُّه أبو لَهَبٍ وامرأتُه أُمُّ جَميلٍ حَمَّالةُ الحَطَبِ -أرْوَى بِنتُ حَربِ بن أُمَيَّةَ أختُ أبي سُفيانَ-، وكان عمُّه أبو طالبِ بن عبد المُطَّلب يحنو عليه، ويُحسِنُ إليه، ويُدافِعُ عنه ويُحامي، ويُخالِفُ قَومَه في ذلك؛ مع أنه على دِينِهم، وكان استِمرارُه على دينِ قَومِه من حكمةِ الله تعالى، ومَّما صَنَعه لرَسولِه من الحِمايةِ؛ إذ لو كان أسلَمَ أبو طالب لَمَا كان له عند مُشرِكي قُريشٍ وَجاهةٌ ولا كلمةٌ، ولا كانوا يَهابونه ويَحتَرِمونَه.
روى أصحاب السِّير أنَّ قريشًا جاءتْ إلى أبي طالبٍ فقالوا: "إنَّ ابنَ أخيك هذا قد آذانا في نادينا ومَسجِدِنا فانْهَهُ عنَّا". فقال: "يا عَقيلُ، انطلِقْ فأْتِني بمُحمَّدٍ"، فجاء به في الظَّهيرةِ في شدَّةِ الحَرِّ. فلمَّا أتاهم قال: "إنَّ بني عمِّك هؤلاء زعموا أنَّك تُؤذيهم في ناديهم ومَسجدِهم؛ فانتَهِ عن أذاهم"، فحلَّق رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ببصرِه إلى السماءِ؛ فقال: "تَرَونَ هذه الشَّمسَ؟" قالوا: "نعم"، قال: "فما أنا بأقدَرَ أن أدَعَ ذلك منكم على أن تَشتَعِلوا منها بشُعلةٍ". فقال أبو طالبٍ: "واللهِ ما كَذَب ابنُ أخي قطُّ فارجِعوا".

العام الهجري : 4 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 626
تفاصيل الحدث:

تُسمَّى هذه الغزوةُ ببدرٍ الآخِرةِ، وبَدرٍ الصُّغرى، وبدرٍ الثانيةِ، وبدرٍ المَوعِدِ؛ للمواعَدةِ عليها مع أبي سُفيانَ بنِ حربٍ يومَ أُحدٍ؛ وذلك أن أبا سفيان لمَّا انصَرَف منِ أُحدٍ نادى: "إنَّ مَوعِدَكم بَدرٌ، العامَ المُقبِلَ".
فلمَّا كانتِ السَّنةُ الرابِعةُ من الهِجرةِ، خَرَج الرسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بألفٍ وخَمسِمئةٍ من أصحابِه إلى بدرٍ ومعه عَشَرةُ أفراسٍ، وحَمَل لِواءَه عليُّ بن أبي طالِبٍ رَضي اللهُ عنه، وذلك في انتِظارِ قُدومِ قُرَيشٍ حَسَبَ المَوعِدِ المُحدَّدِ منذ وَقعةِ أُحُدٍ مع أبي سُفيانَ زعيمِ قُريشٍ.
وانتَظَرَ المسلمون ثمانيةَ أيَّامٍ دونَ أن تَقدَمَ قُرَيشٌ، وكان أبو سُفيانَ قد خَرَج بألفينِ ومعهم خمسون فرسًا، فلمَّا وَصَلوا مرَّ الظَّهرانِ على أربعينَ كَيلًا مِن مكةَ عادوا بحُجَّةِ أنَّ العامَ عامُ جَدبٍ، وكان لإخلافِهِمُ المَوعِدَ أثرٌ في تقويةِ مكانةِ المسلمين وإعادةِ هَيبَتِهم.
وقد واصَلَ المسلمون إرسالَ سَراياهم إلى الأنحاءِ المُختَلِفةِ من نَجدٍ والحِجازِ لتَأديبِ الأعرابِ، فقاد أبو عُبيدةَ بنُ الجرَّاحِ سَريَّةً إلى طيِّئٍ وأسَدٍ بنَجدٍ، فتَفَرَّقوا في الجبالِ دونَ أن يقعَ قتالٌ.
وقاد الرسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جَيشًا من ألفِ مُقاتِلٍ في شهرِ ربيعٍ الأوَّلِ من سنةِ خَمسٍ باتِّجاهِ دُومةِ الجَندَلِ، وقد بَلَغه وُجودُ تَجمُّعٍ للمُشرِكين بها، ولكِنَّ الجَمعَ تفرَّق عندما عَلِموا بقُدومِ المسلمين الذين أقاموا أيَّامًا في المِنطَقةِ بَثُّوا خِلالَها السَّرايا، فلم يَلقَوا مُقاومةً ورَجَعوا إلى المدينةِ بعد أن وادَعَ في العَودةِ عُيينةَ بنَ حِصنٍ الفَزاريَّ.