أرسل المهديُّ ابنَه الرشيدَ لغَزوِ الرومِ صائفة، في خمسةٍ وتسعين ألفًا وتسعمائة وثلاثة وتسعين رجلًا، ومعه الربيع، فوغل هارونُ في بلاد الروم، ولقيه عسكرُ لقيظا قومس القوامسة، فبارزه يزيدُ بن مزيد الشيباني فأثخنه يزيدُ وانهزمت الرومُ، وغلب يزيدُ على عسكَرِهم. وساروا إلى الدمستق، وهو صاحِبُ المسالح، فحمل لهم مائة ألفِ دينار وثلاثة وتسعين ألفًا وأربعمائة وخمسين دينارًا، ومن الوَرِق أحدًا وعشرين ألف ألف درهم وأربعة عشر ألفًا وثمانمائة درهم. وسار الرشيدُ حتى بلغ خليجَ القسطنطينية، وصاحبُ الروم يومئذٍ عطسة امرأة أليون، فجرى الصلحُ بينها وبين الرشيد على الفِدية، وأن تُقيمَ له الأدلَّاء والأسواقَ في الطريق، وذلك أنَّه دخل مَدخلًا ضيِّقًا مَخوفًا، فأجابته إلى ذلك، ومقدارُ الفدية سبعون ألف دينار كلَّ سنة، ورجع عنها.
وجَّه المعتَصِمُ بالله عجيفَ بن عنبسة لحرب الزطِّ الذين كانوا غلَبوا على طريق البصرةِ، وعاثوا وأخذوا الغَلَّات من البيادر بكسكر وما يليها من البصرة، وأخافوا السبيلَ، ورتَّبَ عجيفٌ الخيلَ في كلِّ سكَّةٍ مِن سِكَكِ البريدِ، تركُضُ بالأخبارِ إلى المعتَصِم، فسار عجيف حتى نزل تحت واسط، وأقام على نهرٍ يقال له بردودا حتى سدَّه وأنهارًا أخَرَ كانوا يخرجون منها ويدخلون، وأخذ عليهم الطرُقَ، ثم حارَبَهم فأسَرَ منهم في معركةٍ واحدةٍ خمسَمائة رجلٍ، وقتل في المعركةِ ثلاثَمائة رجلٍ، فضرب أعناقَ الأَسرى، وبعث الرُّؤوسَ إلى بابِ المُعتَصِم. ثم أقام عجيف بإزاءِ الزطِّ خمسة عشر يوما فظَفِرَ منهم فيها بخلقٍ كثير، وكان رئيسُ الزطِّ رجلًا يقال له محمد بن عثمان، وكان صاحِبُ أمره إنسانًا يقال له سماق، ثم استوطن عجيفٌ وأقام بإزائهم سبعةَ أشهر.
خرج رجلٌ يقال له محمودُ بن الفَرَج النيسابوري، وهو ممَّن كان يتردَّدُ إلى خشَبةِ بابك وهو مصلوبٌ فيقعُدُ قريبًا منه، وذلك بقُربِ دار الخلافةِ بسُرَّ من رأى، فادَّعى أنَّه نبيٌّ، وأنَّه ذو القرنينِ، وقد اتَّبَعه على هذه الضَّلالة ووافَقَه على هذه الجَهالةِ جماعةٌ قليلونَ، وهم تسعة وعشرون رجلًا، وقد نظَمَ لهم كلامًا في مصحَفٍ له- قبَّحه الله- زعم أنَّ جبريلَ جاءه به من الله، فأتيَ به وبأصحابِه المتوكِّل، فأمر به فضُرِبَ ضربًا شديدًا وحُمِلَ إلى بابِ العامَّة، فأكذب نَفسَه، وأمَرَ أصحابَه أن يَضرِبَه كلُّ رجلٍ منهم عشرَ صفعاتٍ، ففعلوا وأخذوا له مُصحفًا فيه كلامٌ قد جمعه، وذكر أنَّه قرآنٌ، وأنَّ جبريل نزل له، ثمَّ مات من الضَّربِ في ذي الحجَّة، وحُبِسَ أصحابُه، ثم اتَّفقَ مَوتُه في يوم الأربعاء لثلاثٍ خَلَونَ مِن ذي الحجة من هذه السَّنةِ.
ظهر اختلالُ حالِ هارونَ بنِ خِمارَوَيه بنِ أحمد بن طولون بمصر، واختلَفَت القوَّاد، وطَمِعوا فانحَلَّ النظام، وتفَرَّقَت الكلمة، فأقاموا له أحدَ أمراءِ أبيه يديرُ الأمورَ ويُصلِحُ الأحوال، وهو أبو جعفرِ بن أبان، وكان عند والدِه وجَدِّه مُقَدَّمًا كبيرَ القَدرِ، فأصلحَ مِن الأحوالِ ما استطاع، وكان مَن بدمشق من الجُندِ قد خالفوا على أخيه جيشِ بنِ خِمارَوَيه، فلما تولى أبو جعفرٍ الأمورَ سَيَّرَ جيشًا إلى دمشق عليهم بدرُ الحمامي، والحسينُ بن أحمد الماذرائي، فأصلحا حالَها وقرَّرا أمور الشامِ، واستعملا على دمشقَ طغج بن جف واستعملا على سائر الأعمال، ورجعا إلى مصرَ والأمور فيها اختلالٌ، والقُوَّاد قد استولى كلُّ واحدٍ منهم على طائفةٍ مِن الجند وأخذَهم إليه، وهكذا يكون انتقاضُ الدُّوَل، وإذا أراد الله أمرًا فلا مَرَدَّ لحُكمِه، وهو سريعُ الحِسابِ.
كان والِدُ عبدِ الرحمنِ النَّاصر- محمَّدُ بنُ عبدِ الله- قد قتله أخوه المُطَرِّفُ فِي صدر دولةِ أبيهما. وخلَّفَ محمَّدٌ ابنَه عبدَ الرحمنِ، وهو ابنُ عشرين يومًا. ولَمَّا توفِّيَ الأميرُ عبدُ اللَّهِ جَدُّ عبدِ الرحمنِ سنة ثلاثمئة، وليَ عبدُ الرحمنِ الأمرَ بعده. وكان ذلك مِن غرائبِ الأمورِ؛ لأنَّه كَانَ شابًّا مع وجودِ أكابِرَ مِن أعمامِه وأعمامِ أبيه، وتقدَّم هُوَ- وهو ابن اثنتين وعشرين سنة- فوَلِيَ الإمارةَ، والبلادُ كُلُّها في حالةِ اضطراب؛ قد امتَنَعَت على الدولةِ حصونُ بكورة رَيَّة وحصن ببشتر، فحاربها الناصر، حتّى استَرَدَّها، وكان طُليطُلة قد خالف أهلَ الدولة، فقاتلهم حتَّى عادُوا إلى الطاعة، ولم يزَلْ يقاتل المخالفين حتَّى أذعنوا له، وأطاعوه نيِّفًا وعشرين سنة، فاستقامت البلادُ، وأَمِنَت دولته، واستقام لَهُ الأمرُ، وقد حكم خمسين سنة من 300عام إلى 350.
مَلَكَ سبكتكين مدينةَ غزنة وأعمالَها، وكان ابتداءُ أمرِه أنَّه كان مِن غِلمانِ أبي إسحاقَ بنِ البتكين، صاحِبِ جيش غزنة للسامانية، وكان مقَدَّمًا عنده، وعليه مدارُ أمرِه، وقدِمَ إلى بُخارى، أيَّامَ الأمير منصور بن نوح، مع أبي إسحاق، فعَرَفَه أربابُ تلك الدولة بالعقلِ والعفَّة، وجودةِ الرأي والصَّرامة، وعاد معه إلى غزنة، فلم يلبثْ أبو إسحاق أن توفِّيَ، ولم يخَلِّفْ من أهلِه وأقاربه من يصلُحُ للتقَدُّم، فاجتمع عسكَرُه ونظروا فيمن يلي أمْرَهم، ويجمَعُ كَلِمتَهم، فاختلفوا ثمَّ اتَّفَقوا على سبكتكين؛ لِما عَرَفوه من عقلِه ودينِه ومروءتِه، وكمالِ خِلالِ الخير فيه، فقَدَّموه عليهم، ووَلَّوه أمرَهم، وأطاعوه فوَلِيَهم، وأحسَنَ السِّيرةَ فيهم، وساس أمورَهم سياسةً حَسَنةً، وجعل نفسَه كأحدِهم في الحالِ والمال، وكان يدَّخِرُ من إقطاعِه ما يعمَلُ منه طعامًا لهم في كلِّ أُسبوعٍ مَرَّتين.
مَلَكَ المقَلَّدُ بنُ المسيب مدينةَ الموصل، وكان سبَبُ ذلك أنَّ أخاه أبا الذواد توفِّيَ هذه السنة، فطَمِعَ المقلدُ في الإمارة، فلم تساعِدْه عقيل على ذلك، وقلَّدوا أخاه عليًّا؛ لأنه أكبَرُ منه، فأسرع المقلد واستمال الديلمَ الذين كانوا مع أبي جعفرٍ الحَجَّاج بالموصِل، فمال إليه بعضُهم، وكتب إلى بهاءِ الدَّولةِ أنْ قد ولَّاه المَوصِل، وسأله مساعدتَه على أبي جعفرٍ؛ لأنَّه قد منعه عنها، فساروا ونزلوا على الموصِلِ، فخرج إليهم كلُّ مَن استماله المقلد من الديلم، وضَعُف الحَجَّاج، وطلب منهم الأمانَ، فأمَّنوه، ودخل المقلدُ البلدَ، واستقَرَّ الأمرُ بينه وبين أخيه على أن يُخطَبَ لهما، ويُقَدَّم عليٌّ لكِبَرِه، ويكون له معه نائبٌ يَجبي المالَ، واشتركا في البلَدِ والولاية، وسار عليٌّ إلى البَرِّ، وأقام المقلد، وجرى الأمرُ على ذلك مُدَّةً، ثم تشاجرا واختَصَما.
لَمَّا قطَعَ المُعِزُّ بنُ باديس الخطبةَ للفاطميِّينَ وخطَبَ للعباسيِّينَ، وأعلن بذلك انشقاقَه عن الفاطميِّينَ وولاءَه للعباسيِّينَ، كاد له المستنصِرُ الفاطميُّ حاكِمُ مِصرَ لَمَّا عجز عنه بنَفسِه وجَيشِه عن قَهرِه، أرسل إليه جموعًا مِن العرب الهلاليَّة مِن بني زغبة ورياح، وهم بطونُ بني عدي الأثبج، وكانوا يسكُنونَ على الضَّفَّة الشرقيَّة من صعيد مصر بعد قُدومِهم من نجد، وكان المستنصِرُ قد عقد لرؤسائِهم ورجالاتِهم على أمصارِ البلاد المغربيَّة وثُغورِها، وقلَّدَهم كثيرًا من الأعمال والولاياتِ؛ كلُّ ذلك انتقامًا مِن المعِزِّ بن باديس، فخرجت في هذه السَّنةِ أوَّلُ حملةٍ بنحوِ أربعمِئَة ألف شَخصٍ، فساروا حتى نزلوا بُرقةَ وأغاروا على طرابلس والقيروان ونَهَبوا وقطعوا الطريقَ، وصَدُّوا جميع الحَمَلاتِ التي سَيَّرَها المعِزُّ ضِدَّهم؛ مما اضطرَّ المعِزَّ للتحَوُّلِ إلى المهدية، ثم تلَتْها حَملاتٌ أخرى عُرِفَت في التاريخِ والقِصَص بتغريبةِ بني هلالٍ.
كان أصحابُ حمص أولادُ الأمير خيرخان بن قراجا، والوالي بها مِن قبلِهم، قد ضَجِروا من كثرةِ تعَرُّضِ عَسكَرِ عماد الدين زنكي إليها وإلى أعمالِها، وتَضييقِهم على مَن بها مِن جُنديٍّ وعامِّيٍّ، فراسلوا شهابَ الدين محمود بن تاج الملوك بوري صاحب دمشقَ في أن يُسَلِّموها إليه، ويُعطيهم عِوضًا عنها تَدمُر، فأجابهم إلى ذلك، وسار إليها وتسَلَّمَها منهم، وسَلَّمَ إليهم تَدمُر، وأقطع حِمصَ مَملوكَ جَدِّه معين الدين أنر، وجعل فيها نائبًا عنه ممَّن يثق به من أعيانِ أصحابِه، وعاد عنها إلى دِمشقَ. فلمَّا رأى عسكرَ زنكي الذين بحَلَب وحماة خروجَ حِمص عن أيديهم تابَعوا الغاراتِ إلى بلَدِها والنَّهبَ له، والاستيلاءَ على كثيرٍ منه، فجرى بينهم عِدَّةُ وقائع، وأرسل شهابُ الدين إلى زنكي في المعنى واستقرَّ الصُّلح بينهم، وكفَّ كُلٌّ منهم عن صاحِبِه.
وصَلَ السُّلطانُ مسعودٌ إلى بغداد على عادتِه في كلِّ سَنَةٍ، وجمَعَ العساكِرَ، وتجهَّزَ لِقَصدِ أتابك زنكي، وكان حَقَد عليه حِقدًا شديدًا؛ بسبَبِ أنَّ أصحابَ الأطراف الخارجينَ على السُّلطانِ مَسعودٍ، كانوا يَخرُجونَ عليه بتَحريضٍ من أتابك زنكي، ويقولُ إنَّه هو الذي سعى فيه وأشار به لعِلْمِه أنَّهم كُلَّهم كانوا يَصدُرونَ عن رأيِه، فلمَّا تفَرَّغَ السُّلطانُ هذه السَّنَةَ، جَمَعَ العساكِرَ لِيَسيرَ إلى بلادِه، فسَيَّرَ أتابك يستعطِفُه ويستميلُه، فأرسل إليه السُّلطانُ أبا عبد الله بنَ الأنباري في تقريرِ القواعد، فاستقرَّت القاعِدةُ على مئةِ ألفِ دينارٍ يَحمِلُها إلى السُّلطان ليعودَ عنه، فحَمَل عشرينَ ألف دينار أكثَرُها عروض، ثمَّ تنَقَّلَت الأحوالُ بالسُّلطان إلى أن احتاجَ إلى مداراةِ أتابك وأطلَقَ له الباقيَ استمالةً له وحِفظًا لقَلْبِه، وكان أعظَمُ الأسبابِ في قعودِ السُّلطانِ عنه ما يَعلَمُه مِن حَصانةِ بِلادِه وكثرةِ عَساكِرِه وكثرةِ أموالِه.
لما قَدِمَ المهتار عبدالرحمن الكرك أظهر كتبًا إلى الأمير سودون الظريف نائب الكرك باستعدادِه لحرب الأمير أيتمش، فاختلف أهلُ الكرك وافترقوا فرقتين: قيسية، ويمانية؛ فرأسَ قيسًا قاضي الكرك شرف الدين موسى ابن قاضي القضاة عماد الدين أحمد الكركي. ورأَسَ اليمن الحاجبُ شعبان بن أبي العباس. ووقعت فتنةٌ نُهِب فيها رحل المهتار عبد الرحمن والخِلعة التي أحضرها إلى النائب، وامتدَّت إلى الغور فنُهب، ورحل أهله وفَرَّ عبد الرحمن إلى جهة مصر. وكانت بين الطائفتين مقتلةٌ قُتِل فيها سِتَّةٌ، وجُرِح نحوُ المائة. وانتصر ابنُ أبي العباس ممَّن معه من يمن؛ لِمَيل النائب معهم على قيس، وقُبِض على القاضي شرف الدين موسى وأخيه جمال الدين عبد الله، وذُبِحا ومعهما ثمانيةٌ من أصحابهما، وأُلقوا في بئر من غير غسل ولا كفن، وأُخِذَت أموالُهم كُلُّها.
بعد هزيمةِ علي بك أمام أبي الذهب محمد بك اتَّجه علي بك إلى الشامِ، فاتفق مع (ظاهر) ظاهر العمر فاستطاعا أن يسيطرا على صفد، ثم ينطلق منها إلى الجهات الثانية فدخل عكا وتسلَّم ولايتها، واضطر السلطان أن يعترف بذلك لانشغاله بالحربِ مع الروس التي دعمت علي بك وظاهر العمر لمحاربة العثمانيين، فسارا إلى صيدا لاحتلالها والتقيا بالعثمانيين خارجها وانتصرا على جيوش الدولة العثمانية بدعمٍ مِن الأسطول الروسي في البحر المتوسط يتابعُهم ويدعمهم ويضربُ القوات العثمانية حتى ضربت بيروت وخربت جزءًا منها، ثم عاد علي بك إلى مصرَ ليتخلص من أبي الذهب محمد بك، وبذلك يحمي ظهرَه ليتابع مسيرته إلى الأناضول، فسار إلى مصر ومعه أربعمائة جندي روسي، وذلك في مطلع عام 1187هـ فالتقى الطرفان وانتصر أبو الذهب وقَتَل كلَّ من كان مع علي بك الذي توفِّيَ فيما بعد متأثرًا بجراحِه.
حج الإمامُ سعود بن عبد العزيز الحَجَّة الخامِسةَ برعاياه من جميعِ النواحي ودخل مكَّةَ واعتمر وحَجَّ ونصل قصر الشمالي المعروف في البياضة وأقام فيه, والشريف غالب يزورُه كُلَّ وقتٍ وهو لسعود بمنزلةِ أحدِ نوَّابه وأمرائه الذين في نجدٍ بالسَّمعِ والطاعة, وفشا الأمرُ بالمعروف والنهيُ عن المنكر في مكةَ، فلا يُشرَبُ التنباك في الأسواق، وأمر سعود أن يُجعَلَ في أسواقها مَن يأمرُ بالصلاةِ إذا دخل وقتُها, وبذل سعود لغالبٍ هدايا وتحفًا جزيلةً وأعطاه غالِبٌ مِثلَ ذلك, ثم ارتحل الإمامُ منها إلى وطنِه، وبعث إلى المدينة مرابِطةً مِن جميع نواحي نجدٍ بدَلَ المرابِطة الذين فيها في القلعة، وهذه عادته في الثغور يجعلُهم فيها سَنةً ثمَّ يستبدل بهم غيرَهم؛ ليرجعوا إلى أهاليهم. ولم يحُجَّ في هذه السنة أحدٌ من أهل الشام ومصر والعراق والمغرب وغيرهم إلَّا شِرذمةٌ من أهل المغرب حجُّوا بأمانٍ وسلامٍ.
بعد أن تنازل المَلِكُ فاروق مجبَرًا عن الملك لابنِه ولي العهد أحمد فؤاد الثاني، لم يكن للملك الجديد أيُّ عمل؛ إذ كان ما يزال طفلًا تحت الوصاية، وكان الأمر والنهي كله بيد قادةِ ثورة يوليو الضبَّاط الأحرار الذين أجبروا أباه على التنازُلِ، وفي 6 شوال / 18 حزيران أصدر مجلِسُ قيادة الثورة قرارًا بإلغاء النظام الملكي وإعلان النظامِ الجمهوري بمصر، وبعد أن عدَّد القرارُ سلبياتِ الأسرةِ الحاكمة من خيانةٍ وعبوديةٍ وعدم احترام للدستور، إلى غير ذلك، أعلن البيان الموقَّع من مجلس قيادة الثورة الجمهورية تولي اللواء محمد نجيب قائدِ الثورة رئاسةَ الجمهورية مع احتفاظه بسُلُطاتِه في ظِلِّ الدستور المؤقَّت الصادر في 10 شباط 1953م، ويستمِرُّ هذا النظام طوالَ فترة الانتقال، ويكونُ للشَّعبِ تحديدِ نوعِ الجمهورية، واختيار الرئيس عند إقرار الدستور الجديد.
تغيَّب عن هذه القِمة (غير العادية) كلٌّ من مصرَ ولِيبيا، وشاركت فيها 19 دولةً عربيةً، اعترَفَت ضِمنيًّا -ولأوَّلِ مرَّةٍ- بحقِّ إسرائيلَ في الوُجود. وصدَر عنه بيانٌ خِتامي تضمَّن مجموعةً مِن القرارات؛ أهمُّها:
- إقرارُ مَشروع السلامِ العربيِّ مع إسرائيلَ، وأهمُّ ما تضمَّنه: انسحابُ إسرائيلَ من جميع الأراضي العربيةِ التي احتلَّتها عام 1967م، وإزالةُ المستعمراتِ الإسرائيليةِ في الأراضي التي احتُلَّت بعد عام 1967م، وقيامُ الدولة الفِلَسطينية المستقِلةِ وعاصِمَتُها القدسُ، وتأكيدُ حقِّ الشعب الفِلَسطيني في تَقريرِ مَصيره، وتعويضُ مَن لا يَرغَبُ بالعودةِ.
- الإدانةُ الشديدةُ للعُدوان الإسرائيلي على الشعبينِ اللُّبناني والفِلَسطيني.
- بخُصوص الحربِ العراقيةِ الإيرانيةِ، دعا المؤتمرُ إلى ضَرورة التزامِ الطرفينِ لِقَرارات مجلسِ الأمن، وأعلَنَ أنَّ أيَّ اعتداء على أيِّ قُطْرٍ عربيٍّ اعتداءٌ على البلاد العربية جميعًا.
- مُساندة الصومالِ في مُواجهة وإخراج القوةِ الأثيويبيةِ مِن أراضيها.