عاد جلال الدين بن خوارزم شاه من كرمان، إلى تفليس، وسار منها إلى مدينة آني، وهي للكرج، وبها إيواني مقدَّم عساكر الكرج فيمن بقي معه من أعيان الكرج، فحصره وسيَّرَ طائفةً مِن العسكر إلى مدينة قرس، وهي للكرج أيضًا، وكلاهما من أحصَنِ البلاد وأمنَعِها، فنازلهما وحصَرَهما، وقاتل من بهما، ونصَبَ عليهما المجانيقَ، وجدَّ في القتال على مدينتي آني وقرس، وبالغ الكرج في حفظِهما والاحتياطِ لهما لخوفِهم منه أن يفعَلَ بهما ما فعل بأشياعِهم مِن قبلُ بمدينة تفليس، وأقام عليهما إلى أن مضى بعضُ شوال، ثم ترك العسكَرَ عليهم يحصرونَهم وعاد إلى تفليس، وسار من تفليس مجدًّا إلى بلاد أبخاز وبقايا الكرج، فأوقعَ بمن فيها، فنهب وقتل وسبى، وخرَّب البلادَ وأحرقها، وغَنِمَ عساكرُه ما فيها، وعاد منها إلى تفليس، أما خلاط فإنَّ جلال الدين عاد من مدينة آني إلى تفليس ودخل بلاد أبخاز، وكان رحيلُه مكيدةً؛ لأنَّه بلغه أن النائِبَ عن الملك الأشرف، وهو الحاجب حسام الدين علي بمدينة خلاط، قد احتاط واهتم بالأمر وحفظ البلد لقُربِه منه، فعاد إلى تفليس ليطمَئِنَّ أهل خلاط ويتركوا الاحتياطَ والاستظهارَ ثم َّيقصِدَهم بغتة؛ وسار مجدًّا فوصل الخبَرُ إليهم قبل وصوله بيومين، ووصل جلالُ الدين فنازل مدينة ملازكرد يوم السبت ثالث عشر ذي القعدة، ثم رحل عنها؛ فنازل مدينة خلاط يوم الاثنين خامس عشر ذي القعدة، فلم ينزل حتى زحف إليها، وقاتل أهلها قتالًا شديدًا، فوصل عسكرُه سور البلد، وقُتِلَ بينهم قتلٌ كثير، ثم زحف إليها مرة ثانية، وقاتل أهل البلد قتالًا عظيمًا، فعَظُمت نكايةُ العسكر في أهل خلاط، ووصلوا إلى سور البلد، ودخلوا الربضَ الذي له، ومدوا أيديَهم في النهب وسبي الحريم، فلمَّا رأى أهل خلاط ذلك تذامروا، وحَرَّضَ بعضهم بعضًا، فعادوا إلى العسكَرِ فقاتلوهم فأخرجوهم من البلد، وقُتِل بينهم خلق كثير، وأسر العسكرُ الخوارزمي من أمراء خلاط جماعةً، وقُتِلَ منهم كثيرٌ، ثمَّ إن جلال الدين استراح عدَّة أيام، وعاود الزحفَ مثل أول يوم، فقاتلوه حتى أبعدوا عسكره عن البلد، ثم أقام عليها إلى أن اشتَدَّ البرد، ونزل شيءٌ من الثلج، فرحل عنها يوم الثلاثاء لسبعٍ بَقِين من ذي الحجة من السنة، وكان سببُ رحيله مع خوف الثلج ما بلغه عن التركمان الإيوانية من الفسادِ ببلاده.
هو الشيخُ العلامة أبو عبد الله عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله بن ناصر بن حمد آل سعدي، من بني تميم. وُلِدَ في عُنيزة في القصيم في 12 محرم سنة 1307هـ. نشأ الشيخُ يتيمًا؛ فقد توفِّيَت أمُّه وله من العمر أربع سنوات، ثم توفِّيَ والِدُه وهو في السابعة، لكنه نشأ نشأةً صالحة، وقد أثار إعجابَ مَن حوله فاشتهر منذ حداثته بفطنته، وذكائه، ورغبته الشديدةِ في طلب العلم وتحصيله، فحَفِظَ القرآن عن ظهر قلبٍ وعمُرُه أحد عشر عامًا، ثم اشتغل بالعلم على يد علماءِ بلَدِه حتى نال الحظَّ الأوفر من كل فَنٍّ من فنون العلم، ولَمَّا بلغ من العمر ثلاثًا وعشرين سنة جلس للتدريسِ، فكان يَتعلَّمُ ويُعلِّمُ، ، وكان من أحسَنِ الناس تعليمًا وأبلَغِهم تفهيمًا، حصل له من التلاميذ المحصلين عددٌ كثير. كان ذا معرفةٍ فائقة في الفقه وأصوله، وكان أوَّلَ أمره متمسِّكًا بالمذهب الحنبليّ تبعًا لمشايخه، ويحفظ بعضَ متون المذهب. وكان أعظَمُ اشتغاله وانتفاعه بكتُبِ شَيخِ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، وحصل له خيرٌ كثير بسببهما في علم الأصول والتوحيد، والتفسير، وغيرها من العلوم النافعة. وبسبب استنارتِه بكُتُبِ الشيخين المذكورين صار لا يتقيَّدُ بالمذهب الحنبلي، بل يرجِّحُ ما تَرَجَّحَ عنده بالدليل الشرعي، أما مُصنَّفاتـه، فكان ذا عنايةٍ بالغة بالتأليف، فشارك في كثير من فنون العلم، فألَّف في التوحيد، والتفسير، والفقه، والحديث، والأصول، والآداب، وغيرها. وأغلَبُ مؤلَّفاته مطبوعة إلا اليسير منها؛ أشهرها: ((تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان))، طبعت مؤلفاته في مجموع بعنوان ((مجموع مؤلفات الشيخ العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي)) في 27 مجلدًا.
توفي رحمه الله في عُنَيزة بالقصيم بعد عمر دام تسعًا وستين سنة قضاها في التعلُّم والتعليم والتأليف.
أخذ السلطان في تجهيز الغزاة وعيَّن جماعة كبيرة من المماليك السلطانية والأمراء، وقام السلطان في الجهاد أتمَّ قيام، ثم في العشرين من هذا الشهر سارت خيول الأمراء والأعيان من المجاهدين في البر إلى طرابلس، وعِدَّتُها نحو ثلاثمائة فرس؛ لتحمل من طرابلس صحبة غزاتها في البحر، ثم في يوم الخميس تاسع شوال ورد الخبر من طرابلس بنصرة المسلمين على الفرنج، وبينما الناس مستبشرون في غاية ما يكون من السرور والفرح بنصر الله قَدِمَ الخبر في يوم الاثنين الثالث عشر شوال بوصول الغُزاة المذكورين إلى الطينة من مصر، وكان من خبرهم أنهم لما توجهوا من ساحل بولاق إلى دمياط ساروا منه في البحر المالح إلى مدينة طرابلس فطلعوا إليها، فانضم عليهم بها خلائق من المماليك والعساكر الشامية وجماعة كبيرة من المطوعة إلى أن رحلوا عن طرابلس في بضعة وأربعين مركبًا، وفي يوم الجمعة ثاني رجب سار أربعة أمراء إلى الجهاد، وهم تغري بردي المحمودي رأس نوبة، وقد جُعِل مقدَّمَ عسكر البر، والأمير أينال الجكمي أمير مجلس، وجُعِل مقدَّمَ عسكر البحر، والأمير تغري برمش، والأمير مراد خجا، وتبعهم المجاهدون، وتوجهوا في النيل أرسالًا حتى كان آخرهم سفرًا في يوم السبت الحادي عشر، ثم في شهر شعبان في خامسه قدم الخبر بأن طائفة من الغزاة لما ساروا من رشيد إلى الإسكندرية وجدوا في البحر أربع قطع بها الفرنج، وهي قاصدة نحو الثغر، فكتبوا لمن في رشيد من بقيتهم بسرعة لحاقهم، وتراموا هم والفرنج يومهم، وباتوا يتحارسون، واقتتلوا من الغد، فما هو إلا أن قَدِمَت بقية الغزاة من رشيد، فولى الفرنج الأدبار بعدما استُشهد من المسلمين عشرة. وصلت في رجب عساكر المسلمين الماغوصة لغزو قبرص، فنزلوا عليها بأجمعهم، وخيَّموا في برها الغربي، وقد أظهر متملك الماغوصة طاعة السلطان الأشرف برسباي وعرَّفهم تهيؤَ صاحب قبرص واستعداده لقتالهم وحربهم، فاستعدوا وأخذوا حِذْرَهم وباتوا بمخيمهم على الماغوصة، وهي ليلة إحدى وعشرين من شهر رمضان، ولما أصبحوا يوم الاثنين شنُّوا الغارات على ما بغربيِّ قبرص من الضِّياع، ونهبوا وأسروا وقتلوا وأحرقوا وعادوا بغنائم كثيرة، ثم ساروا ليلة الأربعاء يريدون الملاحة، وتركوا في البر أربعمائة من الرجَّالة يسيرون بالقرب منهم إلى أن وصلوا إليها ونهبوها وأسَروا وأحرقوا أيضًا، ثم ركبوا البحر جميعًا وأصبحوا باكر النهار فوافاهم الفرنج في عشرة أغربة -نوع من المراكب- وقرقورة كبيرة، فلم يثبتوا للمسلمين وانهزموا من غير حرب، واستمر المسلمون بساحل الملاحة وقد أرست مراكبهم عليها، وبينما هم فيما هم فيه كرَّت أغربة الفرنج راجعة إليهم، وكان قصد الفرنج بعودهم أن يخرج المسلمون إليهم فيقاتلوهم في وسط البحر، فلما أرست المسلمون على ساحل الملاحة كرَّت الفرنج عليهم، فبرز إليهم المسلمون وقاتلوهم قتالًا شديدًا إلى أن هزمهم الله تعالى، وعادوا بالخِزي، وبات المسلمون ليلة الجمعة الخامس والعشرين من رمضان، فلما كان بُكرة نهار الجمعة أقبل عسكر قبرص وعليهم أخو الملك، ومشى على المسلمين، فقاتله مقدار نصف عسكر المسلمين أشد قتال حتى كسروهم، وانجَلَت المعركة عن وقوع جينوس بن جاك متمَلِّك قبرص في الأسر بأمر من عند الله يُتعَجَّبُ منه؛ لكثرة مَن معه وقوتهم، وقلَّة من لَقِيَه، ووقع في الأسر عدة من فرسانه، فأكثر المسلمون من القتل والأسر، وانهزم بقية الفرنج، ووُجد معهم طائفة من التركمان قد أمدهم بهم علي بك بن قرمان، فقُتِل كثير منهم، واجتمع عساكر البر والبحر من المسلمين في الملاحة في يوم الاثنين ثانيه، وقد تسلم ملك قبرص الأمير تغري بردي المحمودي، وكثرت الغنائم بأيدي الغُزاة، ثم ساروا من الملاحة يوم الخميس خامسه يريدون الأفقسية، مدينة الجزيرة، ودار مملكتها، فأتاهم الخبر في مسيرهم أن أربعة عشر مركبًا للفرنج قد أتت لقتالهم، منها سبعة أغربة -نوع من المراكب- وسبعة مربعة القلاع، فأقبلوا نحوها وغنموا منها مركبًا مربعًا، وقتلوا عدة كثيرة من الفرنج، وتوجه الغزاة إلى الأفقسية وهم يقتلون ويأسِرون ويغنمون، حتى دخلوها، فأخذوا قصر الملك، ونهبوا جانبًا من المدينة، وعادوا إلى الملاحة بعد إقامتهم بالأفقسية يومين وليلة، فأراحوا بالملاحة سبعة أيام، وهم يقيمون شعائر الإسلام, وكان من خبر ذلك أن الغُزاة نازلوا قلعة اللمسون حتى أخذوها عَنوةً في يوم الأربعاء السابع والعشرين شعبان، وهدموها وقتلوا كثيرًا من الفرنج وغنموا، ثم ساروا بعد إقامتهم عليها ستة أيام، في يوم الأحد أول شهر رمضان وقد صاروا فرقتين؛ فرقة في البر، وفرقة في البحر، حتى كانوا فيما بين اللمسون والملاحة، إذا هم بجينوس بن جاك متملك قبرص قد أقبل في جموعِه، فكانت بينه وبين المسلمين حرب شديدة، ثم ركبوا البحر عائدين بالأسرى والغنيمة في يوم الخميس الثاني عشر، وقد بعث أهل الماغوصة يطلبون الأمان، ثم في يوم الاثنين الثالث والعشرين رمضان قدم الخبر في النيل بأخذ جزيرة قبرص وأسْر ملكها، وفي يوم الأحد سابع شهر شوال قَدِمَ الأمير تغري بردي المحمودي والأمير أينال الجكمي -مُقَدَّمَا الغُزاة المجاهدين- بمن معهما من العسكر، وصُحبتهم جينوس بن جاك متملك قبرص، وعاد ومن أسروه وسَبَوه من الفرنج، وما غنموه، وجميعهم في مراكبهم التي غزوا قبرص فيها، فمروا على ساحل بولاق حتى نزلوا بالميدان الكبير، فكان يومًا مشهودًا، ثم طال الكلام فيما يَفدي به نفسه، وطُلِبَ منه خمسمائة ألف دينار، فتقرر الصلح على مائتي ألف دينار، يقوم منها مائة ألف دينار، فإذا عاد إلى مُلكِه بعث بمائة ألف دينار، ويقوم في كل سنة بعشرين ألف دينار، واشترط على السلطان أن يكُفَّ عنه الطائفة البندقية وطائفة الكيتلان.
عندما وصل محمد علي باشا لسُدَّة الحكم في مصر، أخذ في التخلُّص من كل القوى المنافِسة له، حتى تلك التي وقَفَت بجانبه وساعدته في الحصول على هذا المنصِبِ الخطير، مثل العلماء ومشايخ الأزهر، والحامية الألبانية الذي هو واحِدٌ من أفرادها، ولكِنْ كان أقوى خصومِ محمد علي وأشدهم تهديدًا له هم المماليك، ولقد حاول محمد علي التخلصَ منهم عدة مرات، ولكنه فَشِل لكثرتِهم وتخوُّفِهم منه واتِّباعهم لأسلوب الكرِّ والفر، وكان محمد علي داهيةً شديد الذكاء، لا يُبالي بأيِّ وسيلة تحقِّق هدفه؛ لذلك لجأ إلى المكيدة حيث استغَلَّ مناسبة خروج طوسون باشا ولده على رأس حملة كبيرة للقضاءِ على دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب بنجدٍ والحجاز، وأعدَّ وليمةً كبيرة دعا لها قادةَ المماليك وكبراءَهم وفرسانَهم وأبطالهم، وذلك بالقلعة الشهيرة بالقاهرة، وذلك يوم الجمعة الموافق 5 صفر 1226هـ 1 مارس 1811م. ولَمَّا اكتمل دخولهم للقلعة انهال عليهم الرَّصاصُ من كل مكان، فقُتِلوا جميعًا ما عدا أمين بك الذي قفز بفَرَسِه من على سور القلعة فنجا وهرب، ثم انطلق الجنودُ بعد ذلك إلى بيوت المماليك وأحيائِهم يَقتُلون من يجدونَه، وهكذا استطاع محمد علي أن يتخَلَّصَ من المماليك.
مَلَك المَلِكُ العادِلُ أبو بكر بنُ أيوب مدينة دمشقَ مِن ابن أخيه الأفضَلِ عليِّ بن صلاح الدين، وكان أبلَغُ الأسباب في ذلك وثوقَ الأفضل بالعادل، فلما أقام العادِلُ عند العزيز بمصر استمالَه، وقَرَّرَ معه أنَّه يخرج معه إلى دمشقَ ويأخُذُها من أخيه ويُسَلِّمُها إليه، فسار معه من مصرَ إلى دمشق، وحَصَروها، واستمالوا أميرًا من أمراءِ الأفضَلِ يقال له العزيزُ بن أبي غالب الحمصي، فسَلَّمَ إليه بابًا من أبواب دمشقَ يُعرَفُ بالباب الشرقي ليحفَظَه، فمال إلى العزيزِ والعادل، ووعَدَهما أنه يفتَحُ لهما الباب، ويُدخِل العسكر منه إلى البلدِ غِيلةً، ففتحه اليوم السابع والعشرين من رجب وقتَ العصر، وأدخَلَ المَلِك العادِلَ منه ومعه جماعةٌ من أصحابه، فلم يشعُرِ الأفضَلُ إلَّا وعَمُّه معه في دمشق، ورَكِبَ الملك العزيز ووقف بالميدان الأخضَرِ غربيَّ دمشق، ثمَّ أرسلا إلى الأفضَلِ وأمَراه بمفارقةِ القلعة وتسليمِ البلد على قاعدةِ أن تُعطى قلعة صرخد له، ويُسَلَّم جميع أعمال دمشق، فخرج الأفضَلُ ونزل في جوسق بظاهر البلد، غربيَّ دمشق، وتسلَّم العزيزُ القلعة ودخلها، وأقام بها أيامًا، ثمَّ لم يزل به عَمُّه العادل حتى سَلَّمَ البلد إليه، وخرج منه، وعاد إلى مصر، وسار الأفضَلُ إلى صرخد، وكان العادِلُ يَذكُرُ أنَّ الأفضَلَ سعى في قَتلِه؛ فلهذا أخذ البلد منه، وكان الأفضَلُ يُنكِرُ ذلك ويتبرَّأُ منه، وقيل: بل كان سبَبُ ذلك سوء تدبير وزير الأفضَلِ ضياء الدين بن الأثير الجزري، الذي هرب بعد إخراجِ الأفضَلِ مِن دمشق، وقيل: إن العزيز استناب عمَّه العادِلَ على دمشق وبَقِيَت الخطبة له والسكَّة باسمِه.
بعد أن أتم السلطانُ محمد الفاتح فتحَ القسطنطينية، أراد التوجُّهَ إلى بلاد المورة فأرسل مَلِكُها وفدًا يعرضُ على السلطانِ دفع جزيةٍ سنوية مقدارُها اثنا عشر ألف دوك ذهبي، كما صالح أمير الصربِ مقابل جزية سنوية قدرها ثمانون ألف دوك ذهبي، ثم دخل السلطان إلى بلاد الصرب وحاصر بلغراد، ودافع عنها المجريون، ولم يتمكن العثمانيون من فتحها.
وُلِد الشَّيخُ محمَّد علي الصابوني عام 1930 بمدينة حلب، وتعلَّم على يد والِدِه الشَّيخ جميل الصَّابوني أحَدِ عُلَماءِ حَلَب، ودرَس علومَ اللُّغةِ والدِّينِ على يَدِ شُيوخِ المدينةِ؛ مِثلُ محمد سعيد الإدلبي، ومحمد راغب الطبَّاخ. التحق بثانويَّةِ حَلَب الشرعيَّة (الخسروية)؛ حيث درَسَ علومَ التفسير والحديثِ والِفقهِ، والعلومَ الطبيعيَّةَ، وتخرج منها عام ١٣٦٨هـ الموافق 1949م، ثمَّ أكمل دراستَه في الأزهَرِ على نفقَتِها؛ حيث نال شهادةَ كُلِّيَّة الشَّريعة عام ١٣٧١هـ الموافق 1952م، وحصل على درجة التخَصُّص "العالِمية" في القضاءِ الشَّرعيِّ عام ١٣٧٣هـ الموافق 1954م.
بعد أن أنهى دراستَه في الأزهَرِ عاد الشَّيخ إلى سوريا وعَمِلَ أستاذًا لمادَّةِ الثَّقافةِ الإسلاميَّةِ في ثانويات حَلَب، وبَقِيَ في مهنةِ التدريسِ حتى عام ١٣٨٢هـ الموافق 1962م. بعد ذلك انتُدِبَ إلى المملكةِ العَرَبيَّةِ السُّعوديَّةِ لكي يعمَلَ أستاذًا مُعارًا من قِبَل وزارةِ التربيةِ والتعليمِ السُّوريَّةِ، وذلك للتدريسِ بكُلِّيَّةِ الشَّريعةِ والدِّراساتِ الإسلاميَّةِ، وكليَّةِ التربيةِ بالجامعةِ بمكَّةَ المكَرَّمة، فقام بالتدريسِ قُرابةَ ثلاثين عامًا. قامت بعدها جامعةُ أُمِّ القرى بتعيينِه باحثًا عِلْميًّا في مركَزِ البحثِ العِلميِّ وإحياءِ التراثِ الإسلاميِّ، ثم عَمِلَ بعد ذلك في رابطةِ العالمِ الإسلاميِّ كمستشارٍ في هيئةِ الإعجازِ العِلميِّ في القرآنِ والسُّنَّةِ، ومكث فيها عِدَّةَ سَنَواتٍ.
كان له دَرسٌ يوميٌّ في المسجِدِ الحرامِ بمكَّةَ المكرَّمةِ، ودرسٌ أُسبوعيٌّ في التفسيرِ في أحَدِ مَساجِدِ مدينةِ جُدَّة وبرنامج تفسيرِ القُرآنِ الكريمِ في التلفزيونِ السعوديِّ.
تولَّى رئاسةَ رابِطةِ العُلَماءِ السُّوريِّين، وله العديدُ من الكُتُبِ، أبرَزُها "صفوة التفاسير" و "مختَصَر تفسير ابن كثير"، و "مختَصَر تفسير الطَّبري"، و"التبيان في علوم القرآن"، و "روائع البيان في تفسير آيات الأحكام"، و "قبس من نور القرآن". تُوفِّيَ -رحمه الله- في تركيا عن عمر تجاوز الـ 90 عامًا.
في صَفر سار عبدُ المؤمنِ بنُ عليٍّ عن مراكش، يَطلُب إفريقية، فلم يَزَل يَسيرُ إلى أن وَصلَ إلى مَدينةِ تونس في الرابع والعشرين من جُمادَى الآخرة، وبها صاحِبُها أحمدُ بن خُراسان، فلمَّا نازَلَها أَرسلَ إلى أَهلِها يَدعوهُم إلى طاعَتِه، فامتَنَعوا، فقاتَلَهم من الغَدِ أَشَدَّ قِتالٍ، فلم يَبقَ إلا أَخْذُها، ودُخولُ الأُسطولِ إليها، فجاءَت رِيحٌ عاصِفٌ مَنَعَت المُوَحِّدِين من دُخولِ البلدِ، فرَجَعوا لِيُباكِرُوا القِتالَ ويَملِكوهُ، فلمَّا جَنَّ اللَّيلُ نَزَلَ سبعة عشر رَجُلًا من أَعيانِ أَهلِها إلى عبدِ المؤمن يَسأَلونَه الأَمانَ لأَهلِ بَلدِهِم، فأَجابَهم إلى الأَمانِ لهم في أَنفُسِهم وأَهلِيهِم وأَموالِهم لِمُبادَرَتِهم إلى الطَّاعةِ، وأمَّا ما عَداهُم من أَهلِ البلدِ فيُؤَمِّنُهم في أَنفُسِهم وأَهالِيهِم، ويُقاسِمُهم على أَموالِهم وأَملاكِهم نِصفَين، وأن يَخرُج صاحِبُ البلدِ هو وأَهلُه؛ فاستَقَرَّ ذلك، وتَسَلَّم البلدَ، وعَرَضَ الإسلامَ على مَن بها من اليَهودِ والنَّصارَى، فمَن أَسلَم سَلِمَ، ومَن امتَنَعَ قُتِلَ، وأَقامَ أَهلُ تونس بها بأُجرَةٍ تُؤخَذ عن نِصفِ مَساكِنِهم.
في هذه السَّنَة فسَدَ الحالُ بين محمد بن أبي الساج وإسحاق بن كنداج- من كبار قادةِ الأتراك في عهد المُعتَمِد- وكانا متَّفِقَين في الجزيرة، وسببُ ذلك أنَّ ابن أبي الساج نافَرَ إسحاق في الأعمالِ، وأراد التقدُّمَ، وامتنع عليه إسحاقُ، فأرسل ابن أبي الساج إلى خِمارَوَيه بن أحمد بن طولون، صاحِبِ مصر، وأطاعه وصار معه وخطَبَ له بأعمالِه، وهي قِنَّسرين، وسيَّرَ ولده ديوداد إلى خِمارَوَيه رهينةً، فأرسل إليه خمارويه مالًا جزيلًا له ولِقُوَّاده، وسار خمارَوَيه إلى الشام، فاجتمع هو وابنُ أبي الساج ببالس، وعبَرَ ابن أبي الساج الفراتَ إلى الرقَّة، فلقيه ابن كنداج، وجرت بينهما حربٌ انهزم فيها ابن كنداج، واستولى ابن أبي الساج على ما كان لابنِ كنداج، وعبَرَ خمارويه الفراتَ ونزل الرافقة، ومضى إسحاقُ مُنهزِمًا إلى قلعة ماردين، فحصره ابنُ أبي الساج، وسار عنها إلى سنجار، فأوقع بقومٍ من الأعراب، وسار ابن كنداج من ماردين نحو الموصِل، فلقيه ابنُ أبي الساج ببرقعيد، فكَمَن كمينًا فخرجوا على ابن كنداج وقتَ القتال، فانهزم عنها وعاد إلى ماردين فكان فيها، وقَوِيَ ابنُ أبي الساج وظهر أمرُه، واستولى على الجزيرةِ والموصل، وخطَبَ لخِمارَوَيه فيها ثمَّ لنَفسِه بعدَه.
سار الملك الكامل محمد بن الملك العادل، صاحب مصر, فوصل إلى بيت المقدس, ثم سار عنه، وتولى بمدينة نابلس، وشحن على تلك البلاد جميعها، وكانت من أعمال دمشق، فلما سمع صاحبها، وهو ابن الملك المعظم، خاف أن يقصده ويأخذ دمشق منه، فأرسل إلى عمه الملك الأشرف يطلبه ليحضر عنده بدمشق، فسار إليه جريدة، فدخل دمشق، فلما سمع الكامل بذلك لم يتقدم لعِلمِه أن البلد منيع، وقد صار به من يمنعه ويحميه، وأرسل إليه الملك الأشرف يستعطفه، ويعرفه أنه ما جاء إلى دمشق إلا طاعة له، وموافقة لأغراضه، والاتفاق معه على منع الفرنج عن البلاد، فأعاد الكامل الجواب يقول: إنني ما جئت إلى هذه البلاد إلا بسبب الفرنج، وحيث قد حضرتَ أنت فأنا أعود إلى مصر، واحفظ أنت البلاد، ولستُ بالذي يقال عني إني قاتلت أخي، وحصرته، حاشا لله تعالى، وتأخر عن نابلس نحو الديار المصرية، ونزل تل العجول، فخاف الأشرف والناس قاطبة بالشام، وعلموا أنه إن عاد استولى الفرنجُ على بيت المقدس وغيره مما يجاوره، لا مانع دونه، فترددت الرسل وسار الأشرف بنفسه إلى الكامل أخيه، فحضر عنده، وكان وصوله ليلة عيد الأضحى، ومنعه من العود إلى مصر، فأقام بمكانِه.
طلَب إبراهيمُ بن محمَّد بن عَلِيِّ بن عبدِ الله بن عَبَّاس مِن أبي مُسلِم أن يَحضُر إليه إلى مَكَّة لِيَعلَم منه أَخبارَ الدَّعوة، فجاءَه كِتابٌ منه أن يَرجِع إلى خُراسان ويُعلِن بالدَّعوة بعد أن كانت سِرِّيَّة، فأَظهَر أبو مُسلِم الدَّعوة وطلَب مِن سُليمان بن كَثير أن يُصلِّي بالنَّاس العيد، فأَرسَل إليهم نَصرُ بن سِيار قُوَّةً؛ ولكنَّ جُندَ أبي مُسلِم كانوا قد اسْتولَوا على هَراة، وكُشِفَ أمرُ إبراهيمَ مِن الرَّسائل وكان يُقيمُ بالحميمية فقُبِضَ عليه وسُجِن.
وقعت غزوة الحمر بين النصارى والقائد عبد الواحد بن طلحة العروسي على مقربةٍ من آصيلا، وانتصر فيها النصارى على المسلمين, واستُشهد فيها الشيخ أبو الحسن علي بن عثمان الشاوي. كان رحمه الله لما انهزم الناسُ استقبل النصارى وسيفُه في يدِه، فكان ذلك آخِرَ العهد به، ولما رجع الناسُ من الغد ليحملوا قتلاهم لم يوقَفْ لأبي الحسن على عينٍ ولا أثر، وإنما وُجد غنباز من لباسِه عند النصارى وفيه أثَرُ طعنة في صدره- الغنباز عند أهل المغرب: لباسٌ غليظ يستر العنُق.
هو الفقيه العلامة الإمام محدث الديار المصرية أبو عبد الله محمد بن عبد الباقي بن يوسف الأزهري، المالكي الناسك النحرير الشهير بالزرقاني نسبة إلى زرقان من قرى المنوفية، المصري الأزهري خاتِمة الحفاظ والمحدِّثين. ولد سنة 1055. كان شغوفًا بالعلم والعلماء منذ صِغَر سنه. أخذ عن والده وعن النور علي الشبراملسي. له مصنفات منها: شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك، ومختصر المقاصد الحسنة في بيان الأحاديث المشتهرة على الألسنة، والأسئلة المحيرة حول الدنيا والآخرة، وغيرها.
هاجم أميرُ الرياض دهام العماريةَ المواليةَ للدرعية وقتل أميرَها عبد الله بن علي وعقر إبِلَه، فلما بلغ ذلك الإمام محمد بن سعود جمع أهل الدرعية وعرقة، وأراد أن يرصد عودة جيش دهام من العمارية ويكمن له، وكان دهام بن دواس قد كمن في الموضعِ نفسه فالتقى الفريقان واقتتلوا قتالًا شديدًا انهزم فيه دهام، وجَدَّ أهل الدرعية في إثرِه ولكنهم فُوجئوا بخروج فرقة لابن دواس من جهة العمارية، فوقع القتل وانكسر جيشُ الدرعية.
وُلِدَت عامَ 1958 في القيروانَ، بتونُسَ، وهي مهندسةٌ ودكتورةٌ متخَصِّصةٌ في علومِ الجُيُولوجيا، وسياسيَّةٌ تونُسيَّةٌ. عَمِلت في وَزارةِ التربيةِ عام 2011.
وأصبحت مديرةً عامَّةً للجودةِ في وزارةِ التعليمِ العالي والبَحثِ العِلميِّ، ثمَّ في عام 2015 شَغلَت منصِبَ مُديرِ المشروعِ في مكتَبِ الوزيرِ سليم شورى. ثمَّ شَغلَت منصِبَ رئيسِ وَحدةِ الإدارةِ حَسَبَ الأهدافِ لتنفيذِ مشروعِ إصلاحِ التَّعليمِ العالي.
عيَّنها الرَّئيسُ التُّونُسيُّ قيسُبنُ سعيدٍ رئيسةً للحُكومةِ التُّونسيَّةِ؛ مَّما جعلها أوَّلَ امرأةٍ تتولَّى منصِبَ رئاسةِ الحكومةِ في الوَطَنِ العربيِّ.