هو الإمامُ العلَّامة الشيخُ عبد العزيز بن الشيخ الإمام حمد بن ناصر بن عثمان بن معمر من آل معمر أهل العُيَينة، وهم من بين سعد بن زيد مناة بن تميم، وُلِدَ في الدرعية مركزِ الحركة العلمية في ذلك الحين سنة 1203هـ ونشأ في وسط العلماء العاملين الذين كانت تزخَرُ بهم الدرعيةُ ونجد في ذلك الزمنِ، فكان من شيوخِه والِدُه الشيخ حمد بن ناصر بن معمر، والشيخ الإمام عبد الله ابن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، والشيخ العلامة المؤرخ أبو بكر حسين بن غنام، والشيخ أحمد بن حسين بن رشيد بن عفالق الحنبلي نزيل الدرعية، وغيرهم من العلماء، فمَهَر في جميعِ العلوم والفنون فصار عالِمًا محَقِّقًا وفقيهًا متبحرًا، له اليد الطولى والباع الواسع في التصنيف والتأليف ونشْر العلم وتخريجِ الكثير من الطلاب، والرَّد على المعارضين، وله عِدَّةُ مصَنَّفات وفتاوى ورسائل وأشعار، ومن أشهر مصنَّفاتِه وأجَلِّها الكتابُ المسمى: منحة القريب العجيب في الرد على عُبَّاد الصليب، ومن مصنَّفاته أيضًا: اختصار نظم ابن عبد القوي للمُقنِع. أخذ عنه العلم وانتفع به كثيرٌ من العلماء، وفي زمَنِه جرى على الديار النجدية والدولةِ السعودية ما جرى من التقتيل والتخريبِ، فدُمِّرَت الدرعية وتشَتَّت علماؤها وقادةُ الدعوة الذين كانوا بها؛ أخرجهم إبراهيم باشا من أوطانِهم ونفاهم إلى مِصرَ، وفر الشيخُ عبد العزيز بن معمر من الدرعية إلى البحرين، وكان لا يزال شابًّا في العقد الثالث من عمرِه، فأقام بها ولم تنقَطِعْ صلته بآل الشيخ الذين نُقِلوا إلى مصرَ، فكان يكاتب الشيخ عبد الرحمن بن حسن بأشعارٍ يتوجَّعُ فيها على ما حَلَّ بنجدٍ مِن الدمار والخراب. أرسل شيخُ البحرين عبد الله بن خليفة عليه شُبهةً كتَبَها قسيس نصراني إنجليزي عجز عن الردِّ عليها علماءُ البحرين والأحساء، فتناوله الشيخ عبد العزيز وأمعن النظرَ فيه وقال: تأخذونَ مني دحض هذه الشبهةِ بعد شهر إن شاء الله تعالى، فلبث شهرًا وأتمَّ الردَّ وبعث به إلى الأميرِ وفَرحَ به أشَدَّ الفَرَحِ، ودُعِيَ القسيس الإنكليزي وأعطاه الردَّ، فلما طالعه عَجِبَ له واندهش جدًّا لِما كان يظنه من عجز ِعلماء البحرين، وقال: هذا الرد لا يكونُ مِن هنا وإنما يكون من البحر النجدي، فقال له الأمير: نعم، إنه أحَدُ طلبة العلم النجديين. أقام الشيخ عبد العزيز في البحرين حتى توفِّيَ فيها.
ارتعدت فرائِصُ الأمم الأوروبية النصرانيةِ من الخطر الإسلاميِّ العظيم الذي هدَّد القارة الأوروبية؛ من جرَّاءِ تدفُّق الجيوش العثمانية برًّا وبحرًا, وعندما احتلَّ الأسطول العثماني بقيادة علي باشا قبرص بقرارٍ من السلطان سليم الثاني, أخذ البابا بيوس الخامس يسعى من جديدٍ لجمع شمل البلاد الأوروبية المختلفة، وتوحيد قواها برًّا وبحرًا في تحالف صليبي تحت راية البابوية، اختير لقيادة قوة هذا التحالف (دون خوان) النمساوي، وهو أخٌ غير شقيق للملك فيليب الثاني، سار (دون خوان) إلى البحر الأدرياتيك، حتى وصل إلى الجزء الضيق من خليج كورنث بالقرب من باتراس، وليس ببعيد عن ليبانتو اليونانية، والذي أعطى اسمها للمعركة، ونظَّم علي باشا قواتِه فوضع سفُنَه على نسق واحد من الشمال إلى الجنوب، بحيث كانت ميمنتُها تستند إلى مرفأ ليبانتو، ومسيرتُها في عُرض البحر، وقد قسَّمها علي باشا إلى جناحين وقلب, فكان هو في القلب, وشيروكو في الجناح الأيمن، وبقي الجناح الأيسر بقيادة قلج علي، ومقابل ذلك نظَّمَ دون خوان قواتِه، فوضع سفنه على نسق يقابل النسق الإسلامي، ووضع جناحه الأيمن بقيادة دوريا مقابل قلج علي، وأسند قيادة جناحه الأيسر إلى بربريجو مقابل شيروكو، وجعل (دون) نفسَه لقيادة القلب، وترك أسطولًا احتياطيًّا بقيادة سانت كروز. احتدمت المعركة في 17 جمادي الأولى من هذه السنة, أحاط الأسطول الإسلامي بالأسطول الأوروبي وأوغل العثمانيون بين سفن العدو، ودارت معركة قاسية أظهر فيها الفريقان بطولةً كبيرة وشجاعة نادرة، وشاءت إرادة الله هزيمة المسلمين، ففقدوا ثلاثين ألف مقاتل، وقيل عشرين ألفًا، وخسروا 200 سفينة حربية، منها 93 غرقت، والباقي غنمه العدو وتقاسمته الأساطيل النصرانية المتحدة، وأُسِرَ لهم عشرة آلاف رجل! واستطاع قلج علي إنقاذ سفنه، واستطاع كذلك المحافظة على بعض السفن التي غَنِمَها، ومن بينها السفينة التي تحمل علم البابا، رجع بها إستانبول التي استقبلته استقبال الفاتحين، رغم الشعور بمرارة الهزيمة, وكان لهذه الهزيمة أثرُها الكبير في تراجع الهيمنة العثمانية على غرب البحر المتوسط، ونهاية التمدد العثماني في شرق ووسط أوروبا, ومن أسباب هذه الهزيمة الكارثية على الدولة العثمانية قرارُ سليم الثاني بفتح قبرص، فلم يكن صائبًا؛ لأن قبرص لم تكن مزعجةً للدولة العثمانية، بينما ترتب على فتحها قيامُ هذا التحالف الصليبي الذي أدى إلى هزيمة الدولة في هذه المعركة, فضلًا عن أن قائد الأسطول العثماني علي باشا لم يكن على مستوى قيادة معركة بهذا الحجم، الذي شكله التحالف النصراني, وفي المقابل احتفلت القارة الأوربية بنصر ليبانتو؛ فلأول مرة منذ قرون تحلُّ الهزيمة بالعثمانيين!
بلنسية مدينة شهيرة بالأندلس، تقع شرقيَّ مدينتي تدمير، وقرطبة، وتتَّصِلُ بزمام إقليم مدينة تدمير. وفي بلنسية تأسَّست مملكة إسلامية عام 401 (1010م) على يدِ اثنين من موالي المنصور بن عامر ووقعت بلنسية في القرون التالية تحت سيطرة حكام ملوك الطوائف. ثمَّ المرابطين، ثم الموحدين، إلى أن سقطت في أيدي الفرنجة سنة 636 (1238م) بعد سقوط قرطبة. وفي يوم الجمعة 27 صفر سنة 636 (9 أكتوبر 1238م) دخل خايمي ملك أراجون بلنسية ومعه زوجته وأكابر الأحبار والأشراف والفرسان، بعد أن قام بحصارِ مدينة بلنسية التي تعتبر كبرى قواعد شرقي الأندلس، فاستولى عليها الإفرنج الأسبان بعد هذا الحصارِ، وكان أميرُها أبو جميل زيان بن سعد بن مردنيش يرسِلُ إلى أبي زكريا يحيى الحفصي صاحبِ تونسَ وفدًا برئاسة كاتبه عبد الله بن الأبار القضاعي يستنجِدُه ويطلُبُ عَونَه، فلم تغن هذه الاستغاثة شيئًا، ويذكر أن البابا غريغوار التاسع قد أسبغ على هذا الاستيلاء صفةَ الحرب الصليبية، ورفع علم أراجون على المدينة المنكوبة، وحُوِّلت المساجد إلى كنائس، وطُمِسَت قبور المسلمين، وقضى المَلِك عدةَ أيام يقسم دور المدينة وأموالها بين رجاله وقادته ورجال الكنيسة, وهكذا سقطت بلنسية في أيدي نصارى الأسبان بعد أن حكَمَها المسلمون أكثر من 5 قرون.
جرت معركةٌ حاميةُ الوطيس في بلدةِ بسل الواقعة بين الطائفِ وتربة بين قواتِ محمد علي باشا والقوات السعودية بقيادة فيصل بن سعود, وذلك أنَّ فيصلَ بن سعود لَمَّا قدم إلى الحجاز ليتولى قيادةَ جموع المسلمين نزل تربة واستنفر رعايا دولتِهم في الحجازِ، فقَدِمَ طامي بن شعيب في أهل عسير وألمع وزهران وغامد في عشرين ألفًا، فلما أقبلوا على تربة وأرسلوا إلى فيصل يخبرونه بقدومِهم خرج فيصل من تربة ومعه عشرةُ آلاف مقاتل فاجتمعوا بالقربِ مِن بئر غزال قريب من تربة، ثم رحلوا منه إلى بسل حيث الرومُ (قوات محمد علي) قد اجتمعوا بعددِهم وعُدَّتهم، فنازلهم فيصل بجموعِه، ووقع بينهم قتالٌ وطِراد، وقُتلَ من الرومِ عددٌ كثير, ثمَّ في اليوم التالي قَدِم محمد علي بعساكِرَ كثيرة، ووقع قتال بين الفئتين، فثبت فيصل ومن معه ووقع كسرٌ في ناحية غامد وزهران، ثم في قوم طامي وغيرهم، واتصلت الكسرة على جموع المسلمين لا يلوي أحدٌ على أحد، ووقى الله شَرَّ القتل وكفَّ أيدي الروم عنهم وعن ساقتِهم, ولم يُقتَل إلا أقل القليل، وبعدها زحَفَت هذه القواتُ واحتلت تربة ورنية التي أصبحت فيما بعد معسكرًا عامًّا لقوات الروم, ثم رحل محمد علي إلى بيشة ونازل أكلب، وأطاعوا له، ثم سار إلى تبالة فضربها بالمدافِعِ والقنابر وقتلَ أمير الفزع و100 رجلٍ ممن معه.
بعَث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم سَرِيَّةَ غالبِ بنِ عبدِ الله اللَّيثيِّ، إلى بني عُوَالٍ وبني عبدِ بنِ ثَعلبةَ بالمَيْفَعَةِ، وقِيلَ إلى الحُرَقَاتِ مِن جُهَيْنَةَ في مائةٍ وثلاثين رجلًا؛ فهجَموا عليهم جميعًا، وقتَلوا مَن أَشرفَ لهم، واسْتاقوا نَعَمًا وشَاءً، وفي هذه السَّرِيَّةِ قَتَلَ أُسامةُ بنُ زيدٍ نَهِيكَ بن مِرْدَاسٍ بعدَ أن قال: لا إلَه إلَّا الله. فلمَّا قَدِموا وأُخْبِرَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، كَبُرَ عليه وقال: (أَقَتلتَهُ بعدَ ما قال: لا إلَه إلَّا الله؟!). فقال: إنَّما قالها مُتَعَوِّذًا قال: (فَهَلَّا شَققتَ عن قَلبِه فتَعلمُ أَصادِقٌ هو أم كاذبٌ؟).
هي زينبُ بنتُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وأَكبرُ أَخواتِها، تَزوَّجَها في حياةِ أمِّها ابنُ خالتِها أبو العاصِ بنُ الرَّبيعِ، فوَلدتْ له أُمامَةَ التي تَزوَّجَ بها عليُّ بنُ أبي طالبٍ بعدَ فاطمةَ، ووَلدتْ له عليَّ بنَ أبي العاصِ، أَسلمتْ زَينبُ وهاجرتْ قبلَ إسلامِ زَوجِها بسِتِّ سنين، قالت أمُّ عَطيَّةَ: لمَّا ماتتْ زَينبُ بنتُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قال لنا رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «اغْسِلْنَها وِترًا ثلاثًا، أو خمسًا، واجْعَلْنَ في الخامسةِ كافورًا، أو شيئًا مِن كافورٍ، فإذا غَسَّلْتُنَّها، فأَعْلِمْنَني». قالت: فأَعلَمْناهُ، فأعطانا حِقْوَهُ وقال «أَشْعِرْنَها إيَّاهُ».
أبو محمَّدٍ طَلحةُ بن عُبيدِ الله بن عُثمانَ بن عَمرِو بن كعبِ بن سعدِ بن تَيْمِ بن مُرَّةَ بن كعبِ بن لُؤَيٍّ، أُمُّهُ: الصَّعْبَةُ بنتُ الحَضرميِّ، أُختُ العَلاءِ، أَسلمَت وأَسلَم طَلحةُ قديمًا، هو أحدُ العشرةِ المُبَشَّرين بالجنَّةِ، مِن السَّابقين الأوَّلين إلى الإسلامِ، دَعاهُ أبو بكرٍ الصِّدِّيقُ إلى الإسلامِ، آخَى رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم بين طَلحةَ وبين أبي أيُّوبَ الأنصاريِّ، أَبْلَى يومَ أُحُدٍ بَلاءًا عظيمًا، ووَقَى رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم بِنَفْسهِ فاتَّقَى طَلحةُ بيَدِه عن وَجْهِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم فأصاب خِنْصَره فَشُلَّتْ، فقال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: (أَوْجَبَ طَلحةُ). وفيه قال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: (هذا ممَّن قَضى نَحْبَهُ). وقال أيضًا: (مَن سَرَّهُ أن يَنظُرَ إلى رجلٍ يَمشي على الأرضِ قد قَضى نَحْبَهُ فَلْيَنظُرْ إلى طَلحةَ). قُتل يوم الجمل فلمَّا وجَدَهُ عَلِيٌّ بعدَ المعركةِ في القَتْلَى أَجْلَسَهُ ومسَح التُّرابَ عن وَجهِه وقال: عَزيزٌ عَلَيَّ أن أراك مُجَدَّلًا تحت نُجومِ السَّماءِ أبا محمَّدٍ. ثمَّ بكى عَلِيٌّ وقال: وَدِدْتُ أنِّي مِتُّ قبلَ هذا بعشرين سَنةً.
قال ابنُ عبَّاسٍ رضِي الله عنهما: قَدِمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأصحابُه مكَّةَ، وقد وَهَنَتْهُم حُمَّى يَثْرِبَ، قال المشركون: إنَّه يَقدُمُ عليكم غَدًا قومٌ قد وَهَنَتْهُم الحُمَّى، ولَقوا منها شِدَّةً، فجلسوا ممَّا يَلِي الحِجْرَ، وأَمرَهُم النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أن يَرمُلوا ثلاثةَ أَشواطٍ، ويَمشوا ما بين الرُّكنَينِ، لِيَرى المشركون جَلَدَهُم، فقال المشركون: هؤلاء الذين زَعمْتُم أنَّ الحُمَّى قد وَهَنَتْهُم، هؤلاء أَجلدُ مِن كذا وكذا. قال ابنُ عبَّاسٍ: ولم يَمنعْهُ أن يَأمُرَهُم أن يَرمُلوا الأشواطَ كُلَّها إلَّا الإبْقاءُ عليهم. وفي هذه العُمرَةِ تَزوَّجَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بمَيمونَةَ بنتِ الحارثِ رضي الله عنها.
بعَث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أبا قَتادةَ بنَ رِبْعِيٍّ رضي الله عنه في سَرِيَّةٍ إلى خَضِرَة؛ وذلك لأنَّ بني غَطَفَانَ كانوا يَحْتَشِدون في خَضِرَة -وهي أرضُ مُحَارِبٍ بِنَجْدٍ- فبعَثهُ صلى الله عليه وسلم في خمسةَ عشرَ رجلًا، فقَتَلَ منهم، وسَبَى وغَنِمَ، وكانت غَيبتُه خمسَ عشرةَ ليلةً.
كانت عَصماءُ بِنتُ مَرْوانَ مِن بني أُمَيَّةَ بنِ زَيدٍ، زَوجةُ يَزيدَ بنِ زَيدِ بنِ حِصنٍ الخَطْميِّ، تَعيبُ الإسلامَ وتُؤذي رسولَ اللَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وتُحرِّضُ عليه.
وكانت تَطرَحُ المَحايِضَ في مسجِدِ بني خَطْمةَ؛ فأهدَرَ رسولُ اللَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم دَمَها، فنَذَر عُمَيرُ بنُ عَديٍّ لئن رَجَعَ رسولُ اللَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من بَدرٍ إلى المدينة ليَقتُلَنَّها، وقد فعل رضي الله عنه وأرضاه.
فلمَّا رَجَع عُميرٌ وَجَد بَنيها في جماعةٍ يَدفِنونَها. فقالوا: يا عُمَيرُ، أنتَ قَتَلْتَها؟ قال: "نَعَم، فكيدوني جَميعًا ثم لا تُنظِرونِ، فَوَالَّذي نَفسي بيَدِه لو قلتُم بأجمَعِكُم ما قالَت لضَرَبتُكُم بسَيفي هذا حتَّى أموتَ أو أقتُلَكُم". فيومَئذٍ ظَهَر الإسلامُ في بني خَطْمةَ، وكان يَستخفي بإسلامِه فيهم مَن أسلَمَ، فكان أولُ مَن أسلَمَ مِن بني خَطْمةَ عُمَيرَ بنَ عَديٍّ، وهو الذي يُدعَى القارِئَ.
ظهر بمصر إنسانٌ يكنى أبا روحٍ، واسمه سكن، وكان من أصحاب ابن الصوفي، واجتمع له جماعةٌ، فقطع الطريق، وأخاف السبيلَ، فوَجَّه إليه ابن طولون جيشًا, فوقف أبو روحٍ في أرض كثيرةِ الشقوق، وقد كان بها قمحٌ فحُصِد، وبقي مِن تبنه على الأرضِ ما يستُرُ الشقوق، وقد ألِفُوا المشي على مثل هذه الأرضِ، فلما جاءهم الجيش لقوهم، ثم انهزم أصحابُ أبي روح، فتبعهم عسكرُ ابن طولون، فوقعت حوافِرُ خيولهم في تلك الشُّقوق، فسقط كثيرٌ مِن فرسانها عنها، وتراجع أصحابُ أبي روح عليهم، فقتلوهم شرَّ قِتلةٍ، وانهزم الباقون أسوأَ هزيمة، فسيَّرَ ابن طولون جيشًا إلى طريقِهم إلى الواحات، وجيشًا في طلبِ أبي روح، فلقيه الجيشُ الذي في طلبه وقد تحصَّنَ في مثل تلك الأرض، فحَذِرَها عسكرُ ابن طولون، فحين بطَلَت حِيَلُهم انهزموا وتَبِعَهم العسكر، فلما خرجوا إلى طريقِ الواحات رأى أبو روح الطريقَ قد مُلِكَت عليه، فراسل يطلُبُ الأمان، فبُذِلَ له، وبَطَلت الحربُ، وكُفِيَ المسلمونَ شَرَّه.
دَعا البابا أوربان الثاني إلى حَربٍ صَليبيَّةٍ ضِدَّ المسلمين واستَجابَ أُمراءُ أوربا لهذا النِّداءِ فأَوقَفوا الحُروبَ بينهم وأَعَدُّوا حَملَةً صَليبيَّةً مُنَظَّمَةً اشتَركَ فيها الدوق جودفري بويون أَميرُ مُقاطَعَةِ اللورين السُّفلَى، وأَخوهُ بودوان، وريمون أَميرُ تولوز، وبروفانس وبوهمند النورماندي أَميرُ تارانت، وابنُ أُختِه تانكرد، وروبير أَميرُ نورماندي وهو ابنُ وليم الفاتح، وصِهرُه اتيان أَميرُ مُقاطَعةِ بلوا وشارتر، وبَدَأوا بالمَسيرِ من مَدينةِ كولونيا إلى بِلادِ البَلقان. ونُفوسُهم تَسمُوا للوُصولِ للشامِ ثم بَيتِ المَقدِس مَسجِدِ أَنبِيائِهِم ومَطلَعِ دِينِهم، فتَتابَعوا إليه نِهايةَ القَرنِ الخامس الهِجريِّ، وتَواثَبوا على أَمصارِ الشامِ وحُصونِه وسَواحِلِه. ويُقال: "إنَّ المُستَنصِرَ العُبيديَّ هو الذي دَعاهُم لذلك وحَرَّضَهم عليه لِمَا رَجَى فيه مِن اشتِغالِ مُلوكِ السَّلجوقيَّةِ بأَمرِهِم، وإقامَتِهم سَدًّا بينه وبينهم عندما سَمَوا إلى مُلْكِ الشامِ ومصر" وقد ذَكَرَ السيوطيُّ في تاريخِ الخُلفاءِ: "أن صاحِبَ مصر لمَّا رأى قُوَّةَ السَّلجوقيَّةِ واستِيلائِهِم على الشامِ كاتَبَ الفِرنجَ يَدعوهُم إلى المَجيءِ إلى الشامِ لِيَملكُوها، وكَثُرَ النَّفيرُ على الفِرنجِ مِن كُلِّ جِهَةٍ"
أرسل هشامُ بن عبدالرحمن الداخل بالصائفة جيشًا كثيفًا واستعمَلَ عليهم وزيرَه عبدالملك بن عبدالواحد بن مُغيث، فبلغ ألبةَ والقلاعَ، وأثخن في نواحيها، ثم بعَثَه في العساكِرِ، فوصلوا إلى أربونة وجرندة، وكان البدءُ بجرندة، وكان بها حامية الفرنج، فقَتَل رجالَها وهَدَّم أسوارَها بالمجانيقِ، وأبراجَها، وأشرَفَ على فَتحِها، فرحل عنها إلى أربونة، ففعل بها مثلَ ذلك، وأوغلَ في بلادهم ووطئَ أرض برطانية فاستباح حريمَها وقتل مُقاتِلَتَها، وجاس البلادَ شهرًا يحرِقُ الحُصون ويَسبي ويَغنَم، وقد أجفل العدُوُّ من بين يديه هاربًا، وأوغلَ في بلادهم ورجع سالِمًا ومعه من الغنائمِ ما لا يعلَمُه إلا الله تعالى. وهي من أشهَرِ مغازي المسلمين بالأندلس. حيث بلغ فيه خُمسُ السبيِ إلى خمسةٍ وأربعين ألفًا من الذَّهَب العين، وكان قد استمَدَّ الطاغية بالبشكنس وجيرانه من الملوك، فهزمهم عبدالملك ثم بعث بالعساكرِ مع عبد الكريم بن عبد الواحد إلى بلاد جليقة، فأثخنوا في بلاد العدوِّ وغَنِموا ورجَعوا.
فتح السُّلطانُ مسعود بن محمود بن سبكتكين قلعةَ سرستي وما جاورها من بلاد الهندِ، وكان سبَبُ ذلك عصيانَ نائِبِه بالهند أحمد ينالتكين عليه ومَسيره إليه، فلمَّا عاد أحمد إلى طاعتِه أقام بتلك البلادِ طويلًا حتى أَمِنَت واستقَرَّت، وقصد قلعةَ سرستي، وهي مِن أمنَعِ حُصون الهند وأحصَنِها، فحَصَرها، وقد كان أبوه حَصَرها غيرَ مَرَّة، فلم يتهيَّأْ له فتحُها، فلمَّا حَصَرها مسعود راسلَه صاحِبُها، وبذل له مالًا على الصُّلحِ، فأجابه إلى ذلك وكان فيها قومٌ من التجَّار المسلمين، فعَزَم صاحِبُها على أخذِ أموالهم وحَمْلها إلى مسعودٍ من جملة القرارِ عليه، فكتب التجَّار رقعةً في نشابة ورموا إليه يُعَرِّفونه فيها ضَعفَ الهنود بها، وأنَّه إن صابَرَهم مَلَكَهم، فرجع عن الصُّلحِ إلى الحَربِ، وطَمَّ خَندقَها بالشَّجَر وقَصَبِ السكر وغيره، وفتح اللهُ عليه، وقَتَل كلَّ من فيها، وسبى ذراريَّهم، وأخذ ما جاورها من البلادِ، وكان عازمًا على طولِ المقامِ والجهاد، فأتاه من خراسان خبَرُ اجتياح الغز التركمان بلادَه، فعاد إلى غزنة.
هو الشيخُ المحَدِّث الكبير، أشرف علي التهانوي بن عبد الحق بن الحافظ فيض علي، صاحِبُ التصانيف النافعة المفيدة، وُلِدَ صباح الخامس من شهر ربيع الثاني سنة 1280هـ / 10 سبتمبر 1863م، في إحدى قرى الهند وهي قرية (تهانه بهون)، وترعرع في بيئة علمية، وكان منذ نعومة أظفاره مكبًّا على العلم والعلماء، بعيدًا عن اللهو. ويعتبر أشرفُ علي التهانوي أحد كبار مشيخة ديوبند، تخرَّج عليه خلقٌ كثيرون، وعلماء أمثال: الشيخ المفتي محمد شفيع المفتي الأكبر بباكستان، والعلامة السيد سليمان الندوي، والمحدِّث ظفر أحمد التهانوي، والشيخ محمد إدريس الكاندهلوي، والشيخ عبد الباري الندوي. مات رحمه الله في النصف الأول من ليلة الأربعاء، 16 رجب، وصلَّى عليه ابن أخته العلَّامة المحدث الشيخ ظفر أحمد العثماني التهانوي، ودُفِنَ في المقبرة التي وقَفَها الشيخ بنفسه لدفنِ موتى المسلمين.