هو الإمامُ الكبيرُ، شَيخُ المَشرِق، سيِّدُ الحُفَّاظ، أبو يعقوب: إسحاق بن إبراهيم بن مَخلَد الحنظلي التيميُّ المروزي، المعروف بابنِ راهَوَيه، ولد بمرو عام 161هـ كان مِن أهل مرو، وسكن نيسابور، أحدُ الأئمَّة الحُفَّاظ، شيخ البخاريِّ وأحمد ومسلم وغيرهم، فكُلُّهم روى عنه، قال الحسن بن عبد الصمد: سمعتُ إسحاقَ بن إبراهيم يقول: أحفَظُ سبعينَ ألف حديثٍ كأنَّها نُصبَ عيني. اجتمع فيه الحديثُ والفِقهُ، والحِفظُ والدِّينُ والوَرَعُ، ولإسحاقَ تصانيفُ، وكان صاحِبَ فقهٍ كالإمام أحمد، وله مسائل مشهورة، قال إسحاقُ: قال لي عبدُ الله بن طاهر أميرُ خراسان: لمَ قيلَ لك: ابنُ راهَوَيه؟ وما معنى هذا، وهل تكرهُ أن يقال لك هذا؟ قلتُ: اعلَمْ- أيُّها الأميرُ- أنَّ أبي وُلِدَ في الطريقِ، فقالت المراوزة: راهَوَيه؛ لأنَّه وُلِدَ في الطريق، وكان أبي يكرهُ هذا، وأمَّا أنا فلستُ أكرهُ ذلك.
كان غزوُ العاصِ بنِ الإمام عبدِ الله الغَزاةَ المعروفةَ بغَزوةِ رية وفريرة. قاد الخيلَ أحمدُ بنُ محمد بن أبي عبدة. وفصَلَ يوم الخميس لتسعٍ بَقِينَ مِن شعبان؛ فتقدَّمَ إلى بلدة فحاربَها. ثم احتلَّ على نهر طلجيرة، فدارت بينه وبين أصحاب ابن حفصون حربٌ، عُقِرَت فيها خيلُ السُّلطان، وقُتِلَ عددٌ مِن أصحابِ ابنِ حفصون. ثمَّ تقدَّمَ إلى حصون إلبيرة؛ فنزل على حصنِ شبيلش، فكانت هنالك حربٌ شديدةٌ، ونالت بعضَ حُماةِ العَسكرِ جِراحٌ. وتجوَّلَ في كورة إلبيرة، وحلَّ بمحلة بجانة، ثمَّ قفل على كورة جيان، فنازل حِصنَ المنتلون يوم الأربعاء للَيلتين بَقِيتا من ذي القَعدة، فأقام عليه محاصِرًا أيامًا ثمَّ ضحَّى فيه يومَ الأحد، وقفل يومَ الاثنين لإحدى عشرة ليلة خلَت من ذي الحِجة، ودخل قُرطبةَ يومَ الأربعاء، لأربعَ عَشرةَ ليلةً خَلَت من ذي الحِجَّة.
كان وجود الأشراف في المغرب قديمًا, لكن لم يتسنَّ لهم تسلم القيادة إلا في هذه الفترة التي مثَّل الشرفاء فيها سلالة السعديين، والتي جاءت من الجزيرة العربية أواخر القرن الثامن الهجري، وأول من وصل العرش منهم هو محمد المهدي القائم بأمر الله بن عبد الرحمن بن علي، وهو الذي أخرج الوطاسيين نهائيًّا من فاس، ومن جهة أخرى لم تنقطع الهجمات الصليبية من البرتغال والأسبان على السواحل، ومع ذلك استطاع السعديون الحسنيون أن ينشروا نفوذهم في جميع أنحاء المغرب مانعين العثمانيين من مدِّ نفوذهم إليها، ثم إن أمر الأسرة بدأ يضمحل، وخاصة بعد وفاة أحمد العباس بن عبد الملك سنة 1064هـ وكان هناك فرع آخر في المغرب من الأسرة نفسها أعلن دعواه في العرش، ثم إن ولدي محمد الثاني بن محمد الشريف، وهما الرشيد وأبو النصر إسماعيل، أنقذا المغرب من الفوضى وأعاد ثانيهما على الأخص سلطة الشرفاء إلى جميع البلاد بعد أن قضى على سلطات الحكام الصغار وعلى تمردات البربر.
وقع سِبابٌ بين سليمان بن عبد الله الصميط من سبيعٍ، ومِن أهلِ حرمة وبين عبد الرحمن بن مبارك بن راشد، رئيس أهل حرمة، فوثب رجلٌ من آل راشد فقتَلَ سليمانَ، فكمن رجلٌ من الصميط لناصر بن راشد أمير الزبير فقتَلَه، وحصل مجاولات بين الفريقين، انضَمَّ إلى آل راشد آلُ زهير، ثم وقع الصلح بينهم واجتمعوا له وحضره العُلَماء والرؤساء والمشايخ، وكتبوا بينهم سِجِلًّا أودعوا فيه شيئًا عظيمًا من المواثيق، وشَهِدَ عليه 28 من المشايخ والعلماء والرؤساء، ثمَّ إن آل زهير وآل رشيد نقضوا الصُّلحَ وتآمروا على قَتلِ جاسر بن فوزان الصميط وهو يومئذٍ رئيسُ القوم، فتفرق قومُه في الكويت وقَدِمَ إلى الزبير أميرًا عليها علي بن يوسف بن زهير وصار له فيها قُوَّةٌ وشُهرةٌ، وتعاظَمَ أمرُه إلى أن هلك في الوباء الذي أصاب الزبير ونواحيَه، ثم صار هلاكُ آل زهير على يدِ أعوانهم آل راشد!
هو الشيخُ المحَدِّث الكبير، أشرف علي التهانوي بن عبد الحق بن الحافظ فيض علي، صاحِبُ التصانيف النافعة المفيدة، وُلِدَ صباح الخامس من شهر ربيع الثاني سنة 1280هـ / 10 سبتمبر 1863م، في إحدى قرى الهند وهي قرية (تهانه بهون)، وترعرع في بيئة علمية، وكان منذ نعومة أظفاره مكبًّا على العلم والعلماء، بعيدًا عن اللهو. ويعتبر أشرفُ علي التهانوي أحد كبار مشيخة ديوبند، تخرَّج عليه خلقٌ كثيرون، وعلماء أمثال: الشيخ المفتي محمد شفيع المفتي الأكبر بباكستان، والعلامة السيد سليمان الندوي، والمحدِّث ظفر أحمد التهانوي، والشيخ محمد إدريس الكاندهلوي، والشيخ عبد الباري الندوي. مات رحمه الله في النصف الأول من ليلة الأربعاء، 16 رجب، وصلَّى عليه ابن أخته العلَّامة المحدث الشيخ ظفر أحمد العثماني التهانوي، ودُفِنَ في المقبرة التي وقَفَها الشيخ بنفسه لدفنِ موتى المسلمين.
محمَّد عمارةَ مُصطفى عمارة، وُلِد عام 1350هـ / 1931م، وكان عضوًا في مَجمَعِ البحوثِ الإسلامية بالأزهَر، وعضْوَ هَيئةِ كِبار عُلماء الأزهر، وعضْوَ المجلِسِ الأعلى للشُّؤون الإسلاميةِ بمِصر، ورَئيسَ تَحرير مجلَّة الأزهرِ.
كان ماركسيًّا، ثم هَداهُ الله فأصبَح مِن الكُتَّاب الإسلاميِّينَ، ولكنَّه كان يَخلِطُ في كِتاباتِه بين الفِكر الاعتزاليِّ العَقْلاني والمنهجِ السَّلَفي، وله انتقاداتٌ جيِّدة على العَلْمانيِّين حتى أصبَح شَوكةً في حُلوقِهم.
له عشَراتُ المؤلَّفات؛ منها: (التفسير الماركسيُّ للإسلام)، و(نَهضتنا الحديثة بين العلْمانية والإسلام)، و(الإسلام والتعدُّدية)، و(جمال الدين الأفغانيُّ مُوقِظ الشرق وفَيلسوف الإسلام)، و(نقْض كتاب الإسلام وأُصول الحكم)، و(خطَر العَولمةِ على الهويَّة الثقافية)، و(المواجَهة بين الإسلام والعَلْمانية)، و(تهافُت العَلمانية)، و(التشيُّع الفارسيُّ المعاصر - خَفايا المؤامرة). كما حقَّق مجموعةً من الأعمال الكاملة لعددٍ من الكُتاب؛ منهم: رِفاعة الطَّهطاوي، وجمال الدِّين الأفغاني، ومحمد عبْده، وعبد الرحمن الكَواكبي، وقاسم أمين.
لَمَّا كان مِن أمرِ دُخولِ الرُّومِ وبُلوغِ الخبر إلى بغداد، وتجهَّزت العامَّةُ للغَزاةِ، وقعت بينهم فتنةٌ شديدة بين الروافض وأهل السُّنة، وأحرق أهلُ السُّنَّة دُورَ الرَّوافِضِ في الكرخ، وقالوا: الشَّرُّ كُلُّه منكم، وثار العيَّارون ببغداد يأخذون أموالَ النَّاسِ، وتناقَضَ النَّقيبُ أبو أحمد الموسوي والوزيرُ أبو الفضل الشيرازي، وأرسل بختيار عزُّ الدولة بن معز الدولة إلى الخليفةِ المُطيع لله يطلُبُ منه أموالًا يستعين بها على هذه الغزوةِ، فبعث إليه الخليفةُ يقول: لو كان الخراجُ يجيء إلي لدَفَعتُ منه ما يحتاج المُسلِمونَ إليه، ولكن أنت تصرِفُ منه في وُجوهِ ليس بالمُسلمينَ إليها ضرورةٌ، وأمَّا أنا فليس عندي شيءٌ أُرسِلُه إليك, فتردَّدَت الرُّسُلُ بينهم وأغلَظَ بختيار للخليفةِ في الكلامِ وتهَدَّده، فاحتاج الخليفةُ أن يحَصِّلَ له شيئًا فباع بعضَ ثيابِ بَدَنِه وشيئًا مِن أثاث بيته، ونقضَ بعضَ سُقوفِ داره وحصَلَ له أربعمائة ألف درهم فصَرَفَها بختيار في مصالحِ نَفسِه، وأبطل تلك الغزاةَ، فنَقِمَ الناس للخليفةِ وساءهم ما فعَلَ به ابنُ بُوَيه الرافضيُّ مِن أخْذِه مالَ الخليفةِ وتَرْكِ الجِهاد.
حضر قَومٌ مِن مُسلِمي المدائِنِ إلى بغداد، فشَكَوا من يهودِها، وقالوا: لنا مسجِدٌ نؤذِّنُ فيه ونصَلِّي، وهو مجاورُ الكنيسة، فقال لنا اليهودُ: قد آذيتُمونا بكثرةِ الأذان، فقال المؤذِّنُ: ما نبالي بذلك، فاختَصَموا، وكانت فتنةٌ استظهر فيها اليهودُ، فجاء المسلمون يشكونَ منهم، فأمَرَ ابنُ العطار، وهو صاحِبُ المخزن، بحَبسِهم، ثم أُخرِجوا، فقصدوا جامِعَ القصر، واستغاثوا قبلَ صلاةِ الجُمعةِ، فخَفَّف الخطيبُ الخُطبةَ والصلاة، فعادوا يستغيثونَ، فأتاهم جماعةٌ مِن الجند ومَنَعوهم، فلمَّا رأى العامَّةُ ما فعل بهم غَضِبوا نصرةً للإسلام، فاستغاثوا، وقالوا أشياءَ قبيحة، وقلعوا طوابيقَ الجامع، ورَجَموا الجندَ فهَرَبوا، ثم قصَدَ العامَّةُ دكاكين المخَلِّطين، لأنَّ أكثَرَهم يهود، فنَهَبوها، وأراد حاجِبُ الباب منعهم، فرجموه فهَرَب منهم، وانقلَب البلد وخَرَّبوا الكنيسة التي عند دار البساسيري، وأحرقوا التوراةَ فاختفى اليهود، وأمر الخليفة أن تُنقَضَ الكنيسةُ التي بالمدائن وتُجعَلَ مَسجِدًا ونُصِبَ بالرحبةِ أخشابٌ ليُصلَبَ عليها قومٌ من المفسدين، فظَنَّها العامةُ نُصِبَت تخويفًا لهم لأجلِ ما فعلوا، فعَلَّقوا عليها في الليلِ جِرذانًا ميتةً، وفي الصباح أُخرِجَ جماعةٌ مِن الحبسِ لُصوصٌ فصُلِبوا عليها.
توقَّفت الثَّورةُ الجزائريةُ الكبرى -التي اندلعت في جميعِ أرجاء الجزائر ثم انتقلت لأرض فرنسا نفسِها- بعد اتِّفاق الجزائريِّين والفرنسيِّين في مفاوضاتٍ سابقة على وقفِ إطلاق النار، وتشكيل حكومةٍ جزائرية مؤقَّتة؛ فأعلنت فرنسا عن قَبولها للمفاوضات، وعيَّنَ المجلسُ الوطني الجزائري العقيدَ هواري بومدين قائدًا عامًّا لجيش التحرير، ثم أعلنت الحكومةُ الجزائريةُ والفرنسيةُ في 25 ذي القعدة 1380هـ / 10 أيار 1961م الشُّروعَ في محادثات إيفيان، وكانت فرنسا تماطِلُ بل وتتوقف من أجلِ موضوع الصحراء إلى أن اعترفت أخيرًا بحقِّ الجزائريين في الصحراء، وتمَّ الاتفاقُ على وقف إطلاق النار، وأن تتولى شؤونَ الجزائر هيئةٌ مؤقتة تتألَّفُ من اثني عشر عُضوًا، وفي محرم 1382هـ / تموز 1962م جرى الاستفتاءُ على استقلال الجزائر، فكانت النتيجةُ 97.3% لصالح الاستقلال، فأُعلِنَ استقلالُ الجزائر في 3 صفر 1382هـ / 5 تموز، وقامت الدولةُ الجزائرية، ووُضِع الدستورُ وأقرَّه المجلس، وبموجِبِه انتُخِبَ أحمد بن بلة رئيسًا للدولة، الذي أعلن القوانينَ الاشتراكية، ومن الناحية السياسية الدولية بَقِيَت فرنسا صاحبةَ النفوذ الفعلي رغم الخلافِ معها.
عمِلَت الثورة اللِّيبيةُ على إقامة اتِّحاد الجُمهوريات العربيَّة المتحِدة الذي تألَّف مِن مصرَ وسُوريا ولِيبيا، وكانت طرابلسُ مَقرَّ المباحثاتِ التي دارت لإقامةِ هذا الاتِّحاد، ووُقِّع الميثاقُ في بَنغازي ووُقِّع بعدها الاتِّفاقُ على الوَحدةِ الاندماجيةِ مع مصرَ، وتمَّ حلُّ هذا الاتِّحادِ في آذار 1977 مع بِداية المفاوَضات بين الساداتِ وإسرائيلَ، وقد عانى الاتِّحاد مُنذ خُطواته الأولى من الكثيرِ من المشاكلِ الناشئة عن تَوالي الأحداثِ في المنطقةِ العربيَّة، وفي دُوَل الاتِّحاد ذاتِها، وكان أبرَزَها الخلافاتُ الدَّائمة بين دُولِ الاتِّحاد، ثم الحربُ العربيَّة الإسرائيليَّة في تِشرين الأوَّل عام 1973، كما جاءت رُدود فِعلِ الحكومة العراقيةِ بسَبب الإعلانِ عن الاتِّحاد دونَ تَوجيهِ الدعوةِ لها بالانضمامِ إليه؛ كونَها أحدَ الأطرافِ الرئيسة التي لها دَورٌ أساسيٌّ في العملِ العربي المشترَكِ، ولأنَّ العراقَ قد طرَح مشروعًا بديلًا لذلك الاتِّحاد، هو مَشروعُ الوَحدةِ المقاتِلة عام 1972، موجِّهًا الدعوةَ لكلٍّ مِن سورية ومصرَ بالانسحابِ من اتِّحاد الجُمهوريات العربيَّة المتحِدةِ، والانضمامِ إلى مَشروعه الجديدِ؛ لكونِه يلبِّي طُموحات المرحلة، والقَبولِ بمَشروعه كبديلٍ إستراتيجيٍّ لمواجهة الأخطارِ التي كانت تُواجِه الأمة العربيَّةَ، ولكن مَشروع العراقِ لم يَلْقَ الاستجابةَ من مِصرَ وسُورية.
كان هذا الحِصارُ في هذه المَرَّةِ بقِيادَة فَضالَةَ بن عُبيدٍ الأنصاريِّ، وعلى الأُسْطولِ البَحريِّ عبدُ الله بن قيسٍ الحارثيُّ، وجُنادةُ بن أبي أُمَيَّة، وأمَّا أسطولُ الشَّام فكان بإمْرَةِ يَزيدَ بن شَجَرَة الرُّهاويِّ، ودام هذا الحِصارُ إلى عام 57 هـ، احْتَلُّوا فيها عِدَّةَ جُزُرٍ قريبة كأَرْواد وكزيكوس، واتُّخِذَت قَواعِد عَسكريَّة, ولم تَسْتطِعْ هذه الحَمْلةُ الثَّانية اقْتِحامَ القُسطنطينيَّة بسببِ مَناعَةِ أسوارِها، وما كان يُطْلِقُهُ البِيزَنطيُّون على سُفُنِ الأُسْطولِ الإسلاميِّ مِن نِيران، فانْتَهى الأمرُ بعَقْدِ صُلْحٍ بين المسلمين والبيزَنْطيِّين.
طلَب إبراهيمُ بن محمَّد بن عَلِيِّ بن عبدِ الله بن عَبَّاس مِن أبي مُسلِم أن يَحضُر إليه إلى مَكَّة لِيَعلَم منه أَخبارَ الدَّعوة، فجاءَه كِتابٌ منه أن يَرجِع إلى خُراسان ويُعلِن بالدَّعوة بعد أن كانت سِرِّيَّة، فأَظهَر أبو مُسلِم الدَّعوة وطلَب مِن سُليمان بن كَثير أن يُصلِّي بالنَّاس العيد، فأَرسَل إليهم نَصرُ بن سِيار قُوَّةً؛ ولكنَّ جُندَ أبي مُسلِم كانوا قد اسْتولَوا على هَراة، وكُشِفَ أمرُ إبراهيمَ مِن الرَّسائل وكان يُقيمُ بالحميمية فقُبِضَ عليه وسُجِن.
هو العلَّامة، فقيهُ العراق أبو عبد الله محمد بن الحسن بن فرقد الشَّيباني ولاءً، أصلُه من الغوطة، صاحِبُ أبي حنيفة، ولد سنة 131هـ بواسط, نشأ في الكوفة فسَمِعَ من أبي حنيفة، وأخذ عنه طريقتَه، لم يجالِسْه طويلًا لوفاة أبي حنيفة، فأتمَّ الطريقةَ على أبي يوسف، رحل إلى المدينةِ وأخذ عن الإمامِ مالكٍ، واتَّصل بالشافعيِّ، وكان بينهما مناظراتٌ معروفةٌ، تولى القضاءَ للرَّشيدِ ثمَّ اعتزل القضاءَ وتفَرَّغ لتعليمِ الفِقه، كانت وفاتُه في الريِّ، وكان يومَها مع الرشيد.
تجهَّزَ لذريق ملك الفرنج بالأندلس، وجمعَ جموعَه ليسيرَ إلى مدينة طرطوشة ليحصرَها، فبلغ ذلك الحكَمَ بنَ هشامٍ صاحِبَ الأندلس، فجمع العساكِرَ وسيَّرَها مع ولده عبد الرحمن، فاجتمعوا في جيشٍ عظيمٍ، وتَبِعَهم كثيرٌ من المتطَوِّعة، فساروا فلَقُوا الفرنج في أطرافِ بلادهم قبل أن ينالوا من بلادِ المسلمينَ شيئًا، فاقتتلوا وبذلَ كُلٌّ من الطائفتين جُهدَه، واستنفَدَ وُسعَه، فأنزل الله تعالى نَصرَه على المسلمين، فانهزم الكُفَّارُ، وكثُرَ القتلُ فيهم، والأسْرُ، ونُهِبَت أموالُهم وأثقالُهم، وعاد المسلمونَ ظافرينَ غانِمينَ.
غزا عمرُو بنُ عبد الله الأقطَع الصائفةَ، فأخرج سبعةَ عشرَ ألف رأس، وغزا قريباس، وأخرج خمسةَ آلافِ رأس، وغزا الفضلُ بن قارن بحرًا في عشرينَ مركبًا، فافتتح حِصنَ أنطاكية، وغزا بلكاجور، فغَنِمَ وسَبَى، وغزا عليُّ بن يحيى الأرمني، فأخرج خمسةَ آلافِ رأس، ومن الدوابِّ والرمك والحمير، ونحوًا من عشرةِ آلاف رأس، وفيها كان الفداءُ على يدِ عليِّ بنِ يحيى الأرمني، ففُودِيَ بألفين وثلاثمائة وسبعة وستين نفسًا.