هو الأمير ألوغ بك بن القان معين الدين شاه رخ، ابن الطاغية تيمورلنك كوركان بن أيتمش قنلغ بن زنكي بن سنيا بن طارم بن طغريل بن قليج بن سنقور بن كنجك بن طغر سبوقا بن التاخان، المغولي الأصل، من طائفة جغتاي، وقيل: اسمه تيمور على اسم جدِّه، وقيل: محمد. صاحب سمرقند، فريد دهره ووحيد عصره في العلوم العقلية، والهيئة، والهندسة، طوسي زمانه، وهو حنفيُّ المذهب. ولد في حدود 790، ونشأ في أيام جدِّه، وتزوج في أيامه, ولما مات جدُّه تيمور وآل الأمر إلى أبيه شاه رخ ولَّاه سمرقند وأعمالها فحكمها نيِّفًا وثلاثين سنة، وعمل بها رصدًا عظيمًا انتهى به إلى سنة وفاته، وقد جمع لهذا الرَّصد علماء هذا الفنِّ من سائر الأقطار، وأغدق عليهم الأموالَ، وأجرى لهم الرواتبَ الكثيرة، حتى رحل إليه علماء الهيئة والهندسة من البلاد البعيدة، وهُرِعَ إليه كل صاحب فضيلة، وهو مع هذا يتلفت إلى من يسمع به من العلماء في الأقطار، ويُرسِلُ يطلب من سمِعَ به. هذا مع علمه الغزير وفضله الجمِّ واطلاعه الكبير وباعه الواسعِ في هذه العلوم، مع مشاركةٍ جيدة إلى الغاية في فقه الحنفية، والأصلين، والمعاني، والبيان، والعربية، والتاريخ، وأيام الناس. قيل: إنه سأل بعض حواشيه: ما تقول الناس عنِّي؟ وألحَّ عليه، فقال: يقولون: إنك ما تحفظ القرآنَ الكريم، فدخل من وقته وحَفِظَه في أقل من ستة أشهر حفظًا مُتقَنًا. وكان أسنَّ أولاد أبيه، واستمَرَّ بسمرقند إلى أن خرج عن طاعتِه ولدُه عبد اللطيف، وسببه أنه لما ملك ألوغ بك هراة طَمِعَ ابنه عبد اللطيف أن يوليَه هراة فلم يفعل، وولَّاه بلخ، ولم يعطِه من مال جدِّه شاه رخ شيئًا. وكان ألوغ بك هذا مع فضله وغزير علمِه مسيكًا كوالده لا يصرف المال إلا بحقه، فسأمَتْه أمراؤه لذلك، وكاتبوا ولده عبد اللطيف في الخروج عن طاعتِه، وكان في نفسه ذلك، فانتهز الفرصة وخرج عن الطَّاعة، وبلغ أباه الخبر فتجرَّد لقتاله، والتقى معه، وفي ظنِّه أن ولده لا يثبُت لقتالِه، فلما التقى الفريقان وتقابلا هرب جماعة من أمراء ألوغ بك إلى ابنه، فانكسر ألوغ بك وهرب على وجهه، وملك ولدُه سمرقند، وجلس على كرسي والده أشهرًا ثم بدا لألوغ بك العود إلى سمرقند، ويكون المُلك لولدِه، ويكون هو كآحاد الناس، واستأذن ولدَه في ذلك فأذن له، ودخل سمرقند وأقام بها، إلى أن قبض عبد اللطيف على أخيه عبد العزيز وقتله صبرًا في حضرة والده ألوغ بك، فعظم ذلك عليه، فإنَّه كان في طاعته وخدمته حيث سار، ولم يمكِنْه الكلام فاستأذن ولده عبد اللطيف في الحجِّ فأذن له، فخرج قاصدًا للحجّ إلى أن كان عن سمرقند مسافة يوم أو يومين، وقد حذَّر بعض الأمراء ابنَه منه، وحسَّن له قتله، فأرسل إليه بعض أمرائه ليقتُلَه، فدخل عليه مخيَّمه واستحيا أن يقول: جئتُ لقَتْلِك، فسلَّم عليه ثم خرج، ثم دخل ثانيًا وخرج، ثم دخل ففطن ألوغ بك، وقال له: لقد علمتُ بما جئتَ به فافعل ما أمَرَك به، ثم طلب الوضوء وصلَّى، ثم قال: واللهِ لقد علمت أنَّ هلاكي على يد ولدي عبد اللطيف هذا من يومِ وُلِدَ، ولكن أنساني القدر ذلك، والله لا يعيشُ بعدي إلَّا خمسة أشهُرٍ ثم يقتل أشرَّ قِتلةٍ، ثم سلَّم نفسَه فقُتِل، وقُتِلَ ولدُه عبد اللطيف بعد خمسة أشهر!!
تعَذَّرت الأقواتُ بديار مصر، وتزايدت الأسعارُ، وعَظُم الغلاءُ، حتى أكل النَّاسُ الميتاتِ، وأكَلَ بَعضُهم بعضًا، وتَبِعَ ذلك فناءٌ عظيم، وابتدأ الغلاءُ من أول العام، وتمادى الحالُ ثلاث سنين متواليةً، لا يَمُدُّ النيلُ فيها إلا مدًّا يسيرًا، حتى عَدِمَت الأقوات، وخرج من مصرَ عالمٌ كثيرٌ بأهليهم وأولادهم إلى الشام، فماتوا في الطُّرُقاتِ جُوعًا، وشَنع الموتُ في الأغنياء والفقراء، وأُكِلَت الكلابُ بأسرِها، وأُكِلَ من الأطفال خلقٌ كثير، ثم صار الناس يحتالُ بعضُهم على بعض، ويؤخَذُ مَن قَدَر عليه فيُؤكَل، وإذا غَلَب القويُّ ضعيفًا ذبَحَه وأكله، وفُقِدَ كثيرٌ مِن الأطباء لكثرةِ مَن كان يستدعيهم إلى المرضى، فإذا صار الطبيبُ إلى داره ذبَحَه وأكله، وخَلَت مدينة القاهرة ومِصرُ أكثَر أهلها، وصار من يموتُ لا يجِدُ من يواريه، فيصير عِدَّة أشهر حتى يؤكَلَ أو يبلى، واتَّفَق أن النيل توقَّفَ عن الزيادة في سنة ست وتسعين، فخاف النَّاسُ، وقَدِمَ إلى القاهرةِ ومِصرَ من أهل القرى خلقٌ كثير، فإنَّهم لم يجدوا شيئًا من القُوتِ، لا الحبوب ولا الخضروات، وكان الناس قد فَنُوا بحيث بَقِيَ من أهل القرية الذين كانوا خمسمائة نفر، إمَّا نفرانِ أو ثلاثة، فلم تجِدِ الجسورُ من يقوم بها، ولا القُرى من يعمل مصالحُها، وعَدِمَت الأبقار وجافت الطرقاتُ بمصر والقاهرة وقراهما، ثم أكلَت الدودةُ ما زُرِعَ، فلم يوجَدْ مِن التقاوى ولا من العقر ما يمكن به رَدُّه، ولم يبقَ بمصرَ عامِرٌ إلا شَطُّ النيل، وكانت أهل القرى تخرج للحَرثِ فيموتُ الرجلُ وهو ماسِكٌ المحراثَ، ثمَّ وقع في بني عنزة بأرضِ الشراة- بين الحجاز واليمن- وباءٌ عظيمٌ، وكانوا يسكُنونَ في عشرين قرية، فوقعَ الوباء في ثماني عشرة قريةً، فلم يبقَ منهم أحد، وكان الإنسانُ إذا قرب من تلك القرى يموت ساعةَ ما يقاربها، فتحاماها النَّاسُ، وبقيت إبلُهم وأغنامُهم لا مانع لها، وأمَّا القريتان الأخريان فلم يمُتْ فيهما أحد، ولا أحسُّوا بشيءٍ مِمَّا كان فيه أولئك, فسُبحانَ مُقَدِّرِ الأقدارِ!!
هو القارئُ المشهورُ مصطفى محمد المرسى إسماعيل. من روَّاد التلاوة والترتيل للقرآن الكريمِ وكان يطلق عليه (كروان المقرئين)، ولد عام 1905 في محافظة الغربية بمصرَ في قرية ميت غزال، وقرَّر جدُّه إلحاقه بكُتَّاب القرية بمجرَّد أن بلغ الخامسة من عمرِه، واستطاع أن يتمَّ حفظ القرآن الكريم كاملًا وهو في سنِّ الثانية عشرة، درس بعدها القراءاتِ القرآنيةَ حتى أجادها وهو في السابعة عشرة من عمره، وسافر بعدها إلى طنطا للالتحاقِ بمعهد الأحمدي الأزهري. يُعدُّ الشيخ مصطفى من أبرز شيوخِ التلاوة في مصر والعالم الإسلاميِّ. أتقن المقامات وقرأ القرآن بأكثر من 19 مقامًا بفروعها، وقد عُرف عنه أنه صاحب نَفَس طويل في القراءة التجويديةِ. كان عضوًا في رابطة تضامُن المقرئين التي كان يرأسها الشيخ محمد الصيفي. كان أولَ قارئ يُسجَّل في الإذاعة المصريةِ دون أن يُمتَحَن فيها، ولما سمع الملكُ فاروقُ تلاوتَه طلب على الفور من مساعده بأن يأتيَ به ليصبحَ قارئ الديوان الملكيِّ خلال شهر رمضانَ، وبالفعل نزلَ الشيخُ ضيفًا على الاستراحة الملكيةِ بفندق شبرد لمدة سبعة أعوامٍ كاملةٍ. واصطحبَه الساداتُ معه في رحلته الشهيرة إلى مدينة القدس عام 1977، وهناك قام بالخطابةِ وإمامةِ صلاة الجمعة في المسجدِ الأقصى. كانت فرنسا، إنجلترا، أمريكا، أستراليا، وبيروت: محطَّات من رحلاتِ الشيخ إلى الخارج، والتي لم تتوقَّف إلا بوفاتِه. أصيب الشيخ بجلطةٍ في دماغه نُقل على إثرها إلى المستشفى بالإسكندريةِ وهو في غيبوبة تامَّةٍ ظلَّ بها عدَّة أيام إلى أن تُوفِّي صباح يوم الثلاثاء 26 ديسمبر، وأُقيمت له جنازة رسميَّة يوم الخميس 28 ديسمبر، ودُفن في مسجده الملحق بداره في قرية ميت غزال بالسنطةِ بمحافظة الغربيةِ.
احتلَّت قبائِلُ القرَّة خانيون بزعامةِ أرسلان إيليغ خان مدينةَ بخارى، وأنهَت الحُكمَ الإيرانيَّ في تركستان، وقَضَت على الدُّوَل السَّامانية، كما أنها استولَت على سمرقند وبلادِ ما وراء النهر حتى حُدودِ خُراسان. والقُرَّة خانيون قبائِلُ تُركيَّةٌ اعتَنَقَت الإسلامَ وساهمت بدَورٍ في حمايةِ الإسلامِ.
بعد أن ضَمَّ الملك عبدالعزيز الحجازَ حاول الإبقاء على النظام الإداري الذي وضعه المَلِكُ حسين في الحجاز، والتوفيق بين عُلماء الدين في نجد والحجاز، واستمَرَّت أعمال الشركات الأجنبية في الحجاز، وكان الوضعُ في الحجاز أكثَرَ تطورًا من نجد؛ حيث وجودُ الإدارة وَفقَ المعايير العثمانية والميزانية المالية، والجيش النظامي والمدارس على النظام الحديث حتى المرحلة الثانوية، كما كان يوجدُ في الحجاز صحيفة "القبلة" الناطقة باسم الحكومةِ، كما أدرك الملك عبدالعزيز أهميةَ إدخال الوسائل الحديثة للدولة من الهاتف والراديو والسيارة وغيرها، بعد أن اطَّلع على أثَرِها في الحياة العامة والخاصة، إلَّا أنَّ بعضَ هذه الوسائل الحديثة كانت مرفوضةً من بعض علماء نجد وإخوان من أطاع الله خاصة، كالهاتف والتلغراف والراديو، على أنها من أعمال "الشيطان". ومعظم شعوب العالم حتى في أوروبا استنكرتها في بدايتها ظنًّا منها أنَّها من أعمال السحر، ولكِنَّ الملك عبدالعزيز أصرَّ على استخدامها فانتشرت السيارة والتليفون في البلاد، ثم قام الملكُ عبد العزيز بإجراء بعض التغييرات السياسية؛ فعيَّن ابنَه فيصلًا نائبًا للمَلِك في الحجاز في منتصف عام 1926م، وأصدر "التعليمات الأساسية للمملكة الحجازية" وهو كالدستور، حدَّد وضع نائب الملك، ومجلس الشورى، والإدارة العامة.
هو الشيخ إبراهيم بن محمد بن خليفة بن سليمان آل خليفة: شيخ الأدباء في البحرين. وُلِدَ الشيخ إبراهيم بالبحرين عام 1267هـ / 1850م، وتربَّى في بيت ميسور الحال؛ فقد كان والده الشيخ محمد بن خليفة الحاكِمَ الرابع للبحرين؛ حيث عَهِدَ بتربيته إلى بعض عُلَماء نجد، فبرع باللغة العربية وآدابها، فكان من أوائل روَّاد النهضة في البحرين، وراعيَ حركتِها الأدبية والثقافية، وأحدَ رجال الإصلاح والتجديد الذين كانت لهم ريادةٌ خاصة في تأسيس التعليم الحديث الذي سبقت به البحرين شقيقاتِها في الخليج العربي، بل وحتى بعض الأقطار العربية مَشرِقًا ومغربًا. ساهم بإنشاء مدرسة الهداية الخليفية، وأسس نادي المحرق الأدبي سنة 1920م. كان الشيخ إبراهيم شاعرًا أديبًا مثقفًا واسع الإدراك، شيَّد جسورًا متينةً من الصِّلات مع قطاع كبير من المثقَّفين في عصره على امتداد الساحة العربية، وجعلَ مِن مجلِسِه في المحرق نقطةَ إشعاع لجيل أو أكثَرَ من مثقَّفي البحرين، وتحوَّل مجلِسُه إلى أول مدرسة وأول منتدًى إشعاعيٍّ للعلم والمعرفة. عاش الشيخ إبراهيم في فترة خصبة بالعطاء، وترك وراءه مجموعةً كبيرة من الشِّعر والرسائل، والتلاميذ الذين ساروا على نهجه.
انتُخِب علي عزت بيجوفيتش أوَّلَ رئيسِ جمهوريةٍ للبوسنةِ والهرسكِ، بعد انتهاء الحرب الرهيبة في البوسنة، وُلد في مدينة بوسانا كروبا البوسنيةِ، لأسرةٍ بُسنويةٍ عريقةٍ في الإسلامِ بمدينةِ "بوسانسكي شاماتس"، واسمُ عائلته يمتدُّ إلى أيام الوجود التركي بالبوسنةِ، فالمقطع (بيج) في اسم عائلته هو النطق المحلي للقب (بك) العثماني، ولقبُه (عزت بيجوفيتش) يعني ابن عزت بك.
تعلَّم في مدارس مدينة سراييفو، وتخرَّج في جامعتِها في القانون، عمِل مستشارًا قانونيًّا خلال 25 سنةً، ثم اعتزلَ وتفرَّغ للبحث والكِتابة.
نشأ علي عزت بيجوفيتش في وقت كانت البوسنةُ والهرسكُ جزءًا من مملكةٍ تحكمُها أسرةٌ ليبراليةٌ، ولم يكن التعليمُ الديني جزءًا من المناهج الدراسية، فاتَّفَق هو وبعض زملائه في المدرسة أن يُنشِئوا ناديًا مدرسيًّا للمناقَشات الدينية سمَّوْه (ملادي مسلماني)، أي (الشبان المسلمين) التي تطوَّرت فيما بعدُ فلم تقتصرْ في نشاطها على الاجتماعات والنِّقاشات، وإنَّما امتدَّت إلى أعمال اجتماعية وخيريَّة، وأنشأ بها قسمًا خاصًّا بالفتيات المسلمات، واستطاعت هذه الجمعية أثناءَ الحرب العالمية الثانية أنْ تقدِّمَ خِدْماتٍ في مجال إيواء اللاجئين، ورعاية الأيتام، والتخفيف من وَيْلات الحرب.
هو الشيخُ محمد عبده بن حسن خير الله مِن آلِ التركماني، مفتي الدِّيارِ المصريَّةِ، وأحَدُ دُعاةِ ما يسمى بالنهضة والإصلاح في العالمِ العربي والإسلاميِّ، وأحدُ رموزِ دعاةِ التجديدِ في الفِقهِ الإسلاميِّ، ساهمَ بعد التقائه بأستاذِه جمال الدين الأفغاني في إنشاءِ حركة فكريةٍ تجديديةٍ في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، تهدفُ إلى القضاء على الجُمودِ الفِكريِّ والحضاريِّ، وإعادةِ إحياء الأمَّة الإسلاميَّة لِتُواكِبَ مُتطلباتِ العصرِ. ولِدَ محمد عبده سنة 1849م مِن أبٍ تركماني وأم مصريةٍ في قرية محلة نصر بمركز شبراخيت في محافظة البحيرة, ونشأ في محلةِ نصر (بالبحيرة) وأحَبَّ في صباه الفروسيَّةَ والرمايةَ والسباحة. وتعلَّمَ بالجامِعِ الأحمدي بطنطا، ثم بالأزهرِ. تصَوَّف وتفلسَفَ، وعَمِلَ في التعليم، وكتَبَ في الصُّحُفِ. في سنة 1866م التحق بالجامِعِ الأزهر، وفي سنة 1877م حصل على الشهادة العالمية، وفي سنة 1879م عَمِلَ مدرسًا للتاريخِ في مدرسة دار العلوم، وفي سنة 1882 م اشترك في ثورة أحمد عرابي ضِدَّ الإنجليز، وبعد فَشَلِ الثورة حُكِمَ عليه بالسجنِ ثمَّ بالنفي إلى بيروتِ لِمدة ثلاث سنوات، ثم سافر بدعوةٍ مِن أستاذه جمال الدين الأفغاني إلى باريس سنة 1884 م، وأسَّسا صحيفةَ العروة الوثقى، وفي سنة 1885 م غادر باريسَ إلى بيروت، وفي ذات العام أسَّسَ جمعية سرِّية بنفس الاسم: العروة الوثقى. قيل إنَّها ذات صلة بالمحافلِ الماسونية العالمية تحت زعمِ التقريبِ بين الأديان. وفي سنة 1886م اشتغل بالتدريسِ في المدرسة السُّلطانية في بيروت، وفي سنة 1889م-1306هـ عاد محمد عبده إلى مصر بعفوٍ مِن الخديوي توفيق، ووساطةِ تلميذه سعد زغلول، وبعد إلحاحِ الأميرة نازلي فاضل على اللورد كرومر كي يعفوَ عنه ويأمُرَ الخديوي توفيقًا أن يُصدِرَ العَفوَ عنه، أصدر الخديوي قرارَ العفوِ بعد أن اشترط اللورد كرومر على محمَّد عبده ألَّا يعمَلَ في السياسة، فقَبِلَ. وفي سنة 1889م عُيِّنَ قاضيًا بمحكمة بنها، ثم انتقل إلى محكمة الزقازيق، ثم محكمة عابدين، ثم ارتقى إلى منصبِ مُستشار في محكمةِ الاستئنافِ عام 1891م، وفي 3 يونيو عام 1899م (24 محرم عام 1317هـ) عيِّنَ في منصِبِ المفتي، وتبعًا لذلك أصبح عُضوًا في مجلس الأوقافِ الأعلى. وفي 25 يونيو عام 1890م عين عضوًا في مجلسِ شورى القوانين. وفي سنة 1900م (1318هـ) أسَّس جمعيةَ إحياء العلوم العربية لنشر المخطوطاتِ. وزار العديدَ من الدول الأوروبية والعربية. وقد تأثَّر به عددٌ من قادةِ النهضةِ الحديثةِ في الفكر والسياسة والعلم، منهم: محمد رشيد رضا، وسعد زغلول، وعبد الحميد بن باديس، وعبد الرحمن الكواكبي، وغيرهم, وفي الساعة الخامسة مساء يوم 7 جمادى الأولى توفِّي الشيخ بالإسكندرية بعد معاناةٍ مِن مرض السرطان عن سبع وخمسين سنة، ودُفِنَ بالقاهرة.
بعد سيطرة فرديناند على بسطة أهم مدن شرق غرناطة التي كانت تحت حكم الأمير أبي عبد الله محمد بن سعد الزغل خرج الأمير الزغل من مدينة وادي آش تابعًا لصاحب قشتالة، فلما لحقه بايعه ودخل في ذمتة وتحت طاعته على أن يعطيه مدينة وادي آش وكل مدينة وحصن وقرية كانت تحت طاعته وحكمه، فأجابه إلى مطلبه ورجع معه إلى وادي آش وهو فرح مسرور، فدخلها العدو وقبض قصَبَتها واستولى عليها في العشر الأُوَل من شهر صفر، ودخل في ذمته جميع فرسان الأمير الزغل وجميع قواده، وصاروا له عونًا على المسلمين وطوَّعوا له جميع البلاد والقرى والحصون التي كانت تحت طاعتِهم من مدينة المرية إلى مدينة المنكب، ومن مدينة المنكب إلى قرية البذول، فقبض صاحب قشتالة ذلك كله من غير قتال ولا حصار ولا تعب ولا نصب، فإنا لله وإنا إليه راجعون!
وجعل في كل قصبة قائدًا نصرانيًّا مع جماعة من النصارى يحكم في ذلك الموضع، وفي هذا الشهر خلصت جميع بلاد الأندلس لصاحب قشتالة، ودخلت تحت طاعته وتدجن-داهن- جميع أهلها ولم يبقَ للمسلمين في الأندلس غير مدينة غرناطة وما حولها من القرى خاصة، وزعم كثير من الناس أن الأمير محمد بن سعد الزغل وقواده باعوا صاحب قشتالة هذه القرى والبلاد التي كانت تحت طاعتهم وقبضوا منه ثمنها، وذلك على وجه الانتقام من ولد أخيه الأمير أبي عبد الله الصغير وقواده؛ لأنهم كانوا في غرناطة ولم يكن تحت طاعتهم غيرها، فأراد بذلك قطع علائق غرناطة؛ لتهلك كما هلك غيرها, ولا حول ولا قوة إلا بالله!
هو الشيخُ صباحُ الأول بن جابر الصباح في الكويت، وهو من عشيرة الشملان من بني عتبة من جُميلة من عنزة من ربيعة: جد أمراء آل الصباح؛ حُكَّام الكويت، وأولُ من حكم الكويت بعد تأسيسها. يُرَجَّح أنَّ أصله من الهدار من منطقة الأفلاج في نجدٍ، وقد بُنِيت الكويت في عهده، وفي مذكرات خالد الفرج: أنَّ الكويت حديثةُ البناء، كان موضِعُها يسمى "القرين"، وكانت السلطة في القرين لبني خالد، ورئيسُهم في أواخر القرن الحادي عشر للهجرة براك بن غرير الحميدي، فبنى براك قصرًا في القرين، والقصر في اصطلاح ذلك الزمن هناك يسمى "الكوت". وقد خلَّف صباح الأول خمسةَ ذكور، هم: عبد الله (وهو الذي حكم الكويت بعده)، وسلمان، ومالج، ومحمد، ومبارك.
في الساعة العاشرة صباحًا في 27 ذي الحجة / 31 أكتوبر دخلت وَحدةٌ من جيش العدو الإسرائيلي إلى قريتي (الدير والبعنة) وقامت بتجميعِ السكان في حقل بين القريتين، وبحلولِ وقت العصر أصيب الأطفالُ والشيوخ بالإنهاك الشديد، وكانوا في أشد الحاجة إلى الماء، وطلب بعض الشباب الإذن من جنود الوحدة المعادية لإحضار بعض الماء من بئر قريبة، ليسدُّوا رمق الشيوخ والأطفال والنساء، واستعد لهذه المهمة شابان من قرية (دير الأسد ) وشابان من قرية (البعنة) وذهب هؤلاء الشباب الأربعة لإحضار الماءِ، لكنهم لم يعودوا؛ لأنَّهم عندما وصولوا البئر أعدمتهم عصاباتُ الاحتلال رميًا بالرَّصاصِ بينما كانوا يهمُّون بإخراج الماء منه، بعدها اقتادوا مجموعةً من الشباب مشيًا على الأقدام إلى قرية الرامة، ومن هناك نقلوهم بالحافلات حتى معتَقَل صرفند، ويُذكَر أنه عند اقتيادهم للشبان أمروا السكان بمغادرة القريتين، فمنهم من نزح إلى لبنان، ومنهم من نزح إلى القرى المجاورة، ثم عادوا لاحقًا إلى قريتِهم، بينما أولئك الذين نزحوا إلى لبنان فقد أُقفِلَت الحدود وتعذَّر عليهم العودة ثانية، والدير والبعنة قريتان عربيتان فلسطينيتان تقعان إلى الشمال من الطريق الرئيسي الذي يربط عكَّا بصفد.
عبد السلام مُحمَّد هارون بن عبد الرزاق، وُلِد في مدينة الإسكندرية في 25 من ذي الحجَّة 1326هـ ونشأ في بيتٍ كريمٍ من بُيوت العِلم، فجدُّه عضوُ جماعة كبار العُلَماء، وأبوه كان يتولَّى عند وفاته مَنصِب رئيس التفتيش الشَّرعي في وزارة الحقَّانيَّة (العدل)، أما جدُّه لأُمِّهِ فهو الشيخ محمود بن رضوان الجزيري عضوُ المحكمة العُليا. حَفِظ عبد السلام القُرآنَ الكريمَ، وتعلَّم مبادئ القراءة والكتابة، والتحق بالأزهر سنة 1340هـ حيث درَسَ العُلوم الدينيَّة والعربيَّة، ثم التحق بتجهيزية دار العلوم بعد اجتيازه مُسابقةً للالتحاقِ بها، وكانت هذه التجهيزيَّة تُعِدُّ الطلبة للالتحاق بمدرسة دار العلوم، وحصل منها على شهادة البكالوريا سنة 1347هـ ثم أتمَّ دراسته بدار العلوم العليا، وتخرَّج فيها سنة 1351هـ، وبعد تخرُّجه عمل مدرسًا بالتعليم الابتدائي، ثم عُيِّن في سنة 1365هـ مُدرسًا بكلية الآداب بجامعة الإسكندرية، وهذه هي المرَّة الوحيدة في تاريخ الجامعات التي ينتقلُ فيها مُدرِّس من التعليم الابتدائي إلى السلك الجامعي، بعد أن ذاعت شُهرته في تحقيق التُّراث، ثم عُيِّن في سنة 1370هـ أستاذًا مُساعدًا بكلية دار العلوم، ثم أصبح أُستاذًا ورئيسًا لقسم النحو بها سنة 1379هـ ثم دُعي مع نُخبة من الأساتذة المصريين في سنة 1386هـ لإنشاء جامعة الكُويت، وتولَّى هو رئاسة قِسم اللغة العربية، وقِسم الدراسات العُليا حتى سنة 1394هـ، وفي أثناء ذلك اختير عضوًا بمجمع اللغة العربية بالقاهرة سنة 1389هـ. وبدأ عبد السلام هارون نشاطه العِلميَّ منذ وقتٍ مُبكِّر، فحقَّقَ وهو في السادسةَ عشرةَ من عُمره كتابَ "مَتْن أبي شُجاع" بضبطه وتصحيحه ومراجعته في سنة 1344هـ، ثم حقَّقَ الجزء الأول من كتاب "خِزانة الأدب" للبغدادي سنة 1346هـ، ثم أكمل أربعةَ أجزاءٍ من الخزانة، وهو طالبٌ بدار العلوم. ولنُبوغه في هذا الفَنِّ اختاره الدكتور طه حُسَين 1363هـ ليكون عضوًا بلجنةِ إحياء تُراث أبي العلاء المعري، وتدور آثاره العلمية في التحقيق حول العِناية بنشر كُتُب الجاحظ، وإخراج المعاجم اللُّغوية، والكُتُب النَّحْوية، وكُتُب الأدب، والمُختارات الشِّعرية. فأخرج كتاب الحيوان في ثماني مُجلَّدات، وكتاب البيان والتبيين في أربعة أجزاءٍ، وكتاب البُرصان والعُرجان والعُميان والحولان، ورسائل الجاحظ في أربعة أجزاء، وكتاب العُثمانية، وأخرج من المعاجم اللُّغوية: مُعجم مقاييس اللغة لابن فارس في ستة أجزاء، واشترك مع أحمد عبد الغفور العطَّار في تحقيق "صحاح العربية" للجوهري في ستة مُجلَّدات، و"تهذيب الصحاح" للزنجاني في ثلاثة مُجلَّدات، وحقَّقَ جزأين من مُعجَم "تهذيب اللغة" للأزهري، وأسند إليه مجمعُ اللغة العربية الإشرافَ على طبع "المعجم الوسيط"، وحقَّقَ من كُتُب النحو واللغة كتاب سيبويه في خمسة أجزاء، وخزانة الأدب للبغدادي في ثلاثة عشر مجلدًا، ومجالس ثعلب في جزأين، وأمالي الزَّجَّاجي، ومجالس العلماء للزَّجَّاجي أيضًا، والاشتقاق لابن دريد. وحقَّقَ من كتب الأدب والمُختارات الشِّعرية: الأجمعيات، والمُفضليَّات بالاشتراك مع العلَّامة أحمد شاكر، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي مع الأستاذ أحمد أمين، وشرح القصائد السَّبْع الطوال لابن الأنباري، والمجلد الخامس عشر من كتاب الأغاني لأبي الفَرَج الأصبهاني. وحقَّقَ من كُتُب التاريخ: جمهرة أنساب العرب لابن حزم، ووقعة صِفين لنصر بن مُزاحم، وكان من نتيجة مُعاناته وتجاربه في التعامُل مع النُّصوص المخطوطة ونشرِها، أن نشر كتابًا في فنِّ التحقيق بعُنوان: "تحقيقُ النصوص ونشرها" سنة 1374هـ، فكان أوَّلَ كتابٍ عربيٍّ في هذا الفنِّ، يُوضِّح مناهجه ويُعالج مشكلاته، أما عن مُؤلَّفاته فله: الأساليبُ الإنشائيَّةُ في النحو العربي، والميسِرُ والأزلام، والتراث العربي، وحول ديوان البحتري، وتحقيقاتٌ وتنبيهاتٌ في معجم لسان العرب، وقواعدُ الإملاء، وكنَّاشة النوادر، ومُعجَم شواهد العربية، ومُعجَم مقيدات ابن خلكان. وعمد إلى بعض الكُتُب الأصول فهذَّبها ويسَّرها، من ذلك: تهذيبُ سيرة ابن هشام، وتهذيبُ إحياء علوم الدين لأبي حامد الغزالي، والألْفُ المُختارة من صحيح البخاري، كما صنع فهارسَ لمُعجَم تهذيب اللغة لأبي منصور الأزهري في مُجلَّد ضخمٍ. وخُلاصة القول: إن ما أخرجه للناس من آثارٍ سواءٌ أكانت من تحقيقه، أو من تأليفه تجاوزت 115 كتابًا، وقد حصل عبد السلام هارون على جائزة الملك فيصل العالمية في الأدب العربي سنة 1402هـ، وانتخبه مجلس مجمع اللغة العربية أمينًا عامًّا له في 3 من ربيع الآخر 1404هـ، واختاره مجمع اللغة العربية الأردنيُّ عضوَ شرفٍ به. وإلى جانب نشاطه في عالم التحقيق كان الأستاذ عبد السلام هارون أستاذًا جامعيًّا مُتمكنًا، تعرفه الجامعات العربية أستاذًا مُحاضرًا ومُشرفًا ومناقشًا لكثير من الرسائل العلمية التي تزيد عن 80 رسالة للماجستير والدُّكتوراه. تُوُفِّيَ عبد السلام هارون في 28 من شعبان 1408هـ وبعد وفاته أصدرت جامعة الكويت كتابًا عنه بعُنوان: الأستاذ عبد السلام هارون مُعلمًا ومُؤلفًا ومُحققًا.
وُلد جون جارانج في عام 1945م في قبائل دينكا جنوبَ السودان، لعائله نصرانية من قبائل الدينكا الجنوبية المعروفة بعبادة السماء، وقد أرسلته عائلتُه إلى الولاياتِ المتحدة لتلقِّي تعليمِه، فدرسَ في كلية جرنيل، بولاية أيووا، ثم عاد إلى السودان عام 1982م، معَ بداية الحرب الأهلية معَ حركة أنانيا الجنوبية، ثم عاد إلى الولايات المتحدة مرةً ثانيةً لتلقِّي تدريب عسكري في فورت بينينج، جورجيا، وكان أولَ اختبار لجارانج في حرب العصابات عامَ 1962م، في بداية الحرب الأهلية مع حركة أنانيا الجنوبية، وبعد ذلك بعَشْر سنواتٍ، وقَّعَت الحكومة المركزية اتفاقًا مع أنانيا، وصار الجنوب منطقةَ حُكم ذاتي. استوعب الجيشُ السودانيُّ جارانج وآخرين، حيث انتقلوا للعيش في الخرطوم، لكنْ بعد خمس سنواتٍ من اكتشاف البترول في الجنوب السوداني عام 1978م، اندلعت الحرب الأهلية مرةً ثانيةً، وكان طرفاها القواتِ الحكوميةَ والحركةَ الشعبيةَ لتحرير السودان، وجناحُها العسكريُّ الجيشَ الشعبيَّ لتحرير السودان، وقد ترأَّسَ الحركةَ الشعبيةَ إثْرَ تخلُّصه من زعيمها ويليام نون، تمَّ تَعيينُه النائبَ الأولَ لرئيس السودان، ورئيس حكومة جنوب السودان، وقائد الحركة الشعبية لتحرير السودان، تُوفي عندما تحطَّمت مِروحيَّتُه وهو عائدٌ من أوغندا.
في شهر ديسمبر رفض المسلِمون في قرية يجو الحبشية أعمالَ السخرة في مزارع الإقطاعيين الأحباش، كما رفضوا دفعَ ضريبة الكنيسة المتزايدةِ مِن أجلِ بناء الكنائس ومراكزِ التنصير لمحاربة الإسلام، فأمر هيلا سيلاسي بإبادةِ القريةِ أسوأَ إبادة؛ فقُتِلَ المسلمون وأُحرقت مساجِدُهم وهُدِّمَت، وزُجَّ بعُلمائِها في سجن "ألم بقا" وهو يعني نهايةَ الحياة.
أعلَنت وسائلَ إعلامٍ أمريكية متعددةً خُطَط كنيسةٍ أمريكية للإعلان عن يوم عالميٍّ يُسمَّى اليومَ العالميَّ لحَرقِ القرآنِ؛ بحيث يصادِفُ اليومُ المذكورُ الذكرى التاسعةَ لهجمات (11 سبتمبر 2001). وقد نَصَبت الكنيسةُ أمامَ مدخلِها الرئيسِ لوحةً مكتوبًا عليها: الإسلامُ من الشيطانِ، وقد وُجِّهَت إلى الكنيسةِ انتقاداتٌ شديدةٌ وردودُ أفعالٍ غاضبةٍ ومن جهاتٍ مختلفة. وادَّعى القَسُّ تيري جونز من فلوريدا الذي دعا إلى حرقِ القرآن على نطاقٍ واسعٍ أنَّ نصوصَ الكتابِ المقدَّس تدعوه للإعلان عن ذلك. والتاريخُ المخطَّط له بحَرقِ القرآن هو (11 سبتمبر)، ولكنَّ الله أحبط خُطَطَ هذا القَسِّ وحَفِظ كِتابَه، ولو فَعَل لأَحرَقَ وَرَقًا، أمَّا كلامُ الله ففي صدورِ رجالٍ مؤمنين لا تصل إليها أيديهِم.