عزَمَ المُعتَضِد على لعْنِ مُعاويةَ بنِ أبي سفيانَ- رضيَ اللهُ عنه- على المنابرِ، فحَذَّره وزيرُه عبدُ الله بن وهب، وقال له: إنَّ العامَّةَ تُنكِرُ قُلوبُهم ذلك، وهم يترحَّمونَ عليه ويترَضَّونَ عنه في أسواقِهم وجوامِعِهم، فلم يلتَفِتْ إليه، بل أمر بذلك وأمضاه، وكتب به نُسخًا إلى الخُطَباءِ بلَعنِ مُعاويةَ، وذكَرَ فيها ذمَّه وذَمَّ ابنِه يزيدَ بنِ معاوية وجماعةٍ مِن بني أمية، وأورد فيها أحاديثَ باطلةً في ذمِّ مُعاويةَ وقُرِئَت في الجانبينِ مِن بغداد، ونُهِيَت العامةُ عن الترحم على معاويةَ والتَّرضِّي عنه، فلم يزَلْ به الوزير حتى قال له فيما قال: يا أميرَ المؤمنينَ، إنَّ هذا الصنيعَ لم يسبِقْك أحَدٌ من الخلفاء إليه، وهو ممَّا يُرَغِّبُ العامَّةَ في الطالبيِّينَ وقَبولِ الدعوةِ إليهم، فوَجَم المعتَضِدُ عند ذلك؛ تخوفًا على المُلْك.
هو أبو القاسِمُ الجُنَيدُ بنُ محمَّد البغدادي النهاوندي الخزَّاز- لأنه كان يعمَلُ في الخَزِّ- أصلُه من نهاوند، ولد ببغداد قيل بعد 220، ونشأ فيها، كان شيخَ العارفينَ وقُدوةَ السَّائرينَ وعَلَمَ الأولياءِ في زمانه، تفَقَّه على أبي ثورٍ, وسمِعَ من الحسن بن عرفة وغيرِه, واختصَّ بصحبةِ السَّرِيِّ السَّقَطيِّ. أتقن العِلمَ، ثم أقبَلَ على شبابه، واشتغل بما خُلِقَ له، سمع الكثيرَ، وشاهَدَ الصالحينَ وأهلَ المعرفة، ورُزِقَ من الذَّكاءِ وصوابِ الإجاباتِ في فُنونِ العلم ما لم يُرَ في زمانِه مِثلُه عند أحدٍ مِن أقرانه، ولا ممَّن أرفعُ سنًّا منه ممَّن كان منهم يُنسَبُ إلى العِلمِ الباطِنِ والعلمِ الظَّاهِرِ في عفافٍ وعُزوفٍ عن الدنيا وأبنائِها. كان يُفتي في حلقةِ أبي ثَورٍ الكَلبيِّ وله عِشرونَ سنة. يقالُ: إنَّه أوَّلُ مَن تكلَّمَ في علم التوحيدِ ببغداد، عَدَّه العلماءُ شَيخَ الصوفيَّةِ؛ لِضَبطِ مَذهَبِه بقواعِدِ الكتابِ والسُّنَّة، ولِكَونِه لم يتلبَّسْ بعقائِدَ فاسدةٍ، وكان يُقالُ له طاووس العُلَماءِ، أخذ الطريقةَ عن خالِه سَرِيٍّ السَّقَطي، كان الجُنيدُ يقولُ: "مَذهَبُنا مُقيَّدٌ بالكتابِ والسُّنَّة، فمن لم يقرأ القُرآنَ ويكتُبِ الحديثَ لا يُقتدى به" يعني: في مذهبِه وطريقتِه، أثنى عليه وعلى كَلِماتِه الوعظيَّةِ كثيرٌ مِن العلماء، توفِّيَ في بغدادَ ودُفِنَ عند قبر خالِه.
هو الإمامُ العلَّامةُ المُفتي المجتَهِد, عَلَمُ العراق أبو بكر أحمدُ بنُ عليٍّ الرازي الجَصَّاصُ، الفقيهُ الحنفي، إمامُ أصحاب الرأي في وقته، صاحب التصانيف، وتلميذُ أبي الحسن الكرخي. ولد سنة 305 في مدينة الريِّ التي يُنسَبُ لها بالرازي, وقد مكث بها حتى سِنِّ العشرينَ، حيث رحل إلى بغداد واستوطَنَها. وقد حاز الإمامُ مكانةً عِلميَّةً سامِقةً بين علماءِ الأمة عمومًا, وعُلَماءِ الحنفيَّة خُصوصًا. كان مع براعتِه في العِلمِ مَشهورًا بالزهد والورع، لَمَّا ورد بغداد في شبيبتِه درس الفقهَ على أبي الحسَنِ الكَرخيِّ ولم يزَلْ حتى انتهت إليه الرياسةُ الحنفية ببغداد، وعنه أخذ فقهاؤُها, ورحل إليه المتفَقِّهة، وخوطِبَ في أن يلي قضاءَ القُضاةِ فامتنع، وأعيد عليه الخطابُ فلم يفعل، وله تصانيفُ كثيرة مشهورة؛ منها "أحكام القرآن" و "شرح الجامع الصغير" لمحمد بن الحسن الشيباني، و "شرح المناسك" لمحمد بن الحسن الشيباني، و "شرح مختصر الفقه" للطحاوي، وغيرها، وتصانيفه تدُلُّ عل حفظه للحديثِ وبَصَرِه به. قال الذهبي: " وكان يميلُ إلى الاعتزالِ، وفي تصانيفِه ما يدُلُّ على ذلك في مسألةِ الرؤية وغيرِها ". توفِّيَ عن خمسٍ وستين سنة، وصلَّى عليه أبو بكر محمد بن موسى الخوارزمي.
هو الشيخُ الإمامُ العلَّامة الحافِظُ حُجَّة العصرِ، ومحَدِّثُ الشام ومصر وخاتمةُ الحُفَّاظ جمال الدين أبو الحجاج يوسف بن الزكي عبد الرحمن بن يوسف بن علي بن عبد الملك بن أبي الزهر القضاعي الكلبي المزِّي الحلبي المولد، وُلِدَ بظاهر حَلَب في عاشر ربيع الآخر سنة 654، وكان إمامَ عَصرِه وأحَدَ الحُفَّاظ المشهورين، نشأ بالمزَّة بالقُربِ مِن دمشق, فحَفِظَ القرآن الكريم وعُنِيَ باللغةِ وبَرَع فيها وأتقَنَ النحو والتصريف، ثمَّ طلب الحديث سنة 675، فما ونى وما فَتَر ولا لها ولا قَصَّر، في الطلب والاجتهاد والرواية, وصَنَّف وأفاد، وكتب الكثير، لَمَّا وَلِيَ دار الحديث الأشرفي تمذهَبَ للشافعيِّ وأُشهِدَ عليه بذلك. وكان فيه حياءٌ وسكينة، وحِلمٌ واحتمال وقناعة، واطِّراحُ تكَلُّف وتَركُ التجَمُّل والتودُّد والانجماع عن الناسِ وقلة الكلام، إلا أنَّه يُسأل فيُجيب ويجيد، وكلَّما طالت مجالسةُ الطالب له ظهر له فضلُه. وكان لا يتكَثَّر بفضائله، كثيرَ السكوت لا يغتابُ أحدًا. وكان معتَدِلَ القامة مُشرَبًا بحُمرةٍ، قَوِيَّ التركيب مُتِّعَ بحواسِّه وذهنه. وكان قَنوعًا غيرَ متأنقٍ في ملبَسٍ أو مأكلٍ، يصعَدُ إلى الصالحية وغيرها ماشيًا وهو في عشر التسعينَ, وأما معرفته بالرجال فإليه تُشَدُّ الرِّحال؛ فإنه كان الغاية وحامِلَ الراية. ولما ولي دارَ الحديث قال الشيخ تقي الدين ابن تيمية: "لم يَلِ هذه المدرسةَ مِن حين بنائِها وإلى الآن أحَقُّ منه بشرطِ الواقِفِ، وقد وَلِيَها جماعة كبار مثل: ابن الصلاح، ومحيي الدين النواوي، وابن الزبيدي، لأنَّ الواقِفَ قال: فإن اجتمَعَ مَن فيه الروايةُ ومن فيه الدرايةُ قُدِّمَ مَن فيه الدرايةُ؛ قال الشيخ شمس الدين: لم أرَ أحفَظَ منه، ولم يَرَ هو مثلَ نَفسِه, ولم يسألْني ابن دقيق العيد إلَّا عنه. وكان قد اغتَرَّ في شبيبته وصَحِبَ عفيف الدين التلمساني، فلما تبيَّنَ له مذهبُه هَجَره وتبرَّأ منه, ثم قال الشيخ شمس الدين: قرأت بخطِّ الحافظ فتح الدين ابن سيد الناس: ووجدت بدمشقَ الحافِظَ المقَدَّم، والإمامَ الذي فاق من تأخَّر وتقدم، أبا الحجَّاج المزِّيَّ؛ بحرَ هذا العلم الزاخر، القائِلَ من رآه: كم ترك الأوائِلُ للأواخِر، أحفَظَ النَّاسِ للتراجم، وأعلَمَهم بالرواة من أعارِبَ وأعاجم، لا يخصُّ بمعرفته مصرًا دون مصر، ولا ينفَردُ علمُه بأهل عصر دون عصر، معتمدًا آثارَ السلف الصالح، مجتهدًا فيما نِيطَ به في حفظ السنة من النصائح، مُعرِضًا عن الدنيا وأشباهِها، مُقبِلًا على طريقته التي أربى بها على أربابها، لا يبالي بما ناله من الأزل، ولا يخلط جِدَّه بشَيءٍ مِن الهَزل، وكان بما يصنعه بصيرًا، وبتحقيق ما يأتيه جديرًا، وهو في اللغة إمام، وله بالقريض إلمام". من أهم مُصَنَّفاتِه تهذيب الكمال في أسماء الرجال في أربعة عشر مجلدًا، كشَفَ به الكتب القديمة في هذا الشأن، وسارت به الرُّكبان، واشتهر في حياته، وهو كتابٌ نافِعٌ جدًّا ليس له نظيرٌ في فنه، وألف كتاب " أطراف الكُتُب الستة " في تسعة أسفار, وكان سبَبُ موته هو أنه أصابه طاعون فمَرِضَ عِدَّة أيام حتى إذا كان يوم السبت من الثاني عشر من صفر توفِّيَ بعد صلاة الظهر، فلم يمكن تجهيزُه تلك الليلة، فلما كان من الغدِ يومَ الأحد ثالث عشر صفر صبيحة ذلك اليوم، غُسِّلَ وكُفِّنَ وصُلِّيَ عليه بالجامع الأموي، وحضر القضاةُ والأعيان وخلائِقُ لا يُحصَونَ كثرةً، وخرج بجنازته من باب النصر فصَلَّوا عليه خارج باب النصر، أمَّهم عليه القاضي تقي الدين السبكي الشافعي، وهو الذي صلى عليه بالجامِعِ الأموي، ثم ذهب به إلى مقابر الصوفية، فدفن هناك إلى جانب زوجتِه المرأةِ الصالحة الحافظةِ لكتاب الله: عائشةَ بنتِ إبراهيم بن صديق، غربيَّ قَبرِ شَيخِ الإسلام تقي الدين بن تيمية- رحمهم الله أجمعين.
هو الحافِظُ المؤَرِّخ عَلَم الدين القاسم بن محمد بن يوسف بن محمد البرزالي الأشبيلي الشافعي، وُلِدَ بدمشق سنة 665, من أُسرةٍ عِلميَّة جاءت من المغرب، وكانت أسرتُه قد نزلت إشبيليَّةَ، ثم رَحَلت إلى الشام وبرزالة: قبيلة قليلة جدًّا، كان البرزالي محدِّثًا حافظًا فاضلًا، سَمِعَ الكثير ورحل إلى البلاد وحصَّل ودأب وسَمِعَ خلائِقَ كثيرةً تزيد عِدَّتُهم على ألفي شيخ، وحَدَّث وخرَّج وأفاد وأفتى وصَنَّف تاريخًا على السنين، رحل إلى بعلبك وحلب ومصر، تولى مشيخة دار الحديث بدمشق ومعها المدرسة النورية، قال ابن كثير: "قرأ شيئًا كثيرًا، وأسمع شيئًا كثيرًا، وكان له خَطٌّ حَسَن، وخُلُق حسن، وهو مشكورٌ عند القضاة ومشايخه أهل العلم. سمعت العلامة ابن تيمية يقول: نَقْلُ البرزالي نَقْرٌ في حَجَر, وكان أصحابُه من كل الطوائف يحبُّونه ويكرمونه، وكان له أولادٌ ماتوا قبله، وكَتَبَت ابنته فاطمة البخاريَّ في ثلاثة عشر مجلَّدًا فقابله لها، وكان يقرأُ فيه على الحافظ المِزِّي تحت القبة، حتى صارت نسختُها أصلًا مُعتَمَدًا يكتب منها الناس، وكان شيخَ حديث بالنورية، وفيها وَقَف كُتُبَه بدار الحديث السنية، وبدار الحديث القوصية وفي الجامع وغيره، وعلى كراسي الحديث، وكان متواضِعًا مُحَبَّبًا إلى الناس، متودِّدًا إليهم، له مُصَنَّف المعجم الكبير في الحديث. وكتاب "المقتفى على كتاب الروضتين"، توفي بخليص وهو مُحرِم في رابع ذي الحجة عن أربع وسبعين سنة, فغُسِّلَ وكُفِّنَ ولم يُستَرْ رأسُه، وحمله الناسُ على نعشِه وهم يبكون حولَه، وكان يومًا مشهودًا.
هو مُسلِمُ أبو الحسَنِ القُشيري النيسابوري، أحدُ الأئمَّة من حُفَّاظ الحديثِ، صاحبُ الصحيح الذي يلي صحيحَ البخاري، انتقل إلى العراقِ والحجاز والشَّام ومصر، وسمع من جماعةٍ كثيرين، وقد أثنى عليه جماعةٌ من العلماء من أهل الحديث وغيرهم. قال أحمد بن سلمة: "رأيت أبا زُرعة وأبا حاتم يُقَدِّمان مسلمَ بن الحجاج في معرفةِ الصَّحيحِ على مشايخ عصرهما"، وقيل: كان سببُ مَوتِه- رحمه الله- أنَّه عُقِدَ مَجلِسٌ للمذاكرة فسُئلَ يومًا عن حديثٍ فلم يعرِفْه، فانصرف إلى منزلِه، فأوقد السراجَ وقال لأهله: لا يدخُلْ أحدٌ الليلة عليَّ، وقد أُهدِيَت له سلةٌ مِن تمرٍ، فهي عنده يأكلُ تمرةً ويكشِفُ عن حديثٍ ثم يأكُلُ أخرى ويكشِفُ عن آخر، فلم يزَلْ ذلك دأبَه حتى أصبح وقد أكل تلك السلَّة وهو لا يشعُرُ، فحصل له بسبب ذلك ثقلٌ ومرَضٌ من ذلك، حتى كانت وفاته عشيةَ يوم الأحد، ودُفِن يوم الاثنين بنيسابور.
هو الإمامُ الحافِظُ الثِّقةُ الرَّحَّالُ الجَوَّال, مُحَدِّثُ الإسلام, عَلَمُ المعَمَّرينِ, أبو القاسم سُليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الشامي الطَّبَراني، نسبةً إلى طبَرِيَّة، مولدُه بمدينة عكَّا في شهر صفر سنة 260, وكانت أمُّه عكَّاوية. أحد الحُفَّاظ المكثرينَ الذين رحَلوا في البلاد كثيرًا شَرقًا وغَربًا وشَمالًا وجنوبًا، كان عالِمًا بالحديثِ والعِلَل والرِّجال، وأوَّل سماعٍ له في الحديث كان سنة 273، وارتحل به أبوه, وحَرَصَ عليه, فإنه كان صاحِبَ حديثٍ مِن أصحابِ مُحَدِّث الشام دحيم الدمشقي, وكان أوَّل ارتحالٍ له في سنة 275, وبقي في الارتحالِ, ولَقِيَ الرجالَ ستة عشر عامًا، وكتب عمَّن أقبل وأدبر, وبرَعَ في هذا الشأنِ, له مُصَنَّفاتٌ عديدةٌ أشهرُها المعاجِمُ الثلاثة: المعجم الكبير، والأوسط، والصغير، وله كذلك مكارمُ الأخلاق، وحديث الشاميين، والدعاء، وغيرها, وازدحم عليه المحَدِّثون, ورَحَلوا إليه من الأقطارِ. توفي في أصبهان عن عمرٍ يناهِزُ المائةَ.
أَصبحَ مُشرِكو مكَّةَ بعدَ هَزيمَتِهم في غَزوةِ بدرٍ، يَبحَثون عن طريقٍ أُخرى لِتِجارتِهم للشَّامِ، فأشارَ بعضُهم إلى طريقِ نَجْدِ العِراقِ، وقد سَلكوها بالفعلِ، وخرج منهم تُجَّارٌ، فيهم أبو سُفيانَ بنُ حَربٍ، وصَفوانُ بنُ أُميَّةَ، وحُوَيْطِبُ بنُ عبدِ العُزَّى، ومعهم فِضَّةٌ وبضائعُ كثيرةٌ، بما قيمتُه مائةُ ألفِ دِرهمٍ؛ فبلغ ذلك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بواسطةِ سَليطِ بنِ النُّعمانِ رضي الله عنه، فبعَث زيدَ بنَ حارِثةَ في مائةِ راكبٍ لِاعتِراضِ القافلةِ، فلَقِيَها زيدٌ عند ماءٍ يُقالُ له: القَرَدَةُ، وهو ماءٌ مِن مِياهِ نَجْدٍ، فَفَرَّ رجالُها مَذعورين، وأصاب المسلمون العِيرَ وما عليها، وأَسَروا دَليلَها فُراتَ بنَ حيَّانَ الذي أَسلمَ بين يَدي النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وعادوا إلى المدينةِ، فخَمَّسَها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ووَزَّعَ الباقيَ بين أَفرادِ السَّرِيَّةِ.
هو أبو عبدالله محمَّد بن إدريس بن العبَّاس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هشام بن المطلب بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب، الإمامُ عالِمُ العَصرِ ناصِرُ الحديثِ، فقيه المِلَّة، ثم المطَّلبيُّ الشافعيُّ، المكِّي، الغزي القرَشِيُّ، أحَدُ الأئمَّة الأربعة المشهورينَ في الفقه، ولِدَ في غزَّة عام 150هـ فعادت به أمُّه إلى مكة، وهو ابن سنتين، فنشأ بها، وأقبل على الأدبِ والعربيَّة والشعر، فبرع في ذلك. وحُبِّبَ إليه الرميُ حتى فاق الأقرانَ، وصار يصيبُ من العِشرةِ تِسعةً. ثم كتَبَ العِلمَ. قال الشافعي: "أقمتُ في بطونِ العَرَب عشرينَ سنةً آخُذُ أشعارَها ولغاتِها، وحَفِظتُ القرآنَ، فما علِمتُ أنَّه مَرَّ بي حرفٌ إلَّا وقد عَلِمتُ المعنى فيه، ما خلا حرفينِ، إحداهما: دسَّاها" وكان من أفصَحِ النَّاسِ وأحفَظِهم، رحل إلى المدينةِ وسَمِعَ من الإمام مالك, قال الشافعي: "أتيتُ مالِكًا وأنا ابنُ ثلاث عشرة سنة، وكان ابنُ عمٍّ لي واليَ المدينة، فكلَّمَ لي مالكًا فأتيته. فقال: اطلُبْ من يقرأُ لك، فقلت: أنا أقرأُ، فقرأت عليه. فكان ربَّما قال لي لشيء: أعِدْه, فأُعيدُه حِفظًا, وكأنَّه أعجَبَه". ثم رحل لليمَنِ، ثمَّ سُيِّرَ إلى العراق إلى الرشيدِ وبَقِيَ فيها وتفَقَّه، وتكررت رحلتُه إلى العراق أكثَرَ مِن مرَّة، ثم إلى مصرَ، وله مِن المؤلَّفات: الرِّسالة، والأم، واختلاف الحديث، وله ديوان شعر، انتشر مذهبُه بسبب كثرة ترحُّلِه وجَمْعِه بين طريقةِ المحَدِّثين وطريقة الفقهاء، وكان أحمدُ بن حنبل يدعو له في صلاتِه نحوًا من أربعينَ سنةً، قال يونس الصدفي: "ما رأيتُ أعقَلَ من الشافعيِّ؛ ناظرتُه يومًا في مسألةٍ ثمَّ افتَرَقنا ولَقِيَني، فأخذ بيدي ثم قال: يا أبا موسى ألا يستقيمُ أن نكونَ إخوانًا وإن لم نتَّفِقْ في مسألةٍ؟ قلت: هذا يدُلُّ على كمالِ عَقلِ هذا الإمامِ وفِقهِ نفسِه، فما زال النُّظَراءُ يَختَلِفونَ". توفِّيَ في مصر ودُفِنَ بالقرافة الصغرى، وله أربعٌ وخمسون سَنةً.
كانت حملات التنصير قد وصلت إلى البحرين عام 1893م وتأسَّست أولُ مدرسة للتعليم بالأسلوب الغربي الحديث في البحرين على يدِ البعثة، وفي عام 1894 افتتحت الإرساليةُ الأمريكية مكتبةً عامةً لها بالمنامة وبدأت عمَلَها في تقديم بعضِ الصُّحُفِ والكتُبِ لروَّادِها، ثم أنشأت الإرساليةُ الأمريكيةُ مستشفى ماسون التذكارية، ودكانًا لبيع الإنجيل، وحينها كان مجلِسُ الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة ابن حاكم البحرين يُعَدُّ من أهم المنتديات الثقافية في البحرين آنذاك، كما كان مُقبِل بن عبد الرحمن الذكير واحدًا من أهمِّ مُثقَّفي البحرين المشاركين والفعَّالين في المجلس، وحينها رأى كلٌّ مِن مقبل الذكير، ويوسف كانو ضرورةَ تأسيس نادي أدبي إسلامي، واستضافة أحد العلماء الكبار؛ لمقاومة هذه الحَمَلات التخريبية في البلادِ، من خلال أنشطة هذا النادي، فتوصَّلا بعد تحرٍّ إلى أن أفضَلَ من يمكنه تسلم إدارة النادي هو الشيخ العلامة محمد بن عبد العزيز المانع الوهيبي التميمي، وأنه لا بدَّ من العمل على إحضاره من مقر إقامته بالبصرة، وبعد أسابيع من المراسلات حضر الشيخ المانع من البصرة حاملًا معه خبرةَ أساتذته في مقاومة التبشير، الذين تتلمذ على أيديهم في مِصرَ والعراق، أمثال الشيخ محمد رشيد رضا. تسلم الشيخ المانع منصِبَه كمدير للنادي الأدبي الإسلامي بمجرد وصوله، وقد عَرَض عليه مقبل الذكير أن يجعَلَ له مدرسة للتعليم الإسلامي تكون مُلَحقةً بالنادي الإسلامي، فكان النادي في بداية تأسيسه عبارةً عن صفين دراسيين لتدريس العلوم الشرعية وبعض العلوم الحديثة، كما توفر في النادي غرفةُ مطالعة ومكتبة، فكان للشيخ المانع دورٌ فاعل في نشر العلوم الإسلامية في المنامة، وظلَّ الشيخ هناك أربع سنوات يدرِّس شباب "النادي الإسلامي" جُلَّ العلوم الإسلامية؛ مِن قرآنٍ، وفقه، ولغة، ورياضية كالعلوم الفلكية والفرائض، وأصبح النادي ملتقًى لرواد العلم والمثقفين في المنامة والبلدان المجاورة لها، كما أصبح مكانًا يتدارس فيه الأهالي أساليبَ التبشير وسُبُلَ مقاومته، ولم يكن النادي الإسلامي مجردَ مكان للثقافة والنقاشات الأدبية فحسب، بل كان مقرًّا للتواصل الفكري والعلمي مع الشعوب الإسلامية، والمراسَلات بين المفكِّرين والمثقَّفين والعلماء في البحرين والشارقة والقاهرة.
هو الإمامُ أبو عبد الله محمَّد بنُ نَصرِ المَروزي، إمامُ أهل الحديثِ في عصره، وأحدُ الأعلامِ في العلومِ والأعمالِ. ولِدَ سنة 202 ببغداد، ونشأ بنيسابورَ، سكن سمرقندَ وغيرَها. وكان أبوه مروزيًّا. قال الحاكمُ فيه: "إمامُ الحديثِ في عصرِه بلا مُدافعةٍ". كان من أعلمِ النَّاسِ باختلافِ الصَّحابةِ والتابعينَ ومَن بعدهم، كان مولِدُه ببغداد ثم رحل إلى نيسابورَ ونشأ بها، ثم رحل إلى مصر، وكان من أحسَنِ النَّاسِ صلاةً وأكثَرِهم خُشوعًا فيها، وقد صنف كتابًا عظيمًا في الصلاةِ هو تعظيمُ قَدرِ الصَّلاةِ، وله كِتابُ القَسامة والمُسند في الحديث وغيرها، عاد إلى سمرقند وتوفِّي فيها عن 92 عامًا رحمَه الله تعالى.
هو أبو بكرٍ محمَّدُ بنُ داود بن عليِّ بن خلف الأصبهانيُّ المعروفُ بالظاهريِّ. ابنُ الإمامِ داودَ بنِ عليٍّ الظاهري, كان عالِمًا بارعًا, إمامًا في الحديث, أديبًا شاعِرًا ظريفًا، فقيهًا ماهرًا، اشتغل على أبيه وتَبِعَه في مذهبه ومَسلَكِه وما اختاره من الطرائِقِ وارتضاه، وكان أبوه يحبُّه ويقَرِّبُه ويُدنيه. كان أحدَ من يُضرَبُ المثَلُ بذكائه. تصَدَّرَ للفُتيا بعد والده، لَمَّا جلس للفتوى بعد والِدِه استصغروه، فدَسُّوا عليه من سأله عن حَدِّ السُّكرِ، ومتى يعَدُّ الإنسانُ سَكرانَ؟ فقال: إذا عَزَبَت- يعني: بعُدت وغابت- عنه الهُمومُ، وباح بسِرِّه المكتومِ، فاستُحسِنَ ذلك منه. كان مِن أجمل النَّاسِ وأكرَمِهم خلقًا، وأبلَغِهم لسانًا، وأنظَفِهم هيئةً، مع الدِّينِ والورَع، وكلِّ خَلَّةٍ محمودةٍ، مُحَبَّبًا إلى الناس. حَفِظَ القرآنَ وله سبعُ سنين، وذاكَرَ الرِّجالَ بالآدابِ والشِّعرِ وله عشرُ سنين، وكان يُشاهَدُ في مَجلِسِه أربعُمئة صاحبِ مِحبَرةٍ، وله من التآليفِ: كتابُ الزهرة، صنَّفه في عنفوان شبابِه، وهو مجموعٌ في الأدبِ، جمعَ فيه غرائبَ ونوادِرَ وشِعرٍ رائق، كتابُ (الإنذار والإعذار)، وكتاب (التقصِّي) في الفقه، وكتاب (الإيجاز) ولم يَتِمَّ، وكتاب (الانتصارُ من محمَّد بن جريرٍ الطَّبَري)، وكتاب (الوصولُ إلى معرفة الأصول)، وكتاب (اختلافُ مصاحف الصحابة)، وكتاب (الفرائض) وكتاب (المناسِك).
وُلِدَ الدكتور نور الدين عتر في حلب عام 1356هـ الموافق 1937م، درس في الثانوية الشرعيَّة (الخسروية)، وحصل على الشَّهادة الثَّانوية الشَّرعيَّة عام ١٣٧٣هـ الموافق 1954م، ثم التحق بجامعةِ الأزهرِ في مِصرَ وتخرَّج فيها.
في عام ١٣٨٤هـ الموافق 1964م حاز على الشَّهادة العالِمية الدُّكتوراه، من شُعبة التَّفسيرِ والحديثِ، وكانت أطروحته: «طريقة الترمذيِّ في جامِعِه، والموازنة بينه وبين الصَّحيحينِ»، استفاد منها بعد ذلك كثيرٌ من الباحثينَ في مناهجِ المحدِّثين.
ثم عاد لسوريا ودرَّس في المرحلة الثانوية، ثم عُيِّن مدرِّسًا لمادة الحديث النَّبويِّ في الجامعة الإسلامية في المدينة المنوَّرة لمدة عامين (١٣٨٥هـ -1386هـ الموافق 1965م - 1967م).
وفي عام ١٣٨٧هـ الموافق 1967م عاد إلى دمشق أستاذًا في كليَّة الشَّريعة بجامعة دمشق فيها، ودرَّس مادَتَي الحديثِ والتفسيرِ في كُلِّيَّات الآدابِ في جامعَتَي دمشق وحلب، كما درَّس في العديدِ مِن الجامعاتِ العربيَّةِ والإسلاميَّة لفترات وجيزة.
من أبرزِ مُؤَلَّفاته: كتاب: (منهج النَّقد في علوم الحديث)، وكتاب (إعلام الأنام شرح بلوغ المرام).
هو أبو عبدِ الرَّحمنِ عبدُ الله بنُ أحمدَ بنِ محمد بن حنبل الشيباني البغدادي، الحافظ، مِن أهل بغداد، والده هو الإمامُ أحمد بن حنبل، ولد سنة 213 وأمُّه اسمها ريحانة، تزوجَّها الإمام أحمد بعد وفاةِ زوجته الأولى عبَّاسة أم ابنِه صالحٍ، وأنجبت له ريحانةُ ابنَه عبد الله. تعلَّمَ على يدِ أبيه فسَمِعَ منه المُسنَد، فكان مُكثِرًا في الروايةِ عن أبيه وعن غيره, وكان إمامًا ثِقةً حافِظًا ثَبتًا، قال ابن المنادي: لم يكُنْ أحدٌ أروى عن أبيه منه، روى عنه المسندَ ثلاثينَ ألفًا، والتفسير مائة ألفِ حديث وعشرون ألفًا، من ذلك سماعٌ، ومن ذلك إجازة، ومن ذلك الناسِخُ والمنسوخ، والمقَدَّم والمؤخَّر، والمناسِك الكبير والصغير، وغير ذلك من التصانيف، وحديث الشيوخِ، وقال- أي ابن المنادي: وما زِلْنا نرى أكابِرَ شيوخِنا يشهدون له بمعرفةِ الرِّجالِ وعِلَل الحديث، والأسماءِ والكُنى، والمواظبة على طلَبِ الحديث في العراق وغيرها، ويذكُرونَ مِن أسلافهم الإقرارَ له بذلك، حتى إنَّ بعضَهم أسرفَ في تقريظه له بالمعرفة وزيادةِ السَّماعِ للحديث عن أبيه"، ولَمَّا مَرِضَ قيل له أين تُدفَنُ ؟ فقال: صحَّ عندي أنَّ بالقطعيَّة نبيًّا مدفونًا، ولَأن أكونَ بجوارِ نبيٍّ أحَبُّ إليَّ مِن أن أكونَ في جوار أبي، مات عن سبع وسبعين سنة، كما مات لها أبوه، واجتمع في جنازته خلقٌ كثيرٌ من الناس، وصلَّى عليه زهير ابن أخيه، ودُفِنَ في مقابِرِ باب التين- رحمَه الله تعالى.
هو أمير المؤمنين في الحديث قاضي القضاة، شيخُ الإسلام، حافظ العصر، رحلة الطالبين، مفتي الفِرَق، شهاب الدين أبو الفضل أحمد ابن الشيخ نور الدين علي بن محمد بن علي بن أحمد بن حجر، المصريُّ المولدِ والمنشأِ والدار والوفاة، العسقلانيُّ الأصلِ، الشافعيُّ، قاضي قضاة الديار المصرية وعالِمُها وحافظها وشاعرها، ولد في 23 شعبان بالقاهرة سنة 773. مات والده وهو حَدَث السن، فكفَلَه بعض أوصياء والده إلى أن كبرَ وحفظ القرآن الكريم، واشتغل بالمتجر، وتولَّع بالنظم، وقال الشعر الكثير المليح إلى الغاية, ثم حَبَّب الله إليه طلبَ الحديث فأقبل عليه وسَمِعَ الكثير بمصر وغيرها، ورحل وانتقى، وحصَّل وسَمِع بالقاهرة من شيخ الإسلام سراج الدين عمر البلقيني، والحافظين ابن الملقِّن والعراقي، وأخذ عنهم الفقه، ورحل إلى اليمن بعد أن جاور بمكة، وأقبل على الاشتغال والتصنيف، وبرع في الفقه والعربية، وصار حافظَ الإسلام، علَّامة في معرفة الرجال واستحضارهم، والعالي والنازل مع معرفةٍ تامة بعلل الأحاديث وغيرِها. وصار هو المعوَّلَ عليه في هذا الشأن في سائر أقطار الأرض، وقدوةَ الأمة، علَّامة العلماء، حجَّة الأعلام، مُحيي السنة، انتفع به الطلبة وحضر دروسَه جماعة من علماء عصره وقضاة قضاتِه، وقرأ عليه غالبُ فقهاء مصر، وأملى بخانقاه بيبرس نحوًا من عشرين سنة, ولَمَّا عُزِل عن منصب القضاة بالشيخ شمس الدين محمد القاياتي انتقل إلى دار الحديث الكاملية ببين القصرين، واستمَرَّ على ذلك، وناب في الحكم في ابتداء أمرِه عن قاضي القضاة جلال الدين عبد الرحمن البلقيني مدة طويلة، ثم عن الشيخ ولي الدين العراقي، ثم تنزَّه عن ذلك وتولى مشيخة خانقاه بيبرس الجاشنكير في دولة الملك المؤيد شيخ، وصار إذ ذاك من أعيان العلماء، وتصدر للإقراء والتدريس إلى أن ولَّاه الملك الأشرف برسباي قضاءَ القضاة الشافعية بالديار المصرية عوضًا عن قاضي القضاة علم الدين صالح البلقيني بعد عزلِه، وذلك في السابع والعشرين محرم سنة 827، فاستمَرَّ في المنصب ثم عُزِلَ عن القضاء وأعيد إليه، ثم عُزِلَ وأعيد أكثر من مرة. إلى أن طلب وأعيد عوضًا عن الشيخ ولي الدين محمد السفطي، وذلك في يوم الاثنين ثامن ربيع الآخرة سنة 852, وكان لولايته في هذه المرة يوم مشهود، فدام في المنصب إلى أن عزل نفسه في الخامس والعشرين جمادى الآخرة من هذه السنة، وولي من الغد عوضَه قاضي القضاة علم الدين صالح البلقيني، وهذه آخِرُ ولايته للقضاء, وانقطع شيخ الإسلام ابن حجر في بيته ملازمًا للاشغال والتصنيف إلى أن توفي بعد أن مرض أكثر من شهر. قال ابن تغري بردي: "كان رحمه الله حافِظَ المشرق والمغرب، أميرَ المؤمنين في الحديث، انتهت إليه رئاسةُ علم الحديث من أيام شبيبتِه بلا مُدافَعةٍ، بل قيل: إنه لم يَرَ مِثلَ نفسه، قلتُ: وهذا هو الأصح. وكان ذا شيبةٍ نيرة ووقار وأبَّهة، ومهابة، هذا مع ما احتوى عليه من العقل والحكمة والسكون والسياسة، والدربة بالأحكام ومداراة الناس قبل أن يخاطب الشخصَ بما يكره، بل كان يحسِنُ لمن يسيء إليه ويتجاوز عمن قَدَر عليه, وكانت صفته ذا لحيةٍ بيضاء ووجه صبيحٍ، للقِصَرِ أقرب، وفي الهامةِ نحيف، جيدِّ الذكاء، عظيم الحذق لمن ناظره أو حاضره، راويةً للشعر وأيامِ من تقدمه وعاصره، فصيح اللسان، شجيَّ الصوت، هذا مع كثرة الصوم ولزوم العبادة، واقتفائِه طرق من تقَدَّمه من الصلحاء السادة، وأوقاته للطلبة مقسمة تقسيمًا لمن ورد عليه آفاقيًّا كان أو مقيمًا، مع كثرة المطالعة والتأليف والتصدي للإفتاء والتصنيف. وأما مصنفاته فإن أسماءها تستوعب مجلدًا كاملًا صغير الحجم" مات رحمه الله ولم يخلِّفْ بعده مثله شرقًا ولا غربًا، ويكفيه شهرة أنه مؤلِّفُ كتاب: "فتح الباري في شرح صحيح البخاري" الذي لا يكاد يستغني عنه أحد، وله "تغليق التعليق" وكتاب "الإصابة في تمييز الصحابة" وكتاب "تقريب التهذيب" و "تهذيب التهذيب" و "لسان الميزان" و "بلوغ المرام في أدلة الأحكام"، وفي التاريخ: "رفع الإصر عن قضاة مصر" وكتاب "الإعلام فيمن ولي مصر في الإسلام" وغيرها من الكتب, وكلها تدل على سعة علمه في الحديث والرجال والعلل والفقه والخِلاف؛ مما أكسبه اسم الحافظ بحقٍّ. توفي في ليلة السبت الثامن والعشرين ذي الحجة، وصلِّيَ عليه بمصلاة المؤمني، وحضر السلطان الظاهر جقمق الصلاةَ عليه، ودفِنَ بالقرافة، ومشى أعيان الدولة في جنازته من داره بالقاهرة من باب القنطرة إلى الرملة، وكانت جنازته مشهودة إلى الغاية، حتى قال بعض الأذكياء: إنه حزر من مشى في جنازته نحو الخمسين ألف إنسان، وكان لموته يومٌ عظيم على المسلمين، وحتى على أهل الذمَّةِ.