قرَّرت بريطانيا أن يكونَ شرق الأردن دولةً مُتمتِّعةً بالحكم الذاتي، يحكُمُها الأمير عبد الله بن حسين بن شريف مكةَ، بعد مقابلته لوزير المستعمرات البريطاني وينستون تشرشل، تمَّ الاتفاق بأن تقومَ في شرقي الأردن إمارةٌ ذاتُ حكومة تتمتَّعُ بالاستقلال الإداري وتسترشِدُ برأي المفوض السامي الإنجليزي في القدس، وتتقاضى من إنجلترا معونةً سنوية، فوقَّع الأميرُ عبد الله بن الحسين على صكِّ الانتداب البريطاني على شرق الأردن، فأعلَنَ عن تأسيس إمارة شرق الأردن تحت حُكمِ الأمير عبد الله بن الحسين، ثم تمَّ إنشاء حكومة دستورية في 11/4/1921م، وكان أوَّلُ رئيس لها رشيد طليع، وبذلك اختفت الحكوماتُ المحلية واندمجت في حكومةٍ واحدة هي حكومةُ إمارة شرقي الأردن، وماطلت بريطانيا في الاعترافِ بحكومة شرق الأردن حتى 25 أيار 1923 بعد الاعترافِ الرسميِّ مِن قِبَل المندوب السامي البريطاني بالحكومة الأردنية، وتمَّ تحديدُ حدود إمارة شرق الأردن التي كانت مُبهمةً وقت إعلان قيام الإمارة سنة 1921م.
تنازلت بريطانيا إثرَ إلغاء الخلافة سنة 1342هـ عن منطقة جوبا السفلي أقصى جنوبي الصومال، لإيطاليا، وكانت مِن قَبلُ تتبع كينيا، وأعطت كينيا مقابِلَ ذلك الأراضي الصومالية الواقعة شرق بحيرة رودولف، ثم بعد الحرب العالمية الثانية كَثُرَ الجدل في الأمم المتحدة حولَ الوصاية على الصومال، ثم فازت إيطاليا بالوصاية على القسم الجنوبي من الصومال، وحُدِّدت بعشر سنوات تنتهي في جمادى الآخرة 1379هـ / ديسمبر 1959م، وأما القسم الشمالي فللإنجليز الذين رغبوا بضَمِّ الصومال الإيطالي لتتِمَّ السيطرة على القرن الإفريقي كاملًا، ولما انتهت مدة الوصاية طالب الشعبُ الصومالي بالاستقلالِ، وجرت الانتخاباتُ، وشاركت الأحزابُ الداعية إلى وحدة الصومال واستقلاله، واجتمع ممثِّلون عن المنطقتين في شوال 1379هـ / نيسان 1960م، واتفقوا على دَمْج جزأي الصومال في جمهورية مستقلة، ومَنْح الصومالِ الإنجليزي الاستقلالَ في مطلع عام 1380هـ / 26 حزيران، وأعلن عن قيام جمهورية الصومال المستقلة، وانتُخِب آدم عبد الله عثمان أوَّلَ رئيس للجمهورية الجديدة، وأصبح اسم الدولة جمهورية صوماليا.
هي أكبرُ الجُزُرِ اليُونانيَّة، وخامسُ أكبرِ جَزيرة في البحرِ الأبيضِ المتوسِّط، وصَل المسلمون إلى كَرِيت في وقتٍ مُبَكِّر، إذ ضرَبوا الحِصارَ عليها ولم يَنتصِف القَرنُ الأوَّلُ الهجريُّ بعدُ؛ ولكنَّهم لم يَتمكَّنوا مِن فَتحِها، إذ أن قُوَّتَهم البَحريَّة لم تكُن قد تكامَلَت بعدُ. رَوَى البَلاذُرِيُّ: غَزا جُنادةُ بن أبي أُمَيَّة أَقْرِيطِش، فلمَّا كان زمن الوَليدِ بن عبدِ الملك فتَح بعضَها ثمَّ أغلق، وغَزاها حُمَيدُ بن مَعْيوفٍ الهَمْدانيُّ في خِلافَة الرَّشيدِ ففتَح بعضَها، وكان المسلمون قد شُغِلوا بالقِتالِ في جَبَهاتٍ أُخرى، مما أعان على بَقاءِ حُكْمِ الرُّومِ في كَرِيت؛ ولكنَّه لم يكُن وَطِيدَ الدَّعائِم للاخْتِلاف في مَذاهِب الدِّين بين الحاكِمين والمَحْكومين.
كانت سوريا قد دخلت في الوَحدة مع مصر من تاريخ 1958م وتأسَّست الجمهورية العربية المتحدة، ثم تمَّ إلغاءُ الوحدة بعد أن رأى السوريون أنهم لم يتسَلَّموا أي سلطات تُذكَر تحت السيادة المصرية، وبعد أن تمَّ الانفصال في 28 أيلول 1961م وصل حزبُ البعث السوري إلى السلطة في سوريا في ثورة الثامن آذار (مارس) 1963م، وكان مشيل عفلق (نصراني) هو رئيس الحزب ومُنَظِّره، وبعد نجاح الانقلاب كُلِّف صلاح الدين البيطار (سُني بعثي) بتشكيل الوزارة الجديدة، وأصبح أمين الحافظ (سُني بعثي) رئيسًا للبلاد. وتولى البيطار الوزارة 4 مرات، إلى أن انقلب عليهم صلاح جديد (نصيري بعثي) عام 1966م.
اشتَدَّت الوحشةُ بين مُؤنِسٍ الخادمِ والمُقتَدِر بالله، وتفاقَمَ الحالُ وآل إلى أن اجتَمَعوا على خَلعِ المُقتَدِر وتولية القاهِرِ محمَّد بن المعتضد، فبايعوه بالخلافةِ وسَلَّموا عليه بها، ولقَّبوه القاهر بالله، وذلك ليلة السبت النصف من المحرم، وقَلَّدَ عليَّ بنَ مقلة وزارته، وولى نازوك الحُجُوبة مضافًا إلى ما بيده من الشُّرطة، وألزم المقتَدِر بأن كتب على نفسِه كتابًا بالخَلعِ مِن الخلافة، وأشهد على نفسِه بذلك جماعةً من الأمراء والأعيان، وسلَّم الكتاب إلى القاضي أبي عمر محمد بن يوسُف، فقال لولده الحُسَين احتفظ بهذا الكتابِ، فلا يريَنَّه أحَدٌ مِن خَلقِ الله، ولَمَّا أعيدَ المقتَدِرُ إلى الخلافة بعد يومينِ رَدَّه إليه، فشَكَره على ذلك جدًّا وولَّاه قضاءَ القُضاةِ، فلمَّا كان يوم الأحد السادس عشر من المحرم جلس القاهِرُ بالله في منصب الخلافة، وجلس بين يديه الوزيرُ أبو علي بن مقلة، وكتب إلى العُمَّال بالآفاق يُخبِرُهم بولاية القاهِرِ بالخلافة عِوضًا عن المقتدر، فلما كان يوم الاثنين جاء الجندُ وطلبوا أرزاقَهم وشَغَّبوا، وبادروا إلى نازوك فقَتَلوه، وكان مخمورًا، ثمَّ صلبوه، وهرب الوزيرُ ابنُ مقلة، وهرب الحُجَّاب ونادوا يا مُقتَدِرْ يا منصور، ولم يكن مؤنسٌ يومئذٍ حاضِرًا، وجاء الجندُ إلى باب مؤنسٍ يُطالِبونَه بالمُقتَدِر، فأغلق بابَه دونهم، فلما رأى مؤنِسٌ أنَّه لا بُدَّ مِن تسليم المقتَدِر إليهم أمَرَه بالخروج، فخاف المقتَدِرُ أن يكون حيلةً عليه، ثم تجاسَرَ فخرج فحَمَلَه الرجالُ على أعناقهم حتى أدخلوه دارَ الخلافة، فسأل عن أخيه القاهرِ وأبي الهيجاء بن حمدان ليكتُبَ لهما أمانًا، فما كان عن قريبٍ حتى جاءه خادِمٌ ومعه رأسُ أبي الهيجاء قد احتَزَّ رأسَه وأخرجه من بين كتفيه، ثم استدعى بأخيه القاهر فأجلَسَه بين يديه واستدعاه إليه، وقبَّلَ بين عينيه، وقال: يا أخي أنت لا ذنبَ لك، وقد علمتُ أنَّك مُكرَهٌ مقهورٌ، والقاهرُ يقول: اللهَ اللهَ، نفسي يا أمير المؤمنين، فقال: لا جرى عليك مني سوءٌ أبدًا، وعاد ابنُ مقلة فكتب إلى الآفاقِ يُعلِمُهم بعَودِ المقتدر إلى الخلافة، ورجَعَت الأمورُ إلى حالها الأوَّل، وكان ابنُ نفيس من أشَدِّ الناس على المقتدر، فلما عاد إلى الخلافةِ خرج من بغداد متنكِّرًا فدخل الموصل، ثم صار إلى إرمينية، ثم لحِقَ بالقسطنطينيَّة، فتنصر بها مع أهلِها، وقرَّرَ أبا علي بن مقلة على الوزارةِ، وولَّى محمد بن يوسف قضاءَ القضاة، وجعل محمَّدًا أخاه - وهو القاهِرُ - عند والدته بصفةِ محبوسٍ عندها، فكانت تحسِنُ إليه غايةَ الإحسان، وتشتري له السراريَّ وتُكرِمُه غايةَ الإكرامِ.
خرج الأميرُ بَيدمر نائِبُ الشام عن الطاعة، وبموافقةِ جماعةٍ مِن الأمراء له على ذلك، منهم أسَنْدَمر أخو يَلبغا اليحياوي، والأمير مَنجَك وجماعة، وأنه قام لأخذ ثأر السُّلطانِ حسن، وأفتاه جماعةٌ من الفقهاء بجواز قتال قاتِلِه الذي تغَلَّب على المُلك- يعني الأمير يَلْبُغا- ومنع البريدَ أن يمُرَّ مِن الشام، وجَهَّزَ الأمير مَنجَك والأمير أَسَندَمُر الزيني في عسكَرٍ إلى غزة، فحاربوا نائِبَها ومَلَكوها، فنصب الأميرُ يَلبُغا السَنْجقَ السلطاني، وتقَدَّمَ إلى الأمراء بالتجهيز للسفر، وأخرج الأميرَ قَشَتمر نائب السلطة إلى جهة الصعيد في عسكَرس ليحفظ تلك الجِهةَ في مُدَّة الغيبة بالشام، وأُقيم الأمير شرف الدين موسى بن الأزْكَشي نائب الغيبة، وخَرَجت طلابُ الأمراء شيئًا بعد شيءٍ، وركب السلطانُ في أول شهر رمضانَ مِن قلعة الجبل، ونزل خارِجَ القاهرة، ثم رحل وصحبته الخليفةُ والأمراء، وتاج الدين محمد بن إسحاق المناوي قاضى العسكر، وسراج الدين عمر الندى قاضي العسكر، فرحل الأميرُ منجَك بمن معه من غَزَّة، عائدًا إلى دمشق، فنزل بها السلطانُ بعساكره وجلس الأميرُ يلبغا لعَرضِ العسكر، ثم ساروا جميعًا إلى دمشق، وخيَّموا بظاهرها، فخرج إليهم أكثَرُ أمراء دمشق وعسكَرُها راغبين في الطاعة، حتى لم يبقَ مِن الأمراء مع بيدمر سوى مَنجَك وأسندمر- وقد امتنعوا بالقلعة- فترددت القضاةُ بين الفريقين في الصُّلحِ حتى تقرر، وحَلَف لهم الأميرُ يَلُبغا على ذلك، فاطمأنُّوا إليه ونزلوا من القلعة، فركبَ السلطانُ بعساكره صبحَ يوم الاثنين تاسع عشرين شهر رمضان، ودخَلَ إلى دمشق وقبض على الأمير بيدمر والأمير منجك والأمير أسندمر، وقُيِّدوا، فأنكر ذلك جمال الدين يوسف بن محمد المرداوي الحنبلي قاضي دمشق، وصار إلى الأمير يَلْبُغا، وقال له: لم يقع الصلحُ على هذا فاعتذر بأنَّه ما قصد إلا إقامةَ حُرمةِ السلطان، ووعد بالإفراجِ عنهم، فلما انصرف بعث بهم إلى الإسكندريَّة، فسُجِنوا بها، وصَعِدَ السلطان إلى قلعة دمشق، وسكَنَها، واستبد الأميرُ يَلْبُغا بتدبير الأمورِ في الشام، على عادتِه في مصر، واستقَرَّ الأمير علاء الدين أمير علي نائب الشام عوضًا عن الأمير بَيدمر، واستقر الأميرُ قطْلُوبُغا الأحمدي رأس نوبة في نيابة حلب عوضًا عن الأمير أحمد بن القَشتمري، ثم سار السلطانُ بعساكره من دمشق في يوم الأحد، فلمَّا قرب من القاهرة دُقَّت البشائر بقلعة الجبل، وزُيِّنَت القاهرة ومصر زينة عظيمة، وصعد إلى قلعته في يوم الاثنين عشرين شوال، وفيه قدم الأمير قَشْتَمُر النائبُ مِن الوجه القبلي.
هو المَلِكُ المظَفَّر شمس الدين أبي المظفَّر يوسف بن الملك المنصور نور الدين عمر بن علي بن رسول التركماني صاحِبُ اليمن المظفَّر صاحب اليمن. قُتِلَ أبوه وعمره ستٌّ وأربعون سنة، فقام هو بالأمر من بعده. توفِّيَ المظفَّر في شهر رمضان وكانت مُدَّةُ حُكمِه نحوَ خمسٍ وأربعين سنةً، وكانت سيرتُه جيدة، وملك بعده ابنُه الملك الأشرف ممهد الدين عمر، فنازعه أخوه المَلِك المؤيد هزبر الدين داود وجمع لقتاله، وحاصر عدن ثلاثةَ عشَرَ يومًا وملَكَها وأخذ الأموالَ بغير حق، وسار يريد تعز، فبعث إليه الأشرف جيشًا قاتله وأسَرَه وحمله إليه، فاعتَقَله.
ضرَبَت إسرائيلُ المفاعِلَ النَّووي الذي أقامته فَرنسا على بُعْد عشرةِ أميالٍ ونصف الميل جنوب شَرق بغدادَ، واشتَرَكت في العمليةِ 8 طائرات (فالكون - ف16) مُقاتِلة وقاذِفة، في بطْنِ كلٍّ منها 900 كيلو جرام قنابل ثَقيلة، مُوجَّهة بأشعَّة اللِّيزر، تُغطِّيها 8 طائراتٍ أُخرى (إيجل - ف15) مُزَّودة بصواريخ جو - جو، مِن طُراز «سبارو» و«سسايدوندر»، وبها خزاناتُ وَقودٍ إضافية، وأجهزةُ تَشويشٍ إلكتُرونية.. وقد عبَرت الطائراتُ خليجَ العقبةِ على عُلُوٍّ منخفضٍ.. وبعْدَ 1200 ميل قطعَتْها الطائراتُ بسُرعةِ 600 عقدةٍ، وصلَت إلى الهدفِ في الساعة السادسةِ و25 دقيقة بالتوقيتِ المحلِّي.. وفي ذلك التوقيتِ ارتفَعَت مَجموعةُ القاذفاتِ لِتُفْرِغَ ما في أحشائها مِن قنابلَ فوق قُبة المفاعل النَّووي الضخمةِ التي تقَعُ في ضاحية «التوثية» القريبة مِن بغدادَ، والتي تَحوطُها تِلالٌ صغيرةٌ وأشجارُ نَخيلٍ مُثمرةٌ.. استغرَقَت العمليةُ 3 دقائقَ، ثم انسحَبَت بعدها الطائراتُ بزاويةٍ تجعَلُها تَتلافى صواريخَ سام السُّوفيتية.. وتريَّثَت الطائراتُ قليلًا لِتَلتقِطَ صورًا جويةً للذِّكرى والعِبرةِ.. وقد أصدَرَت إسرائيلُ بيانًا أكَّدت فيه نَجاح التدميرِ بلا خسائرَ بشريةٍ من الجانبينِ.. ويُذكَر أن يومَ تنفيذَ العملية كان يومَ إجازةِ الخُبراء الأجانبِ، وعددُهم مائةُ خَبيرٍ.
بعدَ أن هُزِمَ الفُرْسُ في النَّمارِق وما بعدَها اجتمعوا إلى رُسْتُم فأرسل جيشًا كثيفًا ومعهم رايةُ كِسرى ورايةُ أفريدون فالتقوا مع المسلمين وبينهم جِسْرٌ فعَبَر أبو عُبيدِ بن مَسعودٍ الثَّقفيُّ الجِسْرَ إليهم وجَرَت المعركةُ، وكانت فِيَلَةُ الفُرْسِ تُؤذي المسلمين وتُؤذي خُيولَهم، فقُتِل عددٌ مِن قادَةِ المسلمين منهم أبو عُبيدٍ القائدُ، واسْتَحَرَّ القَتلُ في المسلمين فمَضَوْا نحوَ الجِسْر فقَطَعهُ أحدُ المسلمين وقال: قاتِلوا عن دِينِكُم. فاقْتَحَم النَّاسُ الفُراتَ فغَرِقَ ناسٌ كثيرٌ، ثمَّ عقَد المُثَنَّى الجِسْرَ وعَبَر المسلمون واسْتُشْهِد يَومئذٍ مِن المسلمين ألفٌ وثمانمائةٍ، وقِيلَ أربعةُ آلافٍ بين قَتيلٍ وغَريقٍ، وانحاز بالنَّاس المُثَنَّى بن حارِثةَ الشَّيبانيُّ.
هو أبو فِراسٍ الحارِثُ بنُ سعيد بن حمدان بن حمدون الحمداني ابنُ عَمِّ ناصر الدولة وسيف الدولة ابني حمدان، كان رأسًا في الفروسية والجُود, وبراعةِ الأدب وكان شاعِرًا وأميرًا, قال الصاحِبُ بن عبَّاد: " بُدئَ الشِّعرُ بمَلِك وهو امرؤُ القَيسِ, وخُتِمَ بمَلِك وهو أبو فراسٍ". فكان عامِلَ منبج لسيفِ الدَّولة الحمداني، وله وقائِعُ كثيرة. أُسِرَ مِن قِبَلِ الرومِ، وبقي أربع سنين في أسْرِهم، تناوَلَ في شِعرِه تَشَيُّعَه لآل البيت. أمَّا سبَبُ قَتلِه فأنَّه كان مقيمًا بحمص، فجرى بينه وبين أبي المعالي بن سيفِ الدولة بن حمدان وحشةٌ، فطلبه أبو المعالي، فانحاز أبو فِراسٍ إلى صدد، وهي قرية في طرفِ البرية عند حمص، فجمع أبو المعالي الأعرابَ مِن بني كلاب وغيرهم، وسَيَّرَهم في طلبه مع قرعويه، فأدركه بصدد، فكَبَسوه، فاستأمن أصحابُه، واختلط هو بمن استأمَنَ منهم، فقال قرعويه لغلامٍ له: اقتُلْه، فقَتَله وأخَذَ رأسَه، وتُرِكَت جُثَّتُه في البرية، حتى دفنها بعضُ الأعراب. له ديوانٌ مشهور. قُتِلَ وكان عمُرُه سبعًا وثلاثين سنة.
حضر قَومٌ مِن مُسلِمي المدائِنِ إلى بغداد، فشَكَوا من يهودِها، وقالوا: لنا مسجِدٌ نؤذِّنُ فيه ونصَلِّي، وهو مجاورُ الكنيسة، فقال لنا اليهودُ: قد آذيتُمونا بكثرةِ الأذان، فقال المؤذِّنُ: ما نبالي بذلك، فاختَصَموا، وكانت فتنةٌ استظهر فيها اليهودُ، فجاء المسلمون يشكونَ منهم، فأمَرَ ابنُ العطار، وهو صاحِبُ المخزن، بحَبسِهم، ثم أُخرِجوا، فقصدوا جامِعَ القصر، واستغاثوا قبلَ صلاةِ الجُمعةِ، فخَفَّف الخطيبُ الخُطبةَ والصلاة، فعادوا يستغيثونَ، فأتاهم جماعةٌ مِن الجند ومَنَعوهم، فلمَّا رأى العامَّةُ ما فعل بهم غَضِبوا نصرةً للإسلام، فاستغاثوا، وقالوا أشياءَ قبيحة، وقلعوا طوابيقَ الجامع، ورَجَموا الجندَ فهَرَبوا، ثم قصَدَ العامَّةُ دكاكين المخَلِّطين، لأنَّ أكثَرَهم يهود، فنَهَبوها، وأراد حاجِبُ الباب منعهم، فرجموه فهَرَب منهم، وانقلَب البلد وخَرَّبوا الكنيسة التي عند دار البساسيري، وأحرقوا التوراةَ فاختفى اليهود، وأمر الخليفة أن تُنقَضَ الكنيسةُ التي بالمدائن وتُجعَلَ مَسجِدًا ونُصِبَ بالرحبةِ أخشابٌ ليُصلَبَ عليها قومٌ من المفسدين، فظَنَّها العامةُ نُصِبَت تخويفًا لهم لأجلِ ما فعلوا، فعَلَّقوا عليها في الليلِ جِرذانًا ميتةً، وفي الصباح أُخرِجَ جماعةٌ مِن الحبسِ لُصوصٌ فصُلِبوا عليها.
قام أميرُ الصرب جورج برنكوفتش بمهاجمة السلطان مراد الثاني العثماني، واستطاع أن يفتح جزءًا من بلاد الصرب، وحاصر مدينة بلغراد ستة أشهر، وغادرها أميرها نائب السلطان العثماني متوجهًا إلى بلاد المجر، ثم غادرها أيضًا, وأرسل جيشه للهجوم على ترانسلفانيا من أملاك المجر -تقع في الجزء الغربي من رومانيا- غير أن جيشه هُزم، وقُتل قائِدُه مع عشرين ألفًا من جند المسلمين، وانسحب العثمانيون إلى ما بعد نهر الدانوب، فأرسل السلطان مراد الثاني جيشًا آخر قوامه ثمانون ألفًا غير أنه هُزِمَ، وأُسر قائده سنة 845، وسار الجيش المجري بعد ذلك إلى بلاد الصرب، فالتقى في هذا العام بالسلطان مراد الثاني نفسه، فنشبت بين الفريقين ثلاثة معارك هُزم فيها السلطان كلها، واضطر إلى توقيع معاهدة تنازل فيها السلطان عن الأفلاق للمجر، ورَدَّ الصرب بعض المواقع، وكانت مدة هذه الهدنة عشر سنين، ويُذكر أنه اشترك مع الجيش المجري أعداد من الصليبيين من بولندا وفرنسا وألمانيا والبندقية وجونيه وأفلاق وصرب وغيرهم، ولكن البابا لما بلغه خبر هذه المعاهدة أرسل مندوبًا مِن قِبَلِه، وهو سيزاريني- إلى ملك المجر، وأمره أن يرفضَ هذه المعاهدة وينقُضَها.