مَلَك العادِلُ أبو بكرِ بنُ أيوبَ مدينةَ يافا من الساحِلِ الشاميِّ وهي بيد الفرنج، وسَبَبُ ذلك أنَّ الفرنجَ كان قد مَلَكَهم الكند هري، وكان الصُّلحُ قد استقَرَّ بين المسلمين والفرنج أيَّامَ صلاح الدين الأيوبي، فلما توفِّيَ ومَلَك أولادُه بعده، جَدَّد المَلِكُ العزيزُ عثمان بن صلاح الدين الهُدنةَ مع الكند هري وزاد في مُدَّة الهدنة، وبَقِيَ ذلك إلى هذه السَّنة، وكان بمدينةِ بيروت أميرٌ يُعرَفُ بأسامة، وهو مقطِعُها، فكان يُرسِلُ الشواني تقطَعُ الطريقَ على الفرنج، فاشتكى الفرنجُ مِن ذلك غيرَ مَرَّةٍ إلى الملك العادل بدمشق، وإلى المَلِك العزيز بمصر، فلم يمنعا أسامةَ مِن ذلك، فأرسلوا إلى مُلوكِهم الذين داخِلَ البحر يَشتَكون إليهم ما يفعَلُ بهم المسلمون، ويقولون: إن لم تُنجِدونا، وإلَّا أخَذَ المسلمون البلاد، فأمَدَّهم الفرنجُ بالعساكِرِ الكثيرة، وكان أكثَرُهم مِن مَلِك الألمان، وكان المقَدَّم عليهم قسيس يُعرَفُ بالخنصلير، فلما سَمِعَ العادل بذلك أرسل إلى العزيزِ بمصرَ يَطلُبُ العساكِرَ، وأرسل إلى ديارِ الجزيرة والموصل يَطلُبُ العساكر، فجاءته الأمدادُ واجتمعوا على عين جالوت، فأقاموا شَهرَ رمضان وبعضَ شوال، ورحلوا إلى يافا، وملكوا المدينةَ، وامتنع مَن بها بالقلعةِ التي لها، فخَرَّب المُسلِمونَ المدينة، وحَصَروا القلعةَ، فمَلَكوها عَنوةً وقهرًا بالسَّيفِ في يومها، وهو يومُ الجمعة، وأُخِذَ كلُّ ما بها غنيمةً أسرًا وسَبيًا، ووصل الفرنجُ من عكَّا إلى قيسارية؛ ليَمنَعوا المسلمين عن يافا، فوصلهم الخبَرُ بها بمِلكِها فعادوا، وكان سبَبُ تأخُّرِهم أنَّ مَلِكَهم الكندي هري سَقَط من موضعٍ مُرتفعٍ بعكَّا فمات، فاختَلَّت أحوالُهم فتأخَّروا لذلك.
هو المعزُّ إسماعيلُ بنُ سيف الإسلام ظهير الدين طغتكين بن نجم الدين أيوب. وسَبَبُ قتله قِلَّةُ عَقلِه، وما كان ادَّعاه من الدعاوى الكاذبة بعد تملُّكِه اليمن بعد أبيه. جَرَت له بها حروبٌ، منها: أنه خرج عليه الشريفُ عبد الله بن عبد الله الحسنى، وضرب معه مصافًّا، فانكسر الشريف, ثم خرج عليه مِن مماليك أبيه نحو ثمانمائة مملوك، وحاربوه، واعتصموا بصنعاء، فكَسَرهم، وأخذها منهم, ثم ادَّعى بعد ذلك الخلافة، وانتسب إلى بنى أميَّة، وجعل شعاره الخُضرةَ، وقطع خُطبةَ بنى العباس، وخطب لنفسه بالخلافةِ على منابر اليمن، وخطب بنَفسِه على المنبر يوم الجمعة.
وادَّعى الربوبيَّة، وأمَرَ كاتِبَه أن يكتُبَ: «من مقر الإلهية»، ثم نهى عن ذلك، خوفًا من القَتلِ، ولما بلغ عمَّه الملكَ العادِلَ دعواه النسبَ إلى بنى أمية، أنكره وساءه فِعلُه، وجحد أن يكونَ لبنى أيوب نَسَبٌ يتصل ببنى أمية, وخافته مماليكُ أبيه لهَوجِه وسَفَهه، ففارقوه وتحَزَّبوا عليه وحاربوه، ووافقهم على ذلك جماعةٌ مِن أمراء الأكراد، فاتفقوا كلُّهم على قتله، وضربوا معه مصافًّا، فكسروه وقتلوه، ونَصَبوا رأسَه على رمحٍ، وداروا به ببلادِ اليمن، ونهبوا زبيدَ تسعة أيامٍ, وكان له أخٌ صغير يلقَّب بالملك الناصر، فجعلوا له اسم السَّلطنة، ورُتِّبَ له سيف الدين سنقر كان مملوكًا لوالده, ثم اضطربت الأمور على سيف الدين سنقر، وتحزَّبَت عليه العساكر وقاتلوه، وجرَت بينهم حروب كثيرة، انتصر في آخِرِها وقتل جماعةً من الأكراد والأتراك، وحَبَس جماعة، وصَفَت له اليمنُ. ثم مات بعد أربع سنين.
قَدِمَ المجدُ السلامي على البريدِ مِن عند الملك أبي سعيد بن خربندا في طلب الصُّلحِ، فخرج القاضي كريم الدين الكبير إلى لقائه، وصَعِدَ به إلى القلعة، فأخبر المجد السلامي برغبةِ جوبان وأعيان دولة أبي سعيد في الصلحِ، وأنَّ الهديَّةَ تَصِلُ مع الرسل، فكَتَب إلى نائبي حلب ودمشق بتلقِّي الرسُلِ وإكرامِهم، فقدم البريدُ بأن سليمان بن مهنا عارض الرُّسُل، وأخذ جميعَ ما معهم من الهَديَّة، وقد خرج عن الطاعةِ لإخراجِ أبيه مهنَّا من البلاد وإقامةِ غيرِه في إمرة العرب، ثمَّ قَدِمَت الرسل بعد ذلك بالكُتُب، وفيها طلب الصلحِ بشُروطٍ: منها ألا تدخُلَ الفداوية إليهم، وأنَّ مَن حضر من مصر إليهم لا يُطلَبُ، ومن حضر منهم إلى مصرَ لا يعود إليهم إلَّا برضاه، وألَّا يُبعَث إليهم بغارة من عَرَب ولا تُركمان، وأن تكون الطريقُ بين المملكتين مفتوحةً تسير تجارُ كُلِّ مملكة إلى الأخرى، وأن يسيرَ الركبُ من العراق إلى الحجاز في كلِّ عامٍ بمَحمَلٍ ومعه سنجق فيه اسمُ صاحِبِ مِصرَ مع سنجق أبي سعيد ليتجَمَّلَ بالسنجق السلطانيِّ، وألا يُطلَب الأميرُ قراسنقر، فجمع السلطانُ الأمراءَ واستشارهم في ذلك بعدما قرأ عليهم الكتاب، فاتفق الرأي على إمضاءِ الصلحِ بهذه الشروط، وجُهِّزَت الهدايا لأبي سعيدٍ, وفيها خِلعةٌ أطلس باولي زركش، وقباءٌ تتَرِيٌّ وقرقلات وغير ذلك، ممَّا بلغت قيمته أربعين ألف دينار، وأعيد الرسُلُ بالجوابِ، وفيه ألَّا يُمكَّنَ عَرَبُ آل عيسى من الدخول إلى العراق، فإنَّ العَسكَرَ واصِلٌ لقتالهم، وسافر السلامي على البريد يُبَشِّرُ بعود الرسُلِ بالهَديَّة.
هو الشَّيخُ الإمامُ العلَّامة الناقِدُ في فنون العلوم: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن الشيخ عماد الدين أحمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد بن عبد الهادي بن يوسف بن محمد بن قدامة المقدسي الحنبلي، من تلاميذ شيخِ الإسلامِ ابنِ تيميَّةَ. كان مولِدُه في رجب سنة 705. توفي ولم يبلغِ الأربعين، وكان قد حَصَّل من العلومِ ما لا يَبلُغُه الشُّيوخُ الكبار، وتفَنَّنَ في الحديث والنحو والتصريف والفقه والتفسير والأصلين، والتاريخ والقراءات، وله مجاميعُ وتعاليقُ مُفيدة كثيرة, وكان حافِظًا جيِّدًا لأسماءِ الرجال وطُرُقِ الحديث، عارفًا بالجَرحِ والتعديل، بصيرًا بعِلَلِ الحديث، حَسَن الفَهمِ له، جَيِّد المذاكرة، صَحيحَ الذِّهنِ مُستقيمًا على طريقةِ السَّلَفِ، واتِّباع الكِتابِ والسنَّة، مثابرًا على فِعلِ الخيرات، ومن مصنَّفاته كتاب العلل، وهو مؤلِّفُ كِتاب العقود الدريَّة في مناقب شيخِ الإسلامِ ابنِ تيميَّة، وله كتاب قواعد أصول الفقه، وفضائل الشام، والأحكام في الفقه، وغيرها كثير, وكان قد مَرِضَ قريبًا من ثلاثة أشهر بقُرحة وحُمَّى سُل، ثم تفاقم أمرُه وأفرط به إسهالٌ، وتزايد ضَعفُه إلى أن توفِّيَ يوم الأربعاء عاشرَ جمادى الأولى قبل أذانِ العصر، وكان آخِرَ كلامِه أنْ قال: أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وأشهَدُ أنَّ مُحمَّدًا رَسولُ الله، اللهُمَّ اجعَلْني من التوَّابينَ واجعَلْني من المتطَهِّرينَ، فصُلِّيَ عليه يومَ الخميس بالجامِعِ المظفري وحضر جنازتَه قُضاةُ البلد وأعيانُ الناس من العلماء والأمراء والتجَّار والعامة، وكانت جنازتُه حافلةً، ودُفِن بالروضة.
هو العلامة الفقيه المحدث القاضي الشاعر الأديب قاضي القضاة محبُّ الدّين أبو الوليد محمد بن محمد بن محمود بن غازي ابن أيوب بن الشِّحنة محمود، والشِّحنة جدُّه الأعلى محمود، الشهير بابن الشِّحنة التُّركي الأصل الحلبي الحنفي، وأسرة آل الشحنة المشهورين بحلب من قبيلة ثقيف، وظهر منهم علماء أجلاء. ولد أبو الوليد سنة 749، وحفظ القرآن العظيم وعدة متون، وتفقَّه وبرع في الفقه، والأصول، والنحو، والأدب، وأفتى ودرّس، وتولى قضاء قضاة الحنفية بحلب، ثم دمشق، إلى أن قبض عليه الظَّاهر برقوق، وقدم به إلى القاهرة، ثم أُفرِجَ عنه ورجع إلى حلب، فأقام بها إلى أن قبض عليه الملك الناصر فرج سنة 813 لقيامه مع جماعةٍ على الناصر، ثم أفرج عنه فقدمَ القاهرة، ثم عاد إلى دمشق بصحبة الملك الناصر سنة أربع عشرة، فلما انكسر الناصر وحوصر بدمشق ولَّاه قضاء الحنفية بالقاهرة، فلم يتمَّ؛ لأنه لما أزيلت دولة الناصر أعيد ابن العديم لقضاء الدِّيار المصرية، واستقرَّ ابن الشِّحنة في قضاء حلب ودرس بدمشق. قال ابن حجر: "كان كثير الدعوى والاستحضار، عالي الهمَّة، وعمل تاريخًا لطيفًا فيه أوهام عديدة، وله نظم فائق وخط رائق" له ألفية رجز تشتمل على عشرة علوم، وألفية اختصر فيها منظومة النَّسَفي وضم إليها مذهب أحمد. وله تآليف أخرى في الفقه، والأصول، والتفسير. توفي بحلب يوم الجمعة ثاني عشر ربيع الآخر. ومحب الدين هو والد أبي الفضل
نتيجةً لتحالف السعديين مع الإسبان والبرتغال ضِدَّ العثمانيين تحَّركت القوات العثمانية تحت قيادةِ صالح رايس والي الجزائر من قِبَل العثمانيين للوقوف مع أبي حسون الوطاسي وحصلت اصطدامات عسكرية بين قوات محمد الشيخ السعدي والقوات العثمانية قرب بادس التي رسا بها الأسطول العثماني، فلحقت الهزيمة بالقوات السعدية؛ مما أفسح المجالَ أمام العثمانيين لكي يواصلوا زحفهم نحو الداخل، وفي هذا العام سقطت مدينة تازة في يد العثمانيين الذين اشتبكوا مع السعديين في معاركَ متواصلة أهمُّها بكدية المخالي في ساحة فاس، عند ذلك تقدَّمت القوات العثمانية ومعها أبو حسون نحو فاس التي دخلتها في 3 صفر سنة 964, وأعلن الباب العالي ضمَّ المغرب إلى الدولة العثمانية بعد أن خطب الإمام للسلطان العثماني، مكث صالح رايس بمدينة فاس أربعة أشهر ضَمِن خلالها استقرار الأمور للدولة العثمانية، وخلال وجود صالح رايس في فاس لم يترك الجهادَ ضِدَّ الإسبان فأرسل فرقة من جيشه إلى الريف المغربي استرجع من الإسبان مَعقِلَهم الكبير باديس أو صخرة فالين كما يَدْعونها، كما حاول صالح رايس أن يستبدل الباشا العثماني أبا حسون بالشريف الإدريسي الراشدي بوبكر، بناء على اقتراح المرابطين الصوفيين للقيامِ على حكم فاس باسم السلطان العثماني، إلا أنَّ ثورة الأهالي اضطرَّت صالح رايس لإعادة أبي حسون إلى حكم فاس، فأذعن أبو حسون لشروط العثمانيين بشأنِ الحفاظِ على السيادة العثمانية من حيث الخطبةُ باسم السلطان العثماني، وإقامةُ حاميةٍ عثمانية في مقَرِّ بلاطه.
أرسل الشيخُ محمد بن عبد الوهاب والإمام عبد العزيز إلى والي مكة الشريفِ أحمد بن سعيد رسولًا بهدايا, وكان الشريفُ قد كاتبهما وطلب منهما أن يرسِلَا إليه فقيهًا وعالِمًا من جماعتهما يُبَيِّن حقيقة ما يدعونَ إليه من الدِّينِ، ويناظر علماءَ مكةَ، فأرسلا إليه الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الحصين، ومعه رسالة منهما, يقول ابن غنام: "لما وصل الشيخُ عبد العزيز الحصين على الشريفِ الملقب بالفعر، واجتمع هو وبعض علماء مكة عنده، وهم يحيى بن صالح الحنفي، وعبد الوهاب بن حسن التركي- مفتي السلطان- وعبد الغني بن هلال، وتفاوضوا في ثلاث مسائل وقعت المناظرة فيها: الأولى: ما نُسِبَ إلينا من تكفير العموم، والثانية: هدمُ القبابِ التي على القبور، والثالثة: إنكار دعوة الصالحين للشَّفاعة. فذكر لهم الشيخ عبد العزيز أنَّ نسبة التكفير بالعموم إلينا زورٌ وبهتان علينا, وأمَّا هدم القباب التي على القبورِ فهو الحقُّ والصوابُ، كما هو وارد في كثيرٍ مِن الكتب، وليس لدى العلماء فيه شَكٌّ, وأما دعوة الصالحين وطلب الشفاعة منهم والاستغاثة بهم في النوازل، فقد نص عليه الأئمة والعلماء وقرَّروا أنَّه مِن الشرك الذي فعله القدماء، ولا يجادِلُ في جوازه إلا ملحِدٌ أو جاهِلٌ, فأحضروا كتب الحنابلة فوجدوا أنَّ الأمر على ما ذكر فاقتنعوا, واعترفوا بأنَّ هذا دينُ الله، وقالوا هذا مذهب الإمام المعظَّم، وانصرف الشيخ عنهم مبجَّلًا معزَّزًا"
معاهدةٌ حدوديةٌ وُقِّعَت في العقير (ميناء قرب الأحساء)، كان الهدفُ منها إيجادَ حَلٍّ للخلاف بين الملك عبد العزيز والشريف حسين وأولاده في شرق الأردن والعراق، وأطماع الأتراك في الموصل، وقد مثَّلَ نجْدًا سلطانُ نجد عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، وكان صبيح بك نشأت وزيرَ المواصلات والأشغال عن الملك فيصل ملك العراق، أمَّا الكويت فقد مثَّلَها الميجور مور الوكيل السياسي البريطاني في الكويت طبقًا لاتفاقية الحماية البريطانية الكويتية الموقَّعة عام 1899م، والتي تمنَحُ بريطانيا حَقَّ إدارة شؤون الكويت الخارجية، وكان السير برسي كوكس المعتمد السياسي في الخليج يلعَبُ دور الوسيط في تلك الاجتماعات. بدأت الاجتماعات بين ممثِّل العراق صبيح بك، والملك عبدالعزيز، بدأ الطرفان بالتشَدُّد في مواقفهم، حيث طلب العراق أن تكون حدودُه على بعد 12 ميلًا من الرياض، بالمقابِلِ طلب ابن سعود كلَّ مناطق البدو الشمالية من حلب حتى نهر العاصي، وعلى جانب الشطِّ الأيمن للفرات وحتى البصرة، وطالب أيضًا بحدود قَبَلية بدلًا من حدود ثابتة، استمرت النقاشاتُ طوال خمسة أيام، أراد الجانب العراقي حدودًا لا تقل عن 200 ميل جنوب الفرات، بينما أراد الملك عبدالعزيز أن يتِمَّ تحديدُ الحدود باعتبار منازل القبائل الموالية لكُلِّ طَرفٍ بدلًا من الترسيم عن طريق الخرائط. في اليوم السادس من اللقاءات تمَّ رسمُ الحدود التي اعتُمِدَت من قِبَل الأطراف الثلاثة، وتقرر بناءً عليها إنشاءُ منطقتين محايدتين: الأولى بين الكويت والسعودية، والثانية بين العراق والسعودية.
آلُ رِفادةَ هم شُيوخُ قَبيلةِ بَلِيٍّ من قُضاعةَ اليَمانِيَةِ مِن سُكَّانِ شَمالِ الحِجازِ، كان حامِدُ بنُ سالِمِ بنِ رِفادةَ البَلَويُّ أحَدَ شُيوخِ قَبيلةِ بَلِيٍّ ومِن فُرْسَانِها المشهورينَ، ومَعروفٌ بحامِدٍ العورِ، وكانت له صَولاتٌ وجَولاتٌ في المنطقةِ، وله كَلِمةٌ مَسموعةٌ وثِقلٌ كَبيرٌ وإن لم تكُنْ له رِئاسةُ قَبيلةِ بَلِيٍّ، كانت علاقَتُه بالأشرافِ قَوِيَّةً ومِن الموالِينَ لهم، وبعد دُخولِ المَلِكِ عَبدِ العَزيزِ الحِجازَ بايَعَه الشَّيخُ إبراهيمُ بنُ رِفادةَ بوصْفِه شَيخَ مَشايِخِ بَلِيٍّ، في حينِ رَفَضَ الشَّيخُ حامِدٌ التسليمَ والدُّخولَ تحتَ حُكمِ ابنِ سُعودٍ، وقام بالتحَصُّنِ في مدينةِ الوَجهِ، فقام الشَّيخُ إبراهيمُ بنُ رِفادةَ بمُحاصَرتِه وإخراجِه مِنَ الوَجهِ، فخرج ثائرًا، واتَّجَه إلى شَرقِ الأُرْدُنِّ ثمَّ استقَرَّ به المقامُ بمِصرَ، وهو يفكِّرُ في العَودةِ إلى الحِجازِ لإخراجِ المَلِكِ عَبدِ العزيزِ منها، فأخَذَ يُحَرِّضُ الباديةَ في شَمالِ الحِجازِ عليه، ويَجمَعُ الأنصارَ حَولَه، وانضَمَّ إلى حرَكَةِ رابطةِ الدِّفاعِ عن الحِجازِ التي أسَّسَها مجموعةٌ من الشَّخْصِيَّاتِ الحِجازيَّةِ، ثمَّ انتَقَل ابنُ رِفادةَ مِن مِصرَ إلى شَمالِ الحِجازِ بقُوَّةٍ نحوِ 400 رجُلٍ، ولَمَّا عَلِمَ المَلِكُ عبدُ العزيزِ بتحَرُّكاتِه أرسل وَحَداتٍ عَسْكَريةً لتطويقِه، وكان ابنُ رِفادةَ قد وصَلَ إلى جَبَلِ شار بضِبَا واحتَمى فيه هو وأنصارُه، فتمكَّنَ المَلِكُ عبدُ العزيزِ مِن استدراجِه مِنَ الجَبَلِ هو وقُوَّاتِه، وأوقع بهم هزيمةً قُتِلَ فيها ابنُ رِفادةَ وثلاثةٌ مِن أبنائِه ومُعظَمُ قُوَّاتِه، وبذلك انتَهَت هذه الحَرَكةُ.
قدَّمت الدولُ العربية احتجاجًا إلى هيئة الأمم المتحدة، وإلى فرنسا؛ على الأعمال التي تقومُ بها فرنسا في المغرب، ورفعت مذكرات الاحتجاج من السعودية ومصر وسوريا والأردن، غير أنَّ فرنسا رفضت كلَّ ذلك، وأما مَلِكُ المغرب الملك محمد الخامس فقد قام بتقديمِ مذكِّرة إلى رئيس فرنسا أيَّدَ فيه مطالِبَ شَعبِه بالاستقلال، وإلغاء الحماية الفرنسية، ورفضت فرنسا كلَّ ذلك أيضًا، وقدَّمت العراق مذكِّرةً إلى هيئة الأمم المتحدة، وطلبت عرضَ القضية عليها وأيَّد العراق ثلاث عشرة دولة، وأعلن حزب الاستقلال واتحاد النقابات في المغرب الإضرابَ العامَّ تضامنًا مع تونس التي أضربت بسَبَبِ مَقتَلِ فرحات حشَّاد على أيدي السلطات الفرنسية، فاستغَلَّ الفرنسيون الفرصةَ وقاموا بمذبحةٍ في مدينة الدار البيضاء ذهب ضحيَّتَها أربعة آلاف مواطن، كما اعتقلوا زعماء حزب الاستقلال، ورؤساء اتحاد النقابات في المغرب، وأعلنوا حلَّ حزب الاستقلال، وعطَّلوا الصحف العربية، وقاموا بإجراءات تعسُّفية، وتفاقَمَ الوضع أكثر بعد أن نفى الفرنسيون الملكَ محمد الخامس إلى كورسيكا من قِبَل فرنسا في شهر ذي الحجة من هذا العامِ، فتضافر معظَمُ شعب المغرب وهَبَّ لتأييد المَلِك والعمل على إعادته، وانقض الثائرون على عددٍ كبير من المتعاونين مع فرنسا والموالين لها، ففتكوا بهم، وتجاوز الأمرُ الحمايةَ الفرنسية ووصل إلى منطقة الريف؛ حيث الحماية الأسبانية. وحاول الفرنسيون اغتيالَ بعض الشخصيات فزاد الاضطراب وقاطع السكانُ البضائعَ الفرنسية، ونشأ جيشُ التحرير السري الذي استطاع أن يقومَ ببعض العمليات الناجحة على ثكناتِ الجيش الفرنسي وعلى بعض مؤسَّساته، بل وصل إلى اغتيال بعضِ أفراده.
هو نور مُحمَّد تراقي أوَّلُ رئيسٍ لأفغانستانَ بعدَ الانقِلابِ الشُّيوعيِّ على مُحمَّد داود. وُلِدَ تراقي عامَ 1335هـ 1917م في قريةِ (ميدو) في ولاية غَزْنة، وسافَرَ في 1353هـ / 1934م إلى الهِنْد، وبَقِيَ في بومباي 4 سنواتٍ، وهناك اعتنَقَ الفِكْر الشيوعيَّ، وعندما رجَعَ إلى بلادِهِ عَمِلَ في مُؤسَّسة السُّكَّر التِّجاريَّةِ بوزارةِ الماليَّة، والتَحَقَ أيضًا بجامعةِ كابلَ، ثم ابتُعِثَ إلى أمريكا كمُلحَقٍ ثَقافيٍّ سنةَ 1373هـ، وبقي هناك مُدَّة أربَعِ سنواتٍ، ثم عاد إلى أفغانستانَ، وأسَّسَ عام 1385هـ / 1965م أوَّلَ نواةٍ للحِزْب الشُّيوعي الأفغانيِّ، وكان اللقاءُ الأوَّلُ في بيتِهِ، وانتُخِبَ أمينًا عامًّا للحِزْب بالإجماعِ، وفَشِلَ في الانتخاباتِ العامَّةِ التي جَرَتْ، وتسلَّمَ الحُكمَ نتيجةَ انقِلابٍ على الرئيس مُحمَّد داود، وتسلَّم تراقي رئاسةَ الجُمهوريةِ في جُمادى الأولى 1398هـ / نيسان 1978م واحتفَظَ لنفسه برئاسةِ الحُكومةِ، وعيَّنَ بابرك كارمل نائِبَهُ، واشتدَّتْ في عَهدِهِ أعمالُ العُنفِ في البلادِ، وجرتِ الدِّماءُ، وساد الإرهابُ، وخاف الناسُ، أمَرَ نورُ محمد تراقي بإخراج مُحمَّد داود من السجن، وقُتِلَ هو بعد قَتلِ أبنائِهِ الـ 29 أمامه، كما قَتَل جميعَ مُستشاريه ورجال حُكومتِهِ، كان محمد تراقي يُتقِن لُغةَ الأوردو، واللغةَ الإنجليزيَّةَ إضافةً إلى لُغتِهِ البَشْتو، وألَّفَ عددًا من الكُتُب، منها: (البقرةُ الصَّفْراء)، و (تعالَوْا لنبدأَ العَمَلَ)، و (اللَّحْم المُجفَّفُ)، وكُلُّها استِهْزاءٌ بالإسلامِ. وينتمي هو إلى قَبيلةِ البَشْتو، وكانت نهايةُ محمد تراقي على يَدِ صديقِهِ ورَفيقِهِ حفيظ الله أمين إثْرَ عَودتِهِ من (هافانا) عاصمةِ كوبا.
وُلِدَ ثناءُ الله المَدَني في قريةِ (كلس) في إقليم (البنجاب) في (باكستان) سنة 1360هـ، الموافق 1940م.
بدأ دراستَه الابتدائيَّةَ في قريتِه، وحَفِظَ القُرآنَ الكريمَ ثمَّ سافر إلى (لاهور) لإتمام دراستِه الجامعيَّة في جامعة أهلِ الحديثِ، وتخرَّج فيها سنة 1381هـ.
التحق بالجامعةِ الإسلاميَّة في المدينةِ المنوَّرة، في كليَّة الشَّريعةِ سنة 1383هـ، وتخرَّج فيها سنة 1388هـ، وهو من أوائِلِ المتخرِّجين في الجامعةِ الإسلاميَّة.
رجع إلى بلدِه مُدَرِّسًا وداعيًا، وواصَلَ الدِّراسةَ العُليا في جامعةِ البنجاب، ونال درجة الماجستير سنة 1393هـ، وفي السَّنة التي بعدها نال شهادةَ التخصُّص في اللُّغةِ العَرَبيَّةِ.
أخذ -رحمه الله- عن كثيرٍ من العُلَماءِ في باكستان والسُّعودية، منهم: الشَّيخ عبد الله الروبري شيخُ أهلِ السُّنَّة في باكستان، والشَّيخُ محمَّد بن إبراهيم آل الشَّيخ، والشَّيخُ محمَّد الأمين الشِّنقيطيُّ، والشَّيخُ عبدُ العزيز بن باز، والشَّيخُ محمَّد ناصر الدين الألباني.
كانت له مَقرآتٌ كثيرةٌ في أكثَرَ من بلدٍ يقرأ فيها كُتُبَ السُّنَّة، فأقرأ في الكويتِ الكُتُبَ السَّبعةَ، وأقرأ في الدوحة صحيحَ البخاريِّ والمُسنَد، وأقرأ في الرِّياضِ المسنَد، وأقرأ في مكَّة السُّنَن.
كتب شرحًا على سُنَن الترمذيِّ، سمَّاه: (جائزة الأحوذيِّ في التعليقاتِ على شَرحِ الترمذي)، وله شرحٌ على الشَّمائِلِ: (الوصائِلُ في شرح الشَّمائِلِ).
درَّس في عددٍ من الجامعاتِ والمدارسِ، وعُيِّن مديرًا للتعليمِ في الجامعةِ السَّلَفيَّة في فيصل آباد، ثم انتقل إلى جامعة لاهور الإسلاميَّة، واختير مُفتيًا لعمومِ أهلِ الحديثِ في باكستان سنة 1428هـ، كما شارك في عُضويَّة مجمَعِ فُقَهاءِ الشَّريعةِ بأمريكا.
تُوُفِّي رحمه الله عن عُمر 82 سنة.
علي مهدي محمد الرَّئيسُ الرابعُ للصُّومال ورئيس حزب الصومالي القومي المتَّحِد. انتخبه البرلمانُ الصوماليُّ في جلسته التي انعقدت في جِيبوتي في عام ١٤١١هـ الموافِق 1991م كرئيس للجمهوريةٍ، وذلك في الانتخاباِت التي أُجرِيَت بعد الإطاحةِ بالرَّئيسِ الأسبَقِ محمَّد سياد بري أواخِرَ عام ١٤١٠هـ الموافق 1990م.
وُلِدَ علي مهدي محمد عام ١٣٥٧هـ الموافق 1938م من أسرة صوفيَّة، فوالِدُه أحَدُ متَّبِعي الطريقةِ الإدريسيَّةِ، درس الابتدائيَّةَ والإعداديَّةَ في مقديشو، ودرس الثانويَّةَ العامَّةَ بمدرسة تابعة للإدارة الإيطاليَّةِ الوصيَّة على الحكومةِ الصوماليَّةِ آنذاك، ثم أكمل تعليمَه في كليَّةِ الاقتصادِ بجامعةِ القاهِرةِ، وعاد بعد ذلك إلى بلادِه، وأصبح عُضوًا في البرلمان. وبعد إطاحةِ الحزبِ الثَّوريِّ بقيادةِ سياد بري بالحكومةِ الديموقراطيَّةِ عام ١٣٨٩هـ الموافق 1969م عاد إلى مِصرَ، ثم رجع إلى الصومال وعَمِلَ مُوظَّفًا في وزارةِ الصِّحَّة، وتدرَّج في المناصِبِ إلى أن أصبح وكيلًا للوَزارةِ.
وبعدها تَرَك الوظيفةَ الحُكوميَّةَ وتفرَّغ للعمَلِ في التجارةِ حتى أصبح من كبارِ التِّجَّارِ في الصومال. في تلك الفترة انضَمَّ إلى تجمُّعٍ أسَّسَه مثَقَّفون وأكاديميون ووقَّعوا على عريضةٍ تُطالِبُ الرَّئيسَ بإصلاحاتٍ واسعةٍ في الصُّومالِ؛ فتمَّت مطاردتُهم ففَرَّ إلى إثيوبيا، وهناك انضَمَّ إلى حزبِ الصُّومالي القومي المتَّحِد، الذي استطاع أن يُطيحَ بالحكومةِ في نهايةِ عام ١٤١٠هـ الموافق 1990م، وفي عام 1411هـ الموافق 1991م عُقِد مؤتمر للمُصالحة في جيبوتي وتمَّ اختيارُه رئيسًا للصُّومالِ.
توفِّي في مستشفى بالعاصمة الكينيَّةِ نيروبي، عن عُمرٍ ناهز الـ 83 عامًا.
هو العلَّامةُ البليغُ، أبو الفَضلِ الحافِظُ أحمدُ بنُ الحُسَينِ بن يحيى الهَمَذانيُّ، الملقَّبُ ببديعِ الزَّمان، صاحِبُ الرَّسائِلِ الرَّائقة، والمقامات الفائِقة، اختَرَع نمطًا من الإنشاءِ عُرِفَ باسمِه، وعلى مِنوالِه نَسَجَ الحَريريُّ مَقاماتِه واحتَذى حَذوَه واقتفى أثَرَه، واعتَرَف في خُطبتِه بفَضلِه، وأنَّه الذي أرشَدَه إلى سُلوكِ ذلك المَنهَجِ، وهو أحَدُ الفُضَلاءِ الفُصَحاء. وُلِدَ في همذان وانتقَلَ إلى هراة سنة 380هـ فسكَنَها، سار إلى نيسابورَ وناظَرَ فيها أبا بكرٍ الخوارزميَّ فغَلَبَه بديعُ الزمانِ، فاشتَهَر بعدَها أكثَرَ، كان قويَّ الحافظةِ يحفَظُ القصائِدَ مِن أوَّلِ مَرَّة، له رسائِلُ ودِيوانُ شِعرٍ، قال عنه ابنُ خَلِّكانَ: "كان صاحِبَ عجائِبَ وبدائِعَ وغرائِبَ، فمنها: أنَّه كان يُنشَدُ القَصيدةَ لم يَسمَعْها قَطُّ وهي أكثَرُ مِن خمسينَ بيتًا فيحفَظُها كُلَّها ويؤَدِّيها مِن أوَّلِها إلى آخِرِها لا يَخرِمُ حَرفًا، وينظُرُ في الأربَعِ والخَمسِ الأوراقِ مِن كتابٍ لم يَعرِفْه ولم يَرَه مِن قَبلُ نَظرةً واحدةً خَفيفةً، ثمَّ يَهُذُّها عن ظَهرِ قَلبِه هَذًّا ويَسردُها سَردًا، وكان يُقتَرَحُ عليه عمَلُ قَصيدةٍ أو إنشاءُ رِسالةٍ في معنًى بديعٍ وبابٍ غَريبٍ، فيَفرُغُ منها في الوَقتِ والسَّاعةِ والجواب عنها فيها، وكان ربَّما يكتُبُ الكتابَ المُقتَرَح عليه فيَبتَدِئ بآخِرِ سُطورِه إلى السَّطرِ الأوَّلِ فيُخرِجُه كأحسَنِ شَيءٍ وأملَحِه، وكان مع هذا كُلِّه مَقبولَ الصُّورةِ خَفيفَ الرُّوحِ، حَسَنَ العِشرةِ، شَريفَ النَّفسِ، كريمَ العَهدِ، خالصَ الوُدِّ، حُلوَ الصَّداقةِ، مُرَّ العَداوة. كانت بينه وبينَ الخوارزميِّ مُنافرةٌ ومُناكَرةٌ ومُناظرةٌ بكَّتَه البديعُ فيها وأسكَتَه. تصَرَّفَت به أحوالٌ جميلةٌ وأسفارٌ كثيرةٌ، ولم يَبْقَ مِن بلادِ خُراسان وسجستان وغزنة بلدةُ إلَّا دخَلَها وجَنى ثَمرتَها واستفاد خَيرَها ومِيرَها، وألقى عصاه بهراة واتخَذَها دارَ قَرارِه ومَجمَعَ أسبابِه، وحين بلَغَ أشُدَّه وأربى على الأربعينَ سَنةً ناداه اللهُ فلَبَّاه وفارَقَ دنياه، فقامت عليه نوادِبُ الأدَبِ وانثَلَمَ حَدُّ القَلَم، على أنَّه ما مات مَن لم يَمُتْ ذِكْرُه، ولقد خَلَّدَ مَن بقي على الأيَّامِ نَثْرَه ونَظْمَه، ما هو غِذاءُ القَلبِ وقُوتُ النَّفسِ ومادَّة الأنس". توفِّيَ في هراة مسمومًا ولم يتجاوَز الأربعينَ مِن عُمُره، ويقالُ: إنَّه سُمَّ فأخَذَتْه سَكتةٌ، فدُفِنَ سَريعًا، ثمَّ عاش في قَبرِه، وسمعوا صُراخَه فنَبَشوا عنه فإذا هو قد مات وهو آخِذٌ على لحيتِه مِن هَولِ القَبرِ، وذلك يومَ الجُمُعةِ الحادي عشَرَ مِن جمادى الآخرة منها.
حصَلَت مذبحةٌ في مُخيَّم صبرا وشاتيلا للَّاجئين الفِلَسطينيِّين في لُبنان في شَهر سبتمبر 1982م، على يَدِ الميليشياتِ المارونيةِ أثناءَ الاحتلال الإسرائيلي لِبَيروت لبنان في خِضَمِّ الحرْب الأهلية اللُّبنانية، تحت قِيادة أيلي حبيقة، الذي أصبَح فيما بعْدُ عُضوًا في البرلمان اللُّبناني لمدَّةٍ طويلة، ووزيرًا عام 1990م، وأدَّت هذه المذبحةُ إلى قتْل ما يقرُبُ من 3500 من الرِّجال، والأطفالِ، والنساء، والشيوخِ المدنيِّين العُزَّل من السلاحِ. وفي ذلك الوقت كان المخيَّمُ مُطوقًا بالكاملِ مِن قِبَلِ الجيش الإسرائيليِّ الذي كان تحت قِيادة أرئيل شارون ورافائيل أيتان، والدرجةُ التي تورَّط بها الجيشُ الإسرائيلي محطُّ خلافٍ؛ ففي الخامس عشر مِن أيلول 1982 اجتاحَت القواتُ الإسرائيلية العاصمةَ اللُّبنانية بيروتَ في أولِ مُحاولةٍ لها لِدُخول عاصمةٍ عربية، وذلك منذ إنشاء الدَّولة العِبْرية سنة 1948، ودخَل الجيشُ الإسرائيليُّ بيروتَ الغربيةَ بعدما رُفِعَت المتاريس وأُزِيلَت الألغامُ، وبعد مُضِيِّ 14 يومًا على رَحيل المقاتلين الفلسطينيين عن بَيروت، وانقضاءِ يَومينِ على انسحابِ القواتِ المتعدِّدة الجنسيات مِن لُبنان، التي انسحَبَت قبل انتهاءِ مُدَّتها بأسبوعٍ، ومنذ اليومِ الأول لِدُخولها العاصمةَ أحكَمَت القواتُ الغازيةُ الطوقَ على مُخيَّميْ صَبرا وشاتيلا، ومنعَت الدخولَ إليهما والخروجَ منهما، ولم تَسمَحْ حتى للصحفيينَ المحلِّيين ومُراسلي الصحافةِ العالمية بدُخول المخيَّماتِ، وذلك لمدَّة ثلاثةِ أيام، وهي المدة التي نُفِّذَت فيها المذابحُ الجماعيةُ داخلَ المخيَّمين وسطَ تَعتيمٍ شامل، وفي الثامن عشر مِن أيلول فكَّت القواتُ الإسرائيلية الطوقَ عن المخيَّمين، لِيُكشَفَ عن مَذبحةٍ تَقشعرُّ لها الأبدانُ، وتُشكِّلُ مُنعطفًا خطيرًا في تاريخ الحضارةِ الإنسانية في هذا العصرِ، وقد اتَّهمت إسرائيلُ في البداية قواتِ العميلِ سعد حداد بارتكابِ المذابح، الذي نفَى ذلك نفيًا قاطعًا، وأعرَبَ عن استنكارِه الشديدِ للمجزرةِ التي وقعَت في المخيَّمات، وكي لا تُغضِبَ إسرائيلُ حليفَها سعد حداد، نفَت أن يكونَ لِقُواتِه دخلٌ في المذابحِ، وأعلنَت أن حزبَ الكتائبِ هو الذي قام بارتكابِ المجازر البشعةِ داخل المخيَّماتِ، وقالت: لقد حاوَلْنا منْعَ العناصرِ المتطرِّفة في الكتائب مِن ارتكابِ المجازر ضدَّ اللاجئينَ، وقال بَيان الحكومةِ الإسرائيلية: إنَّ الجيشَ الإسرائيلي أجبَرَ الميليشياتِ المسيحيةَ على مُغادرة المخيَّمين فورَ عِلمِه بوُقوع الحادثِ، إلا أنَّ القواتِ اللُّبنانيةَ ومجلسَ الأمن الكتائبيّ -على حدِّ تَعبيرِه- نَفَيَا ما تردَّد عن مُشاركة عناصرَ كتائبيةٍ في الأحداثِ التي جَرَت في المخيَّمات الفلسطينية في بَيروت الغربيةِ.