الموسوعة التاريخية

عدد النتائج ( 1740 ). زمن البحث بالثانية ( 0.016 )

العام الهجري : 1409 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 1988
تفاصيل الحدث:

كانت الجزائر ولا زالت متأثِّرةً بالاستعمار، ولم تكُنْ فيها الحرية الكافية؛ ليظهَر الشعب رجالًا ونساءً بالمظاهر الإسلامية، فانطلقت مظاهراتٌ كُبْرى مطالِبةً بالحريَّات، وفي 24 صفر 1409هـ - 5تشرين الأول 1988م سمحت الحكومةُ الجزائريةُ بشيء من الحرية، فأخذَت المظاهرُ الإسلامية تظهَر، وخاصةً لدَى النِّساء، فوصَمَها الغرب، وخاصةً فرنسا بالرجعيَّة والتخلُّف، فقامت ثُلَّة من النساء يُظهِرْنَ معارضتَهنَّ للتوجُّه الإسلامي، فخرجْنَ في مظاهرة وهنَّ سافراتٌ، وكنَّ بضع مئات، فأراد الشعبُ الجزائري أن يرُدَّ على هذه المظاهرة، فخرجت مظاهرةٌ نسائيَّة ضمَّت أكثرَ من مليون امرأةٍ بلباسِها المحتشِم ليُعرِّفْنَ العالَم أنهنَّ سيدات الجزائر لا تلكم السافرات، وكان هذا ممَّا خيَّب أمل الغرب بكل جهوده التي قضاها في البلاد دونَ حصاد، وفي صفر 1410هـ - أيلول 1989م أُعيد تشكيل الوزارة، وظهرت اتجاهات إسلاميَّة مثل: (الجبهة الإسلامية للإنقاذ) برئاسة عباس مدني، ومعه علي بلحاج، و(جمعية الإرشاد والإصلاح) برئاسة محفوظ نحناح، و(الطلائع الإسلامية)، و(اتحاد العلماء الجزائريين).

العام الهجري : 1428 الشهر القمري : ذي الحجة العام الميلادي : 2008
تفاصيل الحدث:

تُوفيَ الشيخُ صالحُ بنُ عبدِ الرحمنِ الأطرمُ عضوُ هيئة كبار العلماء، وأستاذُ الدراسات العُليا في قسمِ الفقهِ بكلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياضِ، إثْرَ مرضٍ مُزمنٍ لازَمَه سنواتٍ عدةً، والشيخُ حصَلَ على الدكتوراه من المعهد العالي للقضاء، وكان يتولَّى تدريسَ مادة الفقه المقارَن بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياضِ، بالإضافةِ إلى تدريسه لطلبة مرحلتَيِ الماجستير والدكتوراه في الكليةِ ذاتِها، وفي المعهد العالي للقضاءِ بالرياضِ، والشيخُ الأطرمُ من مواليد الزلفي، وقد التحَقَ منذ وقتٍ مبكرٍ بحلقاتِ العلماء، حيث تلقَّى العلم على يدِ نُخبةٍ من كبار علماء المملكةِ، وعلى رأسهم فضيلةُ العلَّامةُ الشيخُ محمدُ بن إبراهيم رحمه اللهُ، والشيخُ ابنُ بازٍ، ومن أبرز تلاميذه: الشيخُ عبدُ العزيزِ بنُ عبدِ اللهِ آلَ الشيخ (مفتي عام المملكة)، وفضيلةُ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، وغيرُهما.

العام الهجري : 1429 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 2008
تفاصيل الحدث:

هو المؤرِّخُ اليمنيُّ القاضي إسماعيلُ بن عليٍّ الأكوَعُ، تُوفِّي في مدينةِ صنعاءَ عن (87) عامًا، ودُفن في مقبرة "حدة" وشارك في تشييعِ الجنازة رئيسُ الجمهورية ورئيسُ مجلسِ القضاء الأعلى ورئيسُ مجلسِ الشورى وعددٌ كبيرٌ من العُلَماء والمسؤولين والمثقَّفين. والقاضي إسماعيلُ مؤرِّخٌ ولغويٌّ وفقيهٌ وأديبٌ، كان عضوًا في المَجمَع العلميِّ العراقي، والمَجمعِ العلميِّ الهنديِّ، وعضوًا في المَجمَعِ اللُّغوي الأردنِّي، والمَجمعِ اللُّغوي السوريِّ، وعضوًا في المَجمع الملَكي الأردنِّي لبُحوث الحضارة الإسلامية. وقد أسَّس في اليمن الهيئةَ العامَّةَ للآثار ودُورِ الكتُب، وكان رئيسَها لأكثرَ من عشرين عامًا، كما شَغَل طِيلةَ حياتِه عدةَ مناصِبَ، منها: وزير الإعلامِ، ونائبُ وزيرِ الخارجيةِ، وسفيرُ اليمنِ في موسكو. وللقاضي الأكوع مجموعةٌ كبيرةٌ من الكتبِ والمؤلَّفات والتحقيقات والأبحاثِ العلميَّة، منها: ((هِجَر العلم ومَعاقِله في اليمن))، و((المدارس الإسلامية في اليمن))، و((الدَّولة الرَّسولية في اليمن)) إلى غيرِ ذلك، وقد تُرجِمَ كَثيرٌ من كُتُبِه وأبحاثِه إلى لغاتٍ أجنبيةٍ مختلفةٍ.

العام الهجري : 1435 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 2014
تفاصيل الحدث:

أُعلِنَت وفاةُ رئيسِ الوُزراء الصِّهيَونِيِّ الأسبق السَّفَّاحُ أرئيل شارون رسميًّا عن عمر ناهز (86) عامًا. وكان السفاحُ شارون من أكثرِ قادةِ الاحتلالِ إجرامًا بحقِّ الشعب الفِلَسطيني؛ لدورِه في الاجتياح الصِّهيَونِيِّ لجنوب لُبنان عامَ (1982م)، وارتكابِه مذبحةَ صَبْرَا وشاتِيلَا التي راح ضحيَّتَها آلافُ الشُّهداءِ من اللَّاجئين الفِلَسطينيين في لبنان. كما قام مع وَحدَتِه العسكريَّةِ بارتكابِ مذبحةِ قبية في خريفِ (1953م)، التي راح ضحيَّتَها (170) من المدنيِّين الأردنِّيِّين، ومَجزرةٍ بَشِعة في اللد عام (1948)، وحصد خلالَها أرواحَ (426) فِلَسطينيًّا بعد أن اعتقَلَهم داخِلَ المَساجِد. وشارَك السَّفَّاح شارون كذلك بقتْلِ الأسرى المِصرِيِّين وتعذيبِهم عامَ (1967م)، وقام باستفزازِ مشاعِرِ المسلمين بزيارَتِه للمسجِدِ الأقصى المبارك سنةَ (2000م)، وارتكابُه مذبحةَ جنين (2002م) في عملية السُّور الواقي، وموافَقَتُه على تنفيذِ العَشَرات من عمليَّات الاغتيالِ بحقِّ الفِلَسطينيين، وعلى رأسِهِم اغتيالُ الشَّيخ أحمد ياسين، إضافةً إلى حصارِ الرئيسِ عرفاتٍ في مقرِّ المُقاطَعة.

العام الهجري : 700 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 1301
تفاصيل الحدث:

في هذا الشَّهرِ كانت وقعةُ أهلِ الذِّمَّة، وهي أنهم كانوا قد تزايد تَرَفُهم بالقاهرة ومصر، وتفَنَّنوا في ركوب الخَيلِ المُسَوَّمة والبَغلات الرائعة بالحُليِّ الفاخرة، ولَبِسوا الثيابَ السريَّة، ووُلوا الأعمالَ الجليلة، فاتفق قدومُ وزير ملك المغرب يريدُ الحَجَّ، واجتمع بالسلطانِ والأمراء، وبينما هو تحت القلعة إذا برجلٍ راكب فرسًا وحَولَه عِدَّةٌ من الناس مشاةٌ في ركابِه، يتضَرَّعونَ له ويسألونه ويقَبِّلون رجليه، وهو مُعرِضٌ عنهم لا يعبأُ بهم، بل ينهَرُهم ويصيح في غِلمانِه بطَردِهم، فقيل للمغربي: إنَّ هذا الرَّاكِبَ نصرانيٌّ، فشَقَّ عليه، واجتمع بالأميرين بيبرس وسلار وحدَّثهما بما رآه، وأنكر ذلك وبكى بكاءً كثيرًا، وشَنَّعَ في أمر النصارى وقال: كيف ترجون النَّصرَ والنصارى تركَبُ عندكم الخيول وتلبَسُ العمائِمَ البِيضَ، وتُذِلُّ المسلمين وتُشبِهُهم في خدمتِكم؟! وأطال القولَ في الإنكار وما يلزَمُ وُلاةَ الأمور من إهانةِ أهل الذِّمَّة وتغيير زيِّهم، فأثَّرَ كلامُه في نفوس الأمراء، فرَسَم أن يُعقَدَ مَجلِسٌ بحضور الحُكَّام، واستُدعِيَت القضاة والفُقَهاء، وطُلِبَ بطرك النصارى، وبرز مرسومُ السلطان بحَملِ أهل الذمة على ما يقتضيه الشَّرعُ المحَمَّدي، فاجتمع القضاةُ بالمدرسةِ الصالحية بين القصرين، ونُدِبَ لذلك من بينهم قاضي القضاة شمس الدين أحمد السروجي الحنفي، وطُلِبَ بطرك النصارى، وجماعةٌ من أساقفتهم وأكابر قِسِّيسِيهم وأعيان مِلَّتِهم، وديَّان اليهود وأكابِر مِلَّتِهم، وسُئِلوا عما أقَرُّوا عليه في خلافة أمير المؤمنين عمرَ بنِ الخطاب رضي الله عنه مِن عَقدِ الذِّمَّة، فلم يأتوا عن ذلك بجواب، وطال الكلامُ معهم إلى أن استقَرَّ الحالُ على أنَّ النصارى تتميَّزُ بلباس العمائِمِ الزُّرقِ، واليهودَ بلُبسِ العمائم الصُّفر، ومُنِعوا من ركوبِ الخَيلِ والبِغالِ، ومِن كُلِّ ما منعهم منه الشارِعُ صَلَّى الله عليه وسلم، وأُلزِموا بما شَرَطَه عليهم أميرُ المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فالتزموا ذلك وأُشهِدَ عليه البطرك أنَّه حَرَّم على جميع النصرانية مخالفةَ ذلك والعُدول عنه، وقال رئيس اليهود ودانهم: أوقعت الكَلِمةَ على سائِرِ اليهود في مخالفةِ ذلك والخروج عنه وانفَضَّ المجلس، وطُولِعَ السلطان والأمراء مما وقع، فكتب إلى أعمالِ مِصرَ والشام به، ولَمَّا كان يوم خميس العهدِ وهو العشرون من شهر رجب جُمِعَ النصارى واليهود بالقاهرة ومصر وظواهِرِها، ورُسِمَ ألَّا يُستخدَمَ أحَدٌ منهم بديوانِ السُّلطانِ ولا بدواوينِ الأمراءِ، وألَّا يَركَبوا خيلًا وبغالًا، وأن يلتَزِموا سائِرَ ما شُرِطَ عليهم، ونودِيَ بذلك في القاهرةِ ومصر، وهدد من خالفه بسفك دمه، فانحصر النصارى من ذلك، وسَعَوا بالأموال في إبطالِ ما تقَرَّر، فقام الأمير بيبرس الجاشنكير في إمضاءِ ما ذُكِرَ قيامًا محمودًا، وصَمَّم تصميمًا زائدًا، فاضطر الحالُ بالنصارى إلى الإذعان، وأسلَمَ أمين الملك عبد الله بن العنام مستوفي الصحبةِ وخَلقٌ كثيرٌ، حرصًا منهم على بقاءِ رياستِهم، وأنفةً مِن لُبسِ العمائِمِ الزُّرقِ وركوب الحَميرِ، وخرج البريدُ بحَملِ النصارى واليهود فيما بين دنقلة من النوبة والفرات على ما تقَدَّمَ ذِكرُه، وامتَدَّت أيدي العامَّة إلى كنائس اليهود والنصارى، فهَدَموها بفتوى الشَّيخِ الفَقيهِ نجم الدين أحمد بن محمد بن الرفعة، فطَلَب الأمراءُ القُضاةَ والفقهاءَ للنَّظَرِ في أمر الكنائس، فصَرَّحَ ابن الرفعة بوجوب هَدمِها، وامتنع من ذلك قاضي القضاةِ تقي الدين محمد بن دقيق العيد، واحتَجَّ بأنَّه إذا قامت البيِّنةُ بأنها أُحدِثَت في الإسلامِ تُهدَمُ، وإلَّا فلا يُتعَرَّض لها، ووافَقَه البقيَّةُ على هذا وانفَضُّوا، وكان أهلُ الإسكندريةِ لما ورد عليهم مرسومُ السلطان في أمر الذمَّة ثاروا بالنَّصارى وهَدَّموا لهم كنيستين، وهَدَّموا دُورَ اليهود والنصارى التي تعلو على دُورِ جيرانِهم المُسلِمينَ، وحَطُّوا مساطِبَ حوانيتِهم حتى صارت أسفَلَ مِن حوانيت المسلمين، وهُدِمَ بالفيومِ أيضًا كَنيستانِ، وقَدِمَ البريد في أمر الذمَّة إلى دمشق يوم الاثنين سابع شعبان، فاجتمع القضاةُ والأعيان عند الأمير أقش الأفرم، وقرئ عليهم مرسومُ السلطان بذلك، فنودي في الخامس عشر أن يَلبَسَ النصارى العمائِمَ الزُّرقَ، واليهودُ العمائمَ الصُّفرَ، والسَّامرةُ العمائِمَ الحُمر، وهُدِّدوا على المخالفة، فالتزم النصارى واليهود بسائِرِ مملكة مصر والشام ما أُمِروا به، وصَبَغوا عمائِمَهم إلَّا أهل الكركِ؛ فإن الأمير جمال الدين أقش الأفرم الأشرفي النائبُ بها رأى إبقاءَهم على حالتِهم، واعتذَرَ بأنَّ أكثَرَ أهل الكرك نصارى، فلم يغَيِّرْ أهلُ الكرك والشوبك من النصارى العمائِمَ البيض، وبَقِيَت الكنائسُ بأرض مصر مدة سنةٍ مُغَلَّقة حتى قَدِمَت رسل الأشكري ملك الفرنج تشفَعُ في فتحِها، ففُتِحَت كنيسةُ المُعَلَّقة بمدينة مصر، وكنيسة ميكائيل الملكيَّة، ثم قدمت رسل ملوك أخر، ففُتِحَت كنيسةُ حارة وزويلة، وكنيسة نقولا.

العام الهجري : 754 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 1353
تفاصيل الحدث:

كَثُرَ عَبَثُ العُربان ببلاد الصعيد بقيادة الأحدب محمد بن واصل شيخ عرك، فجمع جمعًا كبيرًا، وتسمَّى بالأمير، فقَدِمَ الخبر في شعبان بأنهم كَبَسوا ناحيةَ ملوي، وقتلوا بها نحو ثلاثمائة رجل، ونهبوا المَعاصِرَ، وأخذوا حواصِلَها وذَبحوا أبقارَها، وأنَّ عَرَب منفلوط والمراغة وغيرهم قد نافقوا، وقَطَعوا بعض الجسور بالأشمونين، فوقع الاتفاقُ على الركوب عليهم بعد تخضيرِ الأراضي بالزراعة، وكُتِبَ إلى الولاة بتجهيز الإقامات برًّا وبحرًا، فأخذَ العرب حِذْرَهم، فتفَرَّقوا واختَفَوا، وقَدِمَت طائفة منهم إلى مصر، فأُخِذوا، وكانوا عشرة، فقُبِضَ ما وجد معهم من المال، وحَمل الأمير جندار، فإنهم كانوا فلَّاحيه، وأُتلِفوا، فلما برز الحاجُّ إلى بركة الحجَّاج ركب الأمير شيخو، وضرب حلقةً على الركب، ونادى مَن كان عنده بدويٌّ وأخفاه، حَلَّ دَمُه، وفَتَّش الخيام وغيرها، فقَبض على جماعة، فقتل بعضهم وأفرج عن بَعضٍ، ثمَّ لما عاد السلطان إلى الجيزة كُبِسَت تلك النواحي، وحُذِّرَ الناس من إخفاء العربان، فأُخِذَ البحري والبري، وقُبِضَت خيول تلك النواحي وسيوفُ أهلها بأسْرِها، وعُرِضَت الرجال، فمن كان معروفًا أُفرج عنه، ومن لم يعرف أقِرَّ في الحديد وحُمِل إلى السجنِ، ورُسِمَ أنَّ الفلاحين تبيعُ خُيولَهم بالسوق، ويوردون أثمانَها ممَّا عليهم من الخراجِ فبِيعَت عِدَّةُ خيول، وأُورِدَ أثمانها للمُقطِعين، والفَرَس الذي لم يُعرَف له صاحِبٌ حُمِلَ إلى إسطبل السلطان، وكُتِبَ للأمير عز الدين أزدمر، الكاشِفِ بالوجه البحري، أن يركَبَ ويكبِسَ البلادَ التي لأرباب الجاه، والتي يأويها أهلُ الفسادِ، فقَبَض على جماعةٍ كثيرة ووسَّطَهم، وساق منهم إلى القاهرةِ نحو ثلاثمائة وخمسين رجلًا، ومائة وعشرين فرسًا، وسلاحًا كثيرًا، ثم أحضَرَ الأميرُ أزدمر من البحيرة ستمائة وأربعين فرسًا، فلم يبقَ بالوجه البحري فرس، ورُسِمَ لقضاة البر وعُدولِه بركوب البغال والأكاديش، ثم كُبِسَت البهنسا وبلاد الفيوم، فركِبَ الأميران طاز وصرغتمش، بمن معهما إلى البلاد، وقد مَرَّ أهلها، واختفى بعضهم في حفائِرَ تحت الأرض، فقبضوا النِّساء والصبيان، وعاقبوهم حتى دلوهم على الرجال، فسَفَكوا دماء كثيرين، وعُوِقَب كثيرٌ من الناس بسبب من اختفى، وأُخِذَت عدة أسلحة، فحَشَد الأحدب بن واصل شيخ عرك جموعَه، وصَمَّم على لقاء الأمراء، وحَلَف أصحابه على ذلك، وقد اجتمع معه عرَبُ منفلوط، وعَرَبُ المراغة وبني كلب وجهينة وعرك، حتى تجاوزت فرسانُه عشرة آلاف فارس تحمِلُ السلاح، سوى الرجَّالة المعَدَّة، فإنَّها لا تعَدُّ ولا تحصى لكثرتِها، ثم رحل الأمير شيخو عن أسيوط، وبعث الأمير مجد الدين الهذبانى ليؤمِّنَ بنى هلال أعداء عرك، ويُحضِرَهم ليقاتلوا عرك أعداءَهم، فانخدعوا بذلك، وفَرِحوا به، وركبوا بأسلحتِهم، وقَدِموا في أربعمائة فارس، فما هو إلا أن وصلوا إلى الأمير شيخو فأمر بأسلحَتِهم وخيولهم فأُخِذَت بأسْرِها، ووضَعَ فيهم السَّيفَ، فأفناهم جميعًا، ثم قاتلوا العَرَبَ الباقين على دفَعات يقتلونهم، وأسَروا منهم الكثيرَ واستَرَقُّوا الأولادَ والحريم، وهلك من العرب خلائقُ بالعطش، ما بين فرسان ورجَّالة وجَدَّ المجَرَّدون في طلبهم، فسَلَبوهم، وصَعِدَ كثيرٌ منهم إلى الجبال، واختَفَوا في المغائر، فقَتَلَ العسكرُ وأَسَر، وسبى عددًا كثيرًا، وارتَقَوا إلى الجبال في طَلَبِهم، وأضرَموا النيران في أبواب المغائر، فمات بها خلقٌ كثير من الدخان، وخرج إليهم جماعةٌ، فكان فيهم من يُلقي نَفسَه من أعلى الجبل ولا يُسَلِّم نَفسَه، ويرى الهلاكَ أسهَلَ مِن أخذ العدوِّ له، فهلك في الجبالِ أُمَمٌ كثيرة وقُتِلَ منهم بالسيف ما لا يُحصى كثرةً، حتى عُمِلَت عدة حفائر ومُلِئَت من رمَمِهم، وأَنتَنَت البرِّيَّةُ من جِيَفِ القتلى ورِمَمِ الخَيلِ، وكان الأحدَبُ قد نجا بنفسِه، فلم يُقدَرْ عليه، ومن حينئذ أَمِنَت الطرقات برًّا وبحرًا، فلم يُسمَعْ بقاطع طريق بعدها، ووقع الموتُ فيمن تأخَّرَ في السجون من العُربان، فكان يموتُ منهم في اليوم من عشرين إلى ثلاثين، حتى فَنُوا إلا قليلًا، وفي شهر ربيع الأول قَدِمَ الأحدب محمد بن واصل، شيخ عرك من بلاد الصعيد، طائعًا، وكان من خَبَرِه أنه لما نجا وقت الهزيمة، وأُخِذَت أمواله وحَرَمُه، ترامى بعد عَودِ العسكر على الشَّيخِ المعتقد أبى القاسم الطحاوي، فكتب الشيخ في أمره إلى الأمير شيخو، يسأل العفوَ عنه وتأمينَه، على أنَّه يقومُ بدَركِ البلاد، ويلتَزِمُ بتحصيل جميع غِلالِها وأموالِها، وما يحدُثُ بها من الفَسادِ فإنَّه مُؤاخَذٌ به، وأنَّه يقابِلُ نواب السلطان من الكُشَّاف والولاة، فكُتِب له أمانٌ سُلطاني، وكُوتِبَ بتطييب خاطِرِه وحضوره آمنًا، فسار ومعه الشيخ أبو القاسم، فأكرم الأمراءُ الشَّيخَ، وأكرموا لأجله الأحدَبَ، وكان دخولُه يومًا مشهودًا، وتمثَّل الأحدَبُ بين يدي السلطان، وأنعم عليه السلطانُ وألبسه تشريفًا وناله من الأمراءِ إنعامٌ كثيرٌ، وضَمِنَ منهم درك البلاد على ما تقدَّمَ ذِكرُه، فرُسِمَ له بإقطاعٍ، وعاد الأحدب إلى بلاده بعد ما أقام نحو شهرٍ.

العام الهجري : 3 ق هـ الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 619
تفاصيل الحدث:

بعدَ مُرورِ عامينِ أو ثلاثةِ أَعوامٍ مِنَ الحِصارِ الظَّالمِ في شِعْبِ أبي طالبٍ نُقِضتْ الصَّحيفةُ وفُكَّ الحِصارُ؛ وذلك أنَّ قُريشًا كانوا بين راضٍ بهذا الميثاقِ وكارهٍ له، فسعى في نَقْضِ الصَّحيفةِ مَنْ كان كارهًا لها, وكان القائمُ بذلك هشامُ بنُ عَمرٍو مِن بني عامرِ بنِ لُؤَيٍّ, وكان يَصِلُ بني هاشمٍ في الشِّعْبِ مُستَخفِيًا باللَّيلِ بالطَّعامِ, فإنَّه ذهب إلى زُهيرِ بنِ أبي أُمَيَّةَ المخزوميِّ -وكانت أمُّه عاتِكَةَ بنتَ عبدِ المُطَّلبِ- وقال: يا زُهيرُ، أَرَضيتَ أنْ تَأكُلَ الطَّعامَ، وتَشربَ الشَّرابَ، وأَخوالُكَ بحيث تعلمُ؟ فقال: ويحكَ، فما أصنعُ وأنا رجلٌ واحدٌ؟ أما والله لو كان معي رجلٌ آخرُ لقمتُ في نَقضِها. قال: قد وجدتَ رجلًا. قال: فمن هو؟ قال: أنا. قال له زُهيرٌ: ابْغِنا رجلًا ثالثًا. فذهب إلى المُطْعِمِ بنِ عَدِيٍّ، فذكَّرهُ أَرحامَ بني هاشمٍ وبني المُطَّلبِ ابنيْ عبدِ مَنافٍ، ولَامَهُ على مُوافقتِهِ لِقُريشٍ على هذا الظُّلمِ، فقال المُطْعِمُ: ويحكَ، ماذا أصنعُ؟ إنَّما أنا رجلٌ واحدٌ. قال: قد وجدتَ ثانيًا. قال: من هو؟ قال: أنا. قال: ابغِنا ثالثًا. قال: قد فعلتُ. قال: من هو؟ قال: زُهيرُ بنُ أبي أُمَيَّةَ. قال: ابغِنا رابعًا. فذهب إلى أبي البَخْتريِّ بنِ هشامٍ، فقال له نحوًا ممَّا قال للمُطْعِمِ، فقال: وهل مِن أحدٍ يُعينُ على هذا؟ قال: نعم. قال: مَن هو؟ قال زُهيرُ بنُ أبي أُمَيَّةَ، والمُطْعِمُ بنُ عَدِيٍّ، وأنا معك. قال: ابغِنا خامسًا. فذهب إلى زَمعةَ بنِ الأسودِ بنِ المُطَّلبِ بنِ أسدٍ، فكلَّمهُ, وذكر له قرابتَهُم وحقَّهُم، فقال له: وهل على هذا الأمرِ الذي تُدعوني إليه مِن أحدٍ؟ قال: نعم. ثم سَمَّى له القومَ، فاجتمعوا عند الحَجُونِ، وتعاقدوا على القيامِ بنَقضِ الصَّحيفةِ، وقال زُهيرٌ: أنا أَبدأُكم فأكونُ أوَّلَ مَن يتكلَّمُ. فلمَّا أصبحوا غَدَوْا إلى أَنْدِيَتِهِم، وغدا زُهيرٌ عليه حُلَّةٌ، فطاف بالبيتِ سبعًا، ثمَّ أقبل على النَّاسِ، فقال: يا أهلَ مكَّة، أنأكلُ الطَّعامَ, ونَلبَسُ الثِّيابَ, وبنو هاشمٍ هَلْكى، لا يُباع ولا يُبتاعُ منهم؟ والله لا أقعدُ حتَّى تُشَقَّ هذه الصَّحيفةُ القاطعةُ الظَّالمةُ. قال أبو جهلٍ, وكان في ناحيةِ المسجدِ: كذبتَ، والله لا تُشَقُّ. فقال زَمعةُ بنُ الأسودِ: أنت والله أَكْذَبُ، ما رضينا كتابتَها حيث كُتِبتْ. قال أبو البَخْتريِّ: صدق زَمعةُ، لا نرضى ما كُتِبَ فيها، ولا نُقِرُّ به. قال المُطْعِمُ بنُ عَدِيٍّ: صدقتُما، وكذب مَن قال غيرَ ذلك، نبرأُ إلى الله منها وممَّا كُتِبَ فيها. وقال هشامُ بنُ عَمرٍو نحوًا من ذلك. فقال أبو جهلٍ: هذا أمر قُضِيَ بليلٍ، وتُشُووِر فيه بغيرِ هذا المكانِ. وأبو طالبٍ جالسٌ في ناحيةِ المسجدِ، إنمَّا جاءهُم لأنَّ الله كان قد أَطلعَ رسولَه صلى الله عليه وسلم على أمرِ الصَّحيفةِ، وأنَّه أرسلَ عليها الأَرَضَةَ، فأكلتْ جميعَ ما فيها من جَورٍ وقَطيعةٍ وظُلمٍ إلا ذكرَ الله عزَّ وجلَّ، فأَخبر بذلك عمَّه، فخرج إلى قُريشٍ فأخبرهم أنَّ ابنَ أخيهِ قد قال كذا وكذا، فإنْ كان كاذبًا خَلَّيْنا بينكم وبينه، وإنْ كان صادقًا رجعتُم عن قطيعتِنا وظُلمِنا. قالوا: قد أنصفتَ. وبعد أنْ دار الكلامُ بين القومِ وبين أبي جهلٍ، قام المُطعمِ إلى الصَّحيفةِ لِيَشُقَّها، فوجد الأَرَضَةَ قد أكلتْها إلَّا (باسمِك اللَّهمَّ)، وما كان فيها مِن اسمِ الله فإنَّها لم تأكلْهُ. ثم نقضَ الصَّحيفةَ وخرج رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ومَن معه مِنَ الشِّعبِ، وقد رأى المشركون آيةً عظيمةً مِن آياتِ نُبوَّتِه، ولكنَّهم  كما أخبر الله عنهم: (وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ ) أعرضوا عن هذه الآيةِ وازدادوا كُفرًا إلى كُفرهِم.

العام الهجري : 586 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 1190
تفاصيل الحدث:

بعد رحيلِ صلاح الدين عن عكَّا إلى الخروبة لِمَرَضِه، سمع الفرنج أنَّ صلاح الدين قد سار للصيد، ورأوا أنَّ عسكر اليزك- اليزك كلمة فارسية تعني مقدِّمة الجيش- عندهم قليلًا، وأنَّ الوحل الذي في مرج عكا كثيرٌ يمنع من سلوكه من أراد أن ينجدَ اليزك، فاغتنموا ذلك، وخرجوا من خندَقِهم على اليزك وقت العصر، فقاتلهم المسلمونَ، وقُتِلَ من الفريقين جماعة كثيرة، وعاد الفرنجُ إلى خندقهم، ولما عاد صلاح الدين إلى المعسكر سَمِعَ خبر الوقعة، فندب الناسَ إلى نصر إخوانهم، فأتاه الخبَرُ أن الفرنج عادوا إلى خندقهم، فأقام، ثم إنه رأى الشتاء قد ذهب، وجاءته العساكِرُ من البلاد القريبة منه دمشق وحمص وحماة وغيرها، فتقدم من الخروبة نحو عكَّا، فنزل بتل كيسان، وقاتل الفرنجَ كُلَّ يومٍ لِيَشغَلَهم عن قتال من بعكَّا من المسلمين، فكانوا يقاتِلون الطائفتَينِ ولا يسأمون، وكان الفرنجُ، في مدة مقامهم على عكا، قد عملوا ثلاثة أبراج من الخَشَب عالية جدًّا، وعملوا كل برج منها خمسَ طبقات، كل طبقة مملوءة من المقاتلة، وغَشُوها بالجلود والخل والطين والأدوية التي تمنَعُ النار من إحراقها، وأصلحوا الطرُقَ لها، وقدَّموها نحو مدينة عكا من ثلاثِ جِهات، وزحفوا بها في العشرين من ربيع الأول، فأشرَفَت على السور، وقاتَلَ من بالأبراج العالية مِن على السور، فانكشف المُسلمون، وشرع الفرنجُ في طم خندق المدينة، فأشرف البلدُ على أن يملِكَه الفرنج عَنوةً وقهرًا، فأرسل أهلُ عكا إلى صلاح الدين إنسانًا سبَحَ في البحر، فأعلمه ما هم فيه من الضيقِ، وما قد أشرفوا عليه من أخْذِهم وقَتْلِهم، فركب هو وعساكره وتقدموا إلى الفرنجِ وقاتلوهم من جميعِ جهاتهم قتالًا عظيمًا دائمًا يشغَلُهم عن مكاثرة البلد، فافترق الفرنجُ فرقتين: فرقةٌ تقاتل صلاح الدين، وفِرقةٌ تقاتل أهل عكا، إلَّا أنَّ الأمر قد خَفَّ عمن بالبلد، ودام القتالُ ثمانية أيام متتابعة، آخِرُها الثامن والعشرون من الشهر، وسَئِمَ الفريقان القتال، وملُّوا منه لملازمته ليلًا ونهارًا، والمسلمون قد تيقَّنوا استيلاء الفرنج على البلد؛ لِما رأوا من عَجزِ مَن فيه عن دفع الأبراج، فإنَّهم لم يتركوا حيلةً إلَّا وعملوها، فلم يُفِدْ ذلك ولم يُغنِ عنهم شيئًا، وتابَعوا رميَ النفطِ الطيار عليها، فلم يؤثِّرْ فيها، فأيقنوا بالبوارِ والهلاك، فأتاهم الله بنصرٍ مِن عنده وإذنٍ في إحراقِ الأبراج، فلما احترق البرجُ الأوَّلُ انتقل إلى الثاني، وقد هَرَب مَن فيه لخوفِهم، فأحرقوه، وكذلك الثالث، وأرسل صلاحُ الدين يطلب العساكِرَ الشرقيَّة، فأول من أتاه عماد الدين زنكي بن مودود بن زنكي، وهو صاحِبُ سنجار وديار الجزيرة، ثم أتاه علاء الدين ولد عز الدين مسعود بن مودود بن زنكي، سيَّرَه أبوه مقدَّمًا على عسكره وهو صاحِبُ الموصل، ثم وصل زين الدين يوسف صاحِبُ إربل، وكان كل منهم إذا وصل يتقَدَّم إلى الفرنج بعسكره، وينضَمُّ إليه غيرهم ويقاتلونهم، ثم ينزلون، ووصل الأسطول من مصر، فلما سَمِعَ الفرنج بقُربِه منهم جَهَّزوا إلى طريقه أسطولًا ليلقاه ويقاتِلُه، فركب صلاح الدين في العساكر جميعِها، وقاتلهم من جهاتهم ليشتَغِلوا بقتاله عن قتالِ الأسطول ليتمَكَّنَ مِن دخول عكا، فلم يشتغلوا عن قَصدِه بشيء، فكان القتالُ بين الفريقين برًّا وبحرًا، وكان يومًا مشهودًا لم يؤرَّخْ مِثلُه، وأخذ المسلمونَ من الفرنج مركبًا بما فيه من الرِّجالِ والسلاح، وأخذ الفرنجُ من المسلمين مثلَ ذلك، إلا أن القتلَ في الفرنج كان أكثَرَ منه في المسلمين، ووصل الأسطولُ الإسلاميُّ- بحمد الله- سالِمًا.

العام الهجري : 61 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 680
تفاصيل الحدث:

لم يُبايِعْ الحُسينُ بن عَلِيٍّ رضي الله عنه لِيَزيدَ، وبَقِيَ في مكَّة هو وابنُ الزُّبيرِ؛ ولكنَّ أهلَ الكوفَة راسَلوا الحُسينَ لِيَقْدُمَ عليهم لِيُبايِعوهُ ويَنصُروهُ فتكونُ له الخِلافَة، وكان على الكوفَة عُبيدُ الله بن زيادٍ، فبعَث الحُسينُ ابنَ عَمِّهِ مُسلِم بن عَقِيلَ لِيَعلَمَ له صِدْقَ أهلِ الكوفَة، فقَبَضَ عليه ابنُ زيادٍ وقَتَلَهُ، وتَوالَت الكُتُبُ مِن أهلِ الكوفَةِ للحُسينِ لِيَحضُرَ إليهم حتَّى عزَم على ذلك، فناصَحَهُ الكثيرُ مِن الرِّجالِ والنِّساءِ منهم: ابنُ عُمَر، وأخوهُ محمَّدُ بن الحَنَفِيَّةِ، وابنُ عبَّاسٍ، وأبو سَعيدٍ الخُدريُّ وعبدُ الله بن الزُّبيرِ.... ألَّا يَفْعَلَ، وأنَّهم سَيَخْذُلونَه كما خَذلوا أباهُ وأخاهُ مِن قَبلُ؛ لكنَّ قَدَرَ الله سابقٌ فأَبَى إلَّا الذِّهابَ إليهم، فخرَج مِن مكَّة في ذي الحَجَّة، ولمَّا عَلِمَ ابنُ زيادٍ بمَخْرَجِه جَهَّزَ له مَن يُقابِلهُ، فلمَّا قَدِمَ الحُسينُ وقد كان وَصَلَهُ خبرُ مَوتِ مُسلِم وأخيهِ مِن الرَّضاعِ فقال للنَّاس مَن أَحَبَّ أن يَنْصرِفَ فليَنْصَرِفْ، ليس عليه مِنَّا ذِمامٌ. فتَفَرَّقوا يَمينًا وشِمالًا حتَّى بَقِيَ في أصحابِه الذين جاؤوا معه مِن مكَّة، وقابَلَهم الحُرُّ بن يَزيدَ مِن قِبَلِ ابنِ زيادٍ لِيُحْضِرَ الحُسينَ ومَن معه إلى ابنِ زيادٍ؛ ولكنَّ الحُسينَ أَبَى عليه ذلك، فلم يَقْتُلْه الحُرُّ وظَلَّ يُسايِرُهُ حتَّى لا يَدخُلَ الكوفَة، حتَّى كانوا قريبًا مِن نِينَوَى جاء كتابُ ابنِ زيادٍ إلى الحُرِّ أن يُنْزِلَ الحُسينَ بالعَراءِ بغَيرِ ماءٍ، ثمَّ جاء جيشُ عُمَر بن سعدِ بن أبي وقَّاص كذلك للحُسينِ، إمَّا أن يُبايِع، وإمَّا أن يَرى ابنُ زيادٍ فيه رَأيَهُ، وعرَض الحُسينُ عليهم إمَّا أن يَتركوهُ فيَرجِع مِن حيث أَتَى، أو يَذهَب إلى الشَّام فيَضَعُ يَدَهُ في يَدِ يَزيدَ بن مُعاوِيَة، وإمَّا أن يَسيرَ إلى أيِّ ثَغْرٍ مِن ثُغورِ المسلمين فيكون واحدًا منهم، له ما لهم وعليه ما عليهم. فلم يَقْبَلوا منه شيئًا مِن ذلك، وأَرسَل ابنُ زيادٍ طائفةً أُخرى معها كِتابٌ إلى عُمَر بن سعدٍ أن ائْتِ بهم أو قاتِلْهُم، ثمَّ لمَّا كان اليومُ العاشر مِن مُحرَّم الْتَقى الصَّفَّانِ، وذَكَّرَهُم الحُسينُ مَرَّةً أُخرى بكُتُبِهم له بالقُدومِ فأنكروا ذلك، ووَعَظَهُم فأَبَوْا فاقْتَتَلوا قِتالًا شديدًا، ومال الحُرُّ إلى الحُسينِ وقاتَل معه، وكان آخِرَ مَن بَقِيَ مِن أصحابِ الحُسينِ سُويدُ بن أبي المُطاعِ الخَثْعَميُّ، وكان أوَّلَ مَن قُتِلَ مِن آلِ بَنِي أبي طالِبٍ يَومئذٍ عَلِيٌّ الأكبرُ ابنُ الحُسينِ، ومكَث الحُسينُ طويلًا مِن النَّهارِ كُلمَّا انتهى إليه رجلٌ مِن النَّاسِ رجَع عنه وَكَرِهَ أن يَتَوَلَّى قَتْلَهُ وعِظَمَ إثْمِهِ عليه.
وكان أصحابُ الحُسينِ يُدافِعون عنه، ولمَّا قُتِلَ أصحابُه لم يَجْرُؤْ أَحَدٌ على قَتْلِه، وكان جيشُ عُمَر بن سعدٍ يَتَدافعون، ويخشى كُلُّ فَردٍ أن يَبُوءَ بِقَتْلِه، وتَمَنَّوْا أن يَسْتَسْلِمَ؛ لكنَّ شِمْرَ بن ذي الجَوْشَنِ صاح في الجُنْدِ: وَيْحَكُم، ماذا تَنتَظِرون بالرَّجُلِ! اقْتُلوهُ، ثَكَلَتْكُم أُمَّهاتُكم. وأَمَرَهُم بِقَتْلِه, فحَمَلوا عليه مِن كُلِّ جانِبٍ، وضَرَبهُ زُرْعَةُ بن شَريكٍ التَّميميُّ, ثمَّ طَعَنَهُ سِنانُ بن أَنَسٍ النَّخَعيُّ واحْتَزَّ رَأسَهُ. ويُقالُ: إنَّ الذي قَتَلَهُ عُروةُ بن بَطَّار التَّغْلِبيُّ وزيدُ بن رُقادٍ الجَنْبِيُّ. ويُقالُ: إنَّ المُتَوَلِّي الإجهازَ عليه شِمْرُ بن ذي الجَوْشَن الضَّبِّيُّ، وحمَل رَأسَهُ إلى ابنِ زيادٍ خَوْلِيُّ بن يَزيدَ الأَصْبَحيُّ. ودُفِنَ الحُسينُ رضي الله عنه وأصحابُه أهلُ الغاضِريَّة مِن بَنِي أَسَدٍ بعدَ قَتلِهم بيَومٍ. قال شيخُ الإسلامِ في قَتلِه رضي الله عنه: قُتِلَ الحُسينُ بن عَلِيٍّ رضِي الله عنهما يومَ عاشوراءَ، قَتَلَتْهُ الطَّائفةُ الظَّالمةُ الباغيةُ، وأَكرَم الله الحُسينَ بالشَّهادةِ، كما أَكرَم بها مَن أَكرَم مِن أهلِ بَيتِه، أَكرَم بها حَمزةَ وجَعفَرًا، وأباه عَلِيًّا، وغَيرَهُم، وكانت شَهادتُه ممَّا رفَع الله بها مَنزِلَتَه، وأَعْلَى دَرَجتَهُ، والمَنازِلُ العاليةُ لا تُنالُ إلَّا بالبَلاءِ، قَتلوهُ مَظلومًا شَهيدًا شَهادةً أَكرَمَهُ الله بها، وأَلْحَقَهُ بأهلِ بَيتِه الطَّيِّبين الطَّاهِرين، وأَهانَ بها مَن ظَلمَهُ واعْتَدى عليه، وأَوْجَبَ ذلك شَرًّا بين النَّاسِ، فصارَت طائِفَة جاهِلَة ظالِمَة: إمَّا مُلْحِدة مُنافِقَة، وإمَّا ضَالَّة غاوِيَة، تُظْهِر مُوالاتِه ومُوالاةِ أهلِ بَيتِه، تَتَّخِذُ يومَ عاشوراء يومَ مَأْتَم وحُزْن ونِياحَة، وتُظْهِر فيه شِعارَ الجاهليَّة مِن لَطْمِ الخُدودِ، وشَقِّ الجُيوبِ، والتَّعَزِّي بِعَزاءِ الجاهليَّة. ومِن كَرامَةِ الله للمؤمنين أنَّ مُصيبةَ الحُسينِ وغَيرِه إذا ذُكِرَت بعدَ طولِ العَهْدِ يُسْتَرْجَعُ فيها، كما أمَرَ الله ورسولُه؛ لِيُعْطَى مِن الأجرِ مِثلُ أَجْرِ المُصابِ يومَ أُصِيبَ بها. وإذا كان الله تعالى قد أَمَرَ بالصَّبْرِ والاحْتِسابِ عند حَدَثان العَهْدِ بالمُصيبَةِ فكيف مع طولِ الزَّمانِ, فكان ما زَيَّنَهُ الشَّيطانُ لأهلِ الضَّلالِ والغِيِّ مِن اتِّخاذِ يومِ عاشوراء مَأتمًا، وما يَصنعون فيه مِن النَّدْبِ والنِّياحَةِ، وإنشادِ قَصائدِ الحُزنِ، ورِوايةِ الأخبارِ التي فيها كَذِبٌ كثيرٌ -والصِّدقُ فيها ليس فيه إلَّا تَجديدُ الحُزنِ- والتَّعَصُّبِ، وإثارةِ الشَّحناءِ والحَرْبِ، وإلقاءِ الفِتَنِ بين أهلِ الإسلامِ؛ والتَّوسُّلِ بذلك إلى سَبِّ السَّابِقين الأوَّلين، وكَثْرَةِ الكَذِبِ والفِتَنِ في الدُّنيا، ولم يَعرِفْ طوائفُ الإسلامِ أكثرَ كَذِبًا وفِتَنًا ومُعاونةً للكُفَّارِ على أهلِ الإسلامِ مِن هذه الطَّائفَةِ الضَّالَّةِ الغاويَةِ، فإنَّهم شَرٌ مِن الخَوارِج المارِقين.

العام الهجري : 7 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 628
تفاصيل الحدث:

بعدَ رُجوعِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم مِنَ الحُديبيةِ كتَب إلى المُلوكِ يَدعوهُم إلى الإسلامِ, ولمَّا أراد أن يُكاتِبَهُم قِيلَ له: إنَّهم لا يَقرءون كِتابًا إلَّا وعليه خاتمٌ، فاتَّخذَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم خاتمًا مِن فِضَّةٍ، نَقْشُهُ: محمَّدٌ رسولُ الله، وكان هذا النَّقْشُ ثلاثةَ أَسطُرٍ: محمَّدٌ سطرٌ، ورسولُ سطرٌ، والله سطرٌ. وعن أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه قال: « فَكأنِّي بِوَبِيصِ -أو بِبَصِيصِ- الخاتمِ في إصبعِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم -أو في كَفِّهِ-». واختار مِن أصحابِه رُسُلًا لهم مَعرفةٌ وخِبرةٌ، وأَرسلَهُم إلى المُلوكِ فبعَث دِحيةَ بنَ خَليفةَ الكَلبيَّ إلى قَيصرَ مَلِكِ الرُّومِ، فقَرأ الكِتابَ ولم يُسْلِمْ, وبعَث عبدَ الله بنَ حُذافةَ السَّهميَّ إلى كِسرى مَلِكِ الفُرْسِ، فلمَّا قُرِئَ الكِتابُ عليه مَزَّقَهُ، ولمَّا بلَغ ذلك رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَزَّقَ الله مُلْكَهُ). وقد كان كما قال, وبعَث عَمرَو بنَ أُميَّةَ الضَّمْريَّ إلى النَّجاشيِّ مَلِكِ الحَبشةِ، فلمَّا أَعطاهُ كِتابَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أَخَذهُ ووَضعَهُ على عَينِه، ونزَل عن سَريرهِ على الأرضِ، وبعَث حاطِبَ بنَ أبي بَلْتَعَةَ إلى المُقَوْقِسِ مَلِكِ الإسكندريَّةِ, فأخَذ كِتابَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فجَعلهُ في حُقِّ مِن عاجٍ، وختَم عليه، ثم كتَب إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم كِتابًا, ولم يُسْلِمْ, وأَهداهُ جاريتين هُما مارِيَةُ، وشيرين وسِيرينُ، وبَغلةً تُسمَّى دُلْدُلَ. وبعَث عَمرَو بنَ العاصِ السَّهميَّ إلى جَيْفَرٍ وعياد عَبَّادٍ ابْنَي الجُلُنْديِّ الأَزديِّين مَلِكَي عُمانَ، فأجابا إلى الإسلامِ جميعًا، وصدَّقا النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم, وبعَث سَليطَ بنَ عَمرٍو أَحَدَ بني عامرِ بنِ لُؤَيٍّ إلى هَوذةَ بنِ عليٍّ الحَنفيِّ مَلِكِ اليَمامةِ, فرَدَّ عليه رَدًّا دون رَدٍّ، وكتَب إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: (ما أحسنَ ما تدعو إليه وأَجملَهُ، والعربُ تَهابُ مَكاني، فاجعلْ لي بعضَ الأمرِ أَتَّبِعُكَ). وبعَث العَلاءَ بنَ الحَضرميِّ إلى المُنذِرِ بنِ ساوى العَبديِّ مَلكِ البَحريْنِ فلمَّا أَتاهُ كِتابُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أَسلمَ, وبعَث شُجاعَ بنَ وَهْبٍ الأَسَديَّ إلى الحارثِ بنِ أبي شِمْرٍ الغسَّانيِّ مَلِكِ تُخومِ الشَّامِ, فلمَّا بلَغهُ الكِتابُ رَمى به وقال: مَن يَنزِعُ مُلكي مِنِّي؟ أنا سائرٌ إليه, ولم يُسْلِمْ. واسْتأذنَ قَيصرَ في حربِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فثَنَّاهُ عن عزمِه، فأَجازَ الحارثُ شُجاعَ بنَ وَهْبٍ بالكِسْوَةِ والنَّفَقةِ، ورَدَّهُ بالحُسنى, وبعَث المُهاجرَ بنَ أبي أُميَّةَ المَخزوميَّ إلى الحارثِ بنِ عبدِ كُلالٍ الحِمْيَريِّ مَلِكِ اليَمنِ وقد أَسلمَ هو وأَخواهُ جميعًا.

العام الهجري : 270 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 883
تفاصيل الحدث:

لَمَّا قُتِلَ الذين كانوا يمُدُّون الزنجَ بالميرة، وقُطِعَت تلك الإمدادات واشتَدَّ الحصار على الزنج، ولَمَّا فرغ الموفَّقُ من شأن مدينة صاحبِ الزنج، وهي المختارة، واحتاز ما كان بها من الأموالِ وقَتَل من كان بها من الرجال، وسَبى من وجد فيها من النِّساء والأطفال، وهرب صاحِبُ الزنج عن حومةِ الحرب والجِلاد، وسار إلى بعضِ البلاد طريدًا شريدًا بشَرِّ حال؛ عاد الموفَّق إلى مدينتِه المُوفَّقيَّة مُؤيَّدًا منصورًا، وقَدِمَ عليه لؤلؤة غلام أحمد بن طولون مُنابذًا لسيِّده سميعًا مطيعًا للمُوَفِّق، وكان ورودُه عليه في ثالث المحرم من هذه السنة، فأكرمه وعَظَّمه وأعطاه وخَلَع عليه وأحسَنَ إليه، وبعثه طليعةً بين يديه لقتالِ صاحب الزنج، وركِبَ الموفَّق في الجيوش الكثيفة الهائلة وراءه، فقصدوا الخبيث وقد تحصَّنَ ببلدة أخرى، فلم يزل به محاصِرًا له حتى أخرجه منها ذليلًا، واستحوذ على ما كان بها من الأموالِ والمغانم، ثمَّ بعث السرايا والجيوشَ وراء حاجِبِ صاحب الزنج، فأسروا عامَّة من كان معه من خاصَّته وجماعتِه، منهم سليمان بن جامع، فاستبشر الناسُ بأسره وكبَّرُوا الله وحَمِدوه؛ فرحًا بالنصر والفتح، وحمل الموفَّقُ بمن معه حملةً واحدة على أصحابِ الخبيث فاستحَرَّ فيهم القتل، وما انجلت الحربُ حتى جاء البشيرُ بقتل صاحب الزنج في المعركةِ، وأُتي برأسِه مع غلامِ لؤلؤة الطولوني، فلما تحقَّق الموفَّق أنَّه رأسُه بعد شهادة الأمراء الذين كانوا معه من أصحابِه بذلك، خَرَّ ساجدًا لله، ثم انكفأ راجعًا إلى الموفَّقيَّة، ورأسُ الخبيثِ يُحمَلُ بين يديه، وسليمانُ معه أسير، فدخل البلدَ وهو كذلك، وكان يومًا مشهودًا، وفرح المسلمون بذلك في المغارب والمشارق، ثم جيء بأنكلاني ولد صاحب الزنج، وأبان بن علي المهلبي مُسَعِّر حربِهم مأسورينِ، ومعهم قريبٌ من خمسة آلاف أسير، فتم السرورُ وهرب قرطاس الذي رمى الموفَّق بصدره بذلك السَّهم إلى رامهرمز، فأُخِذَ وبُعِثَ به إلى الموفَّق فقتله أبو العباس أحمد بن الموفَّق، واستتاب مَن بقي من أصحابِ صاحب الزنج وأمَّنَهم الموفَّق، ونادى في الناس بالأمان، وأن يرجِعَ كُلُّ من كان أُخرِجَ من دياره بسبَبِ الزنج إلى أوطانِهم وبلدانهم، ثم سار إلى بغداد وقَدَّمَ ولده أبا العباس بين يديه، ومعه رأسُ الخبيث يُحمَلُ لِيَراه الناس، فدخلها لثنتي عشرة ليلةً بقيت من جمادي الأولى من هذه السنة، وكان يومًا مشهودًا، وانتهت أيامُ صاحب الزنج المُدَّعي الكذَّاب- قبَّحه الله- واسمُه محمد بن علي، وقد كان ظهورُه في يوم الأربعاء لأربعٍ بَقِين من رمضان سنة خمس وخمسين ومائتين، وكان هلاكُه يوم السبت لليلتين خلتا من صفر سنة سبعين ومائتين، وكانت دولته أربع عشرة سنة وأربعة أشهر وستة أيام، ولله الحمدُ والمنَّة، وقد قيل في انقضاء دولة الزنجِ وما كان من النصرِ عليهم أشعارٌ كثيرة.

العام الهجري : 320 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 932
تفاصيل الحدث:

لَمَّا تزايَدَت الوحشةُ بين مؤنسٍ صاحِبِ الجيشِ، والخليفةِ المُقتَدر وزاد ذلك انفرادُ الوزيرِ الحسين بن القاسم بأشياءَ أغاظت مؤنِسًا، الذي عزم على المسيرِ إلى الموصِلِ، فسار إليها وحارب فيها بني حمدانَ وهزمهم، فاستمال نحوه كثيرًا مِن الجند والأعراب وغيرهم، وجمع العساكِرَ وسار إلى المُقتَدِر على أن يُجرِيَ عليهم الأرزاقَ وإلَّا قاتلوه، وقد بعث بين يديه الطلائِعَ، حتى جاء فنزل بباب الشماسية ببغداد، وأشيرَ على الخليفة أن يستدينَ مِن والدتِه مالًا ينفِقُه في الأجناد، فقال: لم يبقَ عندها شيءٌ، وعزم الخليفةُ على الهربِ إلى واسط، وأن يترُكَ بغداد لمؤنسٍ حتى يتراجَعَ أمرُ النَّاسِ، ثم يعود إليها، فردَّه عن ذلك ابنُ ياقوت وأشار بمواجهتِه لمُؤنِس وأصحابه، فإنَّهم متى رأَوا الخليفةَ هربوا كلُّهم إليه وتركوا مؤنِسًا، فركب المقتَدِر وهو كارهٌ، وبين يديه الفُقَهاءُ ومعهم المصاحفُ المنشورة، وعليه البُردة والنَّاسُ حوله، ثم بعث إليه أمراؤُه يَعزِمون عليه أن يتقَدَّمَ، فامتنع من التقدُّمِ إلى محَلِّ المعركة، ثم ألحُّوا عليه فجاء بعد تمنُّعٍ شديدٍ، فما وصل إليهم حتى انهَزَموا وفَرُّوا راجعين، ولم يلتَفِتوا إليه ولا عطَفوا عليه، فكان أوَّلَ مَن لقيه من أمراء مؤنسٍ عليُّ بن بليق، فلما رآه ترجَّلَ وقبَّلَ الأرضَ بين يديه، وقال: لعن اللهُ من أشار عليك بالخروجِ في هذا اليوم. ثم وكَّلَ به قومًا من المغاربة البربر، فلما ترَكَهم وإياه شَهَروا عليه السَّلاحَ، فقال لهم: ويلَكم أنا الخليفةُ, فضربه أحدُهم بسَيفِه على عاتقِه فسقط إلى الأرضِ، وذبَحَه آخَرُ وتركوا جُثَّتَه، وأخذت المغاربةُ رأس المقتَدِر على خشبةٍ قد رفعوها وهم يلعَنونه، فلما انتهوا به إلى مؤنسٍ- ولم يكن حاضرًا الوقعة- فحين نظر إليه لطم رأسَ نَفسِه ووجهَه وقال: ويلَكُم، واللهِ لم آمُرْكم بهذا، لعَنَكم الله، والله لنُقتَلَنَّ كُلُّنا، ثم ركب ووقف عند دارِ الخلافة حتى لا تُنهَب، وهرب عبدُ الواحد بن المقتدر وهارون بن غريب، وأبناء رايق، إلى المدائن، وكان فِعْلُ مؤنسٍ هذا سببًا لطَمَعِ مُلوكِ الأطراف في الخُلَفاء، وضَعْفِ أمرِ الخلافةِ جِدًّا، مع ما كان المقتَدِر يعتمِدُه في التبذير والتَّفريط في الأموال، وطاعةِ النِّساءِ، وعزل الوُزراء، فلمَّا قُتِلَ المقتدر بالله عزَمَ مؤنِسٌ على تولية أبي العبَّاسِ بنِ المقتدر بعد أبيه ليُطَيِّبَ قلبَ أم المقتدر، فعدل عن ذلك جمهورُ من حضر من الأمراءِ، فقال أبو يعقوب إسحاقُ بنُ إسماعيل النوبختي بعد التَّعَبِ والنكد نبايعُ لخليفةٍ صبيٍّ له أمٌّ وخالاتٌ يُطيعُهن ويشاوِرُهنَّ؟ ثم أحضروا محمَّدَ بنَ المعتضد- وهو أخو المقتدر- فبايعه القُضاةُ والأُمراء والوُزراء، ولقبوه بالقاهر بالله، وذلك في سحَرِ يوم الخميس لليلتينِ بقيتا من شوال منها.

العام الهجري : 536 العام الميلادي : 1141
تفاصيل الحدث:

سار سِنجر إلى لقاء التُّرك، فعبَرَ إلى ما وراء النَّهرِ، فشكا إليه محمودُ بنُ محمد خان من الأتراك القارغلية، فقَصَدهم سنجر، فالتجؤوا إلى كوخان الصيني ومَن معه من الكُفَّار، وأقام سنجر بسمرقند، فكتب إليه كوخان كتابًا يتضَمَّنُ الشَّفاعةَ في الأتراكِ القارغلية، ويَطلُبُ منه أن يعفوَ عنهم، فلم يُشَفِّعْه فيهم، وكتَبَ إليه يدعوه إلى الإسلامِ ويتهَدَّدُه إن لم يُجِبْ عليه، ويتوعَّدُه بكَثرةِ عساكرِه، ووَصْفِهم، وبالَغَ في قتالِهم بأنواعِ السِّلاحِ، حتى قال: وإنَّهم يَشُقُّونَ الشَّعرَ بسِهامهم، فلم يرْضَ هذا الكتابَ وزيرُه طاهر بن فخر الملك بن نظام الملك، فلم يُصغِ إليه، وسَيَّرَ الكِتابَ، فلمَّا قُرئَ الكِتابُ على كوخان أمَرَ بنَتفِ لحيةِ الرَّسولِ، وأعطاه إبرةً، وكَلَّفَه شَقَّ شَعرةٍ مِن لحيَتِه فلم يَقدِرْ أن يفعَلَ ذلك، فقال: كيف يَشُقُّ غَيرُك شَعرةً بسَهمٍ وأنت عاجِزٌ عن شَقِّها بإبرةٍ؟ وقيل: سَبَبُ المعركة أنَّ سنجرَ كان قَتَلَ ابنًا لخوارزم شاه أتسز بن محمد، فبعث خوارزم شاه إلى الخطا، وهم مِن الأتراك المجوس بما وراءَ النهر، وحَثَّهم على قَصدِ مملكةِ السُّلطان سنجر، فساروا في ثلاثمئة ألف فارسٍ بقيادة مَلِكِهم كوخان، وسار إليهم سنجر في عساكِرِه، واستعَدَّ كوخان للحَربِ، وعنده جنودُ الترك والصين والخطا وغيرهم، وقصد السُّلطانُ سنجر، فالتقى العسكرانِ بما وراءَ النَّهرِ بمَوضعٍ يقال له قطوان، وكانا كالبَحرينِ العَظيميَنِ، وطاف بهم كوخان حتى ألجأهم إلى وادٍ يقالُ له درغم، وكان على ميمنةِ سِنجر الأميرُ قماج، وعلى مَيسَرتِه ملك سجستان، والأثقالُ وراءهم، فاقتتلوا خامِسَ صَفَر, وكانت الأتراكُ القارغليَّة الذين هربوا من سنجر مِن أشَدِّ النَّاسِ قِتالًا، ولم يكُنْ ذلك اليومَ مِن عَسكَرِ السُّلطان سنجر أحسَنُ قتالًا من صاحِبِ سجستان، فانجَلَت الحربُ عن هزيمة المسلمين، فقُتِلَ منهم ما لا يُحصى مِن كَثرتِهم، واشتمل وادي درغم على عشرةِ آلاف من القتلى والجرحى، ومضى السُّلطانُ سنجر مُنهَزِمًا، وأُسِرَ صاحب سجستان والأميرُ قماج وزوجةُ السُّلطان سنجر، وهي ابنةُ أرسلان خان، فأطلَقَهم الكُفَّارُ، ولَمَّا انهزم سنجر قَصَد خوارزم شاه مدينةَ مَروٍ، فدخلها مُراغمةً للسُّلطانِ سنجر، وقَتَل جمعًا مِن أهلها، وقَبَضَ على أبي الفضل الكرماني الفقيهِ الحنفي وعلى جماعةٍ مِن الفقهاء وغيرِهم من أعيانِ البَلَدِ، وممَّن قُتِلَ الحسامُ عُمَرُ بن عبد العزيز بن مازة البُخاري الفقيهُ الحنفي المشهور. ولم يكُنْ في الإسلامِ وَقعةٌ أعظَمُ من هذه ولا أكثَرُ مِمَّن قُتِلَ فيها بخراسان، واستقَرَّت دولة الخطا والترك الكُفَّار بما وراء النهر، وبَقِيَ كوخان إلى رَجَب من سنة 537 فمات فيه.

العام الهجري : 559 الشهر القمري : رمضان العام الميلادي : 1164
تفاصيل الحدث:

فتح نور الدين محمود بن زنكي قلعة حارم من الفرنج؛ وسببُ ذلك أن نور الدين لَمَّا عاد منهزمًا من البقيعة، تحت حصن الأكراد، مِن قبلُ، واتَّفَق مسير بعض الفرنج مع مَلِكِهم في مصر، فأراد أن يقصِدَ بلادهم ليعودوا عن مصرَ، فأرسل إلى أخيه قطب الدين مودود، صاحِبِ الموصل وديار الجزيرة، وإلى فخر الدينِ قرا أرسلان، صاحبِ حصن كيفا، وإلى نجمِ الدين ألبي، صاحبِ ماردين، وغيرِهم من أصحاب الأطراف يستنجِدُهم؛ فأما قطب الدين فإنه جمعَ عسكَرَه وسار مجِدًّا، وفي مقدمته زين الدين علي أمير جيشه؛ وأما نجم الدين فإنه سيَّرَ عسكرًا، فلما اجتمعت العساكرُ سار نحو حارم فحصرها ونصبَ عليها المجانيق وتابَعَ الزحف إليها، فاجتمع من بقيَ بالساحل من الفرنج، فجاؤوا في حَدِّهم وحديدِهم، ومُلوكِهم وفُرسانِهم، وقِسِّيسِيهم ورهبانهم، وأقبلوا إليه مِن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلون، وكان المُقَدَّم عليهم البرنس بيمند: صاحب أنطاكية، وقمص: صاحب طرابلس وأعمالِها، وابن جوسلين، وهو من مشاهير الفرنج، والدوك، وهو مُقَدَّم كبيرٌ من الروم، وجمعوا الفارِسَ والراجِلَ، فلمَّا قاربوه رحلَ عن حارم إلى أرتاح؛ طمعًا أن يَتبَعوه فيتمَكَّنَ منهم؛ لبُعدِهم عن بلادِهم إذا لَقُوه، فساروا، فنزلوا على غمر ثم عَلِموا عجزَهم عن لقائه، فعادوا إلى حارم، فلما عادوا تَبِعَهم نورُ الدين في أبطال المسلمينَ على تعبئةِ الحرب، فلما تقاربوا اصطفُّوا للقتال، فبدأ الفرنج بالحملة على ميمنةِ المسلمين، وفيها عسكَرُ حلب وصاحِبُ الحصن، فانهزم المسلمون فيها، وتبِعَهم الفرنج، فقيل كانت تلك الهزيمةُ من الميمنة على اتِّفاق ورأيٍ دَبَّروه، فكان الأمرُ على ما دبَّروه؛ فإن الفرنج لَمَّا تبعوا المنهزمين عطف زينُ الدين علي في عسكر الموصل على راجل الفرنج فأفناهم قتلًا وأسرًا، وعاد خيَّالتهم، ولم يُمعِنوا في الطلَبِ خوفًا على راجِلِهم، فعاد المنهَزِمون في آثارهم، فلما وصل الفرنجُ رأوا رجالهم قتلى وأسرى، فسُقِطَ في أيديهم، ورأوا أنهم قد هلكوا وبَقُوا في الوسط قد أحدق بهم المسلمون من كل جانب، فاشتدَّت الحربُ، وقامت على ساق، وكثُرَ القتل في الفرنج، وتمَّت عليهم الهزيمة، فعدل حينئذ المسلمون من القتل إلى الأسر، فأسَروا ما لا يُحَدُّ، وفي جملة الأسرى صاحِبُ أنطاكية، والقمص، صاحب طرابلس، وكان شَيطانَ الفرنج، وأشَدَّهم شكيمةً على المسلمين، والدوك مقدم الروم، وابن جوسلين، وكانت عدة القتلى تزيد على عشرة آلاف قتيل. ثم سار إلى حارم فملكها في شهر رمضان من السنة، وبثَّ سراياه في أعمال أنطاكية، فنَهَبوها وأسروا أهلها، وباع البرنس بمال عظيم وأسرى من المسلمين.

العام الهجري : 808 الشهر القمري : ذي الحجة العام الميلادي : 1406
تفاصيل الحدث:

في خامس ذي الحجة اقتتل الأمير جكم الجركسي الظاهري، والأمير شيخ المحمودي نائب الشام، بأرض الرستن -فيما بين حماة وحمص-  قُتِل فيها الأمير طولو نائب صفد، والأمير علاق نائب حماة، وجماعة كثيرة من الفريقين، وانهزم الأمير شيخ ومعه الأمير دمرداش المحمدي إلى دمشق، ومضى منها إلى الرملة يريد القاهرة، فإن الأمير شيخ توجَّه من دمشق بعد عيد الأضحى، ومعه الأمير دمرداش، فنزل مرج عذراء في عسكره يريد حمص، وقد نزل بها عسكر جكم عليهم الأمير، ونزل جكم على سلمية، فلبس الأمير دمرداش خلعة نيابة حلب الواصلة إليه مع تقليده وهو بالمرج، وقدِمَ إليهم الأمير عجل ابن نعير بعربه طالبًا أخذ ثأره من جكم، ووصل أيضًا ابن صاحب الباز يريد أيضًا أخذ ثأر أخيه من جكم، ومعه جمع من التركمان، فسار بهم الأمير شيخ من المرج في ليلة الاثنين الثالث عشر إلى أن نزل قارا ليلة الثلاثاء، فوصل تقليد العجل بن نعير بإمرة العرب، وقدِمَ الأمير علان نائب حماة وحلب - كان- من مصر، وقد استقر أتابك دمشق، ونزل الأمير شيخ حمص يوم الخميس السادس عشر، فكاتب الفريقان في الصلح فلم يتِمَّ، واقتتلا في يوم الخميس الثالث والعشرين بالرستن، فوقف الأمير شيخ والأمراء في الميمنة، ووقف العرب في الميسرة، فحمل جكم بمن معه على جهة الأمير شيخ فكسره، وتحول إلى جهة العرب، وقد صار شيخ إليها وقاتلوا قتالًا كبيرًا ثبتوا فيه، فلم يطيقوا جموع جكم وانهزموا، وسار شيخ بمن معه -من دمرداش وغيره- إلى دمشق، فدخلوها يوم السبت الخامس والعشرين، وجمعوا الخيول والبغال، وأصحابهم متلاحقيين بها، ثم مضوا من دمشق بكرة الأحد، فقدم في أثناء النهار من أصحاب الأمير جكم الأمير نكبيه، وأزبك، دوادار الأمير نوروز، ونزل أزبك بدار السعادة، وقدم الأمير جرباش، فخرج الناس إلى لقاء نوروز، فدخل دمشق يوم الاثنين السابع والعشرين، ونزل الإسطبل، ودخل الأمير جكم يوم الخميس آخره، ونادى ألا يشوش أحد على أحد، وكان قد شنق رجلًا في حلب رعى فرسه في زرع، وشنق آخر بسلمية، ثم شنق جنديًّا بدمشق على ذلك، فخافه الناس، وانكفُّوا عن التظاهر بالخمر، وقُتِل في وقعة الرستن الأمير علان نائب حماة وحلب، والأمير طولو نائب صفد، قُدِّما بين يدي الأمير جكم فضرب أعناقهما وعُنُقَ طواشي كان في خدمة الأمير شيخ، كان يؤذي جماعة نوروز المسجونين، ومضى الأمير شيخ إلى جهة الرملة.