لَمَّا استقَرَّ جرجي صاحب صقليَّة بالمَهديَّة، سَيَّرَ أسطولًا بعد أسبوع إلى مدينة صفاقس، وسَيَّرَ أسطولًا آخَرَ إلى مدينة سوسة، فأمَّا سوسة فإنَّ أهلَها لَمَّا سَمِعوا خبَرَ المهديَّة، وكان واليها عليَّ بنَ الحَسَن الأمير، فخرج إلى أبيه، وخرج النَّاسُ لخروجه، فدخلها الفِرنجُ بلا قتالٍ ثانيَ عَشَرَ صَفر، وأمَّا صفاقس فإنَّ أهلَها أتاهم كثيرٌ مِن العَرَبِ، فامتنعوا بهم، فقاتَلَهم الفرنج، فخرج إليهم أهلُ البَلَدِ فأظهَرَ الفِرنجُ الهزيمةَ، وتَبِعَهم الناسُ حتى أبعدوا عن البَلَدِ، ثمَّ عطَفوا عليهم، فانهزم قومٌ إلى البلد وقومٌ إلى البرِّيَّةِ، وقُتِلَ منهم جماعة، ودخل الفرنجُ البَلَدَ فمَلَكوه بعد قتالٍ شَديدٍ وقتلى كثيرةٍ، وأُسِرَ مَن بقي من الرجالِ وسُبِيَ الحَريمُ، وذلك في الثالثِ والعشرين من صفر، ثمَّ نودي بالأمان، فعاد أهلُها إليها، وافتَكُّوا حَرَمَهم وأولادَهم، ورَفَق بهم وبأهلِ سوسة والمهديَّة، وبعد ذلك وَصَلَت كتُبٌ مِن رجار لجميعِ أهلِ إفريقيَّة بالأمانِ والمواعيدِ الحَسَنةِ.
هو المَلِكُ سَيفُ الدين غازي بن أتابك زنكي صاحِبُ المَوصِل تَمَلَّكَ المَوصِلَ بعدَ أبيه، واعتَقَلَ ألب أرسلان السلجوقي, وكان عاقِلًا حازِمًا شُجاعًا جَوادًا، محبًّا أهلَ الخَيرِ، لم تَطُلْ مُدَّتُه، وعاش أربعين سنة. وكان أحسَنَ الملوك شكلًا، وله مَدرسةٌ كبيرة بالمَوصِل، وهي من أحسَنِ المدارس، وقَفَها على الفُقَهاءِ الحَنَفيَّة والشَّافعيَّة، توفِّيَ في المَوصِل بمَرَضٍ حادٍّ، ولَمَّا اشتَدَّ مَرَضُه أرسل إلى بغدادَ واستدعى أوحَدَ الزَّمان، فحضَرَ عنده، فرأى شِدَّةَ مَرَضِه، فعالجَه فلم يَنجَعْ فيه الدَّواءُ، وتوفِّيَ أواخِرَ جمادى الآخرة، وكانت ولايتُه ثلاث سنين وشهرًا وعشرين يومًا، توفِّيَ ولم يترك سوى ولدٍ مات شابًّا، ولم يُعقبْ. ولَمَّا تُوفِّيَ سَيفُ الدين غازي كان أخوه قُطب الدين مودود مُقيمًا بالمَوصِل، فاتَّفَق جمال الدين الوزير وزَينُ الدين عليٌّ أميرُ الجَيشِ على تمليكِه، فأحضروه، واستحلفوه وحَلَفوا له، وأركَبوه إلى دارِ السَّلطَنةِ، وزينُ الدين في ركابِه، وأطاعه جميعُ بلاد أخيه سيفِ الدين كالمَوصِل والجزيرةِ والشَّامِ.
نشبَت الحرب بين قليج أرسلان بن مسعود صاحِبِ قونية، وبين ياغي بسان بن دانشمند صاحِبِ ملاطية، وكان سبب هذه الحرب أنَّ قليج أرسلان تزوج ابنة سلدق بن علي بن أبي القاسم صاحب أرزروم، فسيرت العروس إلى قليج مع جهاز كبير، فأغار ياغي على مسيرة العروس واختطفها وما معها، وأمَرَها بالردَّةِ عن الإسلام لينفَسِخَ زواجُها من قليج أرسلان، ففعلت ثم عادت للإسلامِ؛ ليزوجها ياغي من ابن أخيه، فلما علم قليج بذلك جمع عساكره وسار إلى ملاطية، وقاتل صاحبها ياغي، فانهزم قليج والتجأ إلى ملك الروم يستنصره على ابن دانشمند، فرده ملك الروم بقوة وسَيَّرَه إلى قتال ياغي، ولكن بلغه في الطريق وفاة ابن دانشمند فأغار على بلاده وملك بعضها، وخلف ابن دانشمند أخوه إبراهيم في إمارة ملاطية، وتم الصلح مع قليج على أن يستولي ذو النون بن محمد بن دانشمند على مدينة قيسارية، وأن يملك شاهنشاه أخو قليج أرسلان على مدينة أنكورية (أنقرة).
لَمَّا ورد رسولُ ملك الخطا التُّرك الكُفَّار على خوارزم شاه، أعاد الجوابَ: إنَّ عَسكَرَك إنَّما قَصَد انتزاعَ بلخ، ولم يأتُوا إلى نصرتي، ولا اجتَمَعْتُ بهم، ولا أمرتُهم بالعبور، إن كنتُ فعلْتُ ذلك، فأنا مقيمٌ بالمال المطلوب مني، ولكِنْ حيث عجزتم أنتم عن الغوريَّة عُدتُم عليَّ بهذا القول وهذا المطلب، وأمَّا أنا فقد صلحت مع الغورية، ودخلت في طاعتِهم، ولا طاعةَ لكم عندي، فعاد الرسولُ بالجواب، فجَهَّزَ ملك الخطا جيشًا عظيمًا وسَيَّرَه إلى خوارزم فحصروها، فكان خوارزم شاه يخرجُ إليهم كل ليلة، ويقتُلُ منهم خلقًا، وأتاه من المتطوِّعة خلقٌ كثير، فلم يَزَلْ هذا فِعْلَه بهم حتى أتى على أكثَرِهم، فدخل الباقون إلى بلادِهم، ورحل خوارزم شاه في آثارهم، وقَصَد بخارى فنازلها وحَصَرها، وامتنع أهلُها منه، وقاتلوه مع الخطا، فلم يَزَلْ هذا دأبَهم حتى ملك خوارزم شاه البلدَ بعد أيام يسيرة عَنوةً، وعفا عن أهله، وأحسَنَ إليهم، وفَرَّقَ فيهم مالًا كثيرًا، وأقام به مُدَّةً ثم عاد إلى خوارزم.
جهَّز الملكُ الكامِلُ عسكرًا من الغزِّ والعربان إلى ينبع، من أرضِ الحجاز عليهم علاء الدين آق سنقر الزاهدي في شوَّال وعِدَّتُهم سبعمائة، وسبَبُ ذلك ورودُ الخبر بمسير الشريف راجح من اليمن بعسكر إلى مكةَ، وأنَّه قَدِمَها في صفر، وأخرج من بها من المصريين بغيرِ قتال، ثم إنَّ ابن رسول بعث إلى الشريف راجح بن قتادة بخزانة مالٍ، ليستخدم عسكرًا، فلم يتمكَّنْ من ذلك؛ لأنَّه بلغه أنَّ السلطان الملك الكامل بعث الأميرَ أسد الدين جغريل، أحدَ المماليك الكاملية، إلى مكة بسبعمائة فارس، وحضر جغريل إلى مكة، ففَرَّ منه الشريف راجح بن قتادة إلى اليمن، وملك جغريل مكَّةَ في شهر رمضان، وأقام العسكَرَ بها، وحجَّ بالنَّاسِ، وترك بمكةَ ابن محلي، ومعه خمسون فارسًا، ورجع إلى مصر، ثم بعثَ الملك المنصور عمرُ بن علي بن رسول ملك اليمن عسكرًا إلى مكة، مع الشهاب بن عبد الله، ومعه خزانةُ مال، فقاتله المصريون وأسَروه، وحملوه إلى القاهرة مُقَيَّدًا.
خرج السُّلطانُ الملك الصالح نجمُ الدين أيوب بالعساكِرِ في شوال يريدُ دمشق واستناب بديارِ مِصرَ الأميرَ حُسام الدين بن أبي علي، فدخل إلى دمشقَ في سابع عشر ذي القعدة، وكان دخولُه يومًا مشهودًا، فأحسن إلى النَّاسِ، وخلع على الأعيانِ، وتصَدَّقَ على أهل المدارِسِ والرُّبُط وأرباب البيوت وسار بعد خمسة عشر يومًا إلى بعلبكَّ، فرَتَّبَ أحوالها، وسار إلى بُصرى، وقد تسَلَّمها نوابُ السلطان أيوب من الأمير شهاب الدين غازي، نائبِ الملك الصالح إسماعيل، فتصَدَّقَ على مدارس بصرى ورُبُطِها وأرباب البيوت وجَهَّز السلطانُ الأميرُ ناصر الدين القيمري، والصاحِبُ محي الدين بن مطروح، إلى صلخد، وبها الأميرُ عز الدين أيبك المعظمي، فما زالا به حتى سلَّم صلخد، وسار إلى مصر، وتصَدَّق السلطانُ في القدس بألفي دينار مصرية، وأمر بذرع سور القدس، فكان ذراعه ستة آلاف ذراع بالهاشمي، فأمر بصرف غلَّات القدس في عمارتِه، وإن احتاج إلى زيادةٍ حُمِلَت من مصر.
هو حَسَنُ بن الشيخ محمد السكاكيني، كان والده الشيخ محمد السكاكيني يَعرِفُ مَذهَب الرافِضةِ الشِّيعةِ جَيِّدًا، وكانت له أسئلةٌ على مذهب أهلِ الجَبْرِ، ونَظَم في ذلك قصيدةً أجابه فيها شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميَّةَ رحمه الله، وذكر غيرُ واحدٍ مِن أصحابِ الشَّيخِ أنَّ السكاكيني ما مات حتى رجع عن مذهَبِه، وصار إلى قَولِ أهلِ السنَّةِ، فالله أعلم، وقيل إنَّ وَلَدَه حَسَنًا هذا القبيحَ، كان قد أراد قَتْلَ أبيه لما أظهر السُّنَّةَ. قُتِلَ حَسَن بسوق الخيل في صبيحة يوم الاثنين الحادي والعشرين من جمادى الأولى على ما ظهَرَ منه من الرَّفضِ الدَّالِّ على الكُفرِ المَحضِ، بعد أن شُهِدَ عليه عند القاضي شرف الدين المالكي بشهاداتٍ كثيرةٍ تدُلُّ على كُفرِه، وأنَّه رافِضيٌّ جَلْدٌ، فمن ذلك تكفيرُ الشَّيخينِ- رَضِيَ اللهُ عنهما- وقَذْفُه أمَّيِ المُؤمِنينَ عائشةَ وحفصةَ- رَضِيَ اللهُ عنهما- وزَعَم أنَّ جبريلَ غَلطَ فأوحى إلى محمَّدٍ، وإنَّما كان مُرسَلًا إلى عليٍّ! وغيرُ ذلك من الأقوالِ الباطلة القبيحةِ- قَبَّحَه اللهُ.
هو الإمامُ الشيخ علاءُ الدين علي ابنُ القاضي فخر الدين عثمان بن إبراهيم بن مصطفى المارديني الحنفي المعروف بالتركماني، ومولِدُه في سنة 683، كان إمامًا فقيهًا بارعًا نحويًّا أصوليًّا لغويًّا، أفتى ودرَّس واشتغل وألَّف وصَنَّف، وكان له معرفةٌ تامَّةٌ بالأدب وأنواعه، وله نظمٌ ونَثرٌ، كان إمامَ عَصرِه لا سيَّما في العلوم العقلية والفقه أيضًا والحديث، وتصدى للإقراءِ عِدَّة سنين، وتولى قضاء الحنفيَّة بالديار المصرية في شوال سنة 748، عوضًا عن قاضي القضاة زين الدين البسطامي، وحسُنَت سيرته، ودام قاضيًا إلى أن مات، وتولى عِوَضَه ولده جمال الدين عبد الله، من مصَنَّفاته كتاب بهجة الأريب في بيان ما في كتاب الله العزيز من الغريب، والمنتخب في علوم الحديث، والمؤتلف والمختلف، والضعفاء والمتروكون، والدر النقي في الرد على البيهقي، ومختصر المحصل في الكلام، ومقدمة في أصول الفقه، والكفاية في مختصر الهداية، ومختصر رسالة القشيري، وغير ذلك. توفِّيَ يوم الثلاثاء عاشرَ المحَرَّم بالقاهرة.
حضر الأمير علاء الدين ألطبغا نائب الملك الظاهر مجد الدين عيسى صاحب ماردين، فأنعم عليه وعلى من معه، وكان سببُ قدومه أنَّ الظاهِرَ عيسى لما قبض عليه تيمورلنك وأقام في أسْرِه، قام ألطبغا بأمر ماردين ومنع تيمورلنك منها، وكان الظاهر قد أقام في مملكة ماردين الملك الصاع شهاب الدين أحمد بن إسكندر بن الملك الصالح صالح، وهو ابنُ أخيه وزوجُ ابنته، فقاتل أصحاب تيمورلنك قتالًا شديدًا، وقتل منهم جماعة، فشقَّ هذا على تيمورلنك، ثم أفرج عن الظاهر بعد أن أقام في أسره سنتين وسبعة أشهر، وحَلَّفه على الطاعة له وإقامة الخُطبة باسمه، وضَرْب السكة له، والقَبْض على ألطبغا وحَمْله، فعندما حضر إلى ماردين فرَّ منه ألطبغا إلى مصر، فرتَّب له السلطان ما يليقُ به، وقَدِمَت رسل تيمور إلى دمشق فعُوِّقوا بها، وحُمِلت كتُبُهم إلى السلطان فإذا فيها طلب أطلمش، فأمر أن يُكتَب إلى أطلمش بما هو فيه ورفيقه من إحسان السلطان، وكتب جوابه بأنه متى أرسل من عنده من أصحاب السلطان خبر إليه أطلمش.
هو الشيخ الإمام الحافظ محدث الشام شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبى بكر بن عبد الله بن محمد بن أحمد بن مجاهد بن يوسف بن محمد بن أحمد بن علي، المعروف بابن ناصر الدين القيسي الحموي الدمشقي الشافعي. ولد بدمشق سنة 777, طلب الحديث، فصار حافظ بلاد الشام من غير منازع، ووليَ مشيخة دار الحديث بالأشرفية, وصنَّف عدة مصنَّفات؛ منها: تحفة الإخباري بترجمة صحيح البخاري، وعقود الدرر في علوم الأثر، والرد الوافر في الدفاع عن ابن تيمية، وله التنقيح في حديث التسبيح، وله برد الأكباد عند فقد الأولاد، وله فضل عشر ذي الحجة ويوم عرفة، وغيرها من المصنفات الدالة على غزير علمه في الحديث والفقه. كان متأثرًا بشيخ الإسلام ابن تيمية. توفي في الثامن والعشرين ربيع الآخر بدمشق، وقيل: إنه قُتِل شهيدًا في إحدى قرى دمشق.
جهَّز الوالي العثماني في الجزائر أسطولَه في هذه السنة لمحاربة إسبانيا فوق أرضِها، فنزل المجاهدون المسلمون في برشلونة، فأعملوا فيها تدميرًا ثم عبَروا مضيقَ جبل طارق وهاجموا جزر الكناري التي تحتلُّها إسبانيا، فدمَّروا المراكز العسكرية وغَنِموا ما فيها ولم يكن الأسطول العثماني يذهب للأندلس لمجرد التنكيل بالإسبانيين ولتدمير منشآتهم، بل كان بالدرجة الأولى لإنقاذ المسلمين من نكبتهم، وتعرَّض المجاهدون أثناء ذلك لمعاركَ قاسية وهزائم أحيانًا، وفي 992, أبحر حسن فنزيانو بأسطوله على ثغرِ بلنسية، وحمل أعدادًا كبيرة من مسلمي الأندلس؛ إذ أنقذهم من اضطهاد الإسبان، كما استطاع في السنة التالية إنقاذَ جميع سكان كالوسا؛ إذ حملهم إلى الجزائر، وفي السنة التي بعدها توغَّل مراد رايس في المحيط الأطلسي فأغار على جزر الكناري، وغَنِمَ منها غنائمَ كثيرة بما فيهم زوجة حاكم تلك الجزر، وبقي حسن فنزيانو على رأس الحكومة العثمانية بالجزائر إلى أن استدعاه السلطان في إسطنبول ليتولى منصب إمارة البحر " قبودان دوريا " وذلك بعد وفاة قلج علي سنة 995.
كانت جمهورية البنادقة تهيمن على جزيرة كريت وعلى الحركة التجارية في بحر إيجة، مستغلين الصلح مع الدولة العثمانية، فعزم العثمانيون على تدمير نفوذ البنادقة في الشرق، فجُهِّزت الجيوش والأسطول وأُعلنت الحرب على البنادقة، واعتقل جميع البنادقة في طول البلاد وعرضها، وأُمر بمصادرة أموالهم وممتلكاتهم، ثم أمر السلطان إبراهيم بتجهيز عمارة بحرية قوية لفتح جزيرة كريت لأهمية موقعها الجغرافي الحربي عند مدخل بحر أرخبيل اليونان، ولتوسطها في الطريق بين الآستانة وولاية الغرب، فجُهزت الدونانمة وسارت باحتفال زائد تحت قيادة من يدعى يوسف باشا إلى أن ألقت مراسيها أمام مدينة خانية أهم ثغور الجزيرة في 29 ربيع الآخر من هذه السنة، وافتتحها بدون حرب تقريبًا؛ لعدم وصول الدونانمة البندقية إليها في الوقت المناسب، فانتقم البنادقة بحرق ثغور بتراس وكورون ومودون من بلاد مورة، ويقال إن السلطان أراد في مقابلة ذلك قتل جميع النصارى لولا معارضة المفتي أسعد زاده أبي سعيد أفندي.
أسَّس جمال عبد الناصر الاتحادَ القوميَّ كتجَمُّع سياسي يحكُمُ عن طريقه البلد، وقد بَعَث علي صبري إلى البرتغالِ لدراسة الاتحاد القومي هناك الذي نظَّمَه "سالازار" طاغية البرتغال. وقد نصَّ دستور عام 1956م على هذا التنظيم، وذكر أن هذا التجمُّع سياسيٌّ يعمَلُ على تحقيق الأهداف التي قامت من أجلها ثورة يوليو عام 1952م، ولم يكُنْ هذا التنظيم حزبًا سياسيًّا كما جرت العادة، وإنما كان تنظيميًّا حكوميًّا؛ حيث تتحمَّلُ خزينة الدولة كامِلَ نفقاته. وقد أعلن عن قيام هذا التنظيم في 29 شوال / 28 أيار, وتولَّى أنور السادات منصِبَ الأمين العام له، ثم رأى جمال عبد الناصر غيرَ ذلك، فأصدر مرسومًا بتعيين كمال الدين حسين مُشرِفًا عامًّا عليه، يُمارِسُ أعمال الأمين العام، وكان شعارُ هذا التجمع السياسي الحكومي "اشتراكيَّتُنا اشتراكيةُ تمليكٍ، وليست اشتراكيةَ مُصادرة" وهذا يعني أن التنظيم كان اشتراكيًّا من نوع جديد، ولم يَطُل عمر هذا الاتحاد القومي؛ إذ حُلَّ مع قيام الوحدة بين مصر وسوريا.
قام وفدٌ نيابيٌّ من سوريا بزيارة مصر ودعا إلى الوَحدةِ بين الدولتين العربيتين وبادلهم وفدٌ مصري الزيارةَ، وكان جمال عبد الناصر يريد الاتحادَ ولا يرى الدَّمجَ، يعني الوحدة، غير أنَّ الوضع في سوريا كان قلقًا جِدًّا، وكان الشعب يريدُ الوَحدةَ؛ لعله يتخَلَّصُ مِمَّا هو فيه من التسلُّطِ العسكري وتحكُّم البعثيِّينَ والشيوعيِّين، وكان رئيسُ الأركان السوري عفيف البزري ذو الميول الشيوعية يعرِفُ رغبة جمال في الاتحاد لا الوحدة، فأراد أن يقترح الوَحدةَ فيرفُضَها جمال فينفردَ هو بسوريا، لكنَّ جمالًا رَضِيَ بالوحدة، وربما أدرك نوايا عفيف، فتم الاتفاقُ على الوحدة في 12 رجب 1377هـ / 1 شباط، وعَيَّن جمال أربعة نواب لرئيس الجمهورية: اثنان من مصر، واثنان من سوريا، أما الوزارة فكانت مركزيةً في القاهرة التي أصبحت عاصِمةَ الجمهورية العربية المتحدة، وهو الاسم الذي اختير لهذه الوَحدة، وأما المجلِسُ التنفيذي ففي القاهرة، وآخر في سوريا، وأطلق على مصر الإقليم المصري أو الجنوبي، وعلى سوريا الإقليم السوري أو الشمالي.
هو الشيخُ العلامة أبو عبد الله عبد الرحمن بن يحيى بن علي بن أبي بكر المعَلِّمي العتمي اليمني، وُلِدَ في أولِ سنة 1313هـ بقرية المحاقرة التابعة لمحافظة صنعاء، قرأ القرآنَ على والدِه، ثم درس في المدرسةِ الحكومية، وتعلَّم القرآنَ والتجويدَ والحسابَ، ثم قرأ النحو، ثم ارتحل إلى جازان سنة 1336هـ، فترأَّس فيها القضاءَ، ثم ارتحل إلى عَدَن ثمَّ الهند مصحِّحًا لكتب الحديث وعلومه، ثمَّ إلى مكة سنة 1371هـ وكان بارعًا في علم الحديثِ والرِّجالِ والجَرح والتعديل، وله مؤلفات، منها: ((التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل))، و ((الأنوار الكاشفة بما في كتاب أضواء على السُّنَّة من الزلل والتضليل والمجازفة))، في الردِّ على أبي رَيَّة. و ((علمُ الرجال وأهميته))، وله بحوث كثيرة مستقِلَّة، وله تحقيقات، منها تحقيق كتاب الرد على الأخنائي لابن تيمية، والفوائد المجموعة، والجَرح والتعديل وتقدِمتُه، والمنار المنيف في الصحيح والضعيف، وغيرها كثير، توفي رحمه الله في مكَّةَ المكرمة، وعمره ثلاث وسبعون سنة.