هو السلطان أحمد العباس بن أبي مروان عبد الملك، ملك السعديين في المغرب الأقصى، قتله أخوه، ويعتبر هو آخر الملوك السعديين فرع الحسنيين، وكان من أسباب نهاية هذا الفرع من السعديين الأشراف تنافس الأمراء على الحكم والاستعانة بخصوم الدولة سواء الأسبان والبرتغال أو الأتراك. وبدأت بعد عهد الأشراف دولة العلويين في مراكش بزعامة الرشيد بن محمد.
في هذه السنةِ ملَكَ المُسلِمونَ سَرقوسة- وهي من أعظمِ مُدُنِ صَقَليَّة- وكان سببَ مِلكِها أنَّ جعفرَ بنَ محمد أميرَ صقليَّة غزاها فأفسَدَ زَرعَها وزَرْعَ قطانية، وطبرمين، ورمطة، وغيرِها من بلاد صقليَّة التي بيَدِ الروم، ونازل سرقوسة، وحصَرَها برًّا وبحرًا وملَكَ بعضَ أرباضها، ووصَلَت مراكِبُ الرومِ نَجدةً لها، فسيَّرَ إليها أسطولًا فأصابوها وتمكَّنوا حينئذٍ مِن حَصرِها فأقام العسكرُ مُحاصَرًا لها تسعة أشهر، وفُتِحَت، وقُتِلَ من أهلها عِدَّةُ ألوفٍ، وأصيبَ فيها من الغنائِمِ ما لم يُصَبْ بمدينةٍ أخرى، ولم ينجُ مِن رجالِها إلا الشاذَّ الفَذَّ، وأقاموا فيها بعدَ فتحها بشهرين، ثم هَدَموها ثمَّ وصل بعدَ هَدمِها من القسطنطينية أسطولٌ، فالتقَوا بالمسلمين، فظفِرَ بهم المسلمون، وأخذوا منهم أربعَ قِطَع، فقَتَلوا من فيها، ثم انصرف المسلمون إلى بلدِهم آخِرَ ذي القَعدة.
هو أبو الفَتحِ وأبو الجود عِمادُ الدين زنكي بنُ قُطب الدين مودود بن عماد الدين زنكي بن اقسنقر، صاحِبُ سنجار ونصيبين، والخابور والرقة، كان قد مَلَك حلب سنة 577 بعد ابنِ عَمِّه الملك الصالح إسماعيل بن نور الدين محمود بن عماد الدين زنكي، ومَلَك بعدَه ابنُه قطب الدين محمد، وتولَّى تدبير دولته مجاهِدُ الدين يرنقش مملوكُ أبيه، كان يحِبُّ أهل العلم والدين، ويحتَرِمهم ويجلس معهم ويرجع إلى أقوالهم، وكان شديد التعَصُّب لمذهب الحنفية، كثيرَ الذَّمِّ للشافعيَّة، فمِن تعَصُّبِه أنه بنى مدرسة للحنفيَّة بسنجار، وشَرَط أن يكون النظَرُ للحنفيَّةِ مِن أولاده دونَ الشافعيَّة، وشَرَطَ أن يكون البوَّاب والفراش على مذهب أبي حنيفةَ، وشَرَط للفُقَهاءِ طبيخًا يُطبَخُ لهم كلَّ يَومٍ.
توجَّهت مراكب من عكا فيها ملك قبرص المسمَّى إليان إلى ثغر دمياط، فدخله ليلًا وأغار على بعض البلاد، فقتل وسبى وكر راجعًا، فركب مراكبه ولم يدركه الطلبُ، وقد تقدمت له غارة مثلُها قبل هذه، وهذا شيءٌ لم يتَّفِق لغيره، وفيها عاثت الفرنجُ بنواحي القدس، فبرز إليهم الملك المعظم شرف الدين بن الملك العادل، وعمل أبو المظفر سبط ابن الجوزي ميعادًا بنابلس وحثَّ على الجهاد، وكان يومًا مشهودًا، ثم سار هو ومن معه وبصحبته المعظَّم نحو الفرنج، فقتلوا خلقًا وخربوا أماكن كثيرة، وغَنِموا وعادوا سالمين، وشرع المعظَّم في تحصين جبل الطور وبنى قلعة فيه ليكونَ إلبًا على الفرنج، فغرم أموالًا كثيرة في ذلك، فبعث الفرنجُ إلى العادل يطلُبونَ منه الأمان والمصالحة، فهادنهم وبطلت تلك العمارةُ وضاع ما كان المعظَّمُ غرم عليها.
سار صاحب اليمن الملك المسعود أقسيس بن الملك الكامل محمد، صاحب مصر، إلى مكة وصاحبها حينئذ حسن بن قتادة بن إدريس، العلوي الحسيني، قد ملكها بعد أبيه، وكان حسن قد أساء إلى الأشراف والمماليك الذين كانوا لأبيه، وقد تفرقوا عنه، ولم يبق عنده غيرُ أخواله من غيره، فوصل صاحب اليمن إلى مكة، ونهبها عسكرُه إلى العصر، حتى أخذوا الثيابَ عن الناس، وأفقَروهم، وأمر صاحب اليمنِ أن ينبش قبر قتادة الأمير السابق ويُحرَق، فنبشوه، فظهر التابوت الذي دفنه ابنه الحسَنُ والناس ينظرون إليه، فلم يَرَوا فيه شيئًا، فعلموا حينئذ أن الحسَنَ دفَنَ أباه سرًّا، وأنه لم يجعل في التابوت شيئًا، وذاق الحسَنُ عاقبةَ قطيعة الرحم، وعجَّلَ الله مقابلته، وأزال عنه ما قَتَلَ أباه وأخاه وعمه لأجله.
هو مَلِكُ القفجاق المسمَّى طقطغاي بن منكوتمر بن طغان بن باطو بن جوجي، بن جنكيزخان، وكان له في المُلكِ ثلاث وعشرون سنة، وكان عمرُه ثمانية وثلاثين سنة، وكان شهمًا شجاعًا على دين التتر في عبادة الأصنام والكواكب، يُعَظِّمُ المجسِّمة والحكماء والأطباء، ويُكرِمُ المسلمين أكثَرَ من جميع الطوائف، كان جيشُه هائلًا لا يَجسُرُ أحد على قتاله لكثرة جيشِه, وقوَّتِهم وعدَدِهم، ويقال إنه جرَّد مرةً تجريدةً من كل عشرةٍ مِن جيشه واحدًا فبلغت التجريدة مائتي ألف وخمسينَ ألفًا! توفي في رمضان, وقام في المُلكِ من بعده ابنُ أخيه أزبك خان بن طغرل بن منكوتمر بن طغان، وكان مسلمًا فأظهر دين الإسلام ببلادِه، وقتل خلقًا من أمراء الكَفَرة وعَلَت الشرائِعُ المحمَّديَّة على سائر الشرائع هناك، ولله الحمد والمنة على الإسلامِ والسُّنَّة.
بعث الملك شهاب الدين أحمد بدلاي بن سعد الدين سلطان المسلمين بالحبشة أَخاه خير الدين لقتال أهل أمحرة الكَفَرة بالحبشة، ففتح عدة بلاد من بلاد الحطي ملك الحبشة، وقتل أميرين من أمرائه، وغنم مالًا عظيمًا، وأكثر من القتل في أمحرة النصارى، وأخرب لهم ستَّ كنائس، وكان الوباء العظيم قد شنع بعامَّة بلاد الحبشة، ومات فيه من المسلمين والكفّار عالم لا يُحصى حتى كادت أن تخلو البلاد، بل خلا الكثير منها. وكان هلك في هذا الوباء ملك الحبشة الكافر صاحب أمحرة الذي يقال له الحطي، ووقع الخلاف بعده، ثم اتفقوا على إقامة صغير، فاغتنم فخر الدين الفرصة وغزى هذه الغزوة وعاد مؤيَّدًا منصورًا ومعه من الأموال والسبايا ما لا يُحصى، ثم عاد غازيًا في شوال أيضًا.
عندما حاول أمير ترانسلفانيا جورج راغوجي عدم الوفاء بالتزاماته المالية عزله العثمانيون وولوا مكانه ميخائيل أبافي، فكان هذا سببًا في قيام حرب تزعَّمها المجريون، ثم انضم لهم جماعة من الأوربيين في حرب صليبية كان العثمانيون لها بالمرصاد حتى وصلوا إلى حدود النمسا، ثم أحرز العثمانيون النصر عليهم، ثم حصلت حرب بين السويد وبولونيا (بولندا) فاستنجد ملك السويد بالعثمانيين على أن تصبح بولونيا تحت نفوذهم، فاتجه العثمانيون إلى بولونيا فقامت معارك ضارية فقد البولنديون فيها قلعة فامنج، حتى اضطر ميخائيل ملك بولونيا إلى عقد صلح مع العثمانيين تخلى بموجبه عن بودوليا وأوكرانيا، ثم عادت الحروب بينهم سِجالًا مرة أخرى، ولكن الأمر بقي لصالح العثمانيين؛ حيث عاد ملك بولندا للتخلي عن باقي أجزاء أوكرانيا وبودوليا للعثمانيين.
حضر لمصر في هذه السنة جاك بن ملك قبرص بعد أن توفِّيَ والده ونصبوا على عرش قبرص أخته عوضًا عنه، قيل: لأنه ولَدُ زنا، وقيل غير ذلك، ثم بقي في مصرَ على أمل أن يوليه السلطان عرش قبرص, وحضر كذلك جماعة من قبرص نيابة عن أخته وهي تطلب كذلك أن تبقى هي الملكة, وفي يوم الثلاثاء سادس شعبان وقع في مصر أمرٌ شنيع بسبب هذا الأمر، وهو أن السلطان جمع أعيان الفرنج القبارصة في الملأ بالحوش السلطاني، وأراد بقاء الملكة صاحبة قبرص على عادتها، وخلَعَ على قصَّادها أعيان الفرنج، واستقَرَّ تغري بردي الطياري مُسفرها، وعلى يده تقليدُها وخِلعتُها، وكان الفرنجي جاك أخوها حاضر الموكب، وقد جلس تحت مقدمي الألوف، فعز عليه ولاية أخته وإبقاؤها على ملك الأفقسية من جزيرة قبرص مع وجوده، فقام على قدميه واستغاث وتكلَّم بكلام معناه أنه قد جاء إلى مصر، والتجأ إلى السلطان، ودخل تحت كنَفِه، وله عنده هذه المدة الطويلة، وأنه أحقُّ بالملك من أخته، وبكى، فلم يسمع السلطان له، وصمَّم على ولاية أخته، وأمره بالنزول إلى حيث هو سكَنُه، فما هو إلا أن قام جاك وخرج من باب الحوش الأوسط، ثم خرج بعده أخصامُه حواشي أخته، وعليهم الخِلَعُ السلطانية، فمَدَّت الأجلاب أيديها إلى أخصام جاك من الفرنج، وتناولوهم بالضربِ والإخراق، وتمزيق الخِلَع، واستغاثوا بكلمة واحدة: أنهم لا يريدون إلا تولية جاك هذا مكان والِدِه، وعظُمَت الغوغاء، فلم يسع السلطان إلا أن أذعن في الحال بعزلِ الملكة وتولية جاك، فتولى جاك على رغم السلطانِ، بعد أن أمعن المماليك الأجلاب في سبِّ الأمير بردبك الدوادار الثاني، وقالوا له: أنت إفرنجي وتحامي للفرنج، فاستغاث بردبك، ورمى وظيفة الدوادارية، وطلب الإقالة من المشي في الخدمة السلطانية، فلم يسمع له السلطان، وفي الحال خُلِعَ على جاك، ورسم بخروج تجريدة من الأمراء إلى غزو قبرص، تتوجَّهُ مع جاك إلى قبرص، ثم في يوم الثلاثاء السابع عشر شوال سافر المجاهدون في بحر النيل إلى ثغر دمياط ومعهم جاك هذا ليساعدوه على تولي الملك مكان أخته، ثم في يوم الجمعة الثالث والعشرين محرم من السنة التالية حضر البعض من هناك وأخبر أنهم ساروا على ظهر البحر الملح يريدون السواحل الإسلامية، فهبت ريح عظيمةٌ شتَّتَت شملهم، وتوجهوا إلى عدة جهات بغير إرادة، وترك بجزيرة جماعة من المماليك السلطانية ومماليك الأمراء قوة لجاك صاحب قبرص.
كان قد هرب الكثيرُ من أهلِ القيروان لِمَا لاقوا مِن ظُلم عبد الملك بن أبي الجعد الورفجومي وأتباعه، فلجأ الهاربون إلى أبي الخطَّاب عبد الأعلى بن السَّمح، فبايعوه وكثُرَ أتباعُهم، فاستولى على طرابلس، ثم سار إلى قابس فأخذها، واتجه إلى القيروان فالتقى بعبد الملك فهزمه وقتَلَه، واستولى على القيروان وولَّى عليها عبد الرحمن بن رستم الإباضي.
جَمعَ مَالكُ بن عَلويٍّ الصَّخريُّ العَربَ فأَكثرَ، وسارَ إلى المَهدِيَّةِ فحَصرَها، فقامَ الأَميرُ تَميمُ بن المُعِزِّ قِيامًا تامًّا، ورَحَّلَهُ عنها، ولم يَظفَر منها بشيءٍ، فسار مالِكُ منها إلى القَيروانِ فحَصرَها ومَلِكَها، فجَرَّدَ إليه تَميمٌ العَساكرَ العَظيمةَ، فحَصَروهُ بها، فلمَّا رأى مالِكٌ أنَّه لا طاقةَ له بتَميمٍ خَرجَ عنها وتَركَها، فاستَولَى عليها عَسكرُ تَميمٍ وعادَت إلى مُلكِه كما كانت.
خرج مَلِكُ الروم من القسطنطينية في عساكِرَ لا تحصى، وقَصَدَ بلاد الإسلام التي بِيَدِ قلج أرسلان وابن دانشمند، فاجتمع الغز الأتراك التركمان في تلك البلاد في جمعٍ كبير، فكانوا يُغيرون على أطرافِ عَسكَرِه ليلًا، فإذا أصبَحَ لا يرى أحدًا، وكثُرَ القتل في الروم حتى بلغت عِدَّةُ القتلى عشراتِ ألوف، فعاد إلى القُسطنطينية، ولما عاد مَلَك المسلمونَ منه عِدَّة حصون.
قام ملك فرنسا لويس التاسع بتجهيز حملة صليبيةٍ هي في التعداد الثامنة، وقصد بها تونسَ ليجعَلَها طريقه إلى مصر، لكنَّ قواتِ أمير تونس أبي عبد الله محمد بن أبي زكريا الحفصي تصَدَّت لها وساعد أيضًا على فشلها انتشار الأوبئة بينهم مع حرارةِ الجو وكان ممَّن توفي في تونس من الصليبيين الملك نفسُه لويس التاسع، غير الكثير من أفراد جيشه.
قامت في مالقة ثورة ولم يُفلح ملك بني نصر الأمير أبو الحسن علي بن سعد من إخمادها، وانتهت هذه الثورة بتقسيم المملكة إلى شطرين؛ شطر يملكه أبو الحسن، وشطر يملكه أخوه الثائر عليه أبو عبد الله محمد بن سعد الملقب بالزغل، وكان ملك قشتالة يبارك هذه الحروب؛ مما أمكنه من الاستيلاء على بعض المواقع والحصون القريبة من غرناطة.
بعد أن اعتلى السلطان سليمان القانوني عرش الخلافة العثمانية أرسل رسولا إلى ملك المجر يُعلِمه بأنه أصبح الخليفة ويطالبه بدفع الجزية، فقام ملك المجر بقتل الرسول، فجهَّز سليمان جيشًا وسار على رأسه لقتال المجر، ودخل مدينة بلغراد بعد أن حاصرها قليلًا وغادرها الجنود المجريون، ثم صلى السلطان سليمان الجمعة في أحد كنائسها بعد أن حولها إلى مسجد جامع.