هو فَيصلُ بن وطبان بن محمد الدويش الملقَّب بالأكوخ، شيخ قبيلة مطير. تولى المشيخة من عام 1205هـ. انضَمَّ مع القوات العثمانية بقيادةِ إبراهيم باشا في الاستيلاءِ على مدن القصيم والعارض وحصار الدرعية، وكان سببُ انضمامه قتل 12 رجلًا من شيوخ مطير وأقربائه من قِبَلِ عبد الله بن سعود، وكان له مراسلات عديدةٌ مع إبراهيم باشا
هو أحمدُ بنُ عبدِ العزيزِ بنِ أحمدَ القَطَّانِ التميميُّ، وُلِدَعام 1365هـ في مدينةِ الكويت، ودرس فيها وتخرَّج من معهَدِ المعَلِّمينَ عامَ1389هـ.
كان من أبرَزِ وأشهَرِ خُطَباءِ المنابِرِ في الثَّمانينيَّاتِ وبدايةِ التِّسعينيَّاتِ الميلاديَّةِ.
تعرَّضَ لوَعْكةْ صِحِّيةٍ مُفاجِئةٍ أُدخِلَ على إثْرِها العنايةَ المركَّزةَ في مستشفى جابر الأحمد، وتوفِّيَ رحمه الله خلالَ ساعاتٍ، عن عمرٍ ناهز 76 عامًا.
سار مَلِكُ الألمانِ مِن بلادِه في خَلقٍ كَثيرٍ وجَمْعٍ عَظيمٍ مِن الفرنج، عازمًا على قَصدِ بلادِ الإسلامِ، وهو لا يَشُكُّ في مِلكِها بأيسَرِ قِتالٍ؛ لكَثرةِ جُموعِه، وتوفُّرِ أموالِه وعُدَدِه، فلمَّا وَصَل إلى الشَّامِ قَصَده مَن به من الفرنجِ وخَدَموه، وامتَثَلوا أمْرَه ونَهْيَه، فأمَرَهم بالمسيرِ معهم إلى دمشقَ لِيَحصُرَها، فساروا معه ونازلوها وحَصَروها، وكان صاحِبُها مجير الدين أبق بن نوري بن طغتكين، وليس له من الأمر شيءٌ، وإنَّما الحُكمُ في البلد لِمُعين الدين أنر مملوكِ جَدِّه طغتكين، فجَمَعَ العساكِرَ وحَفِظَ البَلَدَ، وأقام الفرنجُ يُحاصِرونَهم، ثمَّ إنَّهم زَحَفوا سادِسَ ربيع الأوَّل بفارِسِهم وراجِلِهم، فخرج إليهم أهلُ البَلَدِ والعَسكَرُ فقاتَلوهم، وصَبَروا لهم، وقاتَلوا الفِرنجَ حتى قُتِلَ مُعين الدين عند النيرب نحوَ نِصفِ فرسَخٍ عن دِمشقَ وقَوِيَ الفرنجُ وضَعُفَ المُسلِمونَ، فتقَدَّمَ مَلِكُ الألمان حتى نزل بالميدانِ الأخضَرِ، فأيقَنَ النَّاسُ بأنَّه يَملِكُ البَلَدَ، وكان مُعينُ الدينِ قد أرسل إلى سيفِ الدين غازي بن أتابك صاحِبِ حَلَب يدعوه إلى نُصرةِ المُسلِمينَ وكَفِّ العدُوِّ عنهم، فجمع عساكِرَه وسار إلى الشَّامِ، واستصحَبَ معه أخاه نورَ الدين محمود من حَلَب، فنزلوا بمدينةِ حِمص، وأرسل إلى مُعين الدين يقول له: "قد حَضَرتُ ومعي كلُّ مَن يَحمِلُ السلاحَ من بلادي، فأريد أن يكونَ نُوَّابي بمدينة دمشق لأحضُرَ وألقى الفِرنجَ، فإن انهَزمتُ دخَلْتُ أنا وعسكري البَلَدَ، واحتمَينا به، وإن ظَفِرتُ فالبَلَدُ لكم لا أنازِعُكم فيه"، ثم أرسل إلى الفِرنجِ يتهَدَّدُهم إن لم يَرحَلوا عن البلَدِ، فكفَّ الفرنجُ عن القتال خوفًا من كثرةِ الجِراحِ، وربما اضطُروا إلى قتالِ سيف الدين، فأبقَوا على نُفوسِهم، فقَوِيَ أهلُ البلَدِ على حِفظِه، واستراحوا من لزومِ الحَربِ، وأرسل مُعينُ الدين إلى الفرنج الغُرَباء: "إنَّ مَلِكَ المَشرِق قد حضر، فإنْ رَحَلتُم، وإلَّا سَلَّمتُ البلدَ إليه، وحينئذٍ تَندَمونَ، وأرسل إلى فرنجِ الشام يقول لهم: بأيِّ عَقلٍ تُساعِدونَ هؤلاء علينا، وأنتم تعلمونَ أنهم إن مَلَكوا دمشقَ أخَذوا ما بأيديكم من البلادِ الساحليَّة، وأمَّا أنا فإن رأيتُ الضَّعفَ عن حِفظِ البلد سَلَّمتُه إلى سيف الدين، وأنتم تعلمونَ أنَّه إن ملك دِمشقَ لا يبقى لكم معه مُقامٌ في الشام"، فأجابوه إلى التَّخلي عن مَلِك الألمانِ، وبذل لهم تَسليمَ حِصنِ بانياس إليهم، واجتمَعَ السَّاحليَّة بمَلِك الألمان، وخَوَّفوه مِن سَيفِ الدين وكَثرةِ عَساكِرِه وتتابُعِ الأمداد إليه، وأنَّه ربما أخذ دمشقَ وتَضعُفُ عن مُقاومِته، ولم يزالوا به حتى رحَلَ عن البَلَدِ، وتسَلَّموا قلعة بانياس، وعاد الفرنجُ الألمانيَّةُ إلى بلادهم وهي من وراء القُسطنطينيَّة، وكفى اللهُ المؤمنينَ شَرَّهم. ذكر ابنُ كثيرٍ هذا الحِصارَ لدمشق فقال: "حاصَرَ الفِرنجُ دِمشقَ وهم سبعون ألفًا، ومعهم مَلِكُ الألمانُ في خَلقٍ لا يَعلَمُهم إلَّا اللهُ عَزَّ وجل، وعليها مُجير الدين أرتق وأتابكه مُعين الدين أنر، وهو مُدَبِّرُ المملكة، وذلك يومَ السبت سادس ربيع الأول، فخرج إليهم أهلُها في مئة ألف وثلاثين ألفًا، فاقتتلوا معهم قتالًا شَديدًا، قُتِلَ مِن المُسلِمينَ في أوَّلِ يَومٍ نحوٌ مِن مِئتَي رجُلٍ، ومن الفرنجِ خَلقٌ كَثيرٌ لا يُحصَونَ، واستمَرَّت الحَربُ مُدَّةً، واجتمَعَ النَّاسُ وسطَ صحْنِ الجامِعِ يدعونَ اللهَ عَزَّ وجَلَّ، والنِّساء والأطفال مُكشفي الرؤوس يدعون ويتباكَون، فاستغاث أرتق بنور الدينِ محمود صاحِبِ حلب وبأخيه سيفِ الدين غازي صاحِبِ المَوصِل، فقصداه سريعًا في نحوٍ مِن سبعينَ ألفًا بمن انضاف إليهم من الملوكِ وغَيرِهم، فلمَّا سَمِعَت الفرنج بقدوم الجيشِ تحولوا عن البلد، فلَحِقَهم الجيشُ فقَتَلوا منهم خلقًا كثيرًا، وجَمًّا غفيرًا، وقتلوا قِسِّيسًا معهم اسمُه إلياس، وهو الذي أغراهم بدِمشقَ، وذلك أنَّه افترى منامًا عن المسيح أنَّه وعده فَتحَ دِمشقَ، فقُتِلَ- لعنه الله- وقد كادوا يأخُذونَ البَلَدَ، ولكِنَّ الله سَلَّمَ، وحماها بحَولِه وقُوَّتِه. قال تعالى: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا} [الحج: 40] ومدينةُ دِمشقَ لا سبيلَ للأعداء من الكَفَرةِ عليها؛ لأنَّها المحَلَّةُ التي أخبَرَ رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عنها أنَّها مَعقِلُ الإسلامِ عند الملاحِمِ والفِتَنِ، وبها يَنزِلُ عيسى بنُ مريم، وقد قَتَل الفرنجُ خَلقًا كَثيرًا مِن أهلِ دِمشقَ".
غزا العبَّاسُ بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس الصائفةَ مع صالحِ بنِ علي وعيسى بن علي، وبنوا ما أخربه الرومُ مِن ملطية، ثم غزَوا الصائفةَ من درب الحدثِ، فتوغلوا في أرض الروم، وغزا مع صالحٍ أختاه أم عيسى ولبابة بنتا علي، وكانتا نذَرَتا إن زال مُلكُ بني أميَّة أن تجاهِدا في سبيل الله، وغزا من درب ملطية جعفرُ بن حنظلة المرهاني، وفي هذه السَّنة كان الفداءُ بين المنصور وملك الروم، فاستفدى المنصورُ أسرى قاليقلا وغيرَهم من الروم، وبناها وعمَرها، وردَّ إليها وندب إليها جندًا من أهلِ الجزيرة وغيرهم، فأقاموا بها وحَمَوها
كان بقصبة مراكش جماعةٌ من أسارى النصارى من لدُن أيامِ أبي العباس الأعرج وأخيه أبي عبد الله الشيخ، فرأوا الجمعَ الغفير من أعيان المسلمين وأهلِ الدولة يحضرون كلَّ جمعة للصلاة مع السلطان بجامعِ المنصور من القصبة، فحدَّثَتهم أنفسُهم الشيطانية بأن يصنعوا مكيدةً يُهلكون بها السلطانَ ومن معه، فحفروا في خُفيةٍ تحت الجامع حفرةً مَلؤُوها من البارود ووضعوا فيها فتيلًا تسري فيه النارُ على مهلٍ كي ينقلبَ الجامِعُ بأهله وقتَ الصلاة فتسبب ذلك في سقوط القبَّة الواسعة من الجامع، وانشقَّ مناره شقًّا كبيرًا، وكان ذلك مبلغَ ضررِهم، وكفى الله المسلمين شَرَّ تلك المكيدة، ولم يتمكن لهم الحالُ على وَفقِ ما أرادوا.
خرجت طائفةٌ من الروسيَّة في البحر إلى نواحي أذربيجان، وركبوا في البحرِ في نهر للكر، وهو نهرٌ كبير، فانتهوا إلى بَردعةَ، فخرج إليهم نائبُ المرزبان بردعة في جمع الديلم والمطوعة يزيدون على خمسةِ آلافِ رجلٍ، فلَقُوا الروس، فلم يكُنْ إلَّا ساعة حتى انهزم المسلمونَ منهم، وقُتِلَ الديلم عن آخرهم، وتَبِعَهم الروس إلى البلد، فهرب من كان له مركوبٌ وترك البلد، فنزله الروسُ ونادوا فيه بالأمان فأحسنوا السيرةَ، وأقبلت العساكرُ الإسلامية مِن كُلِّ ناحية، والروس تقاتِلُهم، فلا يثبُتُ المسلمون لهم، وغَنِموا أموالَ أهلها واستعبدوا السَّبيَ، واختاروا من النِّساءِ مَن استحسنوها. لَمَّا فعل الروسُ بأهل بردعة ما فعلوا استعظَمَه المسلمون، فتنادَوا بالنفيرِ، وجمع المرزبانُ بنُ محمد النَّاسَ واستنفَرَهم, فبلغ عِدَّةُ من معه ثلاثين ألفًا، وسار بهم، وكان يغاديهم القتالَ ويُراوِحُهم، فلا يعود إلَّا مفلولًا، فبَقُوا كذلك أيامًا كثيرة، وقد أصاب الروسَ الوباءُ، ولما طال الأمرُ على المرزبان أعمل الحِيَل، فرأى أن يكمنَ كمينًا، ثم يلقاهم في عسكَرِه، ويتطارَدَ لهم، فإذا خرج الكمينُ عاد عليهم، فتقَدَّمَ إلى أصحابه بذلك، ورتَّبَ الكمينَ ثمَّ لَقِيَهم، واقتتلوا، فتطارد لهم المرزبانُ وأصحابُه، وتَبِعَهم الروسيَّةُ حتى جازوا موضِعَ الكمينِ، فاستمَرَّ الناسُ على هزيمتهم لا يلوي أحدٌ على أحد، فخرجوا من ورائِهم، والتجأ الباقونَ إلى حصنِ البلد، ويُسَمّضى شهرستان، وكانوا قد نقلوا إليه ميرةً كثيرةً، وجعلوا معهم السبيَ والأموالَ، فحاصرهم المرزبان وصابَرَهم، ثمَّ إن أصحاب المرزبان أقاموا يقاتِلونَ الروسية، وزاد الوباءُ على الروسيَّة، فكانوا إذا دفَنوا الرجلَ دفنوا معه سلاحَه، فاستخرج المسلمونَ مِن ذلك شيئًا كثيرًا بعد انصرافِ الروس، ثم إنَّهم خرجوا من الحِصنِ ليلًا، وقد حملوا على ظهورِهم ما أرادوا من الأموالِ وغيرِها، ومَضَوا إلى الكرِّ، وركبوا في سُفُنِهم ومضوا، وعجز أصحابُ المرزبان عن اتِّباعِهم وأخذِ ما معهم، فتركوهم، وطَهَّرَ اللهُ البلادَ منهم.
ظهر الحُسَين بن عليِّ بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب بالمدينةِ، وذلك أنَّه أصبح يومًا وقد لَبِسَ البياضَ وجلس في المسجدِ النبويِّ، وجاء الناسُ إلى الصلاةِ، فلما رأوه ولَّوا راجعين، والتفَّ عليه جماعةٌ فبايعوه على الكتابِ والسنَّة والرضا من أهل البيت, وكان سببُ خروجِه أنَّ متولي المدينة خرج منها إلى بغداد ليهنِّئ الخليفةَ الهادي بالولايةِ ويعَزِّيه في أبيه. ثم جرت أمورٌ اقتَضَت خروجَه، والتفَّ عليه جماعةٌ وجعلوا مأواهم المسجِد النبوي، ومنعوا النَّاسَ من الصلاة فيه، ولم يُجِبْه أهلُ المدينة إلى ما أراده، بل جعلوا يدعونَ عليه لانتهاكِه المسجِدَ، حتى ذُكِرَ أنَّهم كانوا يَقذرونَ في جَنَبات المسجد، وقد اقتتلوا مع المسودةِ مَرَّات، فقتل من هؤلاء وهؤلاء. ثم ارتحل إلى مكَّةَ فأقام بها إلى زمنِ الحَجِّ، فبعث إليه الهادي جيشًا فقاتلوه بعد فراغِ النَّاسِ مِن الموسِم، فقتلوه وقتلوا طائفةً من أصحابه، وهرب بقيَّتُهم وتفَرَّقوا شَذَر مَذَر, منهم إدريس بن عبدالله الذي أسَّس دولة الأدارسة العلوية بالمغرب, وكان موقِع المعركة يسمَّى فخ بمكَّة عبارة عن فجٍّ من فجاجِها.
لَمَّا رأى الخليفةُ المعتَمِد أن أخاه أبا أحمد قد استحوذ على أمورِ الخلافة، وصار هو الحاكِمَ الآمِرَ الناهي، وإليه تُجلَبُ التقادم وتُحمَل الأموال والخَراج، وهو الذي يُوَلِّي ويعزل، كتب إلى أحمد بن طولون يشكو إليه ذلك، فكتب إليه ابن طولون أن يتحَوَّل إليه في مصرَ، ووعده النصرَ والقيامَ معه، فاستغلَّ غَيبةَ أخيه الموفَّق، وركب في جمادى الأولى ومعه جماعةٌ من القواد، وقد أرصد له ابن طولون جيشًا بالرقة يتلقَّونه، فلما اجتاز الخليفةُ بإسحاق بن كنداج نائب الموصل وعامة الجزيرة، اعتقله عنده عن المسيرِ إلى ابن طولون، وفنَّدَ أعيانَ الأمراء الذين معه، وعاتب الخليفةَ ولامَه على هذا الصنع أشَدَّ اللوم، ثم ألزمه العودَ إلى سامرَّا ومن معه من الأمراء، فرجعوا إليها في غاية الذلِّ والإهانة، ولَمَّا بلغ الموفَّقَ ذلك شكَرَ سعيَ إسحاق وولَّاه جميع أعمال أحمد بن طولون إلى أقصى بلاد إفريقيَّة، وكتب إلى أخيه أن يأمنَ ابن طولون في دار العامة، فلم يمكِنْ المعتَمِد إلَّا إجابتُه إلى ذلك، وهو كارِهٌ، وكان ابن طولون قد قطع ذِكرَ الموفَّق في الخُطَب وأسقط اسمَه عن الطرازات.
دَعا البابا أوربان الثاني إلى حَربٍ صَليبيَّةٍ ضِدَّ المسلمين واستَجابَ أُمراءُ أوربا لهذا النِّداءِ فأَوقَفوا الحُروبَ بينهم وأَعَدُّوا حَملَةً صَليبيَّةً مُنَظَّمَةً اشتَركَ فيها الدوق جودفري بويون أَميرُ مُقاطَعَةِ اللورين السُّفلَى، وأَخوهُ بودوان، وريمون أَميرُ تولوز، وبروفانس وبوهمند النورماندي أَميرُ تارانت، وابنُ أُختِه تانكرد، وروبير أَميرُ نورماندي وهو ابنُ وليم الفاتح، وصِهرُه اتيان أَميرُ مُقاطَعةِ بلوا وشارتر، وبَدَأوا بالمَسيرِ من مَدينةِ كولونيا إلى بِلادِ البَلقان. ونُفوسُهم تَسمُوا للوُصولِ للشامِ ثم بَيتِ المَقدِس مَسجِدِ أَنبِيائِهِم ومَطلَعِ دِينِهم، فتَتابَعوا إليه نِهايةَ القَرنِ الخامس الهِجريِّ، وتَواثَبوا على أَمصارِ الشامِ وحُصونِه وسَواحِلِه. ويُقال: "إنَّ المُستَنصِرَ العُبيديَّ هو الذي دَعاهُم لذلك وحَرَّضَهم عليه لِمَا رَجَى فيه مِن اشتِغالِ مُلوكِ السَّلجوقيَّةِ بأَمرِهِم، وإقامَتِهم سَدًّا بينه وبينهم عندما سَمَوا إلى مُلْكِ الشامِ ومصر" وقد ذَكَرَ السيوطيُّ في تاريخِ الخُلفاءِ: "أن صاحِبَ مصر لمَّا رأى قُوَّةَ السَّلجوقيَّةِ واستِيلائِهِم على الشامِ كاتَبَ الفِرنجَ يَدعوهُم إلى المَجيءِ إلى الشامِ لِيَملكُوها، وكَثُرَ النَّفيرُ على الفِرنجِ مِن كُلِّ جِهَةٍ"
سار أَسدُ بن عبدِ الله القَسري أَميرُ خُراسان بجُيوشِه إلى مَدينَة خُتَّل فافْتَتَحها، وتَفرَّقت في أَرضِها جُنودُه يَقتُلون ويَأسِرون ويَغنَمون، فجاءَت العُيونُ إلى مَلِك التُّركِ خاقان أنَّ جَيشَ أَسَد قد تَفرَّق في بِلادِ خُتَّل، فاغْتَنَم خاقان هذه الفُرصَة فرَكِب مِن فَوْرِه في جُنودِه قاصِدًا إلى أَسَد، وتَزَوَّد خاقان وأَصحابُه سِلاحًا كَثيرًا، وقَديدًا ومِلحًا، وساروا في خَلْقٍ عَظيمٍ، وجاء إلى أَسَد فأَعلَموه بِقَصدِ خاقان له في جَيشٍ عَظيمٍ كَثيفٍ، فتَجهَّز لذلك وأَخَذ أُهْبَتَهُ، فأَرسَل مِن فَوْرِه إلى أَطرافِ جَيشِه، فلَمَّها وأَشاعَ بَعضُ النَّاس أنَّ خاقان قد هَجَم على أَسدِ بن عبدِ الله فقَتلَه وأَصحابَه، لِيَحصُل بذلك خِذلانٌ لِأَصحابِه، فلا يَجتَمِعون إليه، فرَدَّ اللهُ كَيدَهم في نُحورِهم، وجَعَل تَدميرَهم في تَدبيرِهم، وذلك أنَّ المسلمين لمَّا سَمِعوا بذلك أَخَذتهم حَمِيَّةُ الإسلام وازدادوا حَنَقًا على عَدوِّهم، وعَزَموا على الأَخذِ بالثَّأرِ، فقَصَدوا المَوضِعَ الذي فيه أَسَد، فإذا هو حَيٌّ قد اجتَمعَت عليه العَساكِر مِن كُلِّ جانِب، وسار أَسَد نحو خاقان حتَّى أتى جَبَل المِلْح، وخاض نَهرَ بَلْخ ففاجَأَهُم التُّركُ مِن وَرائِهم وقَتَلوا منهم عَددًا ثمَّ بَقوا عِدَّةَ أَشهُر كذلك حتَّى الْتَقوا مَرَّةً أُخرى وَكَرَّ عليهم المسلمون وأَعمَلوا فيهم، وكان الحارثُ بن سُريج الذي خَرَج على عاصِم قد الْتَجَأ إلى خاقان التُّرك وحارَب معه وقد هَرَبا سَوِيًّا مِن هذه الحَرب وغَنِمَ المسلمون الكَثيرَ مِن أَموالِهم وأَمتِعَتِهم ودَوابِّهم.
بعد سيطرة فرديناند على بسطة أهم مدن شرق غرناطة التي كانت تحت حكم الأمير أبي عبد الله محمد بن سعد الزغل خرج الأمير الزغل من مدينة وادي آش تابعًا لصاحب قشتالة، فلما لحقه بايعه ودخل في ذمتة وتحت طاعته على أن يعطيه مدينة وادي آش وكل مدينة وحصن وقرية كانت تحت طاعته وحكمه، فأجابه إلى مطلبه ورجع معه إلى وادي آش وهو فرح مسرور، فدخلها العدو وقبض قصَبَتها واستولى عليها في العشر الأُوَل من شهر صفر، ودخل في ذمته جميع فرسان الأمير الزغل وجميع قواده، وصاروا له عونًا على المسلمين وطوَّعوا له جميع البلاد والقرى والحصون التي كانت تحت طاعتِهم من مدينة المرية إلى مدينة المنكب، ومن مدينة المنكب إلى قرية البذول، فقبض صاحب قشتالة ذلك كله من غير قتال ولا حصار ولا تعب ولا نصب، فإنا لله وإنا إليه راجعون!
وجعل في كل قصبة قائدًا نصرانيًّا مع جماعة من النصارى يحكم في ذلك الموضع، وفي هذا الشهر خلصت جميع بلاد الأندلس لصاحب قشتالة، ودخلت تحت طاعته وتدجن-داهن- جميع أهلها ولم يبقَ للمسلمين في الأندلس غير مدينة غرناطة وما حولها من القرى خاصة، وزعم كثير من الناس أن الأمير محمد بن سعد الزغل وقواده باعوا صاحب قشتالة هذه القرى والبلاد التي كانت تحت طاعتهم وقبضوا منه ثمنها، وذلك على وجه الانتقام من ولد أخيه الأمير أبي عبد الله الصغير وقواده؛ لأنهم كانوا في غرناطة ولم يكن تحت طاعتهم غيرها، فأراد بذلك قطع علائق غرناطة؛ لتهلك كما هلك غيرها, ولا حول ولا قوة إلا بالله!
القائدُ السوري "إبراهيم بن سليمان بن أغا هنانو" المعروف بـ"إبراهيم هنانو". قاد حركةَ الجهاد ضِدَّ المحتَلِّ الفرنسي بعد معركة "ميسلون". ولِدَ في حلب 1286هـ / 1869م، وتلقَّى تعليمَه في تركيا، وعَمِلَ في الوظائف الإدارية بسوريا. لَمَّا احتَلَّ الفرنسيون مدينةَ أنطاكية انتُدِبَ لتأليف عصابات عربية تُشاغِلُ الفرنسيين، وجعل مقَرَّه في حلب، وفوجِئَت سورية بنكبة ميسلون سنة 1338هـ، واحتلال الفرنسيين دمشق وحلب وما بينهما، فامتنع إبراهيمُ في بلاد بيلان (شمالي حلب) بقوةٍ مِن المتطوعين الوطنيين، ولَمَّا قاتله الفرنسيون ظفر بهم، وألف حكومةً وطنية، ولُقِّبَ بالمتوكل على الله، وكثُرَت جموعه واتسع نطاقُ نفوذه، خاض سبعًا وعشرين معركة لم يُصَبْ فيها بهزيمة، واستمَرَّ عامًا كاملًا ينفق مما يَجبيه عمالُه في الجهات التي انبسط فيها سلطانُه. ولما قدِمَ الشريف عبد الله بن الحسين عمان لتحرير سورية من الفرنسيين كاتَبَه إبراهيم، ثم قصده للاتفاق معه على توحيد الخطط، فاعترضته في طريقه قوةٌ كبيرة من الجيش الفرنسي يعاوِنُها بعض الإسماعيليين من سلمية، فقاتلهم، ونجا وبعضَ من كان معه، فبلغ عاصمة الأردن، فلم يجد فيها ما أمّل من الشريف عبد الله، فزار فلسطين، فاعتقله البريطانيون في القدس وسَلَّموه إلى الفرنسيين، الذين أخذوه إلى حلب، وحُكِمَ عليه فيها بالقتل، لكِنَّ القاضيَ الفرنسيَّ حَكَم ببراءته وأطلق سراحَه، وبعد محاكمته تحوَّل من العمَلِ الجهادي إلى العمل السياسي، واجتمعت على زعامته سوريةُ كلُّها, وقادها فأحسَنَ قيادَتَها. وكان منهاجُه: لا اعترافَ بالدولة المنتَدَبة فرنسة، ولا تعاونَ معها، واستمر إلى أن توفِّيَ بحلب.
كان ظهور أبي الحسين يحيى بن عمر بن يحيى بن حسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أنَّه أصابته فاقةٌ شديدةٌ فدخل سامرَّا فسأل وصيفًا أن يجري عليه رزقًا فأغلظ له القولَ، فرجع إلى أرض الكوفة فاجتمع عليه خلقٌ من الأعراب، وخرج إليه خلقٌ من أهل الكوفة، فنزل على الفلوجة، وقد كثُرَ الجمع معه، فكتب محمد بن عبد الله بن طاهر نائبُ العراق إلى عامِلِه يأمُرُه بقتالِه، وظهر أمرُه بالكوفة واستحكم بها، والتفَّ عليه خلقٌ من الزيدية وغيرِهم، ثم خرج من الكوفة إلى سوادِها ثم كرَّ راجِعًا إليها، فتلقاه عبد الرحمن بن الخطاب الملقَّب وجه الفلس، فقاتله قتالًا شديدًا، فانهزم وجه الفلس، ودخل يحيى بن عمر الكوفةَ ودعا إلى الرضى من آل محمد، وقوي أمرُه جدًّا، وصار إليه جماعةٌ كثيرة من أهل الكوفة، وتولَّاه أهل بغداد من العامَّة وغيرِهم ممَّن يُنسَبُ إلى التشيُّع، وأحبوه أكثَرَ من كل من خرج قبله من أهل البيتِ، وشرع في تحصيلِ السلاحِ وإعداد آلاتِ الحرب وجَمْعِ الرجال، وقد هرب الحسينُ بن إسماعيل نائبُ الكوفة منها إلى ظاهِرِها، واجتمع إليه أمدادٌ كثيرة من جهة الخليفة مع محمد بنِ عبد الله بن طاهر، واستراحوا وجمَعوا خيولَهم، فلما كان اليومُ الثاني عشر من رجب، أشار من أشار على يحيى بن عمر ممَّن لا رأي له، أن يركَبَ ويناجز الحُسين بن إسماعيل ويكبِسَ جيشه، فركب في جيشٍ كثير من خلقٍ من الفرسان والمشاة أيضًا من عامَّة أهل الكوفة بغير أسلحةٍ، فساروا إليهم فاقتتلوا قتالًا شديدًا في ظلمة آخر الليل، فما طلع الفجرُ إلَّا وقد انكشف أصحابُ يحيى بن عمر، وقد تقنطَرَ به فرسه، ثم طُعِنَ في ظهرِه فخَرَّ، فأخذوه وحزُّوا رأسَه وحملوه إلى الأمير الحسين بن إسماعيل فبعَثَه إلى ابن طاهر، فأرسله إلى الخليفة من الغدِ مع رجل يقال له عمر بن الخطاب، أخي عبد الرحمن بن الخطاب، فنُصِبَ بسامرَّا ساعة من النهار ثم بُعِثَ به إلى بغداد فنُصِبَ عند الجسر، ولم يمكِنْ نصبُه من كثرة العامَّة فجُعِلَ في خزائن السلاح، وكان الخليفة قد وجَّه أميرًا إلى الحسين بن إسماعيل نائب الكوفة، فلما قُتِلَ يحيى بن عمر دخلوا الكوفة فأراد ذلك الأميرُ أن يضع في أهلِها السيفَ، فمنعه الحسين وأمَّنَ الأسودَ والأبيض، وأطفأ اللهُ هذه الفتنة.
بعد أنْ تولَّى أمرَ دولة الموحدينَ أبو محمد العادل بن أبي يوسف يعقوب المنصور سنة 621هـ (1224م) عهد بولاية إفريقيَّةَ إلى أبي محمَّد عبد الله بن عبد الواحد بن أبي حفص، وكان في صحبته أخوه أبو زكريا يحيى، وقام الوالي الجديدُ بإعادة الهدوء والاستقرارِ بعد أن عكَّرت صفوَها الفتنُ والثَّورات، وقام بحَمَلات على الخارجينَ على سلطان الدولة، وما كادت الأمورُ تستقرُّ حتى قفز على منصبِ حُكم الموحِّدين أبو العلاء إدريس المأمون سنة 624 هـ (1227م) بعد ثورة قادها ضدَّ أخيه أبي محمد العادل، فرفض أبو محمد عبد الله الحفصي بيعتَه والدُّخولَ في طاعته، فما كان من حاكِمِ الموحِّدين الجديدِ إلَّا أن كتب بولاية إفريقية إلى أبي زكريا يحيى، فقَبِلَها على الفور وسار من تونس إلى القيروان، وتغلَّب على أخيه أبي محمد عبد الله، وتولى أمر البلاد سنة 625 هـ (1228م) وكانت سن أبي زكريا يوم بدأ حكمه سبعًا وعشرين سنة، لكن ما أظهَرَه من أول وهلة من براعة ومقدرة كان يدلُّ على ما يتمتَّعُ به من نضجٍ سياسيٍّ، ومهارة إداريَّة، وسبق له أن حكمَ في منطقة إشبيليَّة بالأندلس؛ حيث كان واليًا على بعضِ المقاطعاتِ هناك. وبعد قليلٍ مِن ولايته خلع أبو زكريا طاعةَ أبي العلاء إدريس حاكِمِ الموحدين، ولكنَّه لم يدعُ لنفسه بالأمر؛ تحسبًا للموحِّدينَ الذين كانوا في ولايته، واتخذَ تونس عاصمة له، وبدأ في اكتساب محبَّة أهل إفريقيَّة باتباعِ سياسة معينة، فأحسن معاملتَهم، وخفَّف عنهم أعباءَ الضرائب، ونظر في أمورِهم، وراقبَ عُمَّاله وولاتَه، واستعان بأهل الخبرة والكفاءة، وقرَّب الفقهاءَ إليه، فأسلَمَت له البلاد قيادَها ودانت له بالطاعة والولاء. ثم نهض أبو زكريا لإقرار سُلطانِه وبَسطِ نفوذه في المناطق المجاورة، فزحف بجيشِه إلى قسنطينة بالجزائر، فدخلها دون صعوبةٍ، وخرج أهلُها لمبايعته في شعبان 626 هـ (1229م)، ثم اتجه إلى بجاية ففتحها ودخلت في سلطانه، وبذلك خرجت الولايتان من سلطان دولة الموحدين، وأصبحتا تابعتين لأبي زكريا، ثم طاف بالنواحي الشَّرقية من ولايته، واستوثق من طاعة أهلِها. وكان ردُّ الموحدينَ على توسعات أبي زكريا على حساب دولتِهم ضعيفًا للغاية، بل يكاد يكونُ معدومًا، ولم يستطع حكَّام الموحدين أن يمنعوا تفكُّكَ دولتهم، أو يقضوا على الحركاتِ الانفصاليَّة، فكانت الدولةُ مشغولةً بالفِتَن والثورات التي تهب في الأندلُسِ، بل في مراكشَ عاصمةِ دولتِهم.
هو الإمامُ العلَّامة اللُّغوي الكبيرُ، الحُجَّة الثقة أبو محمد عبد الله بن بري بن عبد الجبار، المقدسي الأصل، المصري، ابن أبي الوحش، المعروف بابن بري، من علماءِ العربية النابهين، وُلد بمصر سنة 499 وتعلم بها, وبرز في علوم اللغة، ودرس في جامع عمرِو بن العاص. اشتغل عليه جماعةٌ كثيرة وانتفعوا به، ومن جُملتهم أبو موسى الجزولي، صاحب المقدِّمة الجزولية في النحو، ووليَ رياسة الديوان المصري, وكان كثيرَ الاطلاع عالِمًا بشأن الرسائل، مُطَّرِحًا للتكلُّف في كلامِه، لا يلتَفِتُ ولا يُعَرِّجُ على الإعراب فيه إذا خاطب النَّاسَ، وله التصانيفُ المفيدة، توفِّيَ وقد جاوز الثمانين بثلاث سنين، له مؤلفات كثيرة من أشهرها "حواشي ابن بري على معجم الصحاحِ للجوهري".