سار صاحب اليمن الملك المسعود أقسيس بن الملك الكامل محمد، صاحب مصر، إلى مكة وصاحبها حينئذ حسن بن قتادة بن إدريس، العلوي الحسيني، قد ملكها بعد أبيه، وكان حسن قد أساء إلى الأشراف والمماليك الذين كانوا لأبيه، وقد تفرقوا عنه، ولم يبق عنده غيرُ أخواله من غيره، فوصل صاحب اليمن إلى مكة، ونهبها عسكرُه إلى العصر، حتى أخذوا الثيابَ عن الناس، وأفقَروهم، وأمر صاحب اليمنِ أن ينبش قبر قتادة الأمير السابق ويُحرَق، فنبشوه، فظهر التابوت الذي دفنه ابنه الحسَنُ والناس ينظرون إليه، فلم يَرَوا فيه شيئًا، فعلموا حينئذ أن الحسَنَ دفَنَ أباه سرًّا، وأنه لم يجعل في التابوت شيئًا، وذاق الحسَنُ عاقبةَ قطيعة الرحم، وعجَّلَ الله مقابلته، وأزال عنه ما قَتَلَ أباه وأخاه وعمه لأجله.
بعث الملك شهاب الدين أحمد بدلاي بن سعد الدين سلطان المسلمين بالحبشة أَخاه خير الدين لقتال أهل أمحرة الكَفَرة بالحبشة، ففتح عدة بلاد من بلاد الحطي ملك الحبشة، وقتل أميرين من أمرائه، وغنم مالًا عظيمًا، وأكثر من القتل في أمحرة النصارى، وأخرب لهم ستَّ كنائس، وكان الوباء العظيم قد شنع بعامَّة بلاد الحبشة، ومات فيه من المسلمين والكفّار عالم لا يُحصى حتى كادت أن تخلو البلاد، بل خلا الكثير منها. وكان هلك في هذا الوباء ملك الحبشة الكافر صاحب أمحرة الذي يقال له الحطي، ووقع الخلاف بعده، ثم اتفقوا على إقامة صغير، فاغتنم فخر الدين الفرصة وغزى هذه الغزوة وعاد مؤيَّدًا منصورًا ومعه من الأموال والسبايا ما لا يُحصى، ثم عاد غازيًا في شوال أيضًا.
عندما حاول أمير ترانسلفانيا جورج راغوجي عدم الوفاء بالتزاماته المالية عزله العثمانيون وولوا مكانه ميخائيل أبافي، فكان هذا سببًا في قيام حرب تزعَّمها المجريون، ثم انضم لهم جماعة من الأوربيين في حرب صليبية كان العثمانيون لها بالمرصاد حتى وصلوا إلى حدود النمسا، ثم أحرز العثمانيون النصر عليهم، ثم حصلت حرب بين السويد وبولونيا (بولندا) فاستنجد ملك السويد بالعثمانيين على أن تصبح بولونيا تحت نفوذهم، فاتجه العثمانيون إلى بولونيا فقامت معارك ضارية فقد البولنديون فيها قلعة فامنج، حتى اضطر ميخائيل ملك بولونيا إلى عقد صلح مع العثمانيين تخلى بموجبه عن بودوليا وأوكرانيا، ثم عادت الحروب بينهم سِجالًا مرة أخرى، ولكن الأمر بقي لصالح العثمانيين؛ حيث عاد ملك بولندا للتخلي عن باقي أجزاء أوكرانيا وبودوليا للعثمانيين.
حضر لمصر في هذه السنة جاك بن ملك قبرص بعد أن توفِّيَ والده ونصبوا على عرش قبرص أخته عوضًا عنه، قيل: لأنه ولَدُ زنا، وقيل غير ذلك، ثم بقي في مصرَ على أمل أن يوليه السلطان عرش قبرص, وحضر كذلك جماعة من قبرص نيابة عن أخته وهي تطلب كذلك أن تبقى هي الملكة, وفي يوم الثلاثاء سادس شعبان وقع في مصر أمرٌ شنيع بسبب هذا الأمر، وهو أن السلطان جمع أعيان الفرنج القبارصة في الملأ بالحوش السلطاني، وأراد بقاء الملكة صاحبة قبرص على عادتها، وخلَعَ على قصَّادها أعيان الفرنج، واستقَرَّ تغري بردي الطياري مُسفرها، وعلى يده تقليدُها وخِلعتُها، وكان الفرنجي جاك أخوها حاضر الموكب، وقد جلس تحت مقدمي الألوف، فعز عليه ولاية أخته وإبقاؤها على ملك الأفقسية من جزيرة قبرص مع وجوده، فقام على قدميه واستغاث وتكلَّم بكلام معناه أنه قد جاء إلى مصر، والتجأ إلى السلطان، ودخل تحت كنَفِه، وله عنده هذه المدة الطويلة، وأنه أحقُّ بالملك من أخته، وبكى، فلم يسمع السلطان له، وصمَّم على ولاية أخته، وأمره بالنزول إلى حيث هو سكَنُه، فما هو إلا أن قام جاك وخرج من باب الحوش الأوسط، ثم خرج بعده أخصامُه حواشي أخته، وعليهم الخِلَعُ السلطانية، فمَدَّت الأجلاب أيديها إلى أخصام جاك من الفرنج، وتناولوهم بالضربِ والإخراق، وتمزيق الخِلَع، واستغاثوا بكلمة واحدة: أنهم لا يريدون إلا تولية جاك هذا مكان والِدِه، وعظُمَت الغوغاء، فلم يسع السلطان إلا أن أذعن في الحال بعزلِ الملكة وتولية جاك، فتولى جاك على رغم السلطانِ، بعد أن أمعن المماليك الأجلاب في سبِّ الأمير بردبك الدوادار الثاني، وقالوا له: أنت إفرنجي وتحامي للفرنج، فاستغاث بردبك، ورمى وظيفة الدوادارية، وطلب الإقالة من المشي في الخدمة السلطانية، فلم يسمع له السلطان، وفي الحال خُلِعَ على جاك، ورسم بخروج تجريدة من الأمراء إلى غزو قبرص، تتوجَّهُ مع جاك إلى قبرص، ثم في يوم الثلاثاء السابع عشر شوال سافر المجاهدون في بحر النيل إلى ثغر دمياط ومعهم جاك هذا ليساعدوه على تولي الملك مكان أخته، ثم في يوم الجمعة الثالث والعشرين محرم من السنة التالية حضر البعض من هناك وأخبر أنهم ساروا على ظهر البحر الملح يريدون السواحل الإسلامية، فهبت ريح عظيمةٌ شتَّتَت شملهم، وتوجهوا إلى عدة جهات بغير إرادة، وترك بجزيرة جماعة من المماليك السلطانية ومماليك الأمراء قوة لجاك صاحب قبرص.
بعد أن هرب السلطانُ العادِلُ كتبغا من حسام الدين لاجين وأمرائِه الذين حاولوا قتْلَه، كان قد قَدِمَ قبله إلى دمشق أميرُ شكاره وهو مجروح، ليُعلِمَ الأمير أغرلو نائب دمشق بما وقع، فوصَلَ في يوم الأربعاء آخر المحرم، فكثُرَ بدمشق القالُ والقيل، وألبس أغرلو العسكرَ السلاح ووقفوا خارجَ باب النصر، فوصل كتبغا في أربعةِ أنفس قبل الغروبِ وصَعِدَ القلعة، وحضر إليه الأمراءُ والقُضاة وجُدِّدَت له الأيمان، ثم أوقَعَ الحوطة على أموالِ لاجين، وقَدِمَ في أول صفر الأمير زين الدين غلبك العادلي بطائفةٍ مِن المماليك العادليَّة، وجلس شهابُ الدين الحنفي وزير الملك العادل كتبغا في الوزارة بالقلعةِ، ورتَّبَ الأمور وأحوال السلطنةِ، فاشتهرت بدمشقِ سلطنةُ الملك المنصور حسام الدين لاجين في اليومِ الثالث عشر من محرَّم، وأنَّ البشائِرَ دُقَّت بصفد ونابلس والكرك، فصار كتبغا مقيمًا بقلعة دمشق لا ينزِلُ منها، وبعث الأميرُ سيف الدين طقصبا الناصري في جماعةٍ لكشف الخبر، فعادوا وأخبروا بصِحَّةِ سلطنة لاجين، فأمر كتبغا جماعةً من دمشق، وأبطل عدَّةَ مكوس في يومِ الجمعة السادس عشر صفر، وكتب بذلك توقيعًا قُرِئَ بالجامع، فبعث المَلِكُ المنصور لاجين من مصرَ الأمير سنقر الأعسر وكان في خدمتِه، فوصل إلى ظاهِرِ دمشق في الرابع عشر صفر، وأقام ثلاثةَ أيام، فرَّقَ عِدَّةَ كُتُبٍ على الأمراء وغيرهم وأخذ الأجوبةَ عنها، وحلف الأمراءُ، وسار إلى قارا وكان بها عِدَّةُ أمراء مجرَّدين فحَلَّفَهم وحلَّف عدَّةً من الناس، وكتب بذلك كلِّه إلى مصر، وسار إلى لد، فأقام بها في جماعةٍ كبيرة لحفظ البلاد، ولم يعلَمْ كتبغا بشيءٍ من ذلك، وكان قد وصل الأميرُ سيف الدين كجكن وعِدَّةٌ من الأمراء كانوا مجرَّدينَ بالرَّحبة، فلم يدخلوا دمشق، ونزلوا بميدان الحصا قريبًا من مسجد القدم، فأعلنوا باسم السلطان الملك المنصور حسام الدين لاجين، وراسلوا الأمراءَ بدمشق فخرجوا إليهم طائفةً بعد طائفة، وانحَلَّ أمر كتبغا، فتدارك نفسَه وقال للأمراء: السلطانُ الملك المنصورُ لاجين خوشداشي- زميل مهنتي- وأنا في خِدمتِه وطاعتِه، وأنا أكونُ في بعض القاعات بالقلعةِ إلى أن يكاتِبَ السُّلطانَ ويَرِدَ جوابُه بما يقتضيه في أمري فأدخله الأميرُ جاغان الحسامي مكانًا من القلعة، واجتمع الأمراءُ بباب الميدان، وحَلَفوا للملك المنصور وكتبوا إليه بذلك، وحفظ جاغان القلعةَ ورَتَّبَ بها من يحفَظُ كتبغا، وغُلِّقَت أبواب دمشق كلُّها إلا باب النصر، ورَكِبَ العسكر بالسلاح ظاهِرَ دمشق، وأحاط جماعةٌ بالقلعةِ خَوفًا من خروج كتبغا وتحيُّزه في جهةٍ أخرى، وكثُرَ كلام الناس واختلفت أقوالُهم، وعظم اجتماعُهم بظاهر دمشق حتى إنَّه سقط في الخندقِ جماعةٌ لشدة الزحام فيما بين باب النصرِ وباب القلعة، فمات نحوُ العشرة، واستمر الحالُ على هذا ذلك اليوم، ثم دُقَّت البشائر بعد العصر على القلعةِ، وأعلن بالدعاء للملك المنصور لاجين، ودُعِيَ له على المآذِنِ في ليلة الأحد، وضُرِبَت البشائر على أبواب الأمراء، وفُتِحَت الأبواب في يوم الأحد، وحضر الأمراءُ والقضاة بدار السعادة وحلف الأمراء بحضور الأمير أغرلو نائب الشام، وحلف هو وأظهر السرور، وركب أغرلو والأمير جاغان البريد إلى مصر، وبلغ ذلك الأمير سنقر الأعسر بلد، فنهض إلى دمشق ودخلها يوم الخميس التاسِعَ عشر، وقد تلقاه الناس وأشعلوا له الشموع، وأتاه الأعيان، ونودي من له مَظلمةٌ فعليه بباب الأمير شمس الدين سنقر الأعسر، وفي يوم الجمعةِ أوَّل شهر ربيع الأول خُطِبَ بدمشق للملك المنصور، فلما كان يومُ الجمعة ثامنه: وصل الأميرُ حسام الدين الأستادار بعسكر مصر ليحلِّفَ الأمراء، فحَلَفوا بدار السعادة في يوم السبت تاسِعَه، وقرئ عليهم كتابُ الملك المنصور باستقراره في المُلك وجُلوسِه على تخت الملك بقلعة الجبل، واجتماعِ الكلمة عليه وركوبه بالتشاريفِ الخليفيَّة والتقليد بين يديه من أمير المؤمنينَ الحاكِم بأمر الله أبي العباس أحمد.
هو الشيخُ أبو المكارم محيي الدين أحمد بن خير الدين الهندي المشهور بلقب "أبو الكلام آزاد", من أسرة أفغانية هاجرت إلى الهند زمنَ الإمبراطور بابر مؤسِّس الدولة المغولية، ولِدَ بكلكتا عام 1306هـ / 1888م وبها استتَمَّ دراستَه الأولية. وقصد الأزهرَ في الرابعة عشرة من عمره، فدرس على علمائِه ودرَّس في خارجه، ثم عاد إلى وطن أبيه (الهند) فسكن كلكتا، وقد أخذ كنيةَ أبي الكلام لكونِه خطيبًا بارعًا، أما كلمة آزاد فتعني في اللغة الأردية "الحـَّر"، تربَّى تربية صوفية، وأتقن الإنجليزية والفارسية وتنقَّل بين كلكتا وبومباي، كما زار القاهرة وتركيا وفرنسا، وقد تأثَّر برشيد رضا، وكان من أعضاء حزب المؤتمر الهندي الذي أقرَّ برنامج المهاتما غاندي القائل بالمقاومة السلبية. ثم كان مستشارًا للبانديت نهرو. قام بتأسيس جماعةٍ دينية في كلكتا سماها "حزب الله"، ثم أسَّس مدرسة سماها "دار الرشاد"، وقام بإصدار مجلة "الهلال" في 1912، وبلغت كمية توزيعها 25 ألف نسخة أسبوعيًّا، وهو عددٌ ضَخمٌ جِدًّا في تلك الفترة. وهاجم الاستعمارَ البريطاني فاعتقله الإنجليزُ (المستعمرين للهند في ذلك الوقت) وقاموا بمنعِ إصدار المجلة في 1915. وسرعان ما أصدر أبو الكلام في نفسِ العام مجلةً أخرى هي مجلة البلاغ، لكِنَّها مُنعت أيضًا. ثم تمَّ إبعاده عن كلكتا ومُنِعَ من دخول ولايات البنجاب ودلهي وبومباي؛ فقد حصل له القَبولُ العظيم في بلاد الهند لمهارته في أساليب الكلام، فقصد البنغال، وقد تكرر اعتقال البريطانيين له. ولم يصرِفْه ذلك عن هدفه في مقاومة الإنجليز، واستقَرَّ بمدينة "رانشي" التي كتب فيها تفسيره للقرآن الكريم، وترجم معانيه إلى اللغة الأردية. وقد تعرَّض بعد ذلك للسجن لمدة ثلاث سنوات ونصف حتى العام 1920. وتولَّى رئاسة حزب المؤتمر بدلهي 1923 و 1939م، تحول أبو الكلام من مصلح ديني وداعية إسلامي إلى زعيم وطني وقائد سياسي، وقد صرف فكرَه ونشاطَه -بعدما رأى تفكُّك الوحدة بين الشعوب الإسلامية- من المجال الإسلامي إلى المجال الوطني. وفي سنة 1356هـ ألَّفَ حزب المؤتمر الوطني الوزارةَ في عدة ولايات هندية، وكان أبو الكلام من كبارِ المشرفين والموجِّهين في هذا التأليف، له الكلمة النافذة والرأي الوجيه في اختيار الوزراء، واستقالت هذه الوزارةُ سنة 1358هـ، وقد قَوِيَت حركة العصبة الإسلامية في هذه المدة ومطالبتها بانفصال باكستان، وثار المسلمون في جميع البلاد الهندية في تأييد هذه الفكرة، وتعَرَّض أبو الكلام وزملاؤه الذين كانوا يعارضون هذه الفكرة، ويدعون إلى فكرة الهند غير المنقسِمة للسَّخَط العام من المسلمين، واكتسحت فكرةُ الانفصال الكثرة من المسلمين، وبقي أبو الكلام على مبدئه وفكرته، وأصرَّت العصبة الإسلامية تحت قيادة رئيسها محمد علي جناح على المطالبةِ بالتقسيم، فحصل الانقسام، كان أبو الكلام مع عِلمِه بالعربية يكتُبُ تآليفه ومجلاته ومقالاته بالأردية، وقد تُرجِمَ بعضها إلى العربية، وكان قد صَنَّف في السجن كتابه (التذكرة) بالأردية، سجَّل فيه فلسفته الثورية، وعقيدته السياسية. بعد تولي أبي الكلام وزارة المعارف في الحكومية المركزية انطوى على نفسه بعيدًا عن المجامع الشعبية، حتى وافته المنية رحمه الله في دلهي، وصلى عليه جمع كبير من المسلمين.
كان قد هرب الكثيرُ من أهلِ القيروان لِمَا لاقوا مِن ظُلم عبد الملك بن أبي الجعد الورفجومي وأتباعه، فلجأ الهاربون إلى أبي الخطَّاب عبد الأعلى بن السَّمح، فبايعوه وكثُرَ أتباعُهم، فاستولى على طرابلس، ثم سار إلى قابس فأخذها، واتجه إلى القيروان فالتقى بعبد الملك فهزمه وقتَلَه، واستولى على القيروان وولَّى عليها عبد الرحمن بن رستم الإباضي.
جَمعَ مَالكُ بن عَلويٍّ الصَّخريُّ العَربَ فأَكثرَ، وسارَ إلى المَهدِيَّةِ فحَصرَها، فقامَ الأَميرُ تَميمُ بن المُعِزِّ قِيامًا تامًّا، ورَحَّلَهُ عنها، ولم يَظفَر منها بشيءٍ، فسار مالِكُ منها إلى القَيروانِ فحَصرَها ومَلِكَها، فجَرَّدَ إليه تَميمٌ العَساكرَ العَظيمةَ، فحَصَروهُ بها، فلمَّا رأى مالِكٌ أنَّه لا طاقةَ له بتَميمٍ خَرجَ عنها وتَركَها، فاستَولَى عليها عَسكرُ تَميمٍ وعادَت إلى مُلكِه كما كانت.
خرج مَلِكُ الروم من القسطنطينية في عساكِرَ لا تحصى، وقَصَدَ بلاد الإسلام التي بِيَدِ قلج أرسلان وابن دانشمند، فاجتمع الغز الأتراك التركمان في تلك البلاد في جمعٍ كبير، فكانوا يُغيرون على أطرافِ عَسكَرِه ليلًا، فإذا أصبَحَ لا يرى أحدًا، وكثُرَ القتل في الروم حتى بلغت عِدَّةُ القتلى عشراتِ ألوف، فعاد إلى القُسطنطينية، ولما عاد مَلَك المسلمونَ منه عِدَّة حصون.
قام ملك فرنسا لويس التاسع بتجهيز حملة صليبيةٍ هي في التعداد الثامنة، وقصد بها تونسَ ليجعَلَها طريقه إلى مصر، لكنَّ قواتِ أمير تونس أبي عبد الله محمد بن أبي زكريا الحفصي تصَدَّت لها وساعد أيضًا على فشلها انتشار الأوبئة بينهم مع حرارةِ الجو وكان ممَّن توفي في تونس من الصليبيين الملك نفسُه لويس التاسع، غير الكثير من أفراد جيشه.
قامت في مالقة ثورة ولم يُفلح ملك بني نصر الأمير أبو الحسن علي بن سعد من إخمادها، وانتهت هذه الثورة بتقسيم المملكة إلى شطرين؛ شطر يملكه أبو الحسن، وشطر يملكه أخوه الثائر عليه أبو عبد الله محمد بن سعد الملقب بالزغل، وكان ملك قشتالة يبارك هذه الحروب؛ مما أمكنه من الاستيلاء على بعض المواقع والحصون القريبة من غرناطة.
بعد أن اعتلى السلطان سليمان القانوني عرش الخلافة العثمانية أرسل رسولا إلى ملك المجر يُعلِمه بأنه أصبح الخليفة ويطالبه بدفع الجزية، فقام ملك المجر بقتل الرسول، فجهَّز سليمان جيشًا وسار على رأسه لقتال المجر، ودخل مدينة بلغراد بعد أن حاصرها قليلًا وغادرها الجنود المجريون، ثم صلى السلطان سليمان الجمعة في أحد كنائسها بعد أن حولها إلى مسجد جامع.
تُوفِّي الأميرُ سطام بن عبد العزيز رحمه الله أميرُ مِنطَقة الرياض في مدينة الرِّياض بعد معاناةٍ طويلةٍ من مرض السرطان، وأعلَن وفاتَه الديوانُ الملكي السعودي وهو الابنُ الثلاثون من أبناء الملكِ عبد العزيز الذُّكورِ. وقد صُلِّي عليه في جامع الإمام تركي بن عبد الله بالرياض، ثم نُقِلَ إلى مكَّةَ المُكرَّمَة ليُدفَن في مقبرة العدل تنفيذًا لوصِيَّتِه.
ملك مدينة بخارى شهابُ الدولة هارون بن سليمان إيلك المعروفُ ببغراخان التركي، وكان له كاشغر وبلاساغون إلى حدِّ الصين، وكان سبَبُ ذلك أنَّ أبا الحسن بنَ سيمجور لَمَّا مات ووليَ ابنُه أبو عليٍّ خُراسانَ بعده، فسار نحو بخارى، وقصَدَ بلادَ السامانيَّة، فاستولى عليها شيئًا بعد شيءٍ، فسيَّرَ إليه نوح جيشًا كبيرًا، واستعمل عليهم قائدًا كبيرًا من قوَّادِه اسمه انج، فلَقِيَهم بغراخان، فهَزَمهم وأسرَ انج وجماعةً مِن القُوَّادِ، فلمَّا ظَفِرَ بهم قَوِيَ طَمَعُه في البلاد وسار بغراخان نحو بخارى، فلَقِيَه فائِقٌ، واختَصَّ به، وصار في جملته، ونازلوا بخارى، فاختفى الأميرُ نوح ومَلَكَها بغراخانُ، ولَمَّا نزل بغراخان بُخارى وأقام بها استوخَمَها، فلَحِقَه مَرَضٌ ثقيل، فانتقل عنها نحوَ بلاد الترك، فلما فارقها ثارَ أهلُها بعَسكَرِه ففَتَكوا بهم وغَنِموا أموالهم، ووافَقَهم الأتراكُ الغزية على النَّهبِ والقَتلِ لعَسكرِ بغراخان، فلما سار بغراخان عن بُخارى أدركه أجَلُه فمات، ولَمَّا سَمِعَ الأمير نوح بمسيرِه عن بخارى بادر إليها فيمن معه من أصحابه، فدخلها وعاد إلى دارِ مُلكِه ومُلكِ آبائه، وفَرِحَ أهلُها به وتباشَروا بقُدومِه.
في ليلةِ الجُمُعةِ مُستهَلَّ رَمَضانَ احترق المسجدُ النبوي بالمدينةِ- على ساكِنِه أفضَلُ الصلاة والسلام، ابتدأ حريقُه من زاويتِه الغربيَّة من الشمال، وكان دخل أحدُ القومةِ إلى خزانةٍ ومعه نار فعَلِقَت في الأبوابِ ثم اتصلت بالسَّقفِ بسُرعةٍ، ثم دبَّت في السقوف، وأخذت قبلةً فأعجلت النَّاسَ عن قطعها، فما كان إلا ساعةٌ حتى احترقت سقوفُ المسجِدِ أجمع، ووقعت بعض أساطينِه وذاب رصاصُها، وكلُّ ذلك قبل أن ينامَ النَّاسُ، واحترق سقف الحُجرةِ النبويَّة ووقع ما وقع منه في الحُجرة، وقد خرَّب الحريقُ المسجِدَ، ولم يُفلِتْ منه إلاَّ قبَّةُ الناصر لدين الله التي كانت في رحبتِه، وبقي على حالِه حتى شرع في عمارةِ سَقفِه وسَقفِ المسجِدِ النبوي، وأصبح الناسُ فعزلوا موضعًا للصلاة، وعُدَّ ما وقع من تلك النَّار ِالخارجة وحريقِ المسجد من جملة الآيات، وكأنها كانت منُذِرةً بما يعقُبُها في السنة الآتية من الكائناتِ، وحين بلغ المستعصِمَ العباسيَّ الخبَرُ أرسل الصنَّاعَ والآلاتِ في موسم الحج، وبدأ العمل عام 655هـ. وقد حدثت في هذا العامِ أحداثُ التتار وحروبهم، ولكِنَّ عمل البناءِ لم يتوقَّفْ؛ إذ اشترك فيه الملك المظفَّر ملك اليمن، وملك مصر نور الدين علي بن المعز الصالحي، وإن كانت العمارةُ لم تنتهِ إلا في عهد الملك الظاهر بيبرس.