تُوفِّي الرَّئيسُ الإيرانيُّ إبراهيم رئيسي بعد أن تحطَّمت مِروحيَّةٌ كانت تُقِلُّه في محافظةِ أذربيجانَ الشَّرقيَّةِ شَمالَ غَرَبِ إيرانَ. وكان برُفقتِه وزيرُ الخارجيَّةِ حُسَين أمير عبد اللهيان، وعَدَدٌ مِنَ المسؤولينَ الآخرينَ الذين كانوا على مَتنِ المِروحيَّةِ.
هو الملِكُ الناصر فرج ابن السلطان برقوق، سلطان مملوكي، تولى عرش مصر بعد وفاة والده برقوق وعمره 13 سنة. حدث في عهده قحطٌ عام في البلاد وانتشرت أوباء مات فيها ثلث سكان البلاد, كما سادت الفتن والاضطرابات في عهده؛ فقد ثار عليه أمراء المماليك الظاهرية مماليك أبيه؛ لأنه قرَّب المماليك الجركسية وأبعدهم، وقتل عددًا كبيرًا من أمراء المماليك الظاهرية فقاتلوه حتى خلعوه من السلطنة، ثم تم القبض عليه وحَبسُه في القلعة إلى أن قُتِل بعد اختلاف كبير وقع في أمره بين الأمراء؛ فكان رأي الأمير شيخ إبقاءه محبوسًا بثغر الإسكندرية، وإرساله إليها مع الأمير طوغان الحسني الدوادار، وكان رأي نوروز قتله، وقام نوروز وبكتمر جلق في قتله قيامًا بذلَا فيه جهدهما، وكان الأمير يشبك بن أزدمر أيضًا ممن امتنع من قتله، وشنَّع ذلك على نوروز، وأشار عليه ببقائه، واحتج بالأيمان التي حُلِفت له، واختلف القومُ في ذلك، فقوي أمر نوروز وبكتمر بالخليفة المستعين بالله، فإنه كان أيضًا اجتهد هو وفتح الله كاتب السر في قتله، وحملا القضاة والفقهاء على الكتابة بإراقة دمِه بعد أن توقَّفوا عن ذلك، حتى تجرد قاضي القضاة ناصر الدين محمد بن العديم الحنفي لذلك، وكافح من خالفَه من الفقهاء بعدم قَتلِه بقوة الخليفة ونوروز وبكتمر وفتح الله، ثم أشهد على نفسِه أنه حكم بقَتلِه شرعًا، فاستُخرِجت فتوى بحلِّ دمه لأمورٍ قام بها, ثم في ليلة السبت سادس عشر صفر دخل عليه ثلاثة نفر، هم: الأمير ناصر الدين محمد بن مبارك شاه الطازي أخو الخليفة المستعين بالله لأمه، وآخر من ثقات الأمير شيخ، وآخر من أصحاب نوروز، ومعهم رجلان من المشاعلية، فعندما رآهم الملك الناصر فرج قام إليهم فزعًا، وعرف فيما جاؤوا، ودافع عن نفسه، وضرب أحد الرجلين بالمدورة صرعه، ثم قام الرجل هو ورفيقه ومشوا عليه وبأيديهم السكاكين، ولا زالوا يضربونه بالسكاكين وهو يعاركهم بيديه، وليس عنده ما يدفع عن نفسه به، حتى صرعاه، بعد ما أثخنا جراحه في خمسة مواضع من بدنه، وتقدم إليه بعض صبيان المشاعلية فخنقه وقام عنه، فتحرك الملك الناصر، فعاد إليه وخنقه ثانيًا حتى قَوِيَ عنده أنه مات، فتحرَّك فعاد إليه ثالثًا وخنقه، وفرى أوداجه بخنجر كان معه، وسلبه ما عليه من الثياب، ثم سَحَب برجليه حتى ألقيَ على مزبلة مرتفعة من الأرض تحت السماء، وهو عاري البدن، يستر عورته وبعض فخذيه سراويله، وعيناه مفتوحتان، والناس تمر به ما بين أمير وفقير ومملوك وحر، قد صرف الله قلوبَهم عن دفنه ومواراتِه، وبقيت الغلمان والعبيد والأوباش تعبث بلحيته وبدنِه، واستمَرَّ على المزبلة طول نهار السبت، فلما كان الليل من ليلة الأحد حمله بعض أهل دمشق وغسَّله وكفَّنه، ودفنه بمقبرة باب الفراديس احتسابًا لله تعالى، بموضع يعرف بمرج الدحداح، ولم تكن جنازته مشهودة، ولا عُرِف من تولى غَسلَه ومواراتَه، فكانت مدة ولاية السلطان الناصر فرج الثانية حوالي السبع سنين والأولى مثلها تقريبًا.
لمَّا فَرَغَ خالدُ بن الوَليد مِن الأنبارِ واسْتَحكَمت له اسْتخلَف على الأنبارِ الزِّبْرِقانَ بن بدرٍ، وقصَد عَيْنَ التَّمْرِ، وبها يَومئذٍ مِهرانُ بن بَهْرامَ جُوبِينَ في جَمْعٍ عظيمٍ مِن العَجَمِ، وعَقَّةُ بن أبي عَقَّةَ في جَمْعٍ عظيمٍ مِن العَرَبِ مِن النَّمِرِ وتَغْلِبَ وإيادٍ ومَن لاقاهُم فلمَّا سمِعوا بخالدٍ قال عَقَّةُ لمِهرانَ: إنَّ العربَ أعلمُ بقِتالِ العربِ، فدَعْنا وخالدً.، قال: صدقتَ، لَعَمْري لأنتم أعلمُ بقِتالِ العربِ، وإنَّكم لَمِثْلِنا في قِتالِ العَجَمِ -فخدَعهُ واتَّقى به- وقال: دُونَكُمُوهُم، وإن احْتجتُم إلينا أَعنَّاكُم. فقالت الأعاجِمُ له: ما حمَلَك على هذا؟ فقال: إن كانت له فهي لكم، وإن كانت الأُخرى لم تَبلُغوا منهم حتَّى تَهِنُوا، فنُقاتِلهم وقد ضَعُفوا. فلَزِمَ مِهرانُ العَيْنَ، ونزَل عَقَّةُ لخالدٍ على الطَّريقِ، فقَدِمَ عليه خالدٌ وهو في تَعبِئَةِ جُنْدِهِ، فعَبَّى خالدٌ جُنْدَهُ وقال لِمُجَنِّبَتَيْهِ: اكْفونا ما عنده، فإنِّي حاملٌ. ووَكَّلَ بِنَفْسِه حَوامِيَ، ثمَّ حمَل وعَقَّةُ يُقيمُ صُفوفَهُ، فاحْتضَنَهُ فأَخذَهُ أسيرًا، وانهزَم صَفُّهُ مِن غيرِ قِتالٍ، فأكثروا فيهم الأَسْرَ، واتَّبَعَهُم المسلمون، ولمَّا جاء الخبرُ مِهرانَ هرَب في جُنْدِه، وترَكوا الحِصْنَ، ولمَّا انتهت فُلَّالُ عَقَّةَ مِن العَربِ والعَجَمِ إلى الحِصْنِ اقتحَموه واعتَصموا به، وأقبَل خالدٌ في النَّاس حتَّى ينزِلَ على الحِصْنِ ومعه عَقَّةُ أَسيرٌ، وعَمرُو بن الصَّعِقِ، وهُم يَرجون أن يكونَ خالدٌ كَمَنْ كان يُغِيرُ مِن العربِ، فلمَّا رَأوه يُحاوِلهم سألوه الأمانَ، فأَبَى إلَّا على حُكمِه، وأَمَر خالدٌ بِعَقَّةَ وكان خَفيرَ القَومِ فضُرِبت عُنقُه لِيُوئسَ الأُسَراء مِن الحياةِ، ولمَّا رآه الأُسَراءُ مَطروحًا على الجِسْرِ يَئسوا مِن الحياةِ، ثمَّ دَعا بعَمرِو بن الصَّعِقِ فضرَب عُنقَه، وضرب أعناقَ أهلِ الحِصْن أجمعين، وسَبَى كلَّ مَن حَوى حِصْنُهم، وغَنِمَ ما فيه، ووجد في بِيعَتِهم أربعين غُلامًا يَتَعلَّمون الإنجيلَ، عليهم بابٌ مُغلقٌ، فكَسرَهُ عنهم، وقال: ما أنتم؟ قالوا: رَهْنٌ، فقَسَمَهم في أهلِ البلاءِ، منهم نُصَيرٌ أبو موسى بن نُصيرٍ، وسِيرينُ أبو محمَّدِ بن سِيرينَ.
هو أبو عبدالله محمَّد بن إدريس بن العبَّاس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هشام بن المطلب بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب، الإمامُ عالِمُ العَصرِ ناصِرُ الحديثِ، فقيه المِلَّة، ثم المطَّلبيُّ الشافعيُّ، المكِّي، الغزي القرَشِيُّ، أحَدُ الأئمَّة الأربعة المشهورينَ في الفقه، ولِدَ في غزَّة عام 150هـ فعادت به أمُّه إلى مكة، وهو ابن سنتين، فنشأ بها، وأقبل على الأدبِ والعربيَّة والشعر، فبرع في ذلك. وحُبِّبَ إليه الرميُ حتى فاق الأقرانَ، وصار يصيبُ من العِشرةِ تِسعةً. ثم كتَبَ العِلمَ. قال الشافعي: "أقمتُ في بطونِ العَرَب عشرينَ سنةً آخُذُ أشعارَها ولغاتِها، وحَفِظتُ القرآنَ، فما علِمتُ أنَّه مَرَّ بي حرفٌ إلَّا وقد عَلِمتُ المعنى فيه، ما خلا حرفينِ، إحداهما: دسَّاها" وكان من أفصَحِ النَّاسِ وأحفَظِهم، رحل إلى المدينةِ وسَمِعَ من الإمام مالك, قال الشافعي: "أتيتُ مالِكًا وأنا ابنُ ثلاث عشرة سنة، وكان ابنُ عمٍّ لي واليَ المدينة، فكلَّمَ لي مالكًا فأتيته. فقال: اطلُبْ من يقرأُ لك، فقلت: أنا أقرأُ، فقرأت عليه. فكان ربَّما قال لي لشيء: أعِدْه, فأُعيدُه حِفظًا, وكأنَّه أعجَبَه". ثم رحل لليمَنِ، ثمَّ سُيِّرَ إلى العراق إلى الرشيدِ وبَقِيَ فيها وتفَقَّه، وتكررت رحلتُه إلى العراق أكثَرَ مِن مرَّة، ثم إلى مصرَ، وله مِن المؤلَّفات: الرِّسالة، والأم، واختلاف الحديث، وله ديوان شعر، انتشر مذهبُه بسبب كثرة ترحُّلِه وجَمْعِه بين طريقةِ المحَدِّثين وطريقة الفقهاء، وكان أحمدُ بن حنبل يدعو له في صلاتِه نحوًا من أربعينَ سنةً، قال يونس الصدفي: "ما رأيتُ أعقَلَ من الشافعيِّ؛ ناظرتُه يومًا في مسألةٍ ثمَّ افتَرَقنا ولَقِيَني، فأخذ بيدي ثم قال: يا أبا موسى ألا يستقيمُ أن نكونَ إخوانًا وإن لم نتَّفِقْ في مسألةٍ؟ قلت: هذا يدُلُّ على كمالِ عَقلِ هذا الإمامِ وفِقهِ نفسِه، فما زال النُّظَراءُ يَختَلِفونَ". توفِّيَ في مصر ودُفِنَ بالقرافة الصغرى، وله أربعٌ وخمسون سَنةً.
صاحبُ ألموت الكيا الحسن بن الصباح بن علي بن محمد الحميري الإسماعيلي. رأس الإسماعيلية، كان داهية وأصله من مرو، وُلِد بطوس وتتلمذ على أحمد بن عطاش من أعيان الباطنية، وكان كاتبًا لبعض الرؤساء، ثم صار إلى مصر وتلقى من دعاتهم، وعاد داعية لقومه، فكان الحسنُ مُقدَّمَ الباطنية في أصبهان دعا إلى إمامة المستنصر الفاطمي فطاف البلاد للدعوة الإسماعيلية، وقوي أمرُه حتى استولى على قلعة ألموت في قزوين، ثم ضمَّ إليها قلاعًا أخرى، وكان لا يدعو إلا غبيًّا، ومن لا يَعرِف أمور الدنيا، ويُطعِمُه الجوز والعسل والشونيز، حتى يتسبَّط دماغُه، ثم يذكر له ما تمَّ على أهل البيت من الظلم، ثم يقول له: إذا كانت الأزارقةُ والخوارج سمحوا بنفوسِهم في القتال مع بني أمية، فما سببُ تخلُّفِك بنفسك عن إمامك؟ قال الذهبي: "أنفذ ملكشاه إليه يتهدَّدُه ويأمره بالطاعة، ويأمرُه أن يكُفَّ أصحابَه عن قَتلِ العلماء والأمراء، فقال للرسول: الجوابُ ما تراه، ثم قال لجماعة بين يديه: أريد أن أنفِذَكم إلى مولاكم في حاجةٍ، فمن ينهضُ بها؟ فاشرأبَّ كل واحد منهم، وظنَّ الرسولُ أنها حاجةٌ، فأومى إلى شابٍّ، فقال: اقتل نفسَك، فجذب سكينًا، فقال بها في غَلصَمتِه، فخرَّ ميتًا، وقال لآخر: ارمِ نفسَك من القلعةِ، فألقى نفسَه فتقطَّع، ثم قال للرسول: قُلْ له: عندي من هؤلاء عشرون ألفًا، هذا حَدُّ طاعتِهم، فعاد الرسول وأخبر ملكشاه، فعَجِبَ، وأعرضَ عن كلامِهم". وقد غلت الأقطار بجرائِمِ أتباعه الباطنية، فقَتَلوا غيلةً عِدَّةً من العلماء والأمراء، وأخذوا القلاع، وحاربوا، وقطعوا الطرق، وظهروا أيضًا بالشام، والتفَّ عليهم كل شيطان ومارق، وكلُّ ماكر ومتحَيِّل. قال الغزالي في (سر العالمين): "شاهدت قصةَ الحسن بن الصباح لما تزهَّدَ تحت حصن ألموت، فكان أهلُ الحصن يتمنَّون صعوده، ويتمنَّع ويقول: أما ترون المنكرَ كيف فشا، وفسد الناسُ، فصبا إليه خلقٌ، وذهب أميرُ الحصن يتصيَّد، فوثب على الحصن فتملَّكه، وبعث إلى الأمير من قتَلَه، وكثُرَت قلاعُهم، واشتغل عنهم أولاد ملكشاه باختلافِهم". هلك الحسن بن الصباح في قلعة ألموت وقام بعده بالأمر كيابرزك أميد الروذباري.
سار عبد الوهاب بن عامر المعروف بكُنيتِه أبو نقطة أمير ألمع وعسير وتهامة قاصدًا جُدَّةَ محاربًا لها بأمر الإمام سعود الذي أمر على من في جهة عبد الوهاب من أهل الخبت والحجاز أن ينفروا معه إلى جدة, فسار عبد الوهاب بهم وهم ستة آلاف مقاتل, ونزل السعديةَ الماء المعروف قرب سيف البحر، فلما تحقق الشريف حالَهم أراد أن يباغِتَهم في مكانهم قبل أن يأتيَ إليه أبو نقطة بجيشِه، فجهَّز العساكر الكثيرة قيل إنها عشرة آلاف رجل، وسار من مكةَ بتلك العساكر والجنود، وقصد عبد الوهاب على مائِه، فمرَّ بطريقه برجال مرابطين من عسيرٍ وغيرهم، وهم أربعون رجلًا فقتلهم، ثم سار إلى عبد الوهاب فالتقى الجمعان، واقتتل الفريقان, فحمل عبد الوهاب وقومُه على الشريف وجنوده فولَّوا الأدبار، فتَبِعَهم أهل عسير من ساقتِهم يقتلون ويغنمون ويأخذون من سلاح المُدبِرين ولباسِهم وما معهم، وكثيرُها يُرمى به في الأرض، وترك الشريفُ ثِقلَه ومدافِعَه وزهبته وسلاحه، واستولى عبد الوهاب ومن معه عليها، وقيل: إن البنادق التي جمعت 2500 بندق، والقتلى أكثر من ستمائة قتيل، أكثرهم من الترك والأمداد التي عنده من الدولة العثمانية، وجمع عمالُ سعود خُمس الغنائم وقيَّضوها, ورجع الشريف غالب إلى مكة وعبد الوهاب إلى وطنه بعد هذا النصرِ والغنيمة.
هو السلطان الملك الظاهر سيف الدين أبو سعيد جقمق العلائي الظاهري الشركسي، السلطان الرابع والثلاثون من ملوك الترك، والعاشر من الجراكسة، ويذكر في أصله أنه أخذ من بلاده صغيرًا فاشتراه خواجا كزلك وجلبه إلى الديار المصرية، فابتاعه منه الأتابك إينال اليوسفي، وقيل: ولده أمير علي بن إينال وهو الأصح، وربَّاه عنده، فطلبه الملك الظاهر منه في سرحة سرياقوس، وأخذه وأعطاه لأخيه جاركس، وقد اختلفت الأقوال في أمر عتقه؛ فمن الناس من قال: إن أمير علي كان أعتقه قبل أن يطلُبَه الملك الظاهر منه، فلما طلبه الملك الظاهر سكت أمير علي عن عتقه لتنال جقمق السعادة بأن يكون من جملة مشتريات الملك الظاهر. تسلطن يوم خُلِعَ الملك العزيز يوسف، وهو يوم الأربعاء التاسع عشر من ربيع الأول سنة 842. كان قد خرج عن طاعة الظاهر جقمق الأمير قرقماس، فواقعه الملك الظاهر، فانهزم قرقماس واختفى، ثم ظُفِرَ به وضُرِبَ عنقه. ثم خرج عن طاعته تغرى برمش نائب حلب، ثم أينال الجكمي نائب الشام؛ فجهز إليهما العساكر، فقاتلوهما واحدًا بعد الآخر، فظَفِرَ بهما وقتلهما. وبعد قتل هؤلاء صفا الوقت للملك الظاهر، وأخذ وأعطى، وقرب أقوامًا وأبعد آخرين. ولم يزل في ملكه والأقدارُ تساعدُه، إلى أن بدأ المرض به في آخر السنة الماضية وما زال يزداد به حتى قويَ عليه جدًّا في أواخر شهر محرم من هذه السنة، ثم لما كان يوم الأربعاء العشرون من المحرم، تكلم السلطان مع بعض خواصِّه في خلع نفسه من السلطنة، وسلطنة ولده المقام الفخري عثمان في حياته، فروجِعَ في ذلك فلم يقبَلْ، ورسم بإحضار الخليفة والقضاة والأمراء من الغد بالدهيشة، فلما كان الغد، وهو يوم الخميس الحادي والعشرين محرم حضر الخليفة والقضاة وجميع الأمراء، وفي ظنِّ الناس أنه يعهد لولده عثمان بالملك من بعده كما هي عادة الملوك، فلما حضر الخليفة والقضاة عنده بعد صلاة الصبح، خلع نفسَه من السلطنة، وقال للخليفة والقضاة: الأمر لكم، انظروا فيمن تُسلطِنوه، أو معنى ذلك؛ لعِلمِه أنهم لا يعدلون عن ولده عثمان؛ فإنَّه كان أهلا للسلطنة بلا مدافعة، فلما سمع الخليفةُ كلام السلطان، لم يعدِلْ عن المقام الفخري عثمان، لِما كان اشتمل عليه عثمان من العلم والفضل، وإدراكِه سِنَّ الشبيبة، وبايعه بالسَّلطنة، وتسلطن في يوم الخميس ولقِّبَ بالملك المنصور، وعمره يومئذ نحو الثماني عشرة سنة تخمينًا، واستمرَّ الملك الظاهر مريضًا ملازمًا للفراش، وابنه الملك المنصور يأخذ ويعطي في مملكتِه، ويعزِلُ ويولي، والملك الظاهر في شُغلٍ بمرضه، وما به من الألم في زيادة، إلى أن مات في قاعة الدهيشة الجوانية بين المغرب والعشاء من ليلة الثلاثاء ثالث صفر وقرئ حوله القرآن العزيز، إلى أن أصبح وجُهِّزَ وغُسِّلَ وكُفِّن من غير عجلة ولا اضطراب، حتى انتهى أمرُه وحُمِل على نعشه، وأُخرِج به، وأمام نعشه ولده السلطان الملك المنصور عثمان ماشيًا وجميع أعيان المملكة إلى أن صلِّيَ عليه بمصلاة باب القلعة من قلعة الجبل، وصلى عليه الخليفة القائم بأمر الله أبو البقاء حمزة، وخلفه السلطان المنصور عثمان والقضاة وجميع الأمراء والعساكر، ثم حمل بعد انقضاء الصلاة عليه وأُنزِلَ من القلعة، حتى دفِنَ بتربة أخيه الأمير جاركس القاسمي المصارع، ولم يشهد ولده الملك المنصور دفنَه، وكانت مدة سلطنته أربع عشرة سنة وعشرة شهور ويومين.
هو الملك أبو يوسف يعقوب بن الليث الصفَّار الخارجي- خرج على سلطانِ الخلافةِ- التُّركمانيُّ، من سجستان، أصلُه فارسي ينحدِرُ من جبال شرق فارس، أسَّسَ السُّلالةَ الصفَّاريَّة التي حكَمَت فارس وبلاد ما وراء النهر. وقد أكثَرَ أهلُ التاريخ مِن ذِكرِ هذا الرجل وذِكرِ أخيه عمرو وما ملكا من البلادِ وقتلا من العبادِ، وما جرى للخلفاءِ معهما من الوقائع، كان رجلًا عاقلًا حازمًا, وكان أوَّلَ أمْرِه أنه وأخاه عَمرًا صفَّارانِ في حداثتِهما، يعملان في النُّحاس، وكانا يُظهِران الزهد، فجاهدا مع صالح المُطَّوِّعِي المحاربِ للخوارج، فصَحِبَه إلى أن مات، فتولَّى مكان صالح المطوعي درهمُ بن الحسين المطوعي، فجعل درهمُ يعقوبَ بن الليث قائدًا لعسكره، ثمَّ رأى أصحاب درهم عجْزَه، فملَّكوا يعقوبَ لحُسنِ سياستِه، فأذعَنَ لهم دِرهَم، واشتَهَرت صولةُ يعقوب، فغَلَب على هراة وبوشنج، وحارب الترك، وظفِرَ بِرُتْبِي، فقتله، وقتل ثلاثةَ ملوك ورجع معه ألوفٌ من الرؤوس، فهابته الملوك, وكان بوجهِه ضربةُ سيف مُخَيَّطَة. أظهر يعقوبُ حرصه على تدعيم مُلكِه؛ حيث اهتمَّ بتدبير أمور مملكتِه وتحصينِها وعمارة أرضه، فكثرت أموالُه وعَمَرت خزائنُه, ثم أعلن نفسَه حاكمًا على موطِنِه في سجستان (بلوشستان). ثم ضمَّ إليه المناطِقَ التي حكمها الطاهريون: هراة، وفارس، وشيراز، وبلخ, ثم طخرستان, حتى انتهى الأمرُ بأن قام بإجلائهم عن خراسان وأفغانستان. فعيَّنَه الخليفةُ المعتزُّ واليًا على المناطق التي سيطر عليها, فأخذ يعقوبُ يبعث هداياه إلى المعتز لمُداراته، ثم صار يرسِلُ للمعتَمِد في العام خمسةَ آلاف ألف درهم، ثمَّ أخذ بلخَ ثم نيسابور، وقصَدَ جرجان، فهزم المُتغلِّبَ عليها الحسن بن زيد العلوي، ثم دخل جرجان، فظَلَم وعَسَف، فاستغاث جماعةٌ جرجانيون ببغداد من يعقوب، فعزم المعتَمِد على حربه، ونفَّذَ كتبًا إلى أعيان خراسان بذمِّ يعقوب، وأن يهتمُّوا لاستئصاله، فكاتبَ يعقوبُ المعتَمِد يخضَعُ ويُراوغ، ويطلُبُ التقليدَ بتوليته المَشرِق، ففعل المعتمِدُ ذاك وأخوه الموفِّقُ؛ لاشتغالهم بحرب الزَّنْج. كان يعقوبُ قد افتتح الرخج، وقتَلَ مَلِكَها وأسلم أهلُها على يده، وافتتح الخلجية وزابل وغيرهما. بعد أن غلب يعقوبُ الصفَّار على سجستان ونيسابور والديلم وفارس، طَمِعَ في بغداد فأقبل عليها غازيًا، فقابلَه جيشُ الموفَّق بدير العاقول، وكشفَ الموفَّق الخوذة وحَمَل، وقال: أنا الغلامُ الهاشميُّ. وكَثُرت القتلى، فانهزم يعقوبُ، وجُرِحَ أمراؤه، وذهبت خزائِنُه، وغَرِق منهم خلقٌ في النهر. مات يعقوبُ بجند يسابور من كور الأهواز، وكانت عِلَّتُه القولنج، فأمره الأطبَّاءُ بالاحتقان بالدواء، فلم يفعل، واختار الموت. وكان المعتمِد قد أنفذ إليه رسولًا وكتابًا يستميلُه ويترضَّاه، ويقَلِّده أعمال فارس، فوصل الرسولُ ويعقوب مريضٌ، فجلس له وجعل عنده سيفًا ورغيفًا من الخبز، ومعه بصَلٌ، وأحضر الرَّسول، فأدَّى الرسالة، فقال له: قُل للخليفة إنَّني عليل، فإن مِتُّ فقد استرحتُ منك واسترحْتَ مني، وإن عوفِيتُ فليس بيني وبينك إلَّا هذا السَّيفُ، حتى آخُذَ بثأري، أو تكسِرَني وتعقِرَني، وأعودَ إلى هذا الخبز والبصل، وأعاد الرسولُ، فلم يلبَثْ يعقوبُ أن هلك. فقام بالأمرِ بعده أخوه عمرو بن الليث، وكتب إلى الخليفةِ بطاعته، فولَّاه الموفَّق خراسان، وفارس، وأصبهان، وسجستان، والسند، وكرمان، والشرطة ببغداد.
هو حَبْرُ الأُمَّةِ، وهو أحدُ المُكْثِرين مِن الرِّوايَةِ عن النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، شَهِدَ مع عَلِيٍّ الجَملَ وصِفِّينَ، وكان والِيًا له على الكوفَة، كُفَّ بَصَرُهُ في آخِرِ عُمُرهِ، وكان في مكَّة ثمَّ انْتَقل إلى الطَّائِف، وتُوفِّي فيها وهو ابنُ واحدٍ وسبعين سنة، ودُفِنَ فيها.
جرت بين الصليبيِّينَ حُروبٌ داخلية أضعَفَت قواهم بحَمدِ الله، فقامت حروبٌ بين البندقية وجنوة امتدت إلى عام 660 انضَمَّت فيها جميعُ الأحزاب المتنافرة إلى أحَدِ الجانبين وأنهكَتْهم ممَّا كان له الأثَرُ في استعادة الظاهر بيبرس في حينها أنطاكية منهم.
اغتِيلَ نائِبُ مفتي جمهورية أوسيتيا الشمالية بالقوقاز، إبراهيم دوداروف (34 عامًا) رحمه الله بخمسِ رَصاصاتٍ على الطريقِ المؤدِّيَة إلى العاصمة الإقليمية فلاديقوقاز. وتمَّ العثورُ على جُثَّتِه في سيارةٍ على طريقٍ يربِطُ مدينةَ فلاديقوقاز ببلدةِ تشمي.