هو شَيخُ الشِّيعةِ، وصاحِبُ التَّصانيفِ، أبو جَعفرٍ محمدُ بن الحسنِ بن عليٍّ الطُّوسيُّ، فَقيهُ الإِمامِيَّة وعالِمُهُم، انتَقلَ مِن خُراسان إلى بغداد وأقامَ فيها أربعين سَنةً، تَفَقَّهَ فيها أوَّلًا للشافعيِّ, ثم أَخذَ الكلامَ وأُصولَ الشِّيعةِ عن الشيخِ المُفيدِ رَأسِ الإماميَّةِ ولَزِمَهُ حتى تَحوَّل رافِضِيًّا، وعَمِلَ التَّفسيرَ، وأَملَى أحاديثَ ونَوادِرَ في مُجلَّدينِ، عامَّتُها عن شَيخِه المُفيدِ، ثم رَحلَ إلى النَّجفِ واستَقرَّ بها حتى تُوفِّي فيها، أُحرِقَت كُتبُه عِدَّةَ مَرَّاتٍ، له مِن التَّصانيفِ ((البيان الجامع لعلوم القرآن))، و((الاستبصار فيما اختُلِفَ فيه من الأخبار))، و((الاقتصاد في الاعتقاد))، وله أمالي وغيرُ ذلك، قال الذهبيُّ: "أَعرضَ عنه الحُفَّاظُ لِبِدعَتِه، وقد أُحرِقَت كُتبُه عِدَّةَ نُوَبٍ في رَحْبَةِ جامعِ القَصْرِ، واستَتَر لمَّا ظَهَرَ عنه مِن التَّنَقُّصِ بالسَّلَفِ، وكان يَسكُن بالكرخِ، مَحَلَّةِ الرَّافِضَةِ، ثم تَحوَّل إلى الكوفةِ، وأقامَ بالمَشهَدِ يُفَقِّهُهم, وكان يُعَدُّ مِن الأذكياءِ لا الأزكياءِ" تُوفِّي بمَشهدِ عليِّ بن أبي طالبٍ ودُفِنَ فيهِ، عن 75 عامًا.
حجَّ الرَّشيدُ ومعه ابناه: الأمينُ محمَّد، والمأمونُ عبد الله، وفَرَّقَ بالحرمينِ الأموالَ، وفيها بايعَ الرَّشيدُ بولايةِ العَهدِ لولده قاسِمٍ بعد الأخوينِ: الأمين والمأمون، ولقَّبَه المُؤتَمَن، وولَّاه الجزيرةَ والثُّغورَ، وهو صبيٌّ.
ظهر إسماعيل بن يوسف بن إبراهيم بن موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب بمكَّة، فهرب منه نائبُها جعفر بن الفضل بن عيسى بن موسى، فانتَهَبَ مَنزِلَه ومنازلَ أصحابه وقَتَلَ جماعةً من الجند وغيرهم من أهل مكة، وأخَذَ ما في الكعبة من الذَّهَب والفِضَّة والطِّيب وكسوة الكعبة، وأخَذَ من الناس نحوًا من مائتي ألف دينار، ثم خرج إلى المدينةِ النبويَّة فهرب منها نائبُها أيضًا علي بن الحسين بن علي بن إسماعيل، ثم رجع إسماعيل بن يوسف إلى مكَّةَ في رجب فحصر أهلَها حتى هلكوا جوعًا وعَطشًا، فبِيعَ الخُبزُ ثلاثُ أواقٍ بدِرهم، واللَّحمُ الرِّطل بأربعة، وشربة الماء بثلاثة دراهم، ولقي منه أهلُ مكَّة كلَّ بلاء، فترحَّلَ عنهم إلى جُدَّة بعد مُقامِه عليهم سبعة وخمسين يومًا، فانتهب أموال التجَّار هنالك وأخذ المراكِبَ وقطع الميرة عن أهلِ مكَّة، ثم عاد إلى مكَّة لا جزاه الله خيرًا عن المسلمين. فلما كان يومُ عرفة لم يمكِّن النَّاسَ من الوقوف نهارًا ولا ليلًا، وقتَلَ من الحجيج ألفًا ومائة، وسلَبَهم أموالَهم، ولم يقف بعرفةَ عامَئذٍ سواه ومن معه من الحرامية، ثم توفِّي في السنة التالية.
أعطى وزيرُ التعليم العالي السوري غياث بركات توجيهاتٍ تقضي بمَنعِ دُخولِ الطالبات المنتقبات إلى الجامعات السُّورية. وأعلن الوزيرُ السوريُّ رفْضَه لِمَا وصَفَه بالظَّاهرة التي تتعارضُ مع القِيَم والتَّقاليد الأكاديميَّة ومع أخلاقيَّاتِ الحرمِ الجامعيِّ.
غزا سعودُ بن عبد العزيز حرمة واستنفر معه أهلَ البلدان مشاةً وركبانًا، ونزل على بلدة حرمة وحصرها حصارًا شديدًا، وقطع نخلَ قاضيها عبد الله بن المويس- ابن عم الشيخ المجدِّد، لكنه من ألدِّ أعداء الدعوة (ت1175)- ومَلَك الأمير سعود أكثَرَ نخلها وأقام عليها أيامًا يباكرهم القتالَ، فلما اشتد عليهم الحصارُ ألقى الله الرعب في قلوبهم، فأرسلوا إلى سعود وطلبوا الصلحَ فأبى إلا أن تكون بلدتُهم فيئًا، أو يزيل ما في البلدِ مِن المحذورِ ومِن الرجالِ وغيرِهم، فصالحهم على ذلك, ولَمَّا كتب لوالده الإمام عبد العزيز كتب إليه أنَّ أهلَ هذه القرية تكرَّر منهم نقضُ العهد، وهي محذورةٌ كلُّها، فاهدِمْها ودمِّرْها، فأمر سعود بهدمِها، فهدم سورَها وبعض بيوتِها، وأمَر على أناس من أهلِها ممن أثار الشرَّ على المسلمين أن يرحَلوا عنها، فارتحل كثيرٌ منهم المجمعة، والبعض الآخر إلى الزلفي.
هو شِهابُ الدين أحمد بن عثمان بن قايماز بن الشيخ عبد الله التركماني الفارقي الأصل ثم الدمشقي الذهبي. قال الذهبي: "والدي أحسَنَ اللهُ جزاءه ولد سنة 641 تقريبًا، وبرع في دقِّ الذَّهَب، وحصل منه ما أعتق منه خمسَ رقاب، وسَمِعَ الصحيح في سنة 666 من المقداد القيسي، وحجَّ في أواخر عمره، كان يقومُ مِن الليل". توفِّي في آخر جمادى الأولى ليلة الجمعة، وصلى عليه الخلقُ يؤُمُّهم قاضي القضاة ابنُ جماعة.
هو الوزير الكبير، أبو طالب علي بن أحمد بن علي السميرمي، وزير السلطان محمود الغزنوي السلجوقي، صدرٌ معظَّم، كبير الشأن، شديد الوطأة، ذو عسف وظلم، وسوء سيرة، وقف مدرسة بأصبهان، وعمل بها خزانة كتب نفيسة، وكان مجاهرًا بالظلم والفسق، وأحدث على الناس مكوسًا وجدَّدها بعدما كانت قد أزيلت من مدة متطاولة. وكان يقول: "استحييتُ من كثرة ظلمِ من لا ناصِرَ له، وكثرةِ ما أحدثتُ من السُّنَن السيئة!". لما عزم على الخروج إلى همذان خرج وبين يديه السيوف المسلولة، والمماليك الكثيرة بالعدد الباهرة، فما أغنى عنه ذلك شيئًا، بل جاءه باطني فضربه فقتله، ثم مات الباطني بعده، ورجع نساؤه بعد أن ذهبن بين يديه على مراكب الذهب، حاسراتٍ عن وجوههن، قد أبدلهنَّ الله الذلَّ بعد العز، والخوفَ بعد الأمن، والحزنَ بعد السرور والفرح، جزاءً وفاقًا! وذلك يوم الثلاثاء آخر صفر، وقيل: إن الذي قتله عبدٌ كان للمؤيد الطغرائي وزير السلطان مسعود؛ فإن السميرمي قتل أستاذه ظلمًا، ونبزه بأنه فاسد الاعتقاد، فكلُّ قاتلٍ مقتولٌ.
هو أبو حفص عمر بن أبي الحسن علي بن المرشد بن علي، الحموي الأصل، المصري المولد والدار والوفاة، ولد في الرابع من ذي القعدة سنة 576 بالقاهرة. وكان أبوه يكتب فروض النساء والرجال، ناظم التائية, وهي قصيدة طويلةٌ أكثر من سبعمائة بيت في السلوك على طريقة المتصوفة المنسوبين إلى الاتحاد، وقد تكلَّمَ فيه غير واحد من المشايخ بسبب قصيدته المشارِ إليها، وقد ذكره الذهبي وحطَّ عليه فقال: "إن لم يكن في تلك القصيدةِ صريحُ الاتحاد الذي لا حيلةَ في وجوده، فما في العالم زندقةٌ ولا ضلال، اللهمَّ ألهمنا التقوى، وأعذنا من الهوى، فيا أئمَّة الدين ألا تغضبون لله؟! فلا حول ولا قوة إلا بالله". مات وقد قارب السبعين، توفي بالقاهرة في يوم الثلاثاء الثاني من جمادى الأولى، ودفن من الغد بسفح المقطم، وقبره معروف به يُقصَد للزيارة، وكان قد سافر إلى مكة وبقي فيها قرابة الخمسة عشر سنة متصلًا فيها بالصوفية، ولكن له شطحات كثيرة في قصائده على عادة المتصوفة، وخاصة في هيامِهم وغزلهم مع قَصدِهم الذاتَ الإلهيَّةَ- تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيرًا.
هو الأميرُ أحمدُ بنُ إسماعيلَ بنِ أحمد بن أسد السامانيُّ مولى بني العباس، أبو نصرٍ صاحِبُ خراسان وما وراء النهر، مِن ولَدِ أسَدِ بنِ سامان، وهم بيت لهم إمرةٌ وحِشمةٌ، وكان أبو نصرٍ حسَنَ السِّيرةِ عظيمَ الحُرمة, وكان مولعًا بالصيدِ، فخرج إلى فربر متصيِّدًا، فلمَّا انصرف أمرَ بإحراقِ ما اشتمل عليه عسكَرُه، وانصرف فورد عليه كتابُ نائبه بطبرستان، وهو أبو العبَّاس صعلوك، وكان يليها بعد وفاةِ ابنِ نوحٍ بها، يخبِرُه بظهور الحسن بن عليٍّ العلويِّ الأطروش بها، وتغلُّبِه عليها، وأنَّه أخرجه عنها، فغَمَّ ذلك أحمد، وعاد إلى معسكره الذي أحرَقَه فنزل عليه فتطيَّرَ الناس من ذلك، وكان له أسدٌ يربطُه كلَّ ليلةٍ على باب مبيته، فلا يجسرُ أحدٌ أن يقربه، فأغفلوا إحضارَ الأسد تلك الليلة، فدخل إليه جماعةٌ من غلمانه، فذبحوه على سريرِه وهربوا، فحُمِلَ إلى بخارى فدُفِنَ بها، ولُقِّبَ حينئذ بالشهيد، وطُلِبَ أولئك الغلمان، فأُخِذَ بعضُهم فقُتل، ووليَ الأمرَ بعده ولدُه أبو الحسَنِ نصرُ بن أحمد، وهو ابنُ ثماني سنين، وكانت ولايةُ نَصرٍ ثلاثين سنة وثلاثة وثلاثين يومًا، ثم اضطرب الأمرُ كثيرًا في سجستان بعد نصرٍ.
هو الطبيبُ الرئيسُ الحكيمُ جمال الدين أبو إسحاق إبراهيمُ بن شهاب الدين أحمد، المعروف بابن المغربي: رئيس الأطباء بالديار المصرية والممالك الشامية، ذو الرُّتبة المنيعة والمكانة العالية والوَجاهة في الدولة والحُرمة عند الناس، خصوصًا في أيام الملك الناصر محمد بن قلاوون؛ لِقُربه من السلطان وخِدمة أكابر الأمراء والوزراء في مواطِنَ كثيرة سرًّا وجهرًا، وكان ممن خرج صحبة الركاب الناصري سنة 708 وأقام معه بالكرك، وتردد في الدخولِ إليه مع من كان يدخُلُ إليه من ذوي الخِدَم، ثمَّ تفَرَّد بذلك مع الخاصكية، فصارت له بهذا خصوصيَّة ليست لأحَدٍ، وكان السلطانُ يَعرِفُ له حَقَّ ذلك ويرعاه ويطمَئِنُّ إليه ويعَوِّلُ دون كلِّ أحد عليه، وكان أبوه شهاب الدين أوحَدَ أهل زمانه في الطبِّ وأنواع الفضائل، وقرأ جمال الدين على مشايخ الأطباءِ وأخذ عن أبيه الطبَّ والنجامة إلى غير ذلك، وكان أبوه كثير السرورِ به والرضا عنه، وكان قد فَرَّق أبوه مالًا على بنيه ثم تركهم مُدَّةً وطلب منهم المالَ، فأحضر إليه جمالُ الدين المالَ وقد نَمَّاه وثَمَّرَه ولم يُحضِرْ غَيرُه المال لتفريطٍ حصل فيه، فازداد جمال الدين مكانة من خاطره، ورَدَّ عليه المالَ ومِثلَه معه، وكان إذا رآه قال: هذا إبراهيم سعيد، وكان الأمرُ على ما ذكَرَه وصَدَقَت فِراسَتُه, فخدم السلطانَ في حياة أبيه، وتقَدَّم لديه وباشَرَ المارستان وفُوِّضَت إليه الرياسةُ مُطلقًا، ثم أخذ في الترقي إلى أن عُدَّ من أعيان الدولة وأكابر أرباب المراتِبِ، والتحق بدرجةِ الوُزَراء وذوي التصَرُّف، بل زاد عليهم لإقبالِ السلطان عليه وقُربِه منه، وكان أول داخل إليه يدخُلُ كُلَّ يوم قبل كل ذي وظيفةٍ برانية من أرباب السيوفِ والأقلامِ، فيسأل جمال الدين السلطان عن أحوالِه وأحوالِ مَبيتِه وأعراضِه في ليلتِه، فيُحَدِّثُه في ذلك، ثمَّ أمور بقيَّة المرضى من أهل السُّلطان والأمراء ومماليك السلطان وأرباب وظائِفِ وسائر الناس، ويسأله السلطان عن أحوال البلد ومَن فيه من القضاة والمحتَسِب ووالي البلد، وعَمَّا يقوله العوامُّ ويستفيضُ فيه الرعيَّة، ومن لعَلَّه وقع في تلك الليلة بخِدمةٍ أو أمسك بجزيرة، أو أخذ بحَقٍّ أو ظلم؛ ولهذا كان يُخشى ويُرجى وتُقبَلُ شفاعاتُه وتُقضى حاجاتُه، وكان يجِدُ سبيله إذا أراد لغيبةِ أرباب الوظائفِ السلطانيَّة، ولا يجدون سبيلًا لهم عليه؛ إذ تناط بهم أمورٌ مِن تصَرُّفٍ في مالٍ أو عَزلٍ وولايةٍ يقال في ذلك بسَبَبِهم ولا يناطُ به شَيءٌ مِن ذلك يقالُ فيه بسَبَبِه؛ فلهذا طال مكثُه ودامت سعادتُه ولم يغَيِّرْ عليه مُغَيِّرٌ ولا استحال عليه السلطانُ، وحصَّل النِّعَم العظيمةَ والأموال الوافرة والسعادة المتكاثرة؛ قال القاضي شهاب الدين أحمد بن فضل الله: " لقد حرص النشو على رميِه مِن عَينِ السلطان بكلِّ طريقٍ فلم يقدِرْ، حتى إنه عمل أوراقًا بما على الخاصِّ مِن المتأخِّراتِ مِن زمانِ مَن تقَدَّمَه وذكر فيها جملةً كثيرة ثمَن صِنفٍ أظنُّه رصاصًا بِيعَ مِن جمال الدين، ثم قرأ الأوراقَ على السلطان ليُعلِمَه أنَّ له أموالًا واسعةً يتكَسَّبُ فيها ويتاجِرُ على السلطان، وهو يعيد ذِكرَ جمال الدين مراتٍ ويَرفَع صَوتَه ثمَّ يَسكُت ليفتَحَ السلطانُ معه بابًا فيه، فيقول: فماذا يريد؟ فما زاد السلطانُ على أن قال: هذا لا تؤخِّرْه، روح الساعةَ أعطِه مالَه، ولا تؤخِّرْ له شيئًا" فقد كان السلطانُ عارفًا بما لجمال الدين من المنافِعِ مِمَّا يحصل له من الخِلَع الكوامل والبِغال المُسرَجة المُلجَمة والتعابي والقماش والإنعامات من الآدر السلطانية والأمراء, وكان الطبيبُ الرئيس يلازم الخدمةَ سفرًا وحَضَرًا ويتجَمَّلُ في ملبوسِه ومركوبِه وحَشَمِه وداره وجواريه وخَدَمِه مِن غير إسرافٍ ولا تكثُّر، وكان السلطان لا يقول له إلَّا يا إبراهيمُ، وربما قال: يا حكيم إبراهيم، ولقد قال مرة: إبراهيم صاحبنا- يعني جمال الدين- وكان غايةً منه في قُربِ المحَلِّ والأمنِ إليه! وله مع هذا خصوصية ببكتمر الساقي أنَّه إلى جانب السلطان أميَلُ، وعلى رضاه أحَلُّ، وجمال الدين على إفراطِ هذا العلو وقُرْبِ هذا الدنو لا يتكبَّرُ ولا يرى نفسَه إلا مثل بعضِ الأطباء توقرًا لجماعة رُفقَتِه كُلِّهم ويجلُّ أقدار ذوي السنِّ منهم وأهل الفضل ويخاطِبُهم بالأدب، ويحَدِّثُهم بالحسنى ويأخذُ بقلب الكبير منهم والصغير والمُسلِم والذمِّي، وكان يكره صلاح الدين بن البرهان ويُكرِمُه، ويبغض ابن الأكفاني ويعَظِّمُه ويحفظُ بكُلِّ طَريقٍ لِسانَه، ويتقصد ذِكرَ المحاسِنِ والتعامي من المعائب، وله الفضيلة الوافرة في الطب علمًا وعملًا، والخَوض في الحُكميات والمشاركة في الهيئة والنجامة، كل هذا إلى حُسنِ العقل المعيشي ومصاحبة الناس على الجميل، وكان لا يعود مريضًا إلَّا من ذوي السلطانِ، ولا يأتيه في الغالب إلَّا مَرَّةً واحدة، ثمَّ يقَرِّرُ عنده طبيبًا يكون يعوده ويأتيه بأخباره، ثم إذا برأ ذلك المريض استوجب عليه جمال الدين ما يستوجِبُه مِثلُه، فإذا خلع عليه أو أنعم عليه بشيءٍ دخل إلى السلطانِ وقَبَّل الأرض لديه فيُحيطُ عِلمًا بما وصل إليه, ولما أُثقِلَ السلطان في المرض نوبةَ موته، كان جمال الدين مريضًا ولم يَحضُرْه, وقيل: إنما تمارض بعد أمْنِ التُّهَم, وتوفِّيَ الرئيس جمال الدين هذا العامَ.
هو عليُّ بنُ إسماعيلَ بنِ إسحاق بنِ سالم بن إسماعيلَ بنِ عبد الله بن موسى ابنِ أمير البصرةِ بلال بن أبي بُردة ابن صاحبِ رَسولِ اللهِ- صلَّى الله عليه وسلَّم- أبي موسى عبد الله بن قيس بن حضار الأشعري، اليماني، البصري. أبو الحسَن الأشعريُّ المتكلِّم المشهور، وُلِدَ بالبصرة سنة 260، وقيل: ولد سنة سبعين. كان عجبًا في الذَّكاء وقُوَّةِ الفَهمِ. يقولُ الذهبي: "لأبي الحسن ذكاءٌ مُفرِطٌ، وتبحُّرٌ في العِلمِ، وله أشياءُ حَسَنةٌ، وتصانيفُ جمَّة تقضي له بسَعةِ العلم" كان أوَّلَ أمرِه مع المعتزلةِ وتعَلَّم معهم، وعنهم أخذ حتى برع وصار إمامًا فيهم، حتى كان يتولَّى الجدلَ عن شيخِه الجُبَّائي، ولَمَّا برع في معرفةِ الاعتزال، كَرِه الجبَّائي وتبرَّأ منه، فأعلن رجوعَه عن الاعتزالِ وعمَّا كان يعتَقِدُه من معتقداتِهم، فمال إلى الفُقَهاءِ والمُحَدِّثين ثم أخذ يرُدُّ على المعتزلة، ويهتك عَوارَهم. قال الفقيه أبو بكر الصيرفي: "كانت المعتزلةُ قد رفعوا رؤوسَهم، حتى نشأ الأشعريُّ فحَجَرَهم في أقماعِ السِّمسِم" ولكنَّه لم يكُنْ كذلك على مِثلِ ما كان عليه المحَدِّثون من الاعتقادِ، فأصبح يشكِّلُ لنَفسِه مذهبًا مستقلًّا عُرِفَ إلى اليوم بالأشعريَّة، ثم بعد أن ظَلَّ فترةً على هذا المنوال مال بالكليَّة إلى مذهب المحَدِّثين كالإمام أحمد، والبربهاري، وغيرهم في الاعتقاد، ورجع عمَّا كان عليه, وألَّفَ لذلك كتابه الشهيرَ ((الإبانة عن أصول الدِّيانة))، فكانت مراحِلُه ثلاثة: الاعتزالُ، ثم الأشعريَّة، ثم رجع إلى أهل الحديثِ والأثَرِ، ومن مؤلَّفاتِه أيضًا: مقالات الإسلاميين، والرد على المجسمة وغيرها. قال زاهر بن أحمد السرخسي: "لَمَّا قَرُبَ حضورُ أجَلِ أبي الحسن الأشعري في دارِي ببغداد، دعاني فأتيتُه، فقال: اشهَدْ عليَّ أنِّي لا أكَفِّرُ أحدًا من أهل القِبلةِ؛ لأنَّ الكُلَّ يشيرونَ إلى معبودٍ واحدٍ، وإنَّما هذا كُلُّه اختلافُ العبارات" قلت- والكلام للذهبي-: "وبنحو هذا أدينُ، وكذا كان شيخُنا ابنُ تيميَّةَ في أواخِرِ أيَّامِه يقول: أنا لا أكَفِّرُ أحدًا مِن الأمَّةِ"
لَمَّا وصل الحُسَين بن حسن الأفطس لِمَكَّة من قِبَل أبي السرايا وفعل في مكَّة ما فعل من تغييرِ كسوةِ الكعبةِ وتخريبٍ ونَهبٍ، وصلَه خبرُ هزيمة أبي السرايا، ذهب إلى محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين وبايعه فأقامه، وبايَعه بالخلافةِ، وجمع له النَّاسَ، فبايعوه طوعًا وكَرهًا وسَمَّوه أمير المؤمنين، فبقي شهورًا وليس له من الأمرِ شَيءٌ، ثمَّ لَمَّا وصل عامِلُ اليمن وجيشُ هرثمة بن أعين من الكوفةِ، هرب محمد بن جعفر إلى الجُحفة ثمَّ قُبِضَ عليه وطلَبَ الأمان وقال إنه وصَلَه أنَّ المأمونَ مات فدعا لبيعة نفسِه، فلما صَحَّ الخبَرُ عنده أنَّه لم يمُت خلَعَ نفسَه من الخلافة، ثم بعد ذلك أُرسِلَ إلى المأمون، ثم سار إلى جرجان ومات بها سنة 204هـ وهو المعروفُ بالديباج.
هو الشيخُ الإمامُ العلَّامة المحَدِّث، إمامُ اللغة رضي الدين أبو الفضائل الحسن بن محمد بن الحسن بن حيدر علي المعروف بالصاغاني، القرشي، العدوي، العمري، الصاغاني الأصل، الهندي اللهوري المولد، البغدادي الوفاة، المكي المدفن، الفقيه الحنفي، صاحب التصانيف. أحد أئمَّة اللغة في القرن السابع الهجري, وكان إليه المنتهى في معرفة اللِّسانِ العربي. وُلِدَ في لاهور بالهند في صفر سنة 577, ونشأ بغزنة من بلاد السند وقدم بغداد، ثم ذهب رسولًا من الخليفة إلى ملك الهند أكثر من مرة، ورحل إلى اليمن، وتوفي ودفن في بغداد بدارِه بالحريم الطاهري، وكان قد أوصى أن يُدفَنَ بمكة، فنُقِلَ إليها ودفن بها. له عدة مؤلَّفات لُغوية، من أشهرها: "العُباب الزاخر" وهو معجم كبير، و"التكملة والذيل والصلة" و"تاج اللغة" و"صحاح العربية".
قام خير الدين بربروسا بالهجومِ على جزر البليار الإسبانية وعلى سواحلها الجنوبية، فاجتاز مَضِيقَ جبل طارق، وأطلق العِنانَ لنفسِه بالانقضاض على السفُن الإسبانية والبرتغالية العائدة من الأراضي الأمريكية، والمحمَّلة بالذهب والفضة، فاهتَزَّت لتلك الأحداث جميعُ الأوساط النصرانية، وأقلقت شارل الخامس ملك إسبانيا الذي اعتقد أنَّ خير الدين لن يقوى شأنُه بعد حادثة تونس السابقة، ويُعتبَر ذلك هو ردَّ الفعل على الهجوم المضادِّ الذي قام به الإسبان على تونس، وبدا وكأن الإمبراطوريةَ الرومانيةَ المقدَّسة قد طُوِّقت من قِبَل خصومها الفرنسيين والعثمانيين؛ مما أدى إلى استئناف الحروب بينهما من جديدٍ، كما صارت أهداف إسبانيا والبرتغال واحدةً، وذلك في احتلال مراكزَ في بلاد المغرب بالإضافة إلى خوفهم من تقدُّم العثمانيين داخلَ شِبه الجزيرة الأيبيرية.
خَطَبَ السُّلطانُ طُغرلبك ابنةَ الخليفةِ، فانزَعجَ الخليفةُ من ذلك، وقال: هذا شيءٌ لم تَجْرِ العادةُ بمِثلهِ، ثم طَلَبَ شيئًا كَثيرًا كهَيئةِ الفِرارِ، من ذلك أنه طَلبَ ما كان لِزَوجتِه التي تُوفِّيت من الإقطاعات بأرضِ واسط، و300 ألف دينارٍ، وأن يُقيمَ السُّلطانُ طُغرلبك ببغداد لا يَرحل عنها ولا يومًا واحدًا، فوقعَ الاتِّفاقُ على بعضِ ذلك، وأَرسلَ إليها بمائةِ ألف دينارٍ مع أرسلان خاتون ابنةِ أَخيهِ داودَ وزَوجةِ الخليفةِ، وأشياءَ كثيرةٍ من آنيةِ الذَّهَبِ والفِضَّة، والنِّثارِ والجَواري، ومِن الجواهرِ ألفانِ ومائتي قِطعةٍ، من ذلك سبعمائة قِطعةٍ من جَوهرٍ، وزنُ القِطعةِ ما بين الثلاثِ مَثاقيل إلى المِثقالِ، وأشياءَ أُخرى، فتَمَنَّع الخليفةُ لِفَواتِ بَعضِ الشُّروطِ، فغَضِبَ عَميدُ المُلْكِ الوزيرُ لِمَخدُومهِ السُّلطان، وجَرَت شُرورٌ طويلةٌ اقتَضَت أن أَرسلَ السُّلطانُ كِتابًا يَأمرُ الخليفةَ بانتِزاعِ ابنةِ أَخيهِ السيدة أرسلان خاتون، ونَقلِها من دارِ الخِلافةِ إلى دار المَملكةِ، حتى تَنفصِل هذه القَضيَّة، فعَزَم الخَليفةُ على الرَّحيلِ من بغداد، فانزَعجَ النَّاسُ لذلك، وجاء كِتابُ السُّلطانِ إلى رئيسِ شِحْنَةِ – القَيِّم لِضَبطِ البَلدِ- بغداد برشتق يَأمُره بعدمِ المُراقبةِ وكَثرةِ العَسْفِ في مُقابلةِ رَدِّ أصحابِه بالحِرمانِ، ويَعزِم على نَقلِ الخاتون إلى دارِ المُلْكِ، وأَرسلَ مَن يَحمِلها إلى البلدِ التي هو فيها، كل ذلك غَضَبًا على الخَليفةِ، ووَرَدَت الكُتبُ الكثيرةُ من السُّلطانِ طُغرلبك يشكو من قِلَّةِ إنصافِ الخليفةِ، وعَدمِ مُوافقَتِه له، ويَذكُر ما أَسداهُ إليه من الخيرِ والنِّعَمِ إلى مُلوكِ الأَطرافِ، وقاضي القُضاة الدَّامغاني، فلمَّا رأى الخليفةُ ذلك، وأنَّ السُّلطان أَرسلَ إلى نُوَّابِه بالاحتياطِ على أَموالِ الخليفةِ، كَتبَ إلى السُّلطانِ يُجيبُه إلى ما سألَ، فلمَّا وَصلَ ذلك إلى طُغرلبك فَرِحَ فَرحًا شَديدًا، وأَرسلَ إلى نُوَّابِه أن يُطلِقوا أَملاكَ الخَليفةِ، واتَّفقَت الكَلِمةُ بعدَ أن كادت تَتَفرَّق، فوَكَلَ الخَليفةُ في العَقْدِ، فوَقعَ العَقْدُ بمدينةِ تبريز بحَضرةِ السُّلطانِ طُغرلبك، وعَمِلَ سِماطًا عظيمًا، فلمَّا جيءَ بالمُوكِلة قام لها السُّلطانُ وقَبَّلَ الأرضَ عند رُؤيتِها، ودعا للخَليفةِ دُعاءً كثيرًا، ثم أَوجبَ العَقْدَ على صَداقِ أربعمائة ألف دينارٍ، وذلك في يوم الخميس الثالث عشر من شعبان، ثم بَعثَ ابنةَ أَخيهِ الخاتون زوجةَ الخليفةِ في شوال بتُحَفٍ كثيرةٍ، وجَوهرٍ وذَهَبٍ كَثيرٍ، وجَواهرَ عديدةٍ ثَمينةٍ، وهدايا عَظيمةٍ لأُمِّ العَروسِ وأَهلِها، ولمَّا استَقرَّ السُّلطانُ ببغداد أَرسلَ وَزيرَه عَميدَ المُلْكِ إلى الخليفةِ يُطالِبه بِنَقْلِ ابنتِه إلى دارِ المملكةِ فتَمنَّع الخليفةُ من ذلك وقال: إنَّكم إنَّما سألتُم أن يُعقَد العَقْدُ فقط بحُصولِ التَّشريفِ، والتَزمتُم لها بِعَوْدِ المُطالبةِ، فتَردَّد النَّاسُ في ذلك بين الخليفةِ والسُّلطانِ، وأَرسلَ السُّلطانُ زيادةً على النَّقْدِ مائةَ ألف دينارٍ ومائة وخمسين ألف درهمٍ، وتُحَفًا أُخَرَ، وأشياءَ لطيفةً، فلمَّا كان ليلة الاثنين الخامس عشر من صفر سنة455هـ زُفَّت السيدةُ ابنةُ الخليفةِ إلى دارِ المملكةِ، فضُرِبَت لها السُّرادِق من دِجلة إلى دارِ المملكةِ، وضُرِبت الدَّبادِبُ والبُوقاتُ عند دُخولِها إلى الدارِ.