هو الخليفة الإمام الظاهر بأمر الله أبو نصر محمد بن الناصر لدين الله أبي العباس أحمد بن المستضيء بأمر الله أبي محمد الحسن ابن المستنجد بالله يوسف بن المقتفي محمد بن المستظهر بالله أحمد بن المقتدي الهاشمي، العباسي، البغدادي. ولد سنة 571. بايع له أبوه بولاية العهد في سنة 585، وخطب له على المنابر، ونثر عند ذكره الدنانير وعليها اسمُه. ولم يزل الأمر على ذلك حتى قطع ذلك أبوه في سنة 601, وخلعه وأكرهه، وزوى الأمر عنه إلى ولده الآخر. فلما مات ذلك الولد، اضطُرَّ أبوه إلى إعادته، فبايع له وخطب له في شوال سنة 618. واستخلف عند موت والده. قال ابن الساعي: حضرت بيعةَ العامَّة، فلما رُفِعَت الستارة، شاهدتُه وقد كمل الله صورتَه ومعناه، وعمُرُه إذ ذاك خمس وثلاثون سنة، وكان أبيض مشربًا حمرة، أزج الحاجبين، أدعج العينين، سهل الخدين، أقنى، رحب الصدر، عليه قميص أبيض، وعليه طرحة قصب بيضاء" وكان نعم الخليفة، جمع الخشوعَ مع الخضوع لربِّه، والعدل ولم يزَلْ كل يوم يزداد من الخير والإحسان إلى الرعية, فقد أبطل المكوس، وأزال المظالم، وفرَّق الأموال. روى عن والده بالإجازة قبل أن يستخلِفَ, وكانت خلافتُه تسعة أشهر وأربعة وعشرين يومًا، ولَمَّا توفي الظاهر بأمر الله بويع بالخلافة ابنه الأكبر أبو جعفر المنصور، ولقب المستنصر بالله، وسلك في الخير والإحسان إلى الناس سيرة أبيه، وأمر فنودي ببغداد بإفاضة العدل، وأن من كان له حاجة، أو مظلمة يطالع بها، تُقضى حاجتُه، وتُكشَف مظلمتُه، فلما كان أول جمعة أتت على خلافته أراد أن يصليَ الجمعة في المقصورة التي كان يصلي فيها الخلفاء، فقيل له إن المطبق- طريق تحت الأرض- الذي يسلكه إليها خراب لا يمكن سلوكُه، فركب فرسًا وسار إلى الجامع، جامع القصر، ظاهرًا يراه الناسُ بقميص أبيض وعمامة بيضاء، ولم يترك أحدًا يمشي معه بل أمر كل من أراد أن يمشي معه من أصحابِه بالصلاة في الموضِعِ الذي كان يصلي فيه، وسار هو ومعه خادمان وركابدار لا غير، وكذلك الجمعة الثانية حتى أصلح له المطبق.
كَثُرَت محاربة الصاحب معين الدين بن شيخ الشيوخ ومعه الخوارزمية الذين كان مجيئُهم بناءً على طلب الملك الصالحِ نجم ِالدين أيوب صاحبِ مصر، فحاصروا دمشقَ وقطعوا عنها الميرةَ فتضايقت البلدُ، ثم أحرقوا قصرَ الحجَّاج في ثاني محرم، ورمي بالمجانيق وألحَّ بالقتال، فأحرق الصالحُ إسماعيل صاحب دمشق في ثالثه عدَّة مواضع، ونُهِبَت أموال الناس، وجرت شدائدُ إلى أن أهل شهر ربيع الأول، ففيه خرج المنصورُ صاحب حمص من دمشق، وتحدَّثَ معه بركة خان مقدم الخوارزمية في الصَّفحِ، وكذلك طلبوا إلى ابن شيخ الشيوخ الأمانَ ثم قرر أن الصالح إسماعيلَ يسلِّم دمشق، على أن يخرج منها هو والمنصور بأموالهم، ولا يعرض لأحدٍ مِن أصحابهم ولا لشيءٍ ممَّا معهم، وأن يعوَّض الصالحُ إسماعيل عن دمشق ببعلبك وبُصرى وأعمالها، وجميع بلاد السواد، وأن يكون للمنصور حمص وتدمر والرحبة، فأجاب أمين الدولة وزير دمشق إلى ذلك، وحلف الصاحِبُ معين الدين وزير مصر لهم، فخرج الصالحُ إسماعيل والمنصور من دمشق، ودخل الصاحِبُ معين الدين في يوم الاثنين ثامن جمادى الأولى، ومنع الخوارزميَّة من دخول دمشق ودبَّرَ الأمير أحسَنَ تدبير، وأقطع الخوارزميَّة الساحلَ، وخطب بدمشق وبجامعِ دمشق وعامَّة أعمالها للمَلِك الصالح نجم الدين، وسلم أيضًا الأمير سيف الدين علي بن قلج قلعة عجلون لأصحاب الملك الصالح، وقدم إلى دمشقَ، فلما وردت الأخبارُ بذلك على الملك الصالح نجم الدين أنكر على الطواشي شهاب الدين والأمراء كيف مكَّنوا الصالح إسماعيل من بعلبك، وقال: إنَّ الصاحِبَ معين الدين حَلَف له، وأما أنتم فما حلفتم، وأمَرَ الملك الصالح نجم الدين أن يسيرَ ركن الهيجاوي، والوزير أمين الدولة السامري، تحت الحوطة إلى قلعة الروضة، فسُيِّرَا من دمشق إلى مصر، واعتُقِلا بقلعة الجبل فاتفق مرض الصاحبِ معين الدين ووفاته بدمشق، في الثاني والعشرين من شهر رمضان، فكتب السلطان إلى الأمير حسام بن أبي علي الهذباني، وهو بنابلس، أن يسير إلى دمشق ويتسلمها، فسار إليها وصار نائبًا بدمشق، والطواشي رشيد بالقلعة.
وُلِدَ الشيخ حسنين في حي باب الفتوح بالقاهرة في (16 من رمضان 1307هـ / 6 من مايو 1890م)، وتَعهَّدَه أبوه بالتربية والتعليم، فما إن بلغ السادسةَ حتى دفَعَ به إلى مَن يُحَفِّظه القرآنَ الكريم، وأتمَّه وهو في العاشرة على يد الشيخ محمد علي خلف الحسيني شيخ المقارئ المصرية، وهيَّأه أبوه للالتحاق بالأزهر، فحفَّظه متونَ التجويد، والقراءات، والنحو، ثم التحق بالأزهر، وهو في الحاديةَ عَشْرةَ من عمره، وتلقَّى العلم على شيوخ الأزهر، من أمثال الشيخ عبد الله دراز، ويوسف الدجوي، ومحمد بخيت المطيعي، وعلي إدريس، والبجيرمي، فضلًا عن والده الشيخ محمد حسنين مخلوف، ولمَّا فتحت مدرسةُ القضاء الشرعي أبوابَها لطلاب الأزهر، تقدَّم للالتحاق بها، وتخرَّج بعد أربع سنواتٍ حائزًا على عالِميَّة مدرسة القضاء سنةَ (1332هـ / 1914م)، وبعد التخرُّج عمل الشيخ حسنين مخلوف بالتدريس في الأزهر لمدة عامَينِ، ثم التحقَ بسلك القضاء قاضيًا شرعيًّا في قنا سنةَ (1334هـ / 1916م)، ثم تنقَّل بين عدَّة محاكمَ في "ديروط"، و"القاهرة"، و"طنطا"، حتى عُيِّن رئيسًا لمحكمة الإسكندرية الكلية الشرعية سنةَ (1360هـ / 1941م)، ثم رُقِّيَ رئيسًا للتفتيش الشرعي بوزارة العدل سنةَ (1360هـ / 1942م)، ثم عُيِّنَ نائبًا لرئيس المحكمة العُليا الشرعية سنةَ (1363هـ / 1944م)، حتى تولَّى منصبَ الإفتاء في (3 من ربيع الأول 1365هـ / 5 من يناير 1946م)، وظلَّ في المنصب حتى (20 من رجب 1369هـ / 7 من مايو 1950م)، عندما بلغ انتهاءَ مدَّة خِدْمته القانونية، فاشتغل بإلقاء الدروس في المسجد الحسيني إلى أن أُعيد مرةً أُخرى ليتولَّى منصبَ الإفتاء سنةَ (1371هـ / 1952م)، واستمر فيه عامَينِ، وفي أثناء تولِّيه منصبَ الإفتاء اختير لعضوية هيئةِ كبارِ العلماءِ سنةَ (1367هـ = 1948م)، وبعد تَركه منصبَ الإفتاءِ أصبحَ رئيسًا للجنة الفَتْوى بالأزهر الشريف لمُدَّة طويلة، وكان عضوًا مؤسِّسًا لرابطة العالَم الإسلامي بالمملكة العربية السعودية، وشارَك في تأسيس الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، واختير في مجلس القضاءِ الأعْلى بالسعودية.
طالت الحياة بالشيخ حتى تجاوز المئةَ عامٍ، وتُوفيَ في 19 من رمضان 1410.
هو الخليفة أبو العباس عبدُ الله السَّفَّاح بن محمد الإمام بن علي السجاد بن عبد الله الحبر بن العباس، القرشيُّ الهاشمي أمير المؤمنين، وهو أول خلفاء العباسيين. ولِد السَّفاح سنة 105 بالحميمة ونشأ به وهي من أرض الشراة من أرض البلقاء بالشام. كان السَّفاح شابا، مليحا، مهيبا، أبيض، طويلا، وقورا. هرب أبو العباس مع أهله من جيش مروان الحمار، وأتوا الكوفة لما استفحل لهم الأمر بخراسان. حتى طُلِب أخوه إبراهيم، فقتَله مروان الحمارُ بحرَّان، فانتقلوا إلى الكوفة، فآواهم أبو سلمة الخلال في سرب بداره. بويع أبي العباس السفاح بالخلافةِ بعد مقتل أخيه إبراهيم في حياة مروان سنة ثِنتين وثلاثين ومائة، توفي بالجدري بالأنبار، وكان عمره ثلاثًا وثلاثين سنة. وقيل: ثمانيًا وعشرين سنة. وكانت خلافته أربع سنين وتسعة أشهر.
بايع أهلُ بغداد إبراهيمَ بن المهدي بالخلافة، ولقَّبوه المبارك، وخلعوا المأمون، وبايعه سائِرُ بني هاشم، فكان المتولِّي لأخذ البيعةِ المطَّلِب بن عبدالله بن مالك، فكان الذي سعى في هذا الأمر السِّندي، وصالحًا صاحِبَ المصلَّى، ونَصيرًا الوصيفَ، وغيرَهم؛ غضبًا على المأمونِ حين أراد إخراجَ الخلافة من ولَدِ العباس، ولِتَركِه لباسَ آبائِه من السَّواد. فلما فرغَ مِن البيعةِ وعد الجُندِ رِزقُ سِتَّة أشهر، ودافَعَهم بها فشَغَّبوا عليه، فأعطاهم لكلِّ رجلٍ مائتي درهم، وكتب لبعضِهم إلى السَّوادِ بقيَّة مالهم حنطةً وشعيرًا فخرجوا في قبضها فانتهبوا الجميعَ، وأخذوا نصيبَ السُّلطانِ وأهلِ السواد، واستولى إبراهيمُ على الكوفة والسوادِ جميعِه، وعسكَرَ بالمدائن، واستعمل على الجانبِ الغربيِّ مِن بغداد العباسَ بنَ موسى الهادي، وعلى الجانب الشرقيِّ منها إسحاقَ بن موسى الهادي.
هو بغا الكبير أبو موسى التركي، مُقَدَّمُ قُوَّادِ المتوكِّل وأكبَرُهم، كان شجاعًا مِقدامًا وله همَّةٌ عالية وهيبة، ووقْعٌ في النُّفوسِ، وكان مملوكًا للحسن بن سهل الوزير، وكان يُحمَّق ويجهَّل في رأيه، أسهم في اغتيالِ الخليفة المتوكِّل، ثم سيطر على الخليفة المستعين الذي لم يكُنْ له من الأمر شيءٌ غير الاسم، فغَلَب على المستعين هو ووصيفُ الأمير، حتى قيل: خليفةٌ في قفصٍ بين وصيف وبغا ** يقول ما قالا له كما يقولُ البَبَّغا. له عِدَّةُ فتوحات ووقائع، باشر الكثيرَ من الحروب فما جُرِح قط، وخلَّف أموالًا عظيمة، وكان بغا دَيِّنًا من بين الأتراك، وكان من غِلمانِ المعتصم، يشهد الحروبَ العظام، ويباشِرُها بنفسه، فيخرجُ منها سالِمًا، ويقول: الأجَلُ جوشن، مرض بغا الكبير في جمادى الآخرة فعاده المستعينُ في النصف منها، ومات بغا من يومِه عن سن ستين سنة، فعقد المستعين لموسى بن بغا على أعمالِه وعلى أعمالِ أبيه كلِّها، وولي ديوانَ البريد.
هو أبو شُعَيب- وقيل: أبو جعفر- محمد بن نُصَير بن بكر النميري البصري، أحد نوَّاب الإمام المنتظَر عند الرافضة في فترة الغَيبة الصغرى. إليه تُنسَبُ الفرقةُ النصيرية، وهي من الفِرَق الباطنيةِ من غُلاة الشيعة، زعم ابنُ نصير هذا أنَّه الباب إلى الإمامِ الحسن العسكري، أي: أنَّه الإمام والمَرجِعُ من بعده، ثم ادَّعى ألوهيَّةَ علي بن أبي طالب، وأنه هو الذي أرسلَه للنَّاسِ رسولًا، قال بالتناسُخِ وأنَّ المؤمِنَ يتحَوَّلُ إلى سَبعِ مراحِلَ قبل أن يأخُذَ مكانه بين النجوم، وأما الشِّريرُ فيُنسَخ إلى نصراني أو يهودي أو مُسلم حتى يتخَلَّصَ من الكفرِ أو يتحَوَّلَ إلى كِلابٍ وبغال وحمير، وقيل: بل هؤلاء الذين لا يعبدون عليًّا، وإباحة المحارم، والخَمر، والنُّصيرية اليوم قبائِلُ موزعة غالِبُها في جبال العلويين في أطرافِ الساحل الغربي لسوريا، ولواء إسكندرون بتركيا وكردستان وإيران.
مَرِضَ مُعزُّ الدولة بن بُوَيه بانحصارِ البَولِ، فقَلِقَ من ذلك وجمَعَ بين صاحبه سبكتكين ووزيره الحسَن المهلبي، وأصلح بينهما ووصَّاهما بوَلَدِه بختيار خيرًا، ثم عوفيَ مِن ذلك فعزم على الرَّحيلِ إلى الأهواز لاعتقادِه أنَّ ما أصابه مِن هذه العِلَّة بسبَبِ هواءِ بغداد ومائِها، فأشاروا عليه بالمُقام بها، وأن يبني بها دارًا في أعلاها حيث الهواءُ أرَقُّ والماءُ أصفى، فبَنى له دارًا غرِمَ عليه ثلاثة عشر ألف ألف درهم، فاحتاج لذلك أن يصادِرَ بعضَ أصحابِه، ويقال أنفقَ عليها ألفي ألف دينار. قال ابن كثير: " ومات وهو يبني فيها ولم يَسكُنْها، وقد خَرَّبَ أشياءَ كثيرةً مِن معالم الخُلَفاءِ ببغداد في بنائها، وكان ممَّا خَرَّب المعشوق من سُرُّ مَن رأى، وقَلَعَ الأبواب الحديد التي على مدينة المنصورِ والرَّصافة وقصورها، وحَوَّلها إلى داره هذه لا تمَّتْ فَرحتُه بها، فإنَّه كان رافضيًّا خبيثًا "
مَلَكَ سبكتكين مدينةَ غزنة وأعمالَها، وكان ابتداءُ أمرِه أنَّه كان مِن غِلمانِ أبي إسحاقَ بنِ البتكين، صاحِبِ جيش غزنة للسامانية، وكان مقَدَّمًا عنده، وعليه مدارُ أمرِه، وقدِمَ إلى بُخارى، أيَّامَ الأمير منصور بن نوح، مع أبي إسحاق، فعَرَفَه أربابُ تلك الدولة بالعقلِ والعفَّة، وجودةِ الرأي والصَّرامة، وعاد معه إلى غزنة، فلم يلبثْ أبو إسحاق أن توفِّيَ، ولم يخَلِّفْ من أهلِه وأقاربه من يصلُحُ للتقَدُّم، فاجتمع عسكَرُه ونظروا فيمن يلي أمْرَهم، ويجمَعُ كَلِمتَهم، فاختلفوا ثمَّ اتَّفَقوا على سبكتكين؛ لِما عَرَفوه من عقلِه ودينِه ومروءتِه، وكمالِ خِلالِ الخير فيه، فقَدَّموه عليهم، ووَلَّوه أمرَهم، وأطاعوه فوَلِيَهم، وأحسَنَ السِّيرةَ فيهم، وساس أمورَهم سياسةً حَسَنةً، وجعل نفسَه كأحدِهم في الحالِ والمال، وكان يدَّخِرُ من إقطاعِه ما يعمَلُ منه طعامًا لهم في كلِّ أُسبوعٍ مَرَّتين.
هو إيلك الخان عليُّ بنُ نصر أحدُ مُلوكِ الكرخانيين _ إيلك الخان: لَقَبُ ملوك الكرخانيِّين التركي- وكان أيلك خان خيِّرًا عادلًا محبًّا للدِّينِ وأهله. دخَلَت قبائِلُ الكرخانيِّينَ في الإسلامِ في نهاية القَرنِ الرَّابعِ، وقد تمكَّنَ إيلك الخان أن يأخُذَ بُخارى وسمرقند من السَّامانيِّين، ثمَّ حاول أن يتوسَّعَ في خُراسان، لكِنَّ السُّلطانَ محمودَ الغزنوي هَزَمَه في أكثَرَ مِن موقعة. توفِّيَ إيلك الخان وهو يتجهَّزُ للعَودِ إلى خراسان، ليأخُذَ بثأره من يمينِ الدَّولة الغزنويِّ، وكاتَبَ قدرخان وأخاه طغان خان ليُساعِداه على ذلك، فلمَّا توفِّيَ وَلِيَ بَعدَه أخوه طغان، فراسَلَ يَمينَ الدَّولة وصالَحَه، وقال له: المَصلحةُ للإسلامِ والمُسلِمينَ أن تشتَغِلَ أنت بغزوِ الهند، وأشتَغِلَ أنا بغزو التُّركِ، وأن يَترُكَ بَعضُنا بعضًا، فوافق ذلك هواه، فأجابه إليه، وزال الخِلافُ، واشتغلا بغَزوِ الكُفَّار.
هو بهاءُ الدَّولةِ أبو نَصرِ بنُ عَضدِ الدَّولة بنِ بُوَيه الديلميُّ الشيعيُّ، وهو المتحَكِّمُ حينئذٍ بالعراقِ، خلع بهاءُ الدَّولةِ الخليفةَ الطائِعَ للهِ، ونصَبَ القادرَ باللهِ مَكانَه. بينما كان هو خاضِعًا للسُّلطانِ محمودِ بنِ سبكتكين، مُداريًا له، مُؤثِرًا لمُصافاتِه بحُكمِ الجِوارِ. كان مرَضُه الذي مات فيه تتابع الصَّرَع مثل مرَضِ أبيه، وكان موتُه بأرجان، وحُمِلَ إلى مشهد أميرِ المؤمنين عليٍّ، فدُفِنَ عند أبيه عَضُدِ الدَّولة، وكان مُلكُه 24 سنة، وقيل 22 سنة، وعمره 42 سنة و9 أشهر، ولَمَّا توفِّيَ وَلِيَ المُلكَ بعده ابنُه سلطان الدَّولة أبو شُجاع، وسار من أرجان إلى شيراز، وولَّى أخاه جلالَ الدَّولةِ أبا طاهر بنَ بهاء الدَّولة البَصرةَ، وأخاه أبا الفوارِسِ كرمان. بقيَ أبو شجاعٍ في المُلكِ 12 سنة، وأَخَذَت الدَّولةُ البُويهيَّة تتناقَصُ خِلالَها.
أُلْزِمَ الرَّوافِضُ بِتَركِ الأذانِ بحَيّ على خَيرِ العَملِ، وأُمِروا أن يُنادِي مُؤذِّنُهم في أذانِ الصُّبحِ، وبعدَ حَيَّ على الفَلاحِ: الصَّلاةُ خَيرٌ مِن النَّوْم. مَرَّتينِ، وأُزِيلَ ما كان على أَبوابِ المساجدِ ومَساجِدِهم مِن كتابة: محمدٌ وعَلِيٌّ خَيرُ البَشرِ. ودَخلَ المُنشِدونَ من بابِ البَصرَةِ إلى بابِ الكَرخِ، يُنشِدونَ بالقَصائدِ التي فيها مَدحُ الصَّحابَةِ، وذلك أنَّ نَجْمَ الرَّافِضَة اضْمَحَلَّ، لأنَّ بني بُويه كانوا حُكَّامًا، وكانوا يُقَوُّونَهُم ويَنصُرونَهُم، فزالوا وبادوا، وذَهبَت دَولتُهم، وجاء بَعدَهم قَومٌ آخرون مِن الأَتراكِ السَّلجوقِيَّة الذين يُحِبُّونَ أَهلَ السُّنَّةِ ويُوالونَهُم ويَرفَعون قَدرَهُم، واللهُ المَحمودُ أبدًا على طُولِ المَدَى. وأَمَرَ رَئيسُ الرُّؤساءِ الوالي بِقَتلِ أبي عبدِ الله بن الجَلَّابِ شَيخِ الرَّوافِض، لِمَا كان تَظاهَر به من الرَّفْضِ والغُلُوِّ فيه، فقُتِلَ على بابِ دُكَّانِه، وهَرَب أبو جَعفرٍ الطُّوسيُّ ونُهِبَت دارُه.
غَرِقَ الجانبُ الشرقيُّ وبعضُ الغربيِّ من بغداد، وسَببُه أن دِجلَة زادت زِيادةً عَظيمةً، وانفَتَح القَوْرَجِ عند المُسَنَّاةِ المُعِزِّيَّةِ، وجاء في الليلِ سَيْلٌ عَظيمٌ، وطَفحَ الماءُ من البَرِّيَّةِ مع رِيحٍ شَديدةٍ، وجاء الماءُ إلى المنازِلِ من فَوق، ونَبعَ من البَلاليعِ والآبارِ بالجانبِ الشرقيِّ، وهَلَكَ خَلْقٌ كَثيرٌ تحت الهَدْمِ، وشُدَّت الزَّواريقُ تحتَ التَّاجِ خَوْفَ الغَرَقِ، وقام الخَليفةُ يَتَضرَّع ويُصلِّي، وعليه البُردَةُ، وبِيَدِه القَضيبُ، وأتى ايتكين السُّليمانيُّ من عُكبرا، فقال للوَزيرِ: إنَّ المَلَّاحِينَ يُؤذونَ الناسَ في المَعابِر فأَحضَرَهم، وتَهدَّدَهُم بالقَتْلِ، وأَمرَ بِأَخْذِ ما جَرَت به العادةُ، وأُقيمَت الخُطبةُ للجُمعةِ في الطَّيَّارِ -نوع من الزَّوارِق سَريع الجَرَيان- مَرَّتينِ، وغَرِقَ من الجانبِ الغربيِّ مَقبرةُ أَحمدَ بنِ حَنبل، ومَشهدُ بابِ التِّبْنِ، وتَهدَّم سُورُهُ، فأَطلَقَ شَرفُ الدولةِ ألفَ دِينارٍ تُصرَف في عِمارَتِه، ودَخلَ الماءُ من شَبابيكِ البيمارستان العَضُدِيِّ.
توفِّيَ الملك رضوان بن تاج الدولة تتش بن ألب أرسلان، صاحب حلب، وقام بعده بحلب ابنه ألب أرسلان الأخرس، وعمره ست عشرة سنة، وكان القيِّمُ عليه لؤلؤًا الخادم، وكانت أمور رضوان غير محمودة؛ قَتَل أخويه أبا طالب وبهرام، وكان يستعين بالباطنية في كثير من أموره لقِلَّة دينه، وكان الباطنية قد كثُروا بحلب في أيامه، حتى خافهم ابن بديع رئيس حلب، وأعيان أهلها، فلما توفي الملك رضوان قال ابن بديع لألب أرسلان بن رضوان في قَتْل الإسماعيلية والإيقاع بهم، فأمره بذلك، فقَبَض على مُقدَّمِهم أبي طاهر الصائغ، وعلى جميع أصحابه، فقتل أبا طاهر وجماعةً من أعيانهم، وأخذ أموال الباقين وأطلقهم؛ فمنهم من قصد الفرنج، وتفرقوا في البلاد، وسار أكثرهم إلى دمشق، وتولى تنظيم أمورهم فيها زعيم له اسمه بهرام.
سار الحاجب علي حسام الدين، وهو النائب عن الملك الأشرف بخلاط، والمقدَّم على عساكرِها، إلى بلاد أذربيجان فيمن عندَه من العساكر، وسببُ ذلك أنَّ سيرة جلال الدين كانت جائرةً، وعساكرُه طامعةً في الرعايا، وكانت زوجتُه ابنةَ السلطان طغرل السلجوقي، وهي التي كانت زوجةَ أوزبك بن البهلوان، صاحب أذربيجان، فتزوجَّها جلال الدين، وكانت مع أوزبك تحكُم في البلاد جميعها، ليس له ولا لغيره معها حكمٌ، فلما تزوجها جلال الدين أهملها ولم يلتَفِتْ إليها، فخافته مع ما حُرِمَته من الحكم والأمر والنهي، فأرسلَت هي وأهل خُوَيٍّ إلى حسام الدين الحاجب يستدعونَه ليسَلِّموا البلاد، فسار ودخل البلاد، بلاد أذربيجان، فمَلَك مدينة خوي وما يجاورها من الحصون التي بيد امرأة جلال الدين، وملك مَرَنْدَ، وكاتبه أهلُ مدينة نقجوان، فمضى إليهم، فسَلَّموها إليه، وقَوِيَت شوكتُهم بتلك البلاد.